رغيد الصلح/نتانياهو يتمثّل بتشرشل في مواجهته مع إيران

476

نتانياهو يتمثّل بتشرشل في مواجهته مع إيران!
رغيد الصلح/الحياة
19 شباط/15

كلما تكاثرت الضغوط على بنيامين نتانياهو، رئيس الحكومة الاسرائيلية، لتأجيل زيارته لواشنطن او لتأجيل الخطاب الذي يعتزم القاءه امام الكونغرس، ازداد تمسكه بالزيارة واصراره على التحدث الى الشعب الاميركي. وكلما علا صوت الذين ينتقدون السياسات المتشددة – ولو اللفظية – التي ينتهجها، زاد حرصه على التمثل بونستون تشرشل، رئيس الحكومة البريطانية الذي قاد بلاده والحلفاء الى الانتصار على دول المحور. يظهر هذا الحرص في صور تشرشل المنتشرة في منزل نتانياهو ومكتبه، وفي المقارنات الضمنية والعلنية التي يعقدها بينه وبين مثاله الاعلى. لقد كان تشرشل وحيداً بين السياسيين البريطانيين البارزين في معارضة سياسة رئيس الحكومة نيفيل تشمبرلن الذي كان يدعو الى التفاهم مع هتلر. ودفع تشرشل ثمن هذا العناد إذ بقي بعيداً عن الحكم طيلة ما دعاه مؤرخوه «سنوات التيه» من عمره. واستمر رئيس الحكومة البريطانية على هذا النهج، حتى ثبت ضلال سياسة رئيس الحكومة البريطانية تشمبرلن.

يفخر نتانياهو انه مشى على هذا الطريق عندما عارض اتفاق اوسلو، وعندما اشتدت المعارضة ضده فاضطر الى اعتزال السياسة. ويفخر انه تمسك بموقفه من هذا الاتفاق عندما فرض على الفلسطينيين ادخال تعديلات اساسية عليه، وعندما عرقل تطبيقه. ويستعيد نتانياهو هذا المشهد مرة أخرى مع تكرار الضغوط عليه للتخلي عن موقفه المتشدد ازاء ايران وازاء المفاوضات الاميركية – الايرانية، ولكنه بدلاً من الرضوخ للضغوط، يصعد مقاومته لها وينقل الصراع حولها من اسرائيل الى عقر دار «تشمبرلن القرن الواحد والعشرين»: باراك اوباما.

في مجال المقارنة بين نتانياهو وتشرشل والمقارنة بين المانيا القرن العشرين، وايران القرن الواحد والعشرين، يرى اصحاب هذه المقارنات ان هناك أربعة وجوه للشبه، على الاقل، بين الاثنين. اولاً، التشابه في استخدام القوة داخلياً وخارجياً. فعلى الصعيد الداخلي وفي معرض المقارنات يرى المقارنون بين البلدين ان نظامي الحكم في المانيا الثلاثينات وايران اليوم يشبهان بعضهما البعض من حيث انهما يختلفان عن النظام الديموقراطي البرلماني او الرئاسي الغربي. واذ يرفض المقارنون التمييز بين النظامين الايراني والهتلري فانهم يتفقون على ما يعتبرونه الطابع الاستبدادي للحكم في البلدين. صحيح ان النظام الايراني يتسع لوجود معارضة الا ان اقتصارها على المعارضة الدينية يحرم الشعب، في نظر المنتقدين، من حرية الاختيار بين التيارات والاحزاب والجماعات الفكرية والسياسية.

ثانياً: التشابه في موقف النظامين من العلاقات الدولية، اذ في حين ان الشرائع الدولية تحض على احترام المعاهدات والاتفاقيات الدولية، فإن المانيا الثلاثينات وايران اليوم دأبتا، في رأي المنتقدين، على الخروج على هذه الاتفاقيات والمعاهدات. ففي الحالتين هناك تعبيرات صريحة لسياسة القوة والعسكرة. وتجلت هذه المظاهر في انهاء المانيا بصورة احادية للعقوبات التي فرضت عليها بعد الحرب العالمية الاولى والتي منعتها من تنمية قواها العسكرية. ومنذ وصول هتلر الى الحكم عام 1933 وتفرده بالسلطة، اتبع سياسات تسلح سريع أدت الى تغيير موازين القوى في اوروبا. اما منتقدو الحكم الايراني فيتهمونه بأنه ينفذ السياسة نفسها وصولاً الى تنفيذ البرنامج النووي ومن ثم الحصول على القنبلة النووية، مما يشكل خروجاً على الاتفاقات والمعاهدات الدولية حول منع انتشار السلاح النووي.

ثالثاً: يرى الذين يشبهون ايران اليوم بالمانيا الثلاثينات ان البلدين يسلكان طريق التوسع والهيمنة عبر استخدام وسائل متنوعة. المانيا اعتمدت بالدرجة الاولى على قواتها المسلحة وعلى احتلال المجال القاري الحيوي، وبعدها الى ارسال قواتها الى الشرق الاوسط، وغواصاتها الى مطاردة التجارة الدولية عبر الطرق البحرية. اما ايران فإنها لم تلجأ الى الاحتلال المباشر وانما الى التدخل عن طريق المليشيات المحلية والمناصرين.

رابعاً: يرى منتقدو النظام الايراني الذين يشبهونه بالنظام الهتلري ان الاثنين طبّقا سياسة العداء للغرب. تنطلق هذه السياسة من الاعتقاد بـ «انحطاط الغرب وافتقاره الى القيم الاخلاقية السليمة»، وصولاً الى الاستنتاج بأن من الصعب التوصل الى تفاهم حقيقي بين الانظمة الغربية والانظمة الناقدة لها. ولا يغيب هذا الواقع عن اذهان اولئك الذين يراقبون اليوم سلوك النظام الايراني، ويفهمون مضمون شعار «الموت لاميركا» الذي يردده مؤيدو النظام الايراني. ولكن كما يقول ستيف فوربز في مجلة «فوربز»، الذي يعلق آمالا كبيرة على «شجاعة نتانياهو وعلى شخصيته التشرشلية»، فان بعض هؤلاء يصر على التفاهم مع طهران للحصول على بعض المكاسب السياسية والتجارية (28/01/2015). وينطوي هذا المسار على خطر كبير لأنه سيقود الى دمار اسرائيل. هذا يعني، كما يضيف فوربز، «نهاية الحضارة الغربية»!

ويرى بعض المتابعين لسلوك نتانياهو ومواقفه السياسية ان المقارنة بينه وبين ونستون تشرشل مثيرة للسخرية. في مقدمة هؤلاء بعض الاسرائيليين الذين خبروا عن كثب شخصية رئيس الحكومة الاسرائيلية. فيوسي ساريد النائب الاسرائيلي السابق عن حزب «ميريتز» اليساري، يعتقد ان الطريقة المفضلة لكي يتقمّص نتانياهو شخصية تشرشل هي ان يقلده في تدخين السيجار! اما افرايم هاليفي، المسؤول الاسبق عن «الموساد»، فيقول ان كل ما في شخصية نتانياهو يخالف شخصية تشرشل. كان تشرشل، في رأي هاليفي، عنواناً للقــوة والثقة بالنفــس والايمان بانتصار بريطانيا خلال الحرب وفي التفكير الاستراتيجي. اما نتانياهو فلا يكف عن الاهوال التي نزلت باليهود وعن الاهوال التي تنتظرهم والتي تثير القلق واليأس والبؤس.

ويمكن للمرء ان يضيف ملاحظات كثيرة تبين هشاشة المقارنة بين الزعماء الاسرائيليين وبعض الزعماء الدوليين. فتشرشل لم يذهب الى الولايات المتحدة لكي يطالبها باعلان وبدء الحرب ضد المانيا او بالخروج عن حيادها ازاء الحرب، ولا طالب الاميركيين بدخول الحرب الى جانب بريطانيا. لقد اعلن تشرشل الحرب باسم بلاده على المانيا النازية، وقاد بلاده في ظروف صعبة بدت فيها بريطانيا وكأنها تخوض وحدها الحرب ضد النازيين الذين اكتسحوا القارة الاوروبية. بالمقارنة فان نتانياهو يبدو اليوم وكأنه يطالب الولايات المتحدة باعتماد الخيار العسكري حتى آخر جندي اميركي، كما حدث في الحرب ضد العراق بغرض تفريغ المنطقة من منافسين لاسرائيل.

وفي مطلق الحالات، فإن اجراء المقارنات بين المانيا الهتلرية ودول العالم الراهن قد لا تكون في مصلحة ايران، ولكنها ليست في مصلحة اسرائيل ايضا. فأول من قارن بين «الفضائل» المشتركة التي تجمع النازيين والصهاينة هي المنظمات الصهيونية التي دعت هتلر الى مباركة ودعم المشروع الصهيوني. وتطبق اسرائيل اليوم الكثير من السياسات التي تتهم اعداءها بتطبيقها. فاتفاق اوسلو لم يشبه معاهدة السلام بين هتلر وتشمبرلان، بل كان معاهدة عاملت اسرائيل كمنتصر والفلسطينيين كطرف مهزوم. السبب الاساسي لرفض نتانياهو المعاهدة، ومن بعدها الى تعطيلها، هو وصية جابوتنسكي التي تدعو الى الحرب الدائمة ضد الفلسطينيين والعرب.

فضلاً عن ذلك فان المقارنة بين المانيا النازية وبعض الدول الحالية تنسحب بالضرورة على المقارنة مع اسرائيل التي تصر على استمرار احتلالها للاراضي الفلسطينية والسورية واللبنانية. اما حدود التوسع الاسرائيلي فهي تلك التي ترسمها الطاقات العسكرية والديموغرافية الاسرائيلية، وتحفز اليها فكرة تجميع يهود العالم في ملاذ آمن يحتمون به من الغرب ودوله بالدرجة الاولى. فحكام اسرائيل اليوم هم اولاد واحفاد الذين عرضوا على المانيا النازية الانضمام الى دول المحور في حربها ضد الغرب المتهالك، مقابل دعم النازيين للمشروع الصهيوني.