عيد بشارة مريم العذراء

1334

عيد بشارة مريم العذراء/من أرشيف عام 2015

فؤاد أفرام البستاني من كتاب معاني الأيام
العيد هو عيد بشارة الملاك للعذراء كريم التي تذكرها الكنيسة في هذا اليوم الخامس والعشرين من آذار. ويرقى هذا التذكار إلى القرن الرابع، منذ أن جرى المسيحيون على الاحتفال بعيد الميلاد في 25 كانون الأول، بدل 6 كانون الثاني. فبدا طبيعياً أن يُحتفل بذكرى البشارة تسعة أشهر قبل ذلك، أي في 25 آذار. ويضيف الكلندار الماروني ذكرى ثانية للبشارة الأحد الواقع قبل الميلاد بخمسة أسابيع. وقد جرى التقليد اللبناني على أن يهنا بهذا العيد خاصة كل من اسمه بشارة، أو بشير، أو بشور، أو بشار.


الملاك جبرايل يبشر العذراء مريم/أَلرُّوحُ القُدُسُ يَحِلُّ عَلَيْكِ، وقُدْرَةُ العَلِيِّ تُظَلِّلُكِ

إنجيل القدّيس لوقا01/من26حتى38/:”وفي الشَّهْرِ السَّادِس (بعد بشارة زكريّا)، أُرْسِلَ المَلاكُ جِبْرَائِيلُ مِنْ عِنْدِ اللهِ إِلى مَدِينَةٍ في الجَلِيلِ ٱسْمُهَا النَّاصِرَة، إِلى عَذْرَاءَ مَخْطُوبَةٍ لِرَجُلٍ مِنْ بَيْتِ دَاودَ ٱسْمُهُ يُوسُف، وٱسْمُ العَذْرَاءِ مَرْيَم. ولَمَّا دَخَلَ المَلاكُ إِلَيْهَا قَال: «أَلسَّلامُ عَلَيْكِ، يَا مَمْلُوءَةً نِعْمَة، أَلرَّبُّ مَعَكِ!». فَٱضْطَربَتْ مَرْيَمُ لِكَلامِهِ، وأَخَذَتْ تُفَكِّرُ مَا عَسَى أَنْ يَكُونَ هذَا السَّلام! فقَالَ لَهَا المَلاك: «لا تَخَافِي، يَا مَرْيَم، لأَنَّكِ وَجَدْتِ نِعْمَةً عِنْدَ الله. وهَا أَنْتِ تَحْمِلينَ، وتَلِدِينَ ٱبْنًا، وتُسَمِّينَهُ يَسُوع. وهُوَ يَكُونُ عَظِيمًا، وٱبْنَ العَليِّ يُدْعَى، ويُعْطِيهِ الرَّبُّ الإِلهُ عَرْشَ دَاوُدَ أَبِيه، فَيَمْلِكُ عَلى بَيْتِ يَعْقُوبَ إِلى الأَبَد، ولا يَكُونُ لِمُلْكِهِ نِهَايَة!». فَقالَتْ مَرْيَمُ لِلمَلاك: «كَيْفَ يَكُونُ هذَا، وأَنَا لا أَعْرِفُ رَجُلاً؟». فأَجَابَ المَلاكُ وقالَ لَهَا: «أَلرُّوحُ القُدُسُ يَحِلُّ عَلَيْكِ، وقُدْرَةُ العَلِيِّ تُظَلِّلُكِ، ولِذلِكَ فٱلقُدُّوسُ ٱلمَوْلُودُ مِنْكِ يُدْعَى ٱبْنَ ٱلله! وهَا إِنَّ إِلِيصَابَاتَ نَسِيبَتَكِ، قَدْ حَمَلَتْ هيَ أَيْضًا بٱبْنٍ في شَيْخُوخَتِها. وهذَا هُوَ الشَّهْرُ السَّادِسُ لِتِلْكَ الَّتي تُدْعَى عَاقِرًا، لأَنَّهُ لَيْسَ عَلَى ٱللهِ أَمْرٌ مُسْتَحِيل!». فقَالَتْ مَرْيَم: «هَا أَنا أَمَةُ الرَّبّ، فَلْيَكُنْ لِي بِحَسَبِ قَوْلِكَ!». وٱنْصَرَفَ مِنْ عِنْدِها المَلاك.”

The angel Gabriel Delivers the Godly Message To Virgin Mary
Holy Gospel of Jesus Christ according to Saint Luke 01/26-38/:”In the sixth month the angel Gabriel was sent by God to a town in Galilee called Nazareth, to a virgin engaged to a man whose name was Joseph, of the house of David. The virgin’s name was Mary. And he came to her and said, ‘Greetings, favoured one! The Lord is with you.’ But she was much perplexed by his words and pondered what sort of greeting this might be. The angel said to her, ‘Do not be afraid, Mary, for you have found favour with God. And now, you will conceive in your womb and bear a son, and you will name him Jesus. He will be great, and will be called the Son of the Most High, and the Lord God will give to him the throne of his ancestor David. He will reign over the house of Jacob for ever, and of his kingdom there will be no end.’Mary said to the angel, ‘How can this be, since I am a virgin?’The angel said to her, ‘The Holy Spirit will come upon you, and the power of the Most High will overshadow you; therefore the child to be born will be holy; he will be called Son of God. And now, your relative Elizabeth in her old age has also conceived a son; and this is the sixth month for her who was said to be barren. For nothing will be impossible with God.’Then Mary said, ‘Here am I, the servant of the Lord; let it be with me according to your word.’ Then the angel departed from her.

التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكيّة
الفقرات 490 – 493
“السلام عليكِ، يا ممتلئة نعمة”
لكي تكون مريم أمّ المخلّص، “نفحها الله من المواهب بما يتناسب ومثل هذه المهمّة العظيمة”. فالملاك جبرائيل يحيّيها إبّان البشارة على أنّها “ممتلئة نعمة”. ولكي تستطيع أن توافق موافقة إيمانها الحرّة على البشارة بالدعوة التي دُعيت إليها، كان لا بدّ لها من أن تكون محمولة على نعمة الله. على مرّ العصور، وعت الكنيسة أنّ مريم “التي غمرتها نعمة الله”، قد افتديت منذ حُبل بها. هذا ما تعترف به عقيدة الحبل بلا دنس، التي أعلنها الباب بيوس التاسع سنة 1854: “إنّ الطوباويّة العذراء مريم قد صينت، منذ اللحظة الأولى للحبل بها، سليمة من كلّ لطخة من لطخات الخطيئة الأصليّة، وذلك بنعمة من الله الكلّي القدرة وبإنعام منه، نظرًا إلى استحقاقات يسوع المسيح مخلّص الجنس البشرى”. هذه “القداسة الرائعة والفريدة” التي “أغنيَت بها منذ اللحظة الأولى من الحبل بها”، تأتيها كلّها من المسيح: لقد “افتديت بوجه سام، باعتبار استحقاقات ابنها”. فوق كلّ شخص آخر مخلوق، “باركها الآب بكلّ أنواع البركات الروحيّة في السماوات، في المسيح” (أف1: 3). إنّه “أختارها فيه عن محبّة، من قبل إنشاء العالم، لتكون قدّيسة وبغير عيب أمامه” (أف1: 4).   آباء التقليد الشرقي يدعون والدة الإله “بالكليّة القداسة”، ويحتفلون بها على أنّها “معصومة من كلّ وصمة خطيئة، لأنّ الروح القدس عجنها، وكونها خليقة جديدة”. لقد لبثت مريم طول حياتها بريئة، بنعمة الله، من كلّ خطيئة شخصيّة.

عيد بشارة العذراء مريم
بقلم البطريرك المعظم مار إغناطيوس زكا الأول عيواص الكلي الطوبى
 «فدخل إليها الملاك وقال: السلام لك أيتها الممتلئة نعمة. الرب معك مباركة أنت في النساء… لا تخافي يا مريم لأنك وجدت نعمة عند اللّه وها أنت ستحبلين وتلدين ابناً وتسمينه يسوع، هذا يكون عظيماً وابن العلي يدعى ويعطيه الرب الإله كرسي داود أبيه، ويملك على بيت يعقوب إلى الأبد ولا يكون لملكه انقضاء»(لو 1: 28 ـ 33). ما أبهج الفجر وهو ينبلج نوراً وضياء بعد ليلة ليلى شديدة الظلمة. «ما أجمل على الجبال قدمي المبشر المخبر بالسلام، المبشر بالخير، المخبر بالخلاص»(اش 52: 7). ما أروع منظر الملاك جبرائيل وهو داخل إلى البيت البسيط الذي كانت تقطنه العذراء مريم في مدينة الناصرة، ليبشرها بالحبل الإلهي. أجل كانت السماء قد تلبّدت بغيوم الغضب الداكنة، وكانت الأرض مضطربة على أثر اللعنة التي أصابتها منذ سقوط الإنسان بالخطية، وتورطه بالتمرد على اللّه تعالى. وكان الإنسان يشقى في أرضه بعد أن طرد من فردوسه، ويتعزى بالوعود الإلهية بالعودة إلى وطنه السماوي. ومرت الدهور اثر الدهور، والإنسان بعيد عن خالقه. لأن البر والاثم لا يجتمعان، والقداسة والخطية لا تنسجمان، وبهذا الصدد يقول النبي أشعيا لبني البشر: «آثامكم صارت فاصلة بينكم وبين إلهكم وخطاياكم سترت وجهه عنكم حتى لا يسمع» (اش 59: 2). ويقول الرسول بولس: «إذ الجميع أخطأوا وأعوزهم مجد الله»(رو 3: 23) ومع كل ذلك لم يخل جيل من أجيال البشر من أناس عبدوا اللّه وسعوا لعمل الصلاح لإرضاء اللّه فاختارهم اللّه لتبليغ إرادته الإلهية ونواميسه السامية لبني البشر. لأن اللّه رحيم كما انه عادل، ورحمة اللّه كانت الوازع لا نزال الوحي والإلهام على المختارين من الآباء والأنبياء. فأوصلوا بدورهم الوعود الإلهية لإخوتهم البشر، فكان الرجاء بخلاص الإنسان سبب عزاء للأتقياء الذين عاشوا مع الله، وهم ينتظرون مجيء المخلص، مشتهى الأمم ورجاء الأجيال. وعاش أولئك الأولياء من الآباء وماتوا على رجاء الخلاص… ومهما كانت حياة بعضهم طويلة ومديدة لم يتمكنوا من الجمع بين زمن السقوط بالخطية وزمن مجيء المخلص لانقاذهم منها، وبهذا الصدد يقول عنهم الرسول بولس:« في الإيمان مات هؤلاء أجمعون وهم لم ينالوا المواعيد بل من بعيد نظروها وصدّّقوها، وحيوها وأقروا بأنهم غرباء ونزلاء على الأرض» (عب 11: 13). بدت المواعيد الإلهية عبر الدهور كالنجوم الساطعة في سماء الإنسان المملوءة بالسحب الداكنة، وأخذها الخلف عن السلف، وهو يرددها بروح الرجاء والإيمان، وينتظر المخلص. ففي البدء،وعلى أثر تمرغ الإنسان بخطية الكبرياء والتمرد على الله، قال تعالى للحية إبليس «ملعونة أنت من جميع البهائم ومن جميع وحوش البرية على بطنك تسعين وتراباً تأكلين كل أيام حياتك. وأضع عداوة بينك وبين المرأة وبين نسلك ونسلها هو يسحق رأسك وأنتِِ تسحقين عقبه»(تك 3: 14 و15). ويوضح النبي أشعيا الذي استشهد سنة 696قبل الميلاد، أن تلك المرأة هي عذراء، إذ قال «ولكن يعطيكم السيد نفسه آية. ها العذراء تحبل وتلد ابناً وتدعو اسمه عمانوئيل»(اش 7: 14).
واشترك الملائكة بإعلان هذه المواعيد، وعين اللّه تعالى جبرائيل أحد رؤساء الملائكة ومعنى اسمه «جبار اللّه» وهو الواقف قدام اللّه (لو 1: 19) قد عينه اللّه ليكون ملاك سر التجسد الإلهي. أي ملاك العهد الجديد، عهد الخلاص، والنعمة، والرحمة. فقد أرسله اللّه قبل الميلاد بخمسة قرون إلى رجل اللّه البار، النبي دانيال، في أرض بابل حيث كان مسبياً مع شعب العهد القديم وهو يواصل الصلاة إلى اللّه لأجل عودة الشعب إلى دياره، ويدرس النبوات السابقة ويتوق إلى أن يرى إتمامها، فاستجاب الرب الإله صلاته، وأرسل إليه جبرائيل الملاك الذي أعلن له نبوة الأسابيع السبعين، محدداً بها زمن مجيء ماشيحا المسيح المنتظر «قدوس القديسين». ولما أوشكت الأسابيع السبعون على الانتهاء أُرسل جبرائيل أيضاً من السماء إلى هيكل الرب فوقف عن يمين مذبح البخور مبشراً زكريا الكاهن العجوز بميلاد يوحنا الذي يقوم برسالة تمهيد السبيل لمجيء المسيح المنتظر وليبشر الناس بقدومه. وفي الشهر السادس من تاريخ الحدث العجيب بلغ ملء الزمان، فوقف جبرائيل قدام العذراء مريم، وهي تصلي في بيت بسيط كانت تقطنه في الناصرة، فحياها بإكرام لائق، قائلاً لها: «سلام لك أيتها الممتلئة نعمة الرب معك، مباركة أنت في النساء، فلما رأته اضطربت من كلامه وفكرت ما عسى أن تكون هذه التحية، فقال لها الملاك لا تخافي يا مريم لأنك قد وجدت نعمة عند اللّه وها أنت ستحبلين وتلدين ابناً وتسمينه يسوع.هذا يكون عظيماً وابن العلي يدعى ويعطيه الرب الإله كرسي داود أبيه ويملك على بيت يعقوب إلى الأبد ولا يكون لملكه نهاية» (لو 1: 28 ـ 33). أجل لم يرسل جبرائيل الملاك في هذه المرة إلى عاصمة عظيمة شهيرة من عواصم الإمبراطورية الرومانية، ولا حتى إلى المدينة المقدسة، بل أرسل إلى مدينة الناصرة الصغيرة التي قيل عنها بعدئذ: «أمن الناصرة يمكن أن يكون شيء صالح» (يو 1: 46) ولم يرسل الملاك جبرائيل في هذه المرة إلى هيكل الرب، بل إلى بيت بسيط متواضع، حولته العذراء مريم إلى قدس أقداس للرب إذ جعلته نظيفاً، أنيقاً، مرتباً، تفوح منه رائحة الفضيلة، وتعبق في جوانبه نسمات الصلاة النقية التي كانت العذراء مريم ترفعها إلى عرش اللّه بالسماء في أوقاتها الثلاثة يومياً مكملةً بذلك الفريضة المقدسة التي كان يقوم بها كل تقي وتقية من شعب العهد القديم. ويقول آباؤنا الميامين إن العذراء كانت حين بشرها الملاك بالحبل الإلهي، منفردة جاثية تصلي بحرارة ليقرب الرب موعد ارسال المخلص الذي بشر به الأنبياء عبر الدهور وتاقت إلى قدومه الشعوب والأجيال. فالعذراء مريم بالإضافة إلى قيامها بفريضتي الصوم والصلاة، كانت وهي ربيبة الهيكل تقرأ أسفار الشريعة والنبوات متأملة بذلك بتدقيق لتعمل بمشيئة الرب، وتطبق نواميسه الإلهية وأحكامه السامية. وهي ككل فتاة في شعب النظام القديم كانت تتوق من أعمق أعماق قلبها إلى أن يولد منها المسيح المخلص.
هذه الفتاة النقية الطاهرة والعفيفة القديسة مريم اختارها اللّه والدة لابنه الوحيد في سر تجسده الإلهي.نعم لو خُيِّر الناس بانتقاء أمهاتهم لاختاروا بنات الملوك والعظماء والنبلاء والأغنياء، مهما كانت سيرتهن وسريرتهن، أما مقياس السمو لدى السماء فهو التمسك بشريعة اللّه والعمل بأحكامه بلا لوم، ولذلك اختار الرب هذه العذراء الطاهرة التي كانت تسير مع الرب، متمسكة بشرائعه، عاملة بوصاياه وأحكامه، فاختارها الله أماً لابنه الوحيد الحبيب. وعلى الرغم من فقرها المدقع، ومسكنتها، ويتمها، وجهل الناس بها وإياها، فقد كانت محاطة بالعناية الربانية، وكانت عين اللّه ترعاها، والله فاحص القلوب والكلى يعرفها حق المعرفة فهي في عينه تعالى صفوة الخليقة، وقد اختارها منذ البدء، وأوحى إلى أنبيائه فذكروها بنبواتهم، فهي من ذرية داود (لو 2: 4) وكذلك خطيبها يوسف البار(مت 1: 20) وهي المرأة التي نسلها (المسيح) يسحق رأس الحية، وهي العذراء التي تحبل وتلد ابناً ويدعون اسمه عمانوئيل الذي تفسيره اللّه معنا(مت 1: 23) فهي والدة الإله.
والسؤال الذي يطرح ذاته في هذا الموقف هو هل أن العذراء مريم ابنة الثلاث عشرة سنة أدركت فحوى بشارة الملاك لها؟! والجواب هو أن اللّه الذي اختارها هو الذي قوّاها ووهبها حكمة ونعمة وإيماناً متيناً ثخيناً فقبلت الحقائق الإيمانية وسلمت بها تسليماً ولكي تعرف كيف تتصرف مع هذا الأمر العجيب سألت الملاك بإيمان قائلة: كيف يكون هذا وأنا لم أعرف رجلاً؟ فشرح لها الملاك سر التجسد الإلهي الذي إنما تم بصورة تفوق الطبيعة واعتبر أعجوبة الأعاجيب والذي وصفه الرسول بولس بعدئذ بقوله: «وبالإجماع عظيم هو سر التقوى اللّه ظهر في الجسد»(1تي 3: 16) وفي هذا الصدد أجاب الملاك العذراء مريم قائلاً: «الروح القدس يحل عليك وقوة العلي تظللك فلذلك أيضاً القدوس المولود منك يدعى ابن الله»(لو 1: 34 ـ 36) فأجابت مريم الملاك قائلة «هوذا أنا أمة الرب. ليكن لي كقولك»(لو 1: 38) وبهذا سلمت مريم إرادتها بيد الله، وهذا هو الإيمان بل هذه هي الحكمة الحقيقية السامية أن يسلم الإنسان إرادته بيد الله. ليقول للرب صادقاً «لتكن مشيئتك» وحالما فاهت العذراء بعبارة: «فليكن لي كقولك» حل عليها الروح القدس فطهرها، ونقاها وقدسها. كما حل نار اللاهوت في أحشائها، وجبل ابن اللّه له جسداً كاملاً من جسدها اتحد به اتحاداً أقنومياً طبيعياً، فولدته العذراء مريم وهي عذراء قبل الولادة وفي الولادة وبعد الولادة، واستحقت أن تدعى والدة الإله لأنها ولدت الإله المتجسد وكانت ولادته عجيبة كما كان الحبل به عجيباً فريداً. فكما ظهرت العوسجة للنبي موسى وهي تلتهب بالنار، ولكنها لم تحترق، كذلك أنار نار اللاهوت العذراء مريم ولم يحرقها.وهكذا بدأ سر التجسد الإلهي، إذ حبل بيسوع في العذراء من الروح القدس، فالمولود من مريم كما وصفه الملاك «عظيم، وقدوس، وإبن العلي». وسماه الملاك «يسوع» لأنه يخلص شعبه من خطاياهم. فهو الفادي الذي أرسله الآب السماوي، فوفّق بسري التجسد بين عدل اللّه ورحمته. ومثل الإله والإنسان في آن واحد وفدى البشرية بدمه الكريم وأبرم بذلك الصلح بين السماء والأرض وبرر اللّه الإنسان وقدسه وأهله ليكون ابناً له تعالى بالنعمة.لا غرو من أن للعذراء مريم في عمل الخلاص دوراً مهماً، فهي والدة المخلص ومربيته، وقد صارت لنا وللعالم أجمع مثالاً يحتذى بالطهر والنقاء والتمسك بشريعة اللّه وأحكامه وفرائضه من صوم وصلاة. ففي هذا اليوم وفي كل يوم نطوبها ونتشفع بها. ونقتدي بالملاك جبرائيل وباليصابات وبعض القديسين مقتبسين منهم العبارات المقدسة لنحييها بحسب طقسنا السرياني في ختام صلواتنا صباح مساء وفي كل صلاة قائلين: السلام عليك يا مريم العذراء الممتلئة نعمة، الرب معك مباركة أنت في النساء، ومبارك ثمرة بطنك يسوع: «يا مريم القديسة يا والدة اللّه صلي من أجلنا نحن الخطاة الآن وفي ساعة موتنا آمين».

 عظة البشارة للبطريرك فؤاد الطوال، بطريرك القدس للاتين، في كنيسة البشارة في الناصرة،
الخميس 25\3\2010.
السلام عليك يا صاحبة العين والبئر في مدينتنا السلام عليك يا حامية البيت الفلسطيني وشفيعة كل عائلة: نٌحييك في بلدك وعيد بشارتك. نحييك ونحن لا نزال في قلب السنة الكهنوتيّةِ التي أعلنها قداسة الحبرِ الأعظمِ البابا بندكتس السادس عشر، بمناسبة مرور مئةٍ وخمسينَ عاماً على وفاة القدّيس جان ماري فيانّيه، خوري آرس.  نُحييك ونحن في خضم التحضير والتساؤل الكثير حول مؤتمر أساقفة الشرق الأوسط، علّنا نعرف شرقنا من غربنا، علنا نعرف ونتعرف على صدق هويتنا. علّنا نتذكر انكِ أنت الأم ونحن الأبناء، علّنا نحيي الشبه والصلة القائمة بين الأم والأبناء.  نحتفل في عيد البشارة في بلد البشارة. لنا اليوم موعدِ مع مريمَ العذراء، كما كان لها موعد مع الملاك الذي بشرها وحياها، هي الممتلئة نعمة والحبلى بمخلّص العالم ورسول السلام. وما أعظم المواعيد والأحدات التي تعاقبت مؤخرا في هذه الكنيسة. هنا كان لنا موعد مع قداسة أبينا البابا بندكتوس السادس عشر في أيار الماضي ومع مندوبه بمناسبة تطويب الام ماري ألفونسين في تشرين الثاني الماضي. وفي كل مرة كانت بنت الناصرة هي التي تجمعنا حولها.  نلتقي اليومَ لإبراز شخصيّةِ مريم المتعدّدةِ الصفاتِ والعميقة الأبعادِ، ولتسليط الضوء على دورِها الهام في تنفيذِ تصميمِ الله الخلاصيِّ.  لأنّنا مريميّون ومن أبناء الجليل، ولأنَّ ابتهالاتِنا باسمِها تَتَردَّدُ أصداؤها في جميع أديارِنا وكنائِسِنا واحتفالاتنا، على أفواه أطفالنا وأخوياتنا، ولأنّنا نعتبِرُها سيّدة الجليل بدون منازع أو شريك، ملكة على قلوبِنا ومراكِزِنا ومؤسّساتِنا، بل بالأحرى هي صاحِبةَ الدّارِ، والسيِّدَةِ الأولى، والأمَّ الحاضرةَ أبداً لتقودَنا إلى ابنِها مخلصنا يسوعَ المسيح وتلبّي لديه حاجاتنا ، كما فعلت في قانا الجليل، لأجلِ كلِّ ذلك ولأجل سِواه ممّا لم نذكرْهُ الآن، فإنّنا نجتمع اليوم في عيد البشارة نُعيّد ونهلل ونهنئ بالعيد بعضنا البعض.  نَعَم، نحنُ أبناء الجليل وأبناء مريم، نحن مريميّونَ بامتيازٍ، نُحبُّها من الصميمِ، نستحضِرُها في كلِّ صغيرةٍ وكبيرةٍ، نقدِّمُ لها الحب والإكرامَ، نتشفع اليها، نصلّي الى “تلك المرأةِ العظيمةِ” بنت بلدنا،اذ بها تمّت المصالَحَةِ بين الله والبشرية.  إنّها مدرسَةٌ ومعلِّمةٌ ومِثالٌ لنا: منها نتعلّمُ التواضُعَ، إذ نسمعُها تردِّدُ: “أنا أمةُ الله فليكن لي بحسب قولك”، ونراها، وهي أمُّ اللهِ، تخدِمُ بكل خَفَرٍ ومحبّة المدعوّين إلى عرسِ قانا الجليل.  مِطواعةٌ هي لصوت الله وساميةٌ في تواضُعِها، مُحبة وخدومة وقد عَبَّرت عن رغبتِها في الخدمةِ عندما زارت مسرعة قريبتها أليصابات سعيا الى المساعدة.
منها نتعلّمُ الصلاةَ والتأمُّلَ في سرِّ المسيحِ، كيف لا، وهي الصامتَةُ الكُبرى التي تحفظُ كلمةِ اللهِ وتتأمّلُ بها في قلبِها.  تظهر صلاة مريم في البشارة إصغاءً وتجاوباً مع إرادة الآب، وثقةً بصلاحِ الله واستسلاماً لإرادتهِ وقبولاً بمشروعهِ الخلاصيَ حتى وان اقتضى هذا المشروع المشاركة في درب الصليب ونفاذ سيف الحزن في قلبها. سلّمت العذراء لله أمرها، ثقةً منها بأنَّه هو خيرُها الأعظم، كما سلّم الله لها ابنه الوحيد، كي تغذيه وتربيه وتشركه بدمها الطاهر. في هذه السنة المكرسة للكهنوت، يتعلّمُ الكهنة الرهبان والراهبات والمكرسون، من مواقف أم المسيح، كيفَ نطابَقُ إرادتنا مع إرادة يسوع الكاهنِ الأعظم، فنتمكّنُ من التشبُّهِ بهِ في تقديمِ الذات بكليَّتِها خدمة لله والقريب… وتقديمُ الذاتِ هذا، هو فتحٌ جديدٌ استهلته مريمُ في الناصرةِ في فقرها وتواضعها، وفي بيت لحم في مغارة الفقر والبرد، وفي مصر زمن الغربة واللجوء والتشرد; كما وكتبَ يسوع فصلَهُ الثاني في شوارع القدس حاملاً صليبه، قبل أن يتسلق الجلجلة. وحريٌ بِنا أن نكتُبَ فصولَهُ القادمة في حياتِنا اليوميّةِ، بروح تضحية وعطاء، فنكونَ للمسيح كهنةً ورهباناً وراهباتٍ ،على ما يحب ويشتهي. معكم يا أهل الناصرة، معكم أيٌّها الإخوةُ المسيحيون في الأردن والجليل وفلسطين وقبرص، ندعو مريمَ العذراء المحتفى بها لتُرافِقنا في تحضير سينودس كنائس الشرق الأوسط، لترافقنا في هذِهِ السنةِ الكهنوتيَّةِ لكيما، نكونَ على مِثالِها، مُرشدينَ  للمؤمنينَ الذينَ يوكلُهُم الربُّ لِعنايتِنا الرعويَّةِ. وجديرٌ بِنا ألاّ ننسى أنَّ مريمَ هي أوّلُ من قالَ للرب “نَعم”، وأصبحت بما قالت ُنموذجاً لنا، وشاهدةً وداعِمةً، بِوصفِها أمّاً للمؤمنين وللكنيسةِ، وما زالَ حبُّها الوالدي يتدفّقُ بغزارةٍ على جميع الكهنة المدعوّينَ اليوم إلى حملِ المسيحِ إلى الآخرينَ، المتعطّشين إلى نور الإيمان ونارِ المحبّة، والى توطيد السلام في بلادنا وبيوتنا وعائلاتنا، ولا سيما في قدسنا. وعلى ذكر القدس، نؤكد أن دعوة هذه المدينة هي أن تكون مدينة الحوار بين الاديان والاحترام المتبادل بين المؤمنين، المدينة التي تحترم التعددية وتدين بالحوار البناء، بحيث لا يعتدي أحد على مقدسات الآخر ومشاعره وأماكن عبادته. نصلي اليوم من أجل سلام القدس ومن أجل حسن الجوار بين أصحاب الديانات التوحيدية.  إخوتي الأحبّاء، حضوركم المميّز والنوعيّ، يعكس حبَّكم لمريم والاهتمام بعيدها الذي هو عيدكم.  باسمِكم جميعاً وباسم مؤمنينا الذين لم يتمكنوا من المشاركة اليوم، وباسم أبناء المدينة، المواطنين والمغتربين، أُحيّي سيدتنا مريم العذراء المحتفى بها اليوم في الناصرة وفي الكنيسة جمعاء، ونردد عليها من بعد الملاك سلام الله: السلام عليك يا سلطانة يا أم الرحمة. السلام عليك يا حياتنا وحلاوتنا ورجاءنا: نصرخ إليك نحن المنفيين أولاد حواء، نتنهد إليك نائحين وباكين في هذا الوادي وادي الدموع. فلذلك يا شفيعتنا ميلي إلينا بنظرك الحنون، وأرينا بعد هذا المنفى يسوع ثمرة بطنك المباركة، يا حنونة يا رؤوفة يا حلوة مريم البتول.

أيها الأحباء كل عام وأنتم بخير.
 عيد بشارة والدة الإله
بقلم/تيمور لويس العوابدة
السلام لك يا مريم، عاشت مريم مدة اثنتي عشر سنة في الهيكل وهي تخدمه وبعد أن غادرته التقت برجل تقي متقدم في السن أسمه يوسف وكان يعمل نجارا وهو من مدينة الناصرة فخطب مريم وذهب بها إلى مدينته، مريم كانت دائما تتلو في الكتاب المقدس ومواظبة عليه فأحد الأيام أرسل الله رئيس الملائكة جبرائيل فدخل إلى العذراء مريم وقال لها: “سلام لك أيتها الممتلئة نعمة، الرب معك، مباركة أنت في النساء” فاضطربت العذراء لسلامه وخافت لكن الملاك قال لها: “لا تخافي يا مريم، لأنك نلت نعمة عند الله وها أنت ستحبلين وتلدين ابنا وتسمينه يسوع، هكذا يكون عظيما وابن العلي يدعا”، فردت مريم على الملاك: “كيف يكون هذا وأنا لست أعرف رجلا!”، فأجابها الملاك: “الروح القدس يحل عليك وقوة العلي تظللك، فلذالك أيضا القدوس المولود منك يدعى ابن الله وها هي اليصابات  نسيبتك هي أيضا حبلى بابن في شيخوختها وهذا هو الشهر السادس لتلك التي كانت تدعى عاقرا لأنه ليس شيء غير ممكن عند الله”، فقالت له مريم: “هاأنذا أمة الرب فليكن لي بحسب قولك”. فللوقت تجسد ابن الله في أحشائها. الكلمة صار جسدا وحل بيننا (يو 1: 14) فذهب الملاك من عندها فقامت مريم وذهبت إلى مدينة يهوذا ودخلت بيت زكريا وسلمت على اليصابات التي كانت حبلى بيوحنا الذي سيعمد المسيح فعندما سمعت سلامها إرتكض الجنين في بطنها وامتلأت من الروح القدس فصرخت من تلك اللحظة: “مباركة أنت في النساء ومباركة ثمرة بطنك، فمن أين لي أن تأتني أم ربي إلي”، فطوبى للتي آمنت أن يتم ما قيل من عند الرب فقالت مريم: “تعظم نفسي الرب وتبتهج روحي بالله مخلصي، لأنه نظر إلى تواضع أمته فها منذ الآن تطوبني جميع الشعوب لأن القدير صنع بي عظائم وأسمه قدوس…”. فمكثت مريم عند اليصابات مدة ثلاث أشهر ومن قم رجعت إلى بيتها.
هذه المسيرة أخوتي التي عاشتها مريم أحببت أن نستذكرها وإياكم حتى ننطلق إلى أهمية البشارة التي يكمن فيها سر التجسد الإلهي، وكذالك إعلان السر الذي منذ الدهور لأن ابن الله يصير ابن العذراء وهو كلمة الله المولود من ألآب قبل الدهور الذي من أجلنا ومن أجل خلاص البشرية نزل من السماء وتجسد من الروح القدس ومن العذراء تأنس فأخذ الطبيعتين “الإلهية والبشرية” في أقنوم واحد وهو شخص السيد المسيح ابن الله وهو كما تعلمون أخوتي الأقنوم الثاني من الثالوث الأقدس “الله … ألآب، الله … الابن، الله … الروح القدس”.  لذالك تدعى أمنا العذراء والدة الإله وهذا السر أيها الأخوة يفوق إدراك البشر والملائكة وهو أيضا سر خلاصنا وقاعدة إيماننا التي منها ننطلق في حياتنا.  فعلى مثال مريم لقاء السماء بالأرض نصلي من الذين استسلموا لمحبتك أيها الآب لصنع إرادتك القدوسة ولكي يشعلوا نار حبك في قلب عالمنا الذي نعيش … أميـن
نعم يا رب أعطنا أن نعيش تواضع مريم واستجابة مريم لمشيئتك في حياتنا فنطلب منك أن توجهنا إلى طريق الوداعة والنقاء وأن نعيش على مثال أمنا العذراء في التضحية والطهارة وأن نتلقى ندائك دن تردد لنثبت على الإيمان والمحبة والرجاء لنحظى يوما معها برؤية نور وجهك البهي أيها المخلص إلهنا يسوع المسيح.  وكل عام وأنتم بخير بألف خير وأتمنى لكم أن تحضوا ببشارة السلام والمحبة وعيش الملكوت مع القديسين الأبرار.