مقابلة مميزة للوزير ريفي مع جريدة الرأي الكويتية/اغتيال الحريري كان بقرار مشترك سوري – إيراني لإزاحة عقبة من أمام المشروع الفارسي

361

ريفي لـ «الراي»: إذا سرنا بالعماد عون فلن يسير به «حزب الله»… وأنا مسؤول عن كلامي
حوار / وزير العدل اللبناني أكد أن اغتيال الحريري كان بقرار مشترك سوري – إيراني لإزاحة عقبة من أمام المشروع الفارسي
 بيروت – من وسام أبو حرفوش وليندا عازار/الراي/22 شباط/15

• لن نعيد تجربة «الصحوات» في لبنان و«حزب الله» سيندم على عبوره الحدود

• نصرالله يدعونا الى مائدة مسمومة… ومَن قال اننا يمكن أن نشاركه بنصرة حاكم ظالم كبشار الأسد؟

• «حزب الله» ذاهب لانتحاره والمشروع الإيراني قادر على «الخرْبطة» لكنه أعجزْ من أن يحسم في أي ساحة

…«لواء العدل»، هكذا هو أشرف ريفي اليوم بعدما انتقل من «حضرة اللواء» على رأس المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي الى «معالي الوزير» في العدلية. وفي التجربتيْن، استمرّ ابن طرابلس، هو هو في جرأةٍ قلّما تنصاع الى تدوير الزوايا، وفي صلابةٍ لم تغادره حتى في الظروف الحالكة.

وريفي، الذي يحرص دائماً على القول إنه «ابن الدولة»، حريريّ الهوى، ولكنه لم يتقن يوماً فنّ ارتداء «القفازات الحريرية»، ما جعله واحداً من «صقور» تحالف «14 آذار» والأكثر شراسة في مواجهة خصومه.

يجلس أشرف ريفي، الودود والدمث، الذي يخاصم ولكنه لا يعادي، بين «وساميْن» من رفاقه اغتالتْهما الأدوار لا الأقدار… وسام الحسن«العيْن الأمنية»التي أطفأتْها «اللعنة» التي ضربت لبنان منذ العام 2005، ووسام عيد «المفتاح السحري» لسبْر أغوار جريمة اغتيال الرئيس الراحل رفيق الحريري.

ويفاخر «معالي اللواء» بأنه حوّل قوى الأمن الداخلي «رقماً صعباً» كمؤسسةٍ أمنية، وشكّل ضمانة صلبة للتحقيق الدولي في اغتيال الحريري، وسدّد ضربات موجعة لإسرائيل باكتشافه 33 شبكة تجسس تعمل لمصلحتها، وتصدّى بشجاعةٍ للمخطط «الفتْنوي» للنظام السوري عبر كشْفه الشبكة التي عُرفت بـ «ميشال سماحة – علي المملوك».

«الراي» التقت وزير العدل أشرف ريفي في حوارٍ تطرّق الى عناوين الساعة في لبنان، وفي ما يأتي نصها:

• تزامنتْ الذكرى العاشرة لاغتيال الرئيس رفيق الحريري مع اتساع دائرة الحريق في المنطقة… بعد عقْد على الجريمة، هل صارت ملابساتها أكثر وضوحاً لجهة الهدف من محاولة شطْب الحريري من المعادلة؟

– لا شك انه بعد عقد على الجريمة، يَظهر من سياق الأمور انها لم تكن إغتيالاً لزعيم لبناني محلي بقدر ما كانت عملية لإزاحة عقبة من أمام المشروع الايراني الفارسي في المنطقة العربية. فهذا المشروع كما يتضح من التطورات الجارية، هدفه إلغاء كل الشخصيات التي يمكن ان تقف في وجهه كالرئيس الحريري وأمثاله ممن لا يسمحون للمشروع الفارسي بأن يسود في المنطقة العربية وان يعمل على تخريبها ويؤجج المشاعر المذهبية فيها. وتالياً فانه بعد عقد على الجريمة بدا ما يجري مترابطاً ضمن هذا السياق.

• المعطى الجديد الذي رافق ذكرى 14 فبراير هو انتقال المحاكمة في لاهاي الى مرحلة الشهادات التي استعاد بعضها المسرح السياسي للجريمة كما عايشه كثيرون، هل تعتقد ان في جعبة المحكمة ما ينطوي على مفاجآت سواء لجهة الشهود المرتقبين او حتى الأدلّة؟

– أهمّ تحوُّل شهدناه حالياً في مسار المحكمة هو كسْر الحاجز النفسي عند الشهود الذين يدلون بإفاداتهم أمامها. فما أدلى به الشهيد الحيّ مروان حماده في لاهاي شجاع جداً، ما كسر حواجز نفسية كبرى الى الحدّ الذي شجّع مَن لديهم معلومات أقلّ أهمية مما كشف عنه حماده على التحلي بالشجاعة والإدلاء بشهاداتهم. وأعتقد انه عندما تُدمّر الحواجز النفسية من أمام الناس يمكن ان تبرز معطيات معينة مفاجئة.

وفي رأيي ان المحكمة تملك خيوطاً لا بأس بها ولديها قطع أساسية من«البازل»الذي تعمل على تركيبه. فمن خلال تجربتي أعرف تماماً ان كشْف ملابسات اي جريمة يقوم على عملية تركيب«بازل»عبر جمع الأجزاء لتصبح الصورة واضحة امامك. وما يمكن ان يحدث على سبيل الافتراض، انه عند سقوط النظام السوري – وانا على اقتناع بانه ساقط حتماً مهما حاولوا ضخ المقويات فيه لأنه تآكل وتهاوى – يمكن ان يأتيك بعض الضباط او المسؤولين في النظام ليدلوا برواية كاملة التفاصيل، كالإفادة عن ان المتفجرات خرجت من المستودع الفلاني بموجب الأمر كذا وبتاريخ كذا والموقَّع من هذا او ذاك، وكيف انطلق المجرمون الذين نفّذوا الاغتيال… في اعتقادي انه يمكن ان نكون امام مفاجآت كبرى من هذا النوع. وهذا يمكن ان يحدث لأنه حصل في جرائم أخرى.

• هل نفهم ان إعادة ربْط النظام السوري بجريمة اغتيال الرئيس الحريري يتوقف فقط على سقوط هذا النظام ام… ؟

– (مقاطِعاً) سبق ان قلت ان جريمة اغتيال الرئيس الحريري تمت بقرار مشترك ايراني – سوري.

• لكن في القرار الاتهامي لم يتمّ إثبات ذلك بعد؟

– حتى الآن نحن أمام أجزاء من البازل الذي لم يكتمل، والتحقيق لم ينته بعد ويُستكمل في ظل عمل المحكمة التي بدأت بالاستماع الى الشهود، وتالياً فانه مع اكتمال الصورة سيتضح كيف اتُخذ القرار ومَن نفذ. انا لا أحاكم الآن ولا أستبق عمل المحكمة، لكن من موقعي السابق كمسؤول عايش التحقيق الدولي انا واثق ان الجريمة ارتُكبت بقرار مشترك سوري – ايراني، اما التنفيذ فأصبحنا نعرف ان«حزب الله»أُمر بالقيام به. وانا على اقتناع بأن المحكمة ستصل الى هذه النتيجة.

• ثمة انطباع بان شهادتكم امام المحكمة الدولية ربما تكون الأكثر إثارة نتيجة لدوركم المحوري في التحقيقات وخصوصاً لجهة«داتا الاتصالات»التي شكلت مفتاح اتهام الخمسة من«حزب الله»بعدما كانت أصابع الاتهام تشير الى النظام السوري… هل هذا الانطباع في محله؟

– لن أتحدث عن انطباع بل عن وقائع. لكن قبل ذلك أودّ توجيه شكر خاص الى الشهيد الحيّ مروان حماده الذي كان وزيراً للاتصالات في اول حكومة بعد اغتيال الرئيس الحريري، يومها لم يكن أحد يعرف«داتا الإتصالات»وأهميتها في التحقيقات الدولية وما يمكن ان تفضي اليه من صورة واضحة. وللأمانة فان الوزير حماده فتح لنا«داتا الإتصالات»ثم جئنا بالبرنامج الذي يمكّننا من تحليل هذه«الداتا»التي عمل عليها شخص عبقري هو الشهيد الرائد وسام عيد. ومن موقعي كمدير عام لقوى الأمن الداخلي وملتزم بالتحقيق الدولي لإيماني بوطني وبكشف حقيقة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، عملنا بتصميم وبقرار حاسم من دون ان نخاف لا من«حزب الله»ولا من سورية ولا من اي طرف يمكن ان يكون قاتلاً، وهو ما مكّننا من الوصول الى الوقائع التي تستند اليها المحكمة. والذين سعوا للتشكيك بما توصّلنا اليه عادوا وإستسلموا كلياً لأن ما روّجوا له لم يكن لا علمياً ولا منطقياً، وهم يدركون اننا اكتشفنا 33 شبكة تجسس اسرائيلية بفضل«داتا الإتصالات»وإستطعنا بـ 33 عملية تحليل لـ«داتا الإتصالات»تكوين 33 محضراً، اي 33 ملفاً قضائياً كاملاً بأدلة مقنعة، فلماذا تصحّ هنا«داتا الإتصالات»ولا تصح في قضية الرئيس رفيق الحريري؟ ان ما أنجزناه بني على علم مثبت ومقنع.

• في ضوء موازين القوى ثمة من يعتقد ان المحكمة الدولية قد تتحول عبئاً على فريقكم السياسي، فالرئيس سعد الحريري ذهب الى حكومة ربْط نزاع مع«حزب الله»لحظة بدء المحاكمات وذهبتم الى الحوار مع الحزب مع بدء الاستماع الى الشهود، والرئيس فؤاد السنيورة، أرجأ شهادته لـ«أسباب صحية»؟

– لا… ليست عبئاً… نحن اليوم امام عدالة دولية ولن تؤدي الى عداء بل الى إنقاذ، وعلى الجميع استحضار تجربة ميلوسوفيتش الذي كان يقول«اذهبوا وبلطوا البحر انتم ومحكمتكم»فاذا به يموت خلف القضبان، وتالياً لن ينفع التهويل علينا. ونحن نقول لقتلة الرئيس الحريري اننا ننشد العدالة ولا نريد الذهاب الى الثأر والانتقام ولو بعد جيل، ولذا علينا محاكمة المجرم الكبير كما يُحاكم المجرم الصغير.

• يعتقد البعض انه عندما يقال ان الحوار مع«حزب الله»قرار إستراتيجي لأنه حاجة إسلامية لتنفيس الاحتقان ومصلحة وطنية لمقاربة المأزق الرئاسي، فإن هذا الحوار يدير ظهره للمسببات الحقيقية للإحتقان؟

– لا، في اعتقادي ان الرئيس سعد الحريري كان واضحاً في خطابه الأخير الذي ترك صدى ايجابياً لدى الناس، فهو لم يبالغ في التوقعات عندما تحدّث عن الحوار، وأكد في الوقت عينه على ان ثوابتنا تبقى ثوابت، ورؤيته كانت واضحة بالنسبة الى ايجابيات الحوار لجهة تنفيس الاحتقان السني – الشيعي في هذا الوقت المستقطع.

• لكنه عدد 4 مسببات للاحتقان هي عدم تسليم المتهَمين باغتيال والده والمشاركة في الحرب في سورية، وسرايا المقاومة وعدم اشتمال بعض المناطق بالخطة الأمنية، فماذا يمكن ان يأخذ هذا الحوار من«حزب الله»؟

– أعتقد انه لا يمكن أخذ اي شيء استراتيجي من«حزب الله»الذي لاستراتيجياته آليات اخرى، ولكن يمكننا في هذا الوقت المستقطع إعطاء جرعة ترييح موقت للبلد ما دام يتعذر علينا إعطاءه الدواء اللازم، اي اننا يمكن ان نكون امام إحتقان اقلّ، أما المسببات الفعلية فتحتاج الى آليات أخرى لها ظروف أخرى.

• بهذا المعنى يسود اعتقاد انكم تحاولون في«تيار المستقبل»و«14 اذار»من خلال الحوار مع«حزب الله»حماية الحال الانتظارية في الوقت الذي قال لكم (الامين العام لحزب الله) السيد حسن نصرالله انه يخوض معركة كبيرة ومَن يشارك فيها يشارك في تحديد مصير لبنان ودعاكم للذهاب معاً؟

– هو يدعونا الى مائدة مسمومة، ومن قال اننا يمكن ان نشاركه في نصرة حاكم ظالم وتوتاليتاري كبشار الاسد او ان نصبح جزءاَ من المشروع الفارسي الذي لا يمكن ان ينتصر؟ اذا كان لدى السيد نصرالله وهم بأنه سينتصر فهو لا يعرف قراءة التاريخ وعِبره. في اعتقادي انه ذاهب لانتحاره، وغالباً ما كنت أقول ان المشروع الايراني لن يسود الا لفترات آنية فقط وأكبر دليل انه لم ينجح في الامساك بأي ساحة. هو قادر على إحداث خرْبطات فيها لكنه اعجز من ان يحسم في اي ساحة، وكلما وسّع جبهاته سرّع في إنتحاره.

• ألا تخشون أن يأخذ إعادة ترسيم النفوذ في المنطقة لبنان ليكون حصة إيرانية؟

– في رأيي ان الايرانيين يتوهّمون ودخولهم الى دول عربية ادى الى احتقان مذهبي، وأربك تالياً الأولويات القومية، بحيث لم تعد معركة فلسطين وقضيتها هي الأولوية العربية والإسلامية. ولكن في رأيي ان كلّ هذا آني، ولا أقصد بذلك انه سينتهي في غضون سنة او سنتين بل قد يحتاج الى 10 او 15 سنة ولكنه سينتهي.

• ولكن مارس اقترب وسط توقعات بأن يشهد هذا الشهر إنجاز الاتفاق النووي بين الولايات المتحدة وايران، وضمن هذا السياق، الا توجد خشية فعلية من تلزيم لبنان لايران على غرار ما حصل على مدى 3 عقود حين لُزم الى سورية؟

– لننتظر اولاً ونر اذا كان الاتفاق النووي سيُوقّع واذا كان سيحصل تسليم بما يسمى بالنفوذ الايراني خارج حدود ايران. وأكرر ان الايرانيين يعيشون وهماً. وفي النهاية الدول في المنطقة سيحكمها ابناؤها. وحتى لو كانت هناك تحالفات، فهناك ديموغرافيا لا يمكن لأحد ان يلغي مفاعيلها، وهي مؤثرة الى حد كبير وكفيلة بجعل ارادة الشعوب تنتصر. وأكرر هنا ان الايرانيين لم يحسموا الأمر في اي ساحة او جبهة، سواء عبر الحرس الثوري او فيلق القدس وقاسم سليماني. وتالياً كفى افتعال اوهام او اساطير. وفي رأيي ان الايراني يمكنه ان«يخربط»اكثر من ان يرسخ او يثبّت نفوذاً في الساحات التي دخلها، وهذا امر سيتحمل مسؤوليته تاريخياً وهذا الوهم الذي يعيشه لن يدوم.

• من هنا يعتبر«المستقبل»و14 آذار ان من الافضل إبقاء الوضع اللبناني في حال انتظارية ريثما تُحسم الأمور اقليمياً؟

– نحن في وقت مستقطع او وقت ميت، وكلما خففنا المعاناة عن شعبنا نمرّر فترة زمنية بأقل أضرار و«وجع رأس»، ولكن مع الحفاظ على ثوابتنا اي العودة الى الدولة، فلا يحكمنا الا الدولة. اذ لا يمكن لـ«حزب الله»ان يحكمنا، كما لم ينجح في ذلك لا مَن حاولوا اقامة دويلات ولا السوري ولا الاسرائيلي ولا الفلسطيني. فهذا البلد لا يُحكم الا في شكل مشترك بين اللبنانيين، والدولة هي القاسم المشترك، واي خيار غير الدولة لا يمكن ان يستمر إلا لزمن محدود جداً.

• أضيف عنوان جديد الى الحوار بين«المستقبل»و«حزب الله»يتعلق بالاستراتيجية الوطنية لمكافحة الارهاب التي يريدها«المستقبل»ان تكون بإمرة الدولة…

– (مقاطِعاً) لن نكون صحوات لنوري المالكي فتجربة العراق غير مشجعة ابداً، ويمكن ان نكون رجالاً للدفاع عن الوطن تحت إمرة الدولة فقط لا غير.

وهنا اذكر بأنني اول مَن نادى باستراتيجية وطنية لمكافحة الارهاب، ولكن اليوم وكما هو الحال في دول العالم، على«حزب الله»ان يعرف ان القتال خارج أراضي الدولة يُجرّم. اي انه في الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الارهاب سنجرّم ايضاً القتال خارج أراضي لبنان.

• اي ان الاستراتيجية الوطنية هي في اتجاهين: مَن يذهب ليقاتل خارج لبنان ومن يعتدي على لبنان من الارهابيين؟

– هي في اتجاه اي إنسان يؤذي البلد. ولنأخذ مثلاً المملكة العربية السعودية التي جرّمت اي قتال لمواطن سعودي خارج اراضيها. وتالياً نعم، احدى مقوّمات الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الارهاب التي نراها، وكنت أحضّر مشروعاً في هذا السياق وبلغتُ مرحلة متقدمة فيه، يتضمن تجريماً لاي قتال لمواطن لبناني خارج أراضي لبنان، سواء كان«حزب الله»او غيره. وانا أصرّ على وجوب تجريم أي قتال لأيّ لبناني خارج الاراضي اللبنانية كما نجرّم مَن يقاتل على الاراضي اللبنانية.

• هل هذا هو الموقف الذي تم إبلاغه الى«حزب الله»على طاولة الحوار؟

– لا. أنا اتحدث هنا عن وجهة نظري. ولم يتحدث أحد بعد في التفاصيل، واليوم ما يُطرح هو عناوين. ولكن انا كوزير عدل وأمنيّ أقول ان كل بلدان العالم في استراتيجياتها للدفاع عن أوطانها استجدّ بند يتعلق بتجريم القتال خارج أراضي الدولة. وسنضمّن الاستراتيجية الوطنية تجريم اي قتال (خارج لبنان) لان هذه إحدى مسببات الخرْبطة الداخلية. فكما تأتي«النصرة»و«داعش»لـ«تخربط»الوضع في لبنان، فذهاب«حزب الله»الى سورية«يخربط»ايضاً الجو في البلد. والاستراتيجية الوطنية هي البحث عن كيفية منْع كل الأسباب التي«تخربط»الوضع الداخلي.

• هل هذا الموقف سيتبنّاه تيار«المستقبل»؟

– أنا لم أطرحه بعد ولكنني مصرّ عليه. وكوزير عدل انا أحضّر الاستراتيجيات، وكأمنيّ انا معني بالاستراتيجيات. وإنطلاقاً من خبرتنا مع كل الدول، نجد ان كل الاستراتيجيات الوطنية في اي دولة تتضمن تجريماً للقتال خارج أراضي الدولة. وهذا ما بدأت اليوم اوروبا وأميركا تنحوان في اتجاهه، وهم باتوا مربكين بقضية أبنائهم الذين يذهبون للقتال في سورية ويعودون الى بلدهم.

ومن هنا على«حزب الله»ان يعرف ان هذا بند أساسي في الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الارهاب، اي اننا سنجرّم اي قتال لأيّ لبناني خارج الأراضي اللبنانية.

• لأن البعض اعتبر ان«حزب الله»ربما لا يمانع ان تكون الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الارهاب بإمرة الدولة لان هذا يحوّل كل مؤسسات الدولة الى صحوات؟

– لسنا ساذجين ونعرف قراءة الاحداث، واليوم يجب ان ننظر الى مصلحة البلد والدولة فقط لا غير. وأكرر ان تجربة الصحوات مع نوري المالكي فاشلة ولن نعيدها. ونحن نضع استراتيجية وطنية لحماية لبنان، وبالتأكيد الإمرة فيها للدولة اللبنانية بما يضمن حماية أراضينا.

• بهذا المعنى لن نصل الى نتيجة اذاً فالاستراتيجية الوطنية لمكافحة الارهاب وما تقوله سيبقى عنواناً لأن«حزب الله»لن يقبل؟

– أعتقد اننا سنصل لأنه ستصبح لحزب الله مصلحة في قول إنه يريد ان ينسحب من سورية، وأرى ذلك قريباً. وكفى ادعاء وكلاماً عن انهم حققوا ودافعوا عن المقامات الدينية وعن النظام (السوري) او غير ذلك، اي انهم في كل مرة أعطوا لانخراطهم بالحرب في سورية عنواناً وتبريراً. وفي رأيي ان«حزب الله»سيندم على اللحظة التي خرج فيها من الأراضي اللبنانية.

• السيد نصرالله طالب في شكل واضح بالتنسيق بين الجيشين اللبناني والسوري وحكومتيْ البلدين…

– (مقاطِعاً) مع جيش بشار الاسد؟ انا كوزير لا يمكن ان أوافق على مثل هذا الأمر. ليسمح لنا. وهل إجرام بشار الاسد أقلّ من إجرام«داعش»او«النصرة»؟ وهل قتْل الاطفال بالبراميل المتفجرة جريمة ضد البشرية ام لا؟ اذاً هذا مجرم وهذا مجرم وهذان وجهان لعملة واحدة. ولن نسمح بأن يحصل تنسيق مع نظام الأسد او جيشه.

• لكن البعض يسأل الا ترى ان هناك مصلحة في هذا التنسيق لردّ المجموعات الارهابية في جرود عرسال وغيرها وحماية لبنان وشعبه؟

– هذا خطر على لبنان، وهذا خطر على لبنان. والمصلحة الوحيدة لبلدنا هي في ان نحمي حدودنا ونعود الى اعلان بعبدا. وأعتقد ان«حزب الله»سيصل قريباً الى مرحلة يرى فيها ان له مصلحة في ان يتمسك بإعلان بعبدا الذي قال بتحييد لبنان والتوحّد خلف المؤسسات الشرعية لنحمي بلدنا. ونحن قادرون على ذلك وجيشنا صار في مرحلة متقدمة جداً على صعيد التسليح في ضوء الهبة السعودية، وعندما تصل الأسلحة ستمنحه قوة ومناعة كبيرة جداً، كما ان الأجهزة الأمنية في الداخل قادرة على لعب دورها وتالياً لا خوف على البلد. ومن هنا أرى ان اي شيء يوحّد موقفنا هو عنصر قوة وكل ما يفرّقنا في الموقف هو عنصر ضعف.

وفي رأيي ان«حزب الله»لم يكن مرة قيمة مضافة للقوة اللبنانية بل على العكس هو قيمة ناقصة لها لانه يضرب الإجماع حول لبنان. وفي رأيي ان«حزب الله»ارتكب خطأ استراتيجياً بانخراطه العسكري في سورية، وهو يدفع ثمناً غالياً جداً من دماء شباب لبنانيين يسقطون في ساحات غير لبنانية وليس في وجه العدو الاسرائيلي، علماً اننا ننحني امام مَن يسقط في مواجهة هذا العدو.

• فيما نتحدث عن إستراتيجية لمكافحة الارهاب، من الواضح ان«حزب الله»يبني إستراتيجيات خاصة ولا سيما لجهة ربط الجنوب بالجولان والكلام عن قواعد إشتباك جديدة مع اسرائيل… وهناك انطباع ان«حزب الله»في النهاية يأخذ الآخرين الى حيث يريد؟

– لا يمكنه أخْذنا الى حيث يريد. لدينا رؤية لبنانية وطنية صافية، كما نملك خبرة في كيفية حماية بلدنا، ولا نرى ذلك كما يفعل«حزب الله»، ونعتبر ان سلوكه على هذا الصعيد هو إغراق للبلد وفتح لنوافذ النار على لبنان وجرٌّ له الى جحيم كبير.

• لكن في الواقع«حزب الله»يأخذ لبنان إستراتيجياً الى حيث يريد؟

– آنياً. وهو يأخذ البلد على هذا الصعيد بقوة السلاح، وأعتبر ان هذا الامر لن يستمر، واذا أعطانا الله الحياة سنذكّر بعضنا البعض بأن«حزب الله»سيندم على الدور الذي أوكل له إيرانياً.

• لكن كيف قرأتَ مثلاً ما نشر عن مشاركة مصطفى بدر الدين المتهَم بجريمة الرئيس الحريري في تقبل التعازي بجهاد عماد مغنية وانه يقود معركة جنوب سورية، علماً ان موضوع المتهَمين بجريمة 14 فبراير 2005 هو احد مسببات الاحتقان التي تحدّث عنها الرئيس سعد الحريري؟

– مصطفى بدر الدين مطلوب للمحكمة الدولية، وأؤمن بأن العدالة الالهية كما الأرضية موجودة، والامر يحتاج الى بعض الوقت ولكنني على قناعة بأن العدالة ستتحقق.

• في موضوع الرئاسة الاولى، الفراغ مستمر منذ تسعة أشهر والحكومة تجتاز اختباراً صعباً بعد عام على ولادتها بسبب آلية اتخاذ القرارات فيها، فيما مجلس النواب الممدَّد له يواجه ايضاً تعطيلاً… ألا تخشون إنزلاق الوضع الى أزمة نظام تعيد تركيب موازين قوى جديدة في لبنان؟

– قد يكون البعض حلم بهذا الأمر في فترة معينة، ولكن الواقع لا يسمح بتحقيق مثل هذه الأحلام. وفي رأيي انها جريمة وطنية عدم انتخاب رئيس للجمهورية قبل 25 مايو 2014، وهذه الجريمة يتحمل مسؤوليتها كل مَن ساهم في تعطيل الانتخاب. واليوم نعيش في منطقة عاصفة، ومظلة الأمان للواقع اللبناني ينقصها رأسها اي رئيس الجمهورية. وهذه الجريمة لها تداعيات بالتأكيد سواء على صعيد عمل مجلس النواب المتعثر او مجلس الوزراء الذي اضطر لإختراع آلية لاتخاذ القرارات بما يسمح بتمرير الحد الأدنى من الأمور، اضافة الى ان ثمة حاجة للدفاع عن حدودنا وساحتنا الداخلية، وهذا يحتاج الى قرار سياسي كامل يشارك في اتخاذه كل اللبنانيين. ومن هنا أرى ان عدم انتخاب رئيس للجمهورية ضمن المواعيد الدستورية جريمة كبرى.

واذا كان التعثر المؤسساتي هو من التداعيات المباشرة للشغور الرئاسي اضافة الى الارتدادات على الوضع الاقتصادي، الا انه على المستوى الأمني فالأمور مضبوطة وهناك قرار اقليمي ودولي بتحييد لبنان عن النار، وكل القوى اللبنانية لها مصلحة في عدم تفجير الساحة الداخلية أمنياً بما في ذلك«حزب الله»الذي لا يمكنه ان يشارك بالقتال في سورية، فيما قاعدة انطلاقه ملتهبة، ومن هنا فان من مصلحته تهدئة الساحة الداخلية، وقد استفدنا من هذا المعطى، وعلينا واجب تعزيز هذا المناخ اي ان نُبقي الامور هادئة بقدر المستطاع. وأكرر اننا نعيش في الوقت الميت الذي يتعين تمريره بأقلّ مشاكل. ولكن الرئيس سعد الحريري أحسن حين ذكّر بثوابته، لان الناس لا يمكن ان تغفر الذهاب الى مشروع«حزب الله»، وعلى الحزب ان يعرف بدوره انه لن يستطيع جرّنا مهما كلّف الأمر، فنحن شركاء متساوون في الوطن، وأكيد انه تفوّق علينا بقوة سلاحه، ولكن حامل القلم اذا كان مدركاً لثوابته ومتمسكاً بها ويقف من الندّ الى الندّ بوجه ما يعاكسها فان بإمكانه خوض حوار متكافئ.

• بعدما إنتقلتم كتيار«مستقبل»من دعم الدكتور سمير جعجع كمرشح للرئاسة الى الدعوة لمرشح توافقي على قاعدة ان حظوظ«الحكيم»والعماد ميشال عون سقطت، يستمر المأزق الرئاسي فيما«حزب الله»متمسك حتى الساعة بالعماد عون. ألا تعتقد انكم بكّرتم في التخلي عن ورقة الدكتور جعجع؟

– لا. في رأيي ان الأمر كان ينمّ عن موقف وطني متقدم جداً على قاعدة انه«يا اخوان لمصلحة الوطن نحن مستعدون (لمرشح توافقي) وتحدثوا معنا جدياً بما فيه مصلحة الوطن، نحكي معكم بمرشح توافقي». ولكنهم ليسوا جديين لأن قرارهم الاقليمي هو عدم إجراء انتخابات لترك هذه الورقة بيد ايران في إطار المفاوضات الايرانية – الغربية.

• بهذا المعنى، اذا كان تعطيل الاستحقاق مصلحة ايرانية، ألا ترى ان من مصلحة 14 اذار سدّ هذه الثغرة ولو اقتضى الأمر السير بالعماد عون رئيساً؟

– في رأيي ان لا انتخابات رئاسية في المدى المنظور.

• لماذا لا تسيرون بالعماد عون وألا تشجعون الدكتور جعجع على تأييده؟

– في قناعتي انه اذا سرنا بالعماد عون، فان«حزب الله»لن يسير به وأنا مسؤول عن كلامي.

• اذاً لماذا لا تحرجون«حزب الله» وتتبنون ترشيح العماد عون؟

– ليحضروا جلسة الانتخاب. والبطريرك (الراعي) كانت عنده فكرة سليمة جداً، اذ قال انه عند الدخول لانتخاب البطريرك او البابا لا يكون هناك اتفاق على مرشح مسبق، بل ثمة آلية توجِد دينامية معينة تفرز مَن يُنتخب.

• في موضوع الوزير السابق ميشال سماحة وما كشفتَه عن مخطط لاغتياله..

– (مقاطِعاً) تلقيتُ معلومات من جهاز أمني غير لبناني أثبتت التجربة معه سابقاً انه ذات صدقية عالية جداً، عن رغبة النظام السوري في التخلص من سماحة لانه يملك معلومات ربما عن جرائم ارتكبها هذا النظام. علماً اننا ضبطنا سماحة في جريمة ارهابية كبرى أعدّ لها النظام السوري وهو كان شريكاً فيها. ويؤسفني هنا ان المحكمة العسكرية متردّدة في موضوع بدء المحاكمة، ونحن كنا شجعاناً في توقيفه وعلى رئيس المحكمة ان يكون شجاعاً ايضاً في المحاكمة.

• تحدثت عن امكان ذهاب سماحة الى المحكمة الدولية، ماذا قصدتَ بذلك؟

– اليوم هناك المحكمة الخاصة بلبنان والمحكمة الجنائية الدولية. والمحكمة الخاصة بلبنان صلاحيتها محصورة باغتيال الرئيس الحريري والجرائم ذات الصلة، وربما تؤخذ إفادته (سماحة) في هذه المحكمة ضمن قضية او أكثر تقع ضمن نطاق اختصاص المحكمة. وربما في المحكمة الجنائية الدولية، إذا أحيل النظام السوري عليها، يمكن ان يَمثُل سماحة أمامها. وقد يكون هناك آخرون لهم أدوار مثل سماحة اي هم شركاء في بعض الجرائم، ولكن الفارق ان سماحة موقوف لدى السلطات اللبنانية، واذا طلبته المحكمة لا يمكن قول انه فار. وانا واثق من صدقية المعلومات التي تلقيتُها عن نية لتصفيته.