داود البصري/عصابات إيران العراقية والحرب الطائفية!

260

عصابات إيران العراقية والحرب الطائفية!
داود البصري/السياسة/09 أيار/15

لم يمر العراق منذ أن تشكل بشكله الحديث والمعاصر عام 1921 بأزمة هوية وأخلاق, مثل ما هو عليه واقع الحال اليوم?, فالفوضى سيدة الموقف, والجموع الشعبية الهائجة تسير بلاهدى وسط حالات فظيعة من التخبط الدموي, والانهيار السلوكي, وتدهور العقيدة الوطنية الجامعة المانعة! والبلد قد تحول لأشلاء متصارعة تتناهبها المطامع والصراعات الفئوية والطائفية الرثة التي حولت العراق لقطعة من الجحيم ولميدان معارك يومية متنقل, ولبركان هائج يأبى الخمود.

فمنذ نكبات وكوارث صيف العام الماضي 2014 التي ضيعت ثلث الأراضي العراقية وسلختها عن سيادة الدولة المركزية بعد سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية على محافظة الموصل وأجزاء واسعة من صلاح الدين وشمال غرب العراق, وانهيار المؤسسة العسكرية الحكومية العراقية, والعراق يتدحرج ويصعد الهاوية باستمرار, فيما جموعه الشعبية تسابق الزمن في مهرجان وكرنفال الحرب الطائفية المروعة التي تشكلت أجنحتها, وتكرست حقائقها, وترسخت أسسها مع فتوى الحشد الكفائي التي نقلت الصراع ووسعت آفاقه ليكون نزاعا طائفيا دمويا لعبت به “الأجندات الإيرانية والدعاوى الفئوية والأغراض الإقليمية المشبوهة, دورا مركزيا في تفعيل وتعزيز ماكينة الحرب الأهلية التي كانت تستعر وتخبو منذ عام 2005 ولكن بوتائر وصيغ وأساليب مختلفة.

لقد تطور النزاع الأهلي في العراق بعد هيمنة حزب “الدعوة” الطائفي وتحت إدارة نوري المالكي, ليمارس الأخير دورا رئيسيا في تأجيج ملفات الصراع الداخلي باحتقاره وكراهيته للمكون السني تحديدا, ولدمويته المفرطة في التعامل مع الإحتجاجات الشعبية والاعتصامات الجماهيرية التي اتخذت لاشهر عدة طابعا سلميا يهدف للإصلاح ولرفع المظالم, ولتعديل صورة التوافق الوطني قبل أن يجعلها المالكي حالة دموية بشعاراته الطائفية الزاعقة, وبممارساته العدوانية وسفكه للدماء واحتقاره للجماهير, مما ولد حالة من الاحتقان توجت بأحداث الموصل صيف 2014 وتقدم “تنظيم الدولة” وتعقيد حالة الصراع, ومن ثم الدخول الإيراني المباشر على الخط من خلال تعبئة العصابات الطائفية ورفدها بالمال والسلاح ومحاولة جعلها بديلا عن الدولة وأجهزتها الأمنية بدواعي الشعارات والمرجعيات الطائفية, وهو ماخلق احتقانا طائفيا كانت أسبابه ودواعيه وعوامله مختفية تحت ركام الأحداث, وفعل من حالة الحرب الطائفية التي تزايد حطب نيرانها المهول ليوسع مساحات القبور في العراق في معارك متنقلة بلغت الذروة في ديالى وتكريت التي بلغ العنف والنهب والموت فيها مبلغا مؤسفا ومدمرا وشاملا, واليوم في الأنبار حيث تدور رحى معارك مهلكة تكبدت فيها جميع أطراف الصراع خسائر مروعة من الشباب والموارد, ورسمت على الرمال العراقية خطوط دموية حمراء لمخططات تقسيم كانت موجودة في الساحة ومعروفة أبعادها ومراميها وهي اليوم موضع التنفيذ والتطبيق الميداني. لقد رسخت المعارك الداخلية حقيقة ميدانية تمثلت في نهاية هيبة الدولة وضعفها وهوانها وعدم قدرتها على حماية مواطنيها, مع زيادة الانقسام المفجع في المجتمع والانهيار الأمني والاقتصادي الذي يهدد بتحويل العراق دولة مفلسة, وأهم التطورات هو الخضوع المطلق للإرادة والأجندة الإيرانية من خلال هيمنة مؤسسة الحرس الثوري الإيراني على إدارة ملفات الصراع الداخلي عبر الهيمنة على قيادة مايسمى الحشد الشعبي الذي تسيره أحزاب وجماعات وقيادات هم مجرد أتباع للنظام الإيراني وينفذون أجندته ولا علاقة لهم بالحكومة العراقية, بل يتلقون أوامرهم من قادتهم الإيرانيين والذين أضحوا أدوات بأيدي إيران يحركونها وفقا للمصالح والإرادة الإيرانية, فقد شهدت معارك تكريت قبل أسابيع تدفقا مذهلاً لقيادات الحرس الثوري, سقط فيها خمسة من كبار جنرالاتهم العقائديين, وأدى قائد فيلق القدس الحرسي السردار قاسم سليماني دور المايسترو في توجيه وقيادة عناصر الحشد وعصاباته, لينسحب تكتيكيا من الساحة ثم يعود من جديد, وبطلب من الحكومة العراقية هذه المرة بعد أن عجزت عن السيطرة على تنظيمات الحشد وابرزها عصابات “العصائب” وكتائب “حزب الله” و”فيلق بدر” وعصابة “أبي الفضل” وغيرها العشرات من الأسماء والمسميات التي ضمت أسماء عريقة في الإرهاب الدولي, مثل الإرهابي الدولي جمال جعفر ( أبو مهدي المهندس ).

تلك العصابات المنفلتة التي وصفها مقتدى الصدر ذاته بالميليشيات الوقحة مارست من الجرائم الطائفية الشيء الكثير, وهي اليوم بصدد المشاركة الفاعلة في دعم الأجندة الإيرانية في الصراع الشرق أوسطي من خلال تمددها في المناطق السنية العراقية ومحاولتها تغيير الهوية السكانية, والديموغرافية بقوة البلطجة الإيرانية, وتوسيع مساحات وجودها, لتطل مباشرة على حدود العراق الدولية مع الأردن والسعودية, كما حصل أخيراً في النخيب التابعة للأنبار والتي يحاولون ضمها لكربلاء. وسط أجواء مرعبة من صيحات الثأر والانتقام الطائفي ومن مجازر يومية مروعة. من الواضح إن الدولة العراقية ستتهاوى بالكامل إن لم تتم السيطرة على إدارة العمليات العسكرية, والميليشيات الطائفية هي اليوم من أقوى الأسلحة الإيرانية في إشعال الحرب الطائفية في عموم الشرق… وما زالت نيران الفتنة العراقية تتصاعد.