بول بيلار/هل ينزلق الأميركيون إلى حرب أخرى؟

248

هل ينزلق الأميركيون إلى حرب أخرى؟
بول بيلار/السياسة/05 آذار/15

خلصت الادارة الاميركية الحالية الى توريط الولايات المتحدة في حرب خاطئة في العراق, وان كان ذلك ضمن الجدول الزمني الذي وضعته الادارة السابقة, ومع اعادة الحاق بعض افراد الجيش الاميركي في العراق, فقد تحول تورط الولايات المتحدة في الحرب في افغانستان من عملية مكافحة ارهاب الى محاولة ابناء امة (وان كان فقط بعد “ظهور” عصر اوباما واليوم مع افكار اخرى واضحة حول كيفية استمرار تورط الجيش لمدة أبعد من 13 عاما), كما قاومت الادارة الضغوط لزج قوات اميركية في الحرب الاهلية في سورية (وان استخدمت أساليب اخرى من التدخل العسكري الاميركي, بما في ذلك الضربات الجوية). الاتجاه العام لسياسات الادارة (وان لم يكن هناك بعض الاستثناءات وطرق الالتفاف) كان سليماً من حيث المعايير المناسبة للتضحية بالدم الاميركي والمال والفعالية, وحدود استخدام القوة العسكرية في الصراعات الداخلية في تلك الدول. يقول بعض المراقبين ان هذا الاتجاه العام سياسة جيدة نظرا الى عدم حماسة الجمهور الاميركي الذي لا يزال يشعر ببعض الاثار المترتبة على (متلازمة حرب العراق) للتورط في اي وقت قريب, بأي أمر يمكن وصفه بالغامض من الناحية القانونية, لكن له صلة سياسيا بمشروع الادارة الخاص باستخدام القوة العسكرية ضد “داعش” من خلال “عمليات قتالية برية هجومية دائمة”. ان الامر الاخير قد يتغير, فقد اظهر استطلاع للرأي صدر اخيرا حول الرأي العام الاميركي اجراه مركز “بيو” للابحاث تحولا كبيرا في الاشهر القليلة الماضية لمصلحة التوسع في استخدام القوة العسكرية ضد “داعش”. الجواب عن سؤال طرح في اكتوبر 2014 بشأن احتمال استخدام القوات البرية ضد التنظيم كان 39 في المئة لمصلحة استخدام القوات البرية و55 في المئة ضد ذلك الاستخدام, واظهر السؤال نفسه في فبراير 2015 تقريبا الانقسام نفسه: 47 في المئة لصالح و49 في المئة ضده, كانت هناك تحولات مماثلة خلال العام الماضي في الردود على اسئلة حول دعم الحملة الشاملة وحول افضل نهج لالحاق “الهزيمة بالارهاب العالمي”, وعلى هذا السؤال الاخير, “استخدام القوة العسكرية الساحقة افضل وسيلة لدحر الارهاب”ارتفعت النسبة من 37 في المئة في مارس 2014 الى 47 في المئة في فبراير العام 2015 . كذلك الامر بالنسبة لموضوع دحر الارهاب اعتمادا على القوة العسكرية يخلق الكراهية والمزيد من الارهاب, فقد انخفضت النسبة من 57 في المئة الى 46 في المئة. أنماط عدة في المواقف العامة الاميركية تجاه استخدام القوة العسكرية في العمل في وجهات النظر التي تم تسجيلها في مثل تلك الاستطلاعات, كما عرضت مرارا في الماضي, بعض تلك المشاعر, اما مع او ضد استخدام القوة العسكرية تتلاشى بمرور الوقت. هناك انحدار نحو الوسط, وهذا ينطبق على احداث اذكاء التشدد, ولكنه صحيح ايضا بالنسبة الى تجنب متلازمات الحرب التي تعقب الحروب الفاشلة.

أيضا يندرج في هذا السياق جرعة كبيرة من العاطفة تضم عادة الغضب, فضلا عن الخوف, وترتبط بأحداث اذكاء التشدد, كما تستند الى اعتقادات ان مثل هذه الاحداث ما هي الا دلالة على بعض التهديد الاوسع نطاقا, ربما المثال الاكثر وضوحا هو رد الولايات المتحدة العام على هجوم 11 سبتمبر عام 2000 الارهابي والذي تضمن زيادة تصاعدية مفاجئة في التشدد وفي استعداد الرأي العام الاميركي لاستخدام القوة العسكرية. العاطفة كانت تركز على حدث واحد مرتبط في ذهن الجمهور بتهديد ارهابي اوسع نطاقا ضد الولايات المتحدة. انزلاق الولايات المتحدة الى حوادث شبيهة بحرب فيتنام تثير عاطفة معينة مثل هجمات “او هجمات مفترضة” ضد سفن حربية اميركية في خليج تونكين, ينظر اليها على انها من مظاهر الخطر الشيوعي الاكبر ضد مصالح الولايات المتحدة.

اليوم يثير تنظيم “داعش” المشاعر خصوصا بعمليات القتل المروعة للأسرى, بما في ذلك الاميركيون وغيرهم من الغربيين, مرة اخرى هناك تصور شعبي على صلة بتهديدات مباشرة اوسع واكبر ضد الغرب والولايات المتحدة ما ادى الى تحول كبير على مدى الاشهر الاربعة الماضية في المشاعر حول استخدام القوة ضد ما يتصل بالهجمات رفيعة المستوى في المدن الغربية, حتى وان كانت على صلة تنظيمية ضئيلة او معدومة بالحرب الدائرة في العراق وسورية. في ذهن الجمهور الاميركي كل جزء من تلك الهجمات يعكس شعورا بالتهديد ان الولايات المتحدة ضعيفة.. الاقتراع منذ خمسة اشهر كان يظهر بالفعل اغلبية كبيرة من الاميركيين يعتقدون ان “داعش” بوسعه تنفيذ هجمات داخل الولايات المتحدة.. ثمة آلية اخرى في اللعبة, وهي شكل كلاسيكي من منحدر زلق يؤدي تدريجيا الى التزامات خارجية اكبر من الموارد المتوفرة, ومن الهدف ذاته, وذلك من خلال درجة بسيطة من الالتزام ببعض الاهداف. القرارات الرئيسية لادارة الرئيس الاميركي ليندون جونسون في منتصف الستينات من القرن الماضي, كانت تتصاعد بطريقة كبيرة في فيتنام, وكانت تستند مباشرة الى هدف مفترض في عهد ايزنهاور وهو الاحتفاظ بفيتنام الجنوبية غير شيوعية. صناع الحرب على العراق في ادارة جورج دبليو بوش كانوا قادرين على الاشارة الى التشريع الذي وقعه الرئيس بيل كلينتون والذي اعلن ان تغيير النظام في العراق هو هدف للسياسة الاميركية, والى التساؤل عما اذا كانت الولايات المتحدة سوف تعمل على تحقيق هذا الهدف, بالاضافة الى الانزلاق الهائل في تلك المنحدرات هنا ايضا استدعاء لحجة غير صالحة غالبا بأن مصداقية الولايات المتحدة ستكون على المحك اذا تراجعت عن مثل تلك الاهداف او عن اهداف متصورة.

اخيرا, ليس اقل اهمية ان الحزبية والمخاوف من الخسائر السياسية الداخلية عامل رئيسي في كثير من الاحيان. عندما كان ليندون جونسون يتخذ قرارا بشأن الرد على ذلك الحدث, اي خليج تونكين في العام 1964, كان مرشحا لولايته الرئاسية ضد باري غولدووتر الذي قرع طبول الحرب حول فيتنام, منتقدا الرئيس “في خطاب قبول غولدووتر في مؤتمر الحزب الجمهوري” ولم تتم الاشارة بوضوح “ما اذا كان الهدف هو تحقيق النصر هناك ام لا” قال: لست بحاجة الى ان اذكركم, ولكني سأفعل, انه خلال سنوات الديمقراطيين انتقل مليار شخص الى الحكم الشيوعي ورسمت مصائرهم بكل سخرية, أما الان, فان المتنافسين الجمهوريين يرون ان الدفع نحو تدخل عسكري اميركي واسع النطاق ضد “داعش” امر مناسب, او ربما لازم وستراتيجي.

كما كتب جوناثان مارتن وجيريمي بيترز في صحيفة نيويورك تايمز, فان ذلك “اعتراف ضمني من الجمهوريين بأنه مع تحسن الاقتصاد, فانهم بحاجة الى قضية اخرى لتمييز انفسهم عن الديمقراطيين, وذلك يقدم لهم وسيلة للربط بين هيلاري رودهام كلينتون وزيرة الخارجية السابقة, وبين الرئيس اوباما في قضية معينة حيث تتراجع شعبية الرئيس الاميركي”. لاحظ ان ايا من هذه العوامل التي لا تشكل المشاعر الشعبية, ولا تعكس ما تقوله الطبقة السياسية, وهي مكونات سياسية خارجية سليمة. لاحظ ايضا ان الرأي العام الاميركي لا يسعى مطولا الى حروب مكلفة. الاميركيون يفكرون ان استخدام القوة العسكرية سوف يكون في صالحهم اذا كان قصيرا وغير مكلف, وقد اشارت استطلاعات رأي اجراها جون زوغبي الى انه رغم ان الدعم الشعبي لاستخدام القوة العسكرية ضد الارهابيين كان مرتفعا للغاية في اعقاب احداث 11 سبتمبر, فان درجة الدعم تراجعت بشكل حاد لدى الرد على سؤال عن توقع مدة استخدام القوة العسكرية وتمديدها اكثر من سنتين. اذاً هناك درس تعلمناه يقتضي ان نكون حذرين جدا في المراحل المبكرة من اي التزام في الخارج, مع الاخذ في الاعتبار انه يمكن ان يكون الجزء الاول من منحدر زلق حتى وان لم يتم التعرف عليه فورا على هذا النحو, وان نتجنب الاهداف التي قد يصبح السعي الى تحقيقها اكثر كلفة بكثير في المستقبل مما هي عليه اليوم. بعض الكوارث في الماضي كان بالامكان تفاديها في بداية الانزلاق لو كان هذا النوع من التفكير سائدا, هذا يعني انه كان يمكن تجنب حرب فيتنام قبل سنتين او ثلاث سنوات من تصعيد جونسون, اي الاعلان عن ان توحيد الشيوعيين في فيتنام هو الهدف الرئيسي للولايات المتحدة, كما كان في التسعينات من القرن الماضي الهدف تغيير النظام في العراق. نتائج الاستطلاع بشأن تزايد التأييد الشعبي لاستخدام القوات البرية ضد “داعش” يؤشر الى اننا قد نكون مرة اخرى في الجزء الاول من الانزلاق الى حرب اكبر. قد لا نذهب بعيدا عن ذلك الانزلاق خلال الفترة المتبقية من ولاية باراك اوباما, لكن ذلك يكفل ما سيحدث لاحقا بشأن تورط الولايات المتحدة في العراق وسورية. رغم ان تنظيم “داعش” يمكن ان تكبر شوكته بحلول ذلك الوقت, فان هذا ليس مضمونا. يبدو من المرجح ان يطول امد الحرب الاهلية في سورية خصوصا. وحتى اذا فرض داعش من الخوف ما فرضه منذ بضع سنوات مضت, وكما هو عليه اليوم, فلا شك اننا سوف نسمع تذكيرا بشأن ما اذا كان اسقاط نظام الاسد هدفا مفترضا للولايات المتحدة أيضا.

* أكاديمي أميركي عمل في وكالة الاستخبارات المركزية 28 عاما, واليوم هو زميل غير مقيم في مركز جامعة “جورج تاون” للدراسات الامنية. والمقالة “نشرت في “ناشيونال انترست”