اميل خوري/ لا معنى للحوارات إذا لم تنتهِ بالاتفاق على انتخاب رئيس وحلّ مشكلة السلاح

255

 لا معنى للحوارات إذا لم تنتهِ بالاتفاق على انتخاب رئيس وحلّ مشكلة السلاح
اميل خوري/النهار
23 شباط 2015

شبّه سياسي مخضرم حال لبنان بحال مريض كلما تدنت درجة حرارته يفرح الأهل، لكنهم ينسون انه لا يزال مريضا ولم يتوصل الأطباء الى وصف العلاج الشافي له، إما لأنه غير موجود، وإما لأن لا قدرة للأهل على دفع ثمنه.

لقد فرح اللبنانيون عندما توقف الاقتتال في ما بينهم، لكنهم نسوا ان هذا لم يتم بارادتهم انما بارادة الخارج الذي أخضعهم لوصاية سورية دامت 30 عاما. ولبنان الذي تدنت درجة حرارته بفضل هذه الوصاية ظل مريضا ولم يشفَ من مرضه ويغادر سريره ويصير قادرا على أن يحكم نفسه بنفسه من خلال دولة قوية لا دولة سواها. وها ان اللبنانيين يفرحون اليوم بإزالة الصور والشعارات من شوارع المدن وبتنفيذ خطة أمنية في الشمال وفي البقاع وبحوارات تجرى بين متخاصمين، وكل جلسة تنتهي بالقول إنها كانت “صريحة ومثمرة وودية”… من دون أن يرى الناس شيئاً من ذلك على أرض الواقع سوى تدني درجة التوتر السياسي والمذهبي والحزبي، وقد بات ذلك إنجازاً مهماً لأنهم لم يعودوا يطلبون أكثر من الأمن والاستقرار ويشعرون أنهم يعيشون في راحة مقارنة بما يجري حولهم من قتل وذبح ودمار ونزوح إلى أماكن آمنة أو العيش في مخيمات على أراضي دول مضيفة، ويرضون العيش على الكحل خوفاً من العمى، وينسون أن لبنان لا يزال مريضاً ولم يتفق الأطباء المعالجون بعد على وصف الدواء الشافي له. وهذا الدواء هو الذي يمكّن من قيام الدولة القوية القادرة على بسط سلطتها وسيادتها على كل أراضيها، فلا يكون قانون غير قانونها ولا سلاح غير سلاحها. وهذا الدواء الشافي بات معروفاً وإن لم يكن أصبح بعد في متناول المريض.

الواقع انه ما دام السلاح موجوداً خارج الدولة وفي مناطق يحظر عليها الدخول اليها، وما دام في لبنان مطلوبون للعدالة يتخذون من هذه المناطق ملاذاً لهم، وما زال رأس الدولة غائباً أو مغيّباً، فإن لبنان سيظل يعاني من مرضه المزمن ولا شفاء له إلا إذا أُزيل كل سلاح خارج الدولة، وأصبح كل قرار مهم تتخذه الدولة وحدها وليس أي حزب أو مذهب وتحميل الآخرين عواقب اتخاذه. ولكي يرتاح لبنان من احتمال عودة المرض اليه، لا بد للقادة فيه من أن يتفقوا على السياسة الواجب اعتمادها حيال الدول القريبة والبعيدة. هل هي سياسة الانحياز إلى هذا المحور أو ذاك، وهي السياسة التي اعتمدها لبنان منذ عام 1943 فدفع ثمنها غالياً من استقلاله وسيادته وحريته لا بل من اقتصاده واستقراره وازدهاره، فصار لا بد من الاتفاق على اعتماد سياسة النأي بالنفس عن كل ما يجري حوله ترجمة لـ”إعلان بعبدا” الذي هو العلاج الشافي الوحيد لإبقاء صحة وحدته الوطنية جيدة وعيشه المشترك ثابتاً ودائماً واستقلاله مصاناً واستقراره راسخاً.

ولا عذر لمن يقول إن لبنان لا يستطيع جغرافياً اعتماد هذه السياسة، مع أن دولاً أخرى مثل سويسرا وفنلندا والنمسا اعتمدتها رغم موقعها الجغرافي، فنعمت بالأمن والأمان والاستقرار ولم يؤثر موقعها الجغرافي على اعتماد هذه السياسة.

لذلك فلا معنى لحوار سني – شيعي إذا اقتصر على إزالة الصور والشعارات وبقي السلاح بكثرة خارج الدولة، أو على خطة أمنية تنفذ هنا ولا تنفذ هناك، لأن هذا السلاح قادر في أي لحظة على إعادة الصور والشعارات إلى أماكنها وعلى انهاء وجود أي خطة أمنية.

ولا معنى، من جهة أخرى، لحوار مسيحي – مسيحي إذا لم ينته الى اتفاق على وحدة الهدف كي يصير في الإمكان الاتفاق على وحدة الصف، إذ لا وحدة صف حقيقية من دون وحدة الهدف خصوصاً في لبنان حيث الخلافات السياسية تتحول خلافات شخصية والخلافات الشخصية تتحول أحقاداً وكراهية وتبادلاً للاتهامات. كذلك فإن الحوارات تبقى من دون إنجازات مهمة إذا لم تتوصل الى اتفاق على انتخاب رئيس للجمهورية، وإلى حل مشكلة السلاح خارج الدولة، وإلى تحييد لبنان عن صراعات المحاور، وإذا اقتصرت “إنجازاتها” على تنزيل درجة حرارة لبنان المريض من دون التوصل الى شفائه فيبقى يتنقل وهو في المستشفى من غرفة عادية الى غرفة العناية المركزة.