لورين وليامز/هل تنجرف الولايات المتحدة وأوروبا نحو موقف مؤيد للأسد؟

270

 هل تنجرف الولايات المتحدة وأوروبا نحو موقف مؤيد للأسد؟
لورين وليامز/السياسة/18 شباط/15

بعد اندلاع الاحتجاجات الشعبية ضد نظام بشار الاسد الحاكم في سورية عام 2011 اعتمد انصار الرئيس الصراخ وكان يراد من شعار »الاسد او نحرق البلد« الذي كتب على الجدران ان الحكومة ستتخذ اجراءات عقابية قاسية ضد المعارضين, كما سمع انصار الاسد يرددون ذلك الشعار في مظاهرات معاكسة بعد مضي اربع سنوات ونصف السنة نرى ان ذلك التهديد يتم تنفيذه جيدا. الحرب الاهلية الوحشية بين القوى الموالية للديكتاتور والمناهضة له تحولت الى معركة طائفية وجودية بين متطرفين اسلاميين من السنة وبين خصومهم من الشيعة ومن الغرب. والبلاد تقترب من وضع الدولة الفاشلة بوجود تسعة ملايين نازح وبسبب تفشي الفقر والمرض ودمار الاقتصاد, كما ان متطرفي الدولة الاسلامية (داعش) يفرضون حكمهم على اكثر من نصف البلاد. على مدى اربع سنوات رغم الادانة العادية لانتهاكاته الجسيمة لحقوق الانسان, والاتهامات الموجهة له بارتكاب جرائم حرب والمطالبة بعزله, فقد تحدى الاسد كل محاولات المعارضة غير الفاعلة التي تدعمها الولايات المتحدة لتشكيل بديل عنه وعن حكمه. ثم تحركت قوات »داعش« قوات »قطع الرؤوس الجهادية« الاجنبية المتطرفة المعادية للغرب لتحل محل الديكتاتور بصفتها اسوأ السيئ. ما وضع الولايات المتحدة في موقف حرج. ان ضربات الولايات المتحدة الجوية وحدها لا تستطيع مواجهة توسع »داعش«, وواشنطن تعرف ذلك. ولهذا السبب فهي تتصيد بحثا عن شريك قابل للحياة في سورية لمكافحة المتطرفين. خطط تسليح وتدريب جيش سوري متمرد معتدل ماتزال في مهدها, في حين ان وجود شراكات بديلة على شكل قوة بالوكالة تتكون من عناصر قبلية او قوات كردية امر محفوف بالقلق. الاسد يعرف ذلك, الحكومة السورية ادانت الاسبوع قبل الماضي علنا قتل »داعش« للطيار الاردني ودعت السلطات الاردنية الى العمل معها في مكافحة »داعش« ودعت وزارة الخارجية السورية الاردن, الذي هو جزء من الحملة الجوية بقيادة الولايات المتحدة الى التعاون في مجال مكافحة الارهاب المتمثل في »داعش« و»جبهة النصرة«.

لقد نفى مسؤولون اميركيون واوروبيون مرارا ادعاءات تشي بتحول موقفهم من الاسد واكدت الولايات المتحدة ان النظام هو جزء من المشكلة, بل هو حاضن لتنظيم »داعش« ومع ذلك ما تزال تظهر مؤشرات حول وجود تغير في الموقف. تصريحات وزير الخارجية الاميركي جون كيري قبل الجولة الاخيرة من محادثات السلام غابت عنها مطالبة الاسد بالتنحي, وشهدت تلك المحادثات, التي رعتها روسيا, حليف النظام القوي, اشارة الى تراجع فكرة تشكيل حكومة انتقالية تعددية, اذ كان هذا الطلب اساس المحادثات السابقة في بيان جنيف العام .2012 بدلا من ذلك, طرحت مبادرة جديدة ل¯ »تجميد« القتال في مدينة حلب (شمال غرب البلاد) وقد وضعت الخطة اعتمادا على جهود »المصالحة المحلية التي بذلتها الحكومة« في مدن رئيسية كحمص وحماة ودمشق, لتوطيد السيطرة على شرق دمشق وصولا الى حمص, وشمالا على طول ممر يمتد الى الحدود اللبنانية. مع سيطرة الاسد بقوة على هذا الممر الستراتيجي بدعم سخي من روسيا وايران ودخول الولايات المتحدة في معركة ضد خصومه, هناك حافز بسيط امام الاسد لمواصلة عملية انتقال من شأنها ان تؤدي في نهاية المطاف الى تخليه عن السلطة. المحادثات الروسية, التي جرت من دون مشاركة المعارضة المدعومة من الولايات المتحدة لم تخلص الى اي قرار لكن النظام استفاد منها لتحسين صورته كشريك مستعد للسلام فيما تمكنت روسيا من استخدام مكافحة الارهاب كوسيلة للضغط على الولايات المتحدة. منذ ظهور »داعش« اتخذ تهديد الجهاديين العائدين اسبقية على السخط الاخلاقي ضد الاسد.

وقد اعترفت شخصيات ديبلوماسية اوروبية كبيرة في بيروت سرا انهم اذا وضعوا امام عملية اختيار بين الاسد و»داعش« فهناك استعداد اكبر للتعامل مع النظام والاعتراف بان الاسد في الوقت الحاضر سيبقى. انتشرت شائعات كثيرة عن ان بعض الدول, ولاسيما فرنسا, تعاونت مع النظام على مستوى الاستخبارات لاشهر عدة كجزء من جهود مكافحة الارهاب, في حين بات مفهوما ان السفارة التشيكية تعمل كقناة اتصال بالوكالة على مستوى منخفض بين معظم الدول الاوروبية التي اغلقت بعثاتها الديبلوماسية في سورية. مع ذلك, فان اعادة الارتباط رسميا مع النظام السوري لاتزال بعيدة المنال, كما اعترف مسؤول بارز في احدى السفارات الاوروبية في شهر مايو الماضي, بقوله: »يصعب ان نرى العالم يقف مع بشار الاسد بعد تدميره بلده.. هذا امر يصعب الترويج له«. ان مثل ذلك التحول من شأنه ان يكون محرجا ايضا وتترتب عليه عواقب وخيمة بالنسبة للولايات المتحدة على المدى الطويل »طالما انها ماتزال تبذل جهودا لتسليح وتدريب بقايا الجيش السوري الحر, اي القوة المتمردة المعتدلة القادرة على قتال »داعش« هناك احتمال كبير لرد فعل سلبي هنا, اذ رغم كل شيء, هذه القوات المعتدلة تشكلت اصلا من المتمردين انفسهم الذين خاب املهم بعد ان ذهبت نداءاتهم ومطالباتهم بالدعم العسكري الاميركي والدولي لمواجهة الاسد, منذ سنوات, ادراج الرياح من دون اي استجابة (ما دفع الكثير من اعضاء الجيش السوري الحر للانضمام الى ألوية اسلامية مسلحة تحظى بتمويل افضل), واليوم الولايات المتحدة تدعو هذه القوى المعتدلة لخوض حرب بالوكالة نيابة عن الاميركيين ضد عدو الاسد الرئيسي.

بعد ان ادان العالم تنظيم »داعش« على عمليات الاعدام الوحشي للرهينتين الياباني والاردني التي تم بثها بالتفصيل من خلال حملة دعائية مثيرة, واصل نظام دمشق بكل هدوء, وبشكل بطيء وبالتنقيط عملية الابادة الجماعية التي يمارسها مع افلات واضح من العقاب. يقول المراقبون ان النظام شن الفي غارة جوية في شهر يناير الماضي فقط استخدم فيها براميل مصنوعة من مواد رخيصة بجهاز تفجير غير دقيق ومحظورة بموجب القانون الدولي, ادت الى مقتل 271 مواطنا واصابة الف مدني على الاقل بجروح وذلك الشهر الماضي وحده. طالما ان الولايات المتحدة تتخذ بكل بطء موقفا يستند الى معادلة »الاسد او الفوضى«, فان هذه الارقام تعتبر تذكيرا صارخا بالاستقرار غريب الشكل الذي يقدمه الديكتاتور السوري. * صحافية استرالية مستقلة تغطي سورية والشرق الاوسط منذ العام 2009 والمقالة نشرت في »ذي انتربريتر«