روزانا بومنصف/المرشح بين “الخطابين” كيف يوفّر التوافق؟ الحساسيات تتمدد نحو الاختزال الحكومي

217

المرشح بين “الخطابين” كيف يوفّر التوافق؟ الحساسيات تتمدد نحو الاختزال الحكومي
روزانا بومنصف/النهار
23 شباط 2015

على رغم مراوحة ازمة الشغور الرئاسي ضمن المعادلات السياسية القائمة من دون اي تغيير، فان جديدا طرأ على تعديل المفاهيم او العناوين المطروحة للرئاسة. فخلال الاسبوع الماضي ادلى الرئيس سعد الحريري في الذكرى العاشرة لاغتيال والده الشهيد رفيق الحريري خطابا ضمنه رؤيته ورؤية فريقه لموقع لبنان في سياق التطورات في المنطقة والقائم على الدفاع عن كيان لبنان بعيدا من المحاور الاقليمية. كما ادلى الامين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله بخطاب في ذكرى قادة الحزب ضمنه رؤيته ايضا لموقع لبنان في المعادلة الاقليمية داعيا الى الانخراط في الدفاع عن المنطقة بعدما كان ربط بين الجبهات. وغداة هذا الخطاب الاخير توجه العماد ميشال عون الذي كان اعلن الموقف الاسبوعي لكتلته المتمحور حول رفض التمديد للضباط الى عشاء لدى الرئيس الحريري في بيت الوسط والذي صادف مناسبة عيد ميلاده.

واذ يفترض كثر ان موقف عون ينبغي ان يكون اقرب الى موقف الرئيس الحريري من حيث رؤيته لموقع لبنان في ظل ما تشهده المنطقة على الاقل بناء على المنطق الذي قدمه تبريرا لانفتاحه على النظام السوري، اي ان ذلك حصل بعدما باتت “سوريا في سوريا” ولم تعد في لبنان ولو انه لم يتطرق الى ذلك، فانه لم يفت مراقبين سياسيين مدى حراجة ان يحدد اي مرشح يريد الحصول على توافق جميع الافرقاء لانتخابه رئيسا على غرار ما يطمح اليه زعيم التيار الوطني الحر اي من الاتجاهين يمكن ان يعتمد. فازاء الصراع الكبير والاتجاهات المتناقضة على الصعيد الاقليمي، لا يستطيع اي مرشح يطمح الى ان ينتخب بتوافق الافرقاء الاساسيين ان يأخذ طرفا او ان يكون طرفا.

والخيار المتاح امامه هو اما ان ينأى بنفسه عن اي من الاتجاهين او ان يحاول ان يجد قاعدة مشتركة بينهما على صعيد موقع لبنان على رغم الصعوبة الفائقة لذلك في ظل الظروف الراهنة، او ان ينأى بنفسه كما فعل العماد عون بالنسبة الى تجاهله الدخول بين موقفي الحريري ونصرالله والذهاب الى الاهتمام بالشأن الداخلي الذي يبقى مهما وحيويا وضروريا، خصوصا انه يدرك انه لا يستطيع تغيير الامور وان التطورات الاقليمية اكبر من لبنان بحيث لن يغير شيئا فيها تحديد اي موقف يحبذه باستثناء اثارة حفيظة طرف ضد ترشيحه اكثر فاكثر. لكن ذلك يجعل في الوقت نفسه اي رئيس في ظروف مماثلة رئيسا لا يمكن ان يخرق المواصفات التي يفترض ان يتحلى بها موقف الرئاسة من اجل التوفيق بين اتجاهات متخاصمة ومتضاربة اذا اراد ان يحكم بالحد الادنى بمعنى انه ينتخب لكي يدير الازمة حتى يأتي اوان ظروف افضل، ما من شأنه ان يضعف تزكية رئيس قوي يمكنه ان يخرج لبنان الى مكان آخر، أقله في الوضع الراهن. والاهم ان هناك واقعا يعبر عن نفسه اكثر فاكثر على نحو مؤسف لجهة تراجع قدرة المسيحيين عموما ولا سيما المرشحين الطامحين للرئاسة على المساهمة في المجاهرة علنا بأي موقع يريدونه للبنان او قدرتهم على لعب اي دور في هذا الاطار في ظل المعطيات المذكورة، ما قد يكون احد اهم الاسباب التي يشعر بنتيجتها المسيحيون بالاحباط والتهميش اكثر من اي وقت مضى.

الجانب الآخر الذي تبلور في سياق الاتصالات والمساعي الجارية من اجل تأمين توافق داخلي بين الافرقاء المسيحيين على موضوع الرئاسة استفز المكونات المسيحية من باب ان التعويل على حوار عون ورئيس القوات اللبنانية سمير جعجع يختزل المسيحيين ويختصر كل الاحزاب فضلا عن المستقلين. حلفاء “حزب الله” من الطائفة السنية الذين يلوذون به كانوا اعترضوا لدى الاعلان عن انطلاق الحوار بين الحزب وتيار المستقبل من باب ان ذلك يختزلهم من خلال الاعتراف بالتمثيل الاكبر وشبه الحصري لتيار المستقبل لدى الطائفة السنية. وفيما استطاع الحزب ان يمون على حلفائه للضرورات التي املت عليه ذلك، ان لجهة انخراطه في الحرب السورية او لجهة تداعيات ذلك على صعيد الداخل اللبناني وفي ازدياد الاحتقان مع الشارع السني وتسعير التطرف، فان ذلك لا يبدو تبليعه سهلا للافرقاء المسيحيين الذين يرفضون بالاصل وصول عون للرئاسة نظرا الى تجاربه السابقة معهم، وهي تجارب غير مشجعة، ورفضهم مسعاه منذ كان منفيا في باريس في اختزالهم او اعتباره الممثل الاوحد لهم والمتحدث باسمهم، وهو امر لم يبد الافرقاء السياسيون المسيحيون في اي وقت رغبتهم في ذلك. كما انهم يرفضون مسبقا اي دفع لاتفاق بين عون وجعجع على طريقة اقتسام الحصص المسيحية في السلطة والحكم على غرار ما يعتبر كثر ان الاجتماع الذي حصل في منزل الرئيس السابق ميشال سليمان عبر عنه بوضوح من خلال الايحاء بثلث معطل لا يسلم باي اتفاق على آلية لتسيير مجلس الوزراء قيل ان الحريري وعون توصلا اليها في عشاء بيت الوسط. والاعتراضات في هذا الشأن ابلغت كما افادت المعطيات الى المعنيين انطلاقا من ضرورة عدم اختصار ادوار احد او تجاوزه في سياق الحوارات القائمة التي يفترض ان تؤدي الى خلاصات ايجابية ما يشي بخشية من ان تتوافر ظروف اقليمية لاستثمار امكانات الحوارات القائمة للدفع في اتجاه تحالفات سياسية جديدة تختزل مواقع بعض الافرقاء ان لم تؤد ايضا في وقت ما الى انتخاب رئيس جديد.