الـيـاس الزغـبـي/العدّ العكسي

251

العدّ العكسي
الـيـاس الزغـبـي/لبنان الآن/09 أيار/15

لا يختلف مراقبان حول طبيعة الانتكاسات التي مُنيت بها “جبهة الممانعة والمقاومة” خلال الأسابيع القليلة الفائتة، من سوريّا إلى اليمن مروراً بالعراق و … لبنان.

إنتكاسات بالجملة ميدانيّة وسياسيّة، حاولت إيران وفرعاها الأسد و”حزب الله” أن يضعوها في خانة الكرّ والفرّ، وفي معادلة التعاقب بين الربح والخسارة.

في الواقع، لم يكن سقوط إدلب وجسر الشغور تفصيلاً بسيطاً في حرب طويلة، بل إنذار قوي لإضعاف النظام على أعتاب داره وأبواب مثلّث حماه وحمص واللاذقيّة، ودمشق في مرحلة متقدّمة.

وليست معركة القلمون السوري الآن، ولو بالتقسيط والقضم، سوى محاولة ردّ اعتبار، وعمليّة صعبة للاحتفاظ بخط دمشق حمص نحو الساحل سليماً. ولا شيء يضمن تحقيق ذلك. وليس في الموازين العسكريّة الراهنة ما يؤكّد نجاح النظام وميليشياته مع المليشيات الإيرانيّة واللبنانيّة والأفغانيّة وفلول العراقيّة.

وفي اليمن، وضع إيران ليس أفضل مع بدء التغيير النوعي في عمليّات التحالف العربي، والانتقال بها إلى مرحلة مختلفة ميدانيّاً.

وفي العراق، ارتباك إيراني ضمن المربّع الشيعي نفسه، فضلاً عن العلاقة مع المربّعات الكرديّة والسنيّة.

إضافةً إلى هموم طارئة داخل إيران مع المكوّن الكردي والسنّي.

وفي السياسة، لم تتحقّق الوعود التي قطعتها إيران لنفسها في قبض أثمان تراجعها في الملفّ النووي حتّى الآن. ولا شيء يشي بتحقّقها لاحقاً، خصوصاً ما كانت تمنّي النفس به على مستوى إطلاق يدها في مراكز النفوذ التي قضمتها في “عواصمها الأربع”: بغداد، دمشق، بيروت وصنعاء.

ولا نبالغ إذا قلنا إنّ هذا النفوذ يتآكل بتآكل الأذرع التي يستخدمها، وفي مقدّمها ذراعا الأسد و”حزب الله”. وإذا نظرنا بهدوء إلى الذراع الأقرب “حزب الله”، نلمس بوضوح وضعه المتجه نحو الضمور والتراجع، لئلاّ نقول نحو الهزيمة. فداخل لبنان، يكاد يغرق في عزلة شاملة، حتّى وهو إلى طاولة الحوار مع “تيّار المستقبل”، وليس خافياً خفوت بل اختناق الأصوات التي اشتراها خلال السنوات العشر الفائتة، وتردّدها في الدفاع عنه. حتّى أنّ الصوت الأكثر كلفةً وثمناً وارتهاناً، الصوت العوني، يرتبك ويخجل في تبرير حروب المشروع الإيراني المتهاوي. ولا نرى ميشال عون يرفع عقيرته كالعادة في تبنّي مغامرات “حزب الله” و”انتصاراته الإلهيّة”، حتّى بعد جلسة سحر المندل الأخيرة مع حسن نصرالله. فإذ به يهرب إلى الشؤون المحليّة المصلحيّة التي تهمّه في مغانم السلطة. أمّا خارج لبنان، وفي الورطة السوريّة المريرة، فتقلّصت طموحات نصرالله، على لسانه وألسنة وسائطه الإعلاميّة، وكأنّه يسعى إلى إنقاذ ماء الوجه في عجزه مع حليفه الأسد عن حسم معركة القلمون، فتحوّلت إلى هدير إعلامي أكثر منه ميداني، وإلى تحسين مواقع أكثر ممّا هي اجتياح، وأصبح الهمّ هو الردّ على مضخّميّ أعداد قتلاه! ولعلّ فشله الأكبر يتمثّل في عجزه، إلى الآن على الأقلّ، عن توريط الجيش اللبناني خارج الحدود اللبنانيّة، كما كان يشتهي ويريد. وقد اتضح بالملموس ما كانت هذه المقالات هنا تؤكّده حول موقع الجيش وانتمائه، وطبيعة انتسابه إلى نقاط التقاطع بين الجيوش العربيّة والغربيّة، وسقوط محاولات تنسيبه بالقوّة إلى تقاطع جيوش وميليشيات “الممانعة”. وليس تفصيلاً أن يكون الجيش في موقعه السليم تمويلاً وتسليحاً وتدريباً وعقيدةً. وليس تفصيلاً كذلك اشتراكه في مناورات التحالف الغربي العربي، وحضور قائده كلّ اجتماعات رؤساء أركان هذا التحالف.

لا شكّ في أنّ هذه الحقائق تصفع رهانات “حزب الله” وتصدم المشروع الإيراني، وليس مستبعداً أن نشهد محاولات انتقام أو تخريب، أو التأثير على منعة الجيش ووحدته. ففي حين كانت هناك رهانات على خروج مكوّن مذهبي معيّن على الجيش تحت الضغوط، ربّما ستحدث ضغوط في اتجاه معاكس على مكوّن مذهبي نقيض. وفي الحالين، هذه الرهانات ستسقط أيضاً. والقائمون بها سيسقطون في مزيد من العزلة. ولا نكون نحلم إذا توقّعنا بداية تفكّك منظومة “الممانعة” التي أرهقت طويلاً الدولة اللبنانيّة والشعب اللبناني، سياسيّاً وأمنيّاً وعسكريّاً واقتصاديّاً. ولا نكون نهذي إذا توقّعنا بداية العدّ العكسي من .. القلمون