مهى عون/سورية… دعوة للحوار أم للتسليم بمغتصبي السلطة؟

281

سورية… دعوة للحوار أم للتسليم بمغتصبي السلطة؟
مهى عون/السياسة/18 شباط/15

كما في لبنان, في سورية واليمن أيضاً وأيضاً… دعوات تصدر كل يوم عن مجلس الأمن, ومختلف المراجع الدولية, تدعو إلى الوفاق والخروج من نفق التقاتل وإيجاد قواسم مشتركة بين المطالبين بالحق والعدالة الإنسانية وبين من هم في سدة السلطة الجائرة والمجرمة (سورية) أو من تواجدوا على رأسها بشكل طارئ (اليمن). دعوات لتسويات ولتطبيع عنوانه حقن الدماء من دون أي تحديد لهوية القاتل والمقتول, أو ذكر للمعتدي والمعتدى عليه, وفي ظل تغييب متعمد من المجتمع الدولي لحقوق الشعبين السوري واليمني, اللذين يرفضان سلطة الأمر الواقع بكل بشاعتها وصلفها.

لا يزال الشعب السوري بعد انقضاء أربع سنين من عمر الثورة, يطالب بحقه المشروع في العيش الكريم في ظل نظام ديمقراطي صحيح, والمؤتمرات التي بدأت لإيجاد السبل للتخلص من النظام الديكتاتوري القائم, انحرفت جميعاً عن مسارها مع قدوم تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”, وتحولت إلى دعوات للتلاقي والحوار بين السلطة والمعارضة (كما في مؤتمر موسكو الأخير), مع تغييب مضامين مقررات “جنيف1″ و”جنيف2″, من أجل مكافحة إرهاب “داعش”. يدفعنا هذا التحريف الذكي والمتعمد والبارع لسياق المطلب الأول, إلى التفكير العميق في أسباب إيجاد تنظيم الدولة الإسلامية في الداخل السوري, من ناحية مراميه الخفية وغير الظاهرة في دعم النظام السوري. إلا أن الأمور لا تستوي سوى بخواتيمها, وما ستحمله الأيام والأسابيع المقبلة من تطورات ميدانية سيعطينا فكرة أوضح عن مجريات الأمور وانعكاساتها على المسار التفاوضي السياسي, إذ من المستبعد جداً أن تقبل القوى الحية المناضلة على الأرض, التي دفعت ولا تزال الغالي والنفيس من أجل الاستمرار في الدفاع عن القضية الأولى, بهذا التحوير ولو وصل بطش “داعش” وإجرامه حدوداً تفوق الوصف, فبعد أربع سنين من الإبادة والتهديم والقتل المتعمد وشلالات الدماء على يد النظام الجائر, تصبح الدعوات إلى محاورة النظام المتكالب على شعبه بحجة دحر الإرهاب, مخططاً فاسقاً ومكشوفاً لكنه لن يكون قادراً على ابتلاع مجهود القوى الحية وتضحياتها. وقد يكون ذلك على رغم أنف المجتمع الدولي وإسرائيل, اللذين لا يزالان يدعمان النظام القاتل, وما قول المبعوث الدولي الخاص إلى سورية ستيفان دي مستورا إن “الأسد لا يزال رئيساً, وإنه جزء من الحل, وإن جزءاً كبيراً من سورية لا يزال تحت سيطرة الحكومة”, سوى تأكيد على نية المجتمع الدولي خوض لعبة “وسخة” تتمثل في تقديم الأسد البديلَ الوحيد من قوى الإجرام المتمثلة ب”داعش”.

كلام ستيفان دي مستورا الخطير والوقح لا يخرج عن سياق الإرادة الدولية, وخصوصاً الإسرائيلية, لتبرير التراجع الدولي عن فكرة تنحية الرئيس السوري أو إسقاطه أو قتله, كما أن في اعتباره الأسد جزءاً من الحل إعطاء القوى الأخرى المقاتلة معه, مثل “حزب الله” والحرس الثوري” الإيراني وكل الميليشيات والتنظيمات الشيعية المحلية والمستوردة, صك براءة, وهو أمر لم تدركه حتى القوى المناهضة لـ”حزب الله” في الداخل اللبناني, ما يحملنا على الظن إن الاتفاق الإيراني الغربي متقدم أكثر مما يظنه خصومه, وأن مطالب الشعب السوري بإطاحة النظام القاتل تم تخطيها على الصعيد الدولي لمصلحة تسويات معه.

وإذ أشار المبعوث الدولي بعد لقائه الأخير بالرئيس السوري, إلى أن لا حل عسكرياً ينهي الأزمة, اعتُبر كلامه بمثابة دعوة للنظام إلى المشاركة في إخراج حل سياسي, مثل وقف القصف على حلب أسوة باختبار حمص, التي أدى وقف النار فيها إلى إدخال المؤن للمحاصرين, وبمثابة تأمين المجتمع الدولي ورقةً بديلة للنظام من طرحه الشراكة في دحر الإرهاب, بحيث يصبح وقف النار دعوة إلى المعارضة لتوحيد البندقية مع النظام لدحر قوى الظلام التي باتت تهدد الجميع. ويطرح وجود “داعش” وتصرفه الهمجي أسئلة حول إفادة النظام من إيجاده, وهو ما لمح إليه أيضاً بشكل استباقي لمؤتمر موسكو وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف, الذي دعا المجتمعين إلى توحيد جهود السوريين في محاربة الإرهاب, مؤكداً أن الحوار يتطلب تقديم تنازلات من جميع الأطراف للتوصل إلى حلول وسط تؤمن هذه الغاية, وكأن مضامين مؤتمري جنيف 1 و2 التي تمحورت حول النزاع بين النظام والمعارضة أصبحت من الماضي وحبراً على ورق. مؤلمٌ أن يتحول المجرم والقاتل إلى راع للسلام, لكنها العدالة الدولية, وهو المنطق الأخرق التي يجمع بين النقيضين أميركا وروسيا اللتين لم نرهما تلتقيان وتتفقان سوى على دعم الإجرام والانحراف والشواذ.