إيلـي فــواز/من المستفيد من فوضى العالم العربي

286

من المستفيد من فوضى العالم العربي؟
إيلـي فــواز/لبنان الآن/13 أيار/15

من المستفيد من هذه الفوضى العارمة التي تضرب المنطقة العربية من اليمن الى لبنان ومن العراق مروراً بليبيا وصولاً الى سوريا؟ من المؤكد أنها ليست دول الخليج، التي تخشى الفوضى لعدة أسباب، أهمها خشيتها من عدوتها التي تهدد استقرارها وأنظمتها.

القوميون العرب والقوميون الإيرانيون سيقولون لك سريعاً اسرائيل مستفيدة من دون عناء تفكير، كردة فعل غير إرادية على سنين من التكرار الممنهج والممل استُعمل كاأفيون للشعوب، حيث ينسبون لإسرائيل كل مآسي المنطقة، ويعلنون أنها مصدر فشلهم في الحكم.

البعض سيقول الولايات المتحدة، على اساس أنها تريد إعادة رسم خريطة الشرق الاوسط. سيذكرون ايضاً كيسنجر ومخططه. وبين هذه الحجة وتلك يبقى السؤال لهولاء المنظّرين، لماذا إذاً قامت الثورات العربية ضد الأنظمة الحاكمة؟ وما علاقة إسرائيل أو الولايات المتحدة بالفقر الذي ضرب شعوبنا، وبالقهر الذي اطبق عليها، وبالظلم الذي لحق بها والحرمان الذي عاشت فيه؟ لماذا الشعارات التي رفعها الشباب في مدن العرب طالبت “بإسقاط النظام”، ولم تصرخ الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل؟

ولنقل إن إسرائيل او الولايات المتحدة تستفيد من هذه الفوضى بشكل غير مباشر، ان كان عبر تراجع الاهتمام بالقضية الفلسطينية، او من خلال بيع السلاح والخبرات الى دول ومجموعات تشتريها لحماية وجودها، يبقى ان المستفيد الاول من هذه الفوضى هي الحركات الجهادية في فرعيها السنّي والشيعي، اي القاعدة وداعش، وأيضاً حزب الله و الميليشيات الشيعية. فالأوضاع المأساوية المتردية، والمعاناة الانسانية والاقتصادية، بالإضافة الى البعد المذهبي للصراعات القائمة وتذويب مفهوم الدولة، تعطي تلك الحركات هامشاً كبيراً للعمل بحرية، وبالتالي تثبيت نفسها على ارض الواقع، بشكل لا يمكن تجاوزها كلما طال أمد الفوضى. فسقوط الدول والمؤسسات كما في العراق وسوريا مثلاً، او ضعفها كما في لبنان واليمن، فتح الطريق واسعاً أمام تطور ونمو الحركات الجهادية، ومكّنها من السيطرة والحكم. حتى اصبحت بعض تلك الحركات الأغنى في العالم كما حال داعش، او حتى أقوى من جيوش كما حال حزب الله.

ما يهمنا في هذا السياق هو لبنان.

فمعركة القلمون هي افضل دليل على ما تقدم، مع العلم انها ليست الاولى التي يخوضها حزب الله في سوريا، ولكنها الاولى التي ليست لديها حجة لبنانية. فمعركة القصير قيل انها لحماية شيعة لبنانيين مقيمين فيها، و”عملية” الطفيل كانت “وطنية”. اما في القلمون فحزب الله يتخطى الحدود، ويتخطى الحكومة والدولة “دفاعاً عن لبنان”، فيحشد لتلك المعركة آلاف “المجاهدين”، ويفتح مخازن الأسلحة المتطورة والصواريخ البعيدة المدى، خاصة حيفا وما بعدها، ويزّيت دباباته، وينشئ مطاراً حربياً في الهرمل، ويجنّد اعلامه وبيئته وينطلق.

يصرّح الرئيس سعد الحريري إن حزب الله يتحمل تبعات تلك المعركة، وأن لبنان، حكومة وجيشاً وأكثرية شعبية، غير معني بالدعوات الى القتال وتنظيم المعارك في جبال القلمون.

ومع هذا يعلن حزب الله انه بدأ بالانتشار في منطقة جسر الشغور تمهيداً لمحاولة استعادتها من يد الثوار. اذاً نحن امام معادلة بسيطة هنا: دولة عاجزة امام حزب مقتدر، ودولة لا تستطيع حيث الحزب قادر.  اسرائيل في نهاية الأمر يهمها تأمين حدودها، إن كان من خلال نظام البعث او اي منظومة اخرى، اما دول الخليج مهتمون بإبعاد الفوضى عنهم قدر المستطاع، ويبقى تلك القوى غير النظامية والعابرة للحدود الجغرافية التي تستفيد قدر المستطاع من الفوضى العارمة، إما لتثبيت الهلال الشيعي او لإقامة دولة الخلافة.

لبنان اصبح رسمياً في مصاف اللادول، خاصة بعد مشاركة حزب الله في معركة القلمون. واستطراداً قد يكون هناك هدفٌ مخفي من اغتيال رفيق الحريري، ىهو القضاء على الرجل الذي كان باستطاعته القيام ببناء دولة، لم تكن لتتناسب مع مخططات ايران في اقامة هلال شيعي يوليها الأمر من دون اعتراض، او تفاوض، او تحالف ما. ولكن يبقى ان جزءًا كبيراً من اللبنانيين لا يريدون الخضوع لحزب الله ولا لسياساته ولا قراراته، ولا يريدون دفع ثمن عداواته. فما العمل؟ ما كشفته معارك القلمون انه لا يوجد دولة في لبنان لها قرارها الذي يلزم الجميع. وطالما حزب الله قائم بالشكل الذي هو فيه، لن يكون هناك دولة فاعلة او عادلة او قادرة. ما كشفته معارك القلمون انه ربما حان موعد اللبنانيين مع التقسيم…. فليأخذ حزب الله جمهوره حيث يريد ويشاء ويرغب، ولتأخذ البقية مجرد مرقد عنزة حر في جبل لبنان…