الياس الزغبي/أيّ جيش هو الحل؟

264

أيّ جيش هو الحل؟
الياس الزغبي/لبنان الآن
28 شباط/15

خارج نظريّة “الجيش هو الحلّ” التي راجت قبل 30 عاماً، وكانت نتائجها كارثيّة على الجيش اللبناني نفسه، وعلى النسيج الوطني والمسيحي تحديداً، يصحّ اليوم التوقّف عند الأداء المميّز للجيش، وطرح السؤال الشرعي والضروري و”غير الموقّت” عمّا إذا كان هو خشبة الخلاص من أزمة الوجود والحدود.

ومن الضروري، قبل مناقشة السؤال وبلورة الجواب، الاسراع إلى القول إنّ المقصود ليس أن يحكم الجيش لبنان كما في الأنظمة العسكريّة وكما يهجس بعض المهووسين بحلم أو كابوس العسكريتاريا.

ما يقوم به الجيش من مهمّات قتاليّة دفاعيّة واستباقيّة، يشكّل بنجاحاته وإنجازاته، حافزاً للقول إنّه بات في المسار السليم لوظيفته في حماية لبنان وشعبه، وفي دوره وعقيدته وتدريبه وتسليحه، بعدما اعترى أداءه الكثير من الأخطاء والسقطات تحت سلطة الوصاية السوريّة وما عُرِفَ ب”النظام الأمني السوري اللبناني المشترك”.

فعلى مدى 18 عاماً، في ظلّ آميل لحّود، قائداً ثمّ رئيساً، كاد الجيش يتحوّل إلى فصيل في “جيوش الممانعة” مغمضاً العين عن آلة القمع أو غافلاً عن خطط الاغتيالات، باستثناء فسحات مشرقة تحت قيادة ميشال سليمان ثمّ جان قهوجي خرج فيها على إرادة الوصيّ ووكيله المحلّي، منها على سبيل المثال، حماية حرّية التعبير الشعبي وتظاهرات 14 و 8 آذار، وحرب نهر البارد، ونموذج العديسة، وحركته الآن.

على مدى عقدين من الزمن وأكثر، جرت محاولات دؤوبة لتغيير كلّ ما في الجيش، من أجل تنسيبه قسراً إلى “محور الممانعة والمقاومة”، وشقّه عن هويّته التاريخيّة في حماية الاستقلال والسيادة، وفي الانتساب الطبيعي إلى العالم الواسع في تقاطعه الثابت بين العرب والغرب، تدريباً وتسليحاً وتمويلاً وشراكةً في مكافحة التطرّف ولعبة المَحاور.

لم يكن الجيش حلاًّ، أو ملاذاً آمناً، أو مرجع ثقة لدى الناس، حين أجبروه على التغاضي عن جريمة سُجُد، ومكمن دورس، وتطويقه في النبي شيت، ووقوفه على الحياد في انقلاب الدواليب(23 ك – 2 ،2007)، وغزوة بيروت (أيّار 2008)، وانتشار مسلّحيّ القمصان السود(2011)، ومحاسبة ضبّاطه على واجبهم في الشيّاح، وتقنين دوره في الضاحية وتوظيفه في ما لا يقوى عليه “حزب الله”، وتأخير خطّته في البقاع الشمالي.

في المقابل، كان حلاًّ وملاذاً ومرجع ثقة، في الضنيّة والبارد وعبرا، وفي خطّة طرابلس، وفي مساندته قوى الأمن الداخلي في عمليّة روميه أخيراً. وهو الآن حلّ وملاذ ومرجع ثقة في عمليّاته ضدّ الإرهابيّين، وتحصينه حدود لبنان الشرقيّة، وفي خطّة مكافحة المجرمين والخاطفين والمهرِّبين في البقاع الشمالي، مع ثغرة الحصانة الممنوحة للمهرَّبين إلى سوريّا!

وليس خافياً أنّ الثغرات التي تسبّب بها غطاء “حزب الله” لمربّعات الإجرام والسلاح، ومحاولته استغلال تضحيات الجيش ودوره في حماية مشروع سلاحه، كانت سبباً لبعض الحملات التي تعرّض لها الجيش، والتي اتّخذت أحياناً طابعاً مذهبيّاً حادّاً.

الآن، خفتت الحملات، ووجد أصحابها في تطوّر أداء الجيش ما يُضطرّهم إلى السكوت والتريّث، من باب رصد النتائج، ويجب هنا تسجيل الآثار الإيجابيّة الحاسمة لدعم “تيّار المستقبل” المطلق له. والأكيد أنّ هذا التطوّر يقطع مع مرحلة طويلة من الكبوات والأخطاء، ويؤسّس للحالة العسكريّة المطلوبة لإنقاذ لبنان.

وبسهولة، يُمكن أن نعاين تقدّم موقع الجيش كحالة لبنانيّة صافية، لا تتأثّر بدعوة للإنخراط في حرب خارج حدود لبنان تحت شعار التنسيق مع جيش النظام السوري وقوّات “حزب الله” المتورّطة في سوريّا، ولا بخدعة القيام بدور متراس لأحد على الحدود، سواء في الجنوب أو الشرق أو الشمال.

الحقيقة أنّ الجيش حقّق نقلات نوعيّة وميدانيّة لتثبيت فكرة استقلال لبنان وسيادته وحدوده، ومنع انزلاقه إلى أيّ محور، وما عمليّاته الأخيرة في جرود رأس بعلبك سوى تثبيت لهذه المهمّة.

والجيش مقبل، في الأسابيع القليلة الطالعة، على نقلة أوسع في المسار نفسه، من خلال التسليح الفرنسي النوعي بالهبة السعوديّة، مع استمرار تدفّق السلاح الأميركي الذي كان فعلاً وسيلة حاسمة في معارك الجيش الأخيرة، خلافاً لكلّ التنظيرات المعاكسة الهادفة إلى التشويش على الجيش ومصادر تمويله وتسليحه.

ولن يكون مستَغرباً حصول تنسيق مع غرف عمليّات الائتلاف الدولي العربي ضدّ الارهاب، بعد مشاركة لبنان تكراراً في اجتماعات هذا الائتلاف، عسكريّاً وسياسيّاً، برغم تهجّم المتضرّرين.

الجيش، إذاً، يُعيد تركيز مكانه ودوره التاريخيّيَن، مع بقاء فلول المحاولات الداخليّة والخارجيّة لتخفيف اندفاعته وإبقائه في ذهنيّة الموصى عليه أو التابع والأداة، كفيلق في جيش أوسع، في أفضل الحالات.

ويمكن القول الآن، وبارتياح، إنّ هذا النموذج من أداء الجيش هو القابل للحياة، ولتكريس معاني السيادة والحريّة والاستقلال، وإحياء المؤسّسات وبناء الدولة.

جيش يحمي السيادة والسياسة، ولا يحكم. جيش الحلّ، بدلاً من “الجيش هو الحلّ”.