شارل جبور/ كيف تقرأ الجهات الدولية أحداث عرسال؟

400

 كيف تقرأ الجهات الدولية أحداث عرسال؟
شارل جبور/الجمهورية
06/08/14

السؤال الذي تردد بقوة لدى دوائر القرار الخارجية بعد اندلاع معركة عرسال يتمثّل بالآتي: هل تشكّل هذه المعركة تحولاً استراتيجياً في مسار الوضع اللبناني؟ وهل هي طويلة الأمد ومفتوحة زمنياً أم قابلة للانحسار والتسوية قريباً؟ وهل هي مرشحة للتمدد والتوسع باتجاه مناطق أخرى أم أنها ستبقى محدودة في المكان على غرار «نهر البارد» و»عبرا»؟ وما الإجراءات المطلوبة سياسياً لحصر تداعياتها وانعكاساتها؟

الحرص الدولي على الاستقرار في لبنان لم يتبدل، وتحديداً لجهة إبعاد النيران السورية والعراقية عنه، كما أنّ المجتمع الدولي يدعم بقوة الحرب التي يخوضها الجيش اللبناني ضد الإرهاب، ولكن هذا لا ينفي المخاوف التي عَبّر عنها هذا المجتمع في التواصل مؤخراً مع المسؤولين اللبنانيين لجهة خطورة توسّع رقعة هذه الحرب إلى مدن لبنانية أخرى، ودعوته إيّاهم إلى اتخاذ الإجراءات الأمنية والسياسية المناسبة لعَزل ما يحدث في عرسال نفسها بانتظار حسم المشهد الميداني لمصلحة الجيش، لأنّ خطورة تمَدد هذه الحرب يعني انزلاق لبنان إلى المحظور الذي كان يخشى منه.

فالمخاوف الدولية تنطلق من قراءة تقول إنّ «عرسال» ليست «نهر البارد» ولا «عبرا»، نتيجة عاملين أساسيين:

العامل الأول، تطور منحى الصراع في المنطقة واشتداد المعارك العسكرية وتوسّعها وارتفاع منسوب التوتر المذهبي حَوّلَ الإرهاب إلى وجهة نظر. هذه النقاط أوجدت بيئة تبريرية، لا حاضنة، من قبيل أنه لا يوجد إرهاب بسَمنة وإرهاب بزيت، وأنّ هناك فعل ورد فعل، الأمر الذي فاقمَ المخاوف، في حال تطورت المواجهات واستعرَت، من تحوّل البيئة التبريرية إلى بيئة حاضنة.

وهذه المخاوف تنطلق من قاعدة أساسية أنّ أيّ حالة أمنية مهما كبر حجمها ليست عَصيّة على الضرب والاستئصال، فيما أيّ حالة سياسية مهما صَغر حجمها غير قابلة للاحتواء، الأمر الذي يجعل الجهد الدولي مُنصبّاً على عزل الحالة الأمنية عن الوضع السياسي.

العامل الثاني، المدى الجغرافي في عرسال وجرود عرسال، كما الحجم الديموغرافي الذي يتعدى الـ120 ألف لاجئ سوري، فضلاً عن الصعود «الداعشي» في المنطقة، يجعل طبيعة المعركة في عرسال وظروفها مختلفة عن كل المعارك السابقة.

ومن هذا المنطلق تدفع الجهات الدولية باتجاهين:

الاتجاه الأول، توسيع أكبر احتضان ممكن للجيش، وتحديداً داخل الشارع السني لقطع الطريق على أيّ خطاب تبريري، وذلك عبر التوحّد خلف المؤسسة العسكرية إبّان المعركة القائمة، والتمييز حتى حدود الفصل بين الدعم المُطلق للجيش، وبين تحميل «حزب الله» مسؤولية استجلابه الإرهاب إلى لبنان كما وردَ في بيانَي كتلة «المستقبل» وقوى 14 آذار أمس، لأنّ هناك محاسبة سياسية يجب اتمامها ولا يجوز التغاضي عنها. وفي هذا السياق تعتبر الجهات المعنية أنّ تيار «المستقبل» ما زال الأقوى بامتياز داخل الشارع السني، ولذلك تُبدي ارتياحها من أنّ الساحة السنية في الإجمال تحت السيطرة.

الاتجاه الثاني، الانتصار الذي حققه لبنان في العام 2006 كان بصدور القرار 1701 وليس بانتصار «حزب الله» على إسرائيل أو العكس. وبالتالي، على رغم كل المآسي التي خَلّفتها تلك الحرب، شَكّل القرار المذكور مظلة حماية للبنان، والدليل أنّ المنطقة الأكثر أماناً وعمراناً في لبنان هي المنطقة الخاضعة لمنطوق هذا القرار.

وبالتالي، في الوقت الذي يخوض الجيش أشرف معركة دفاعاً عن لبنان وكل اللبنانيين، على القوى السياسية الحريصة على حماية لبنان عدم ترك الجيش وحيداً في ساحة المعركة، إنما مؤازرته سياسياً عن طريق خوض معركة توسيع مهام القرار 1701 ليشمل الحدود مع سوريا، لأنه من غير المسوح أن تذهب تضحيات الجيش اللبناني سُدى، حيث أنّ حماية هذه التضحيات تكون بضبط المعابر التي عَبرت منها الفتنة والتي يشكل استمرارها على ما هي عليه ثغرة كبيرة في الوضع اللبناني يمكن أن يتجدّد معها المشهد العرسالي في أيّ منطقة من لبنان.

فكلفة المعركة العرسالية التي سبّبها إبقاء الحدود مشرّعة وتوحيدها بالاتجاهين يستحيل أن يتحمّلها اللبنانيون مرتين، وبالتالي التحدي الأساس اليوم يكمن في تشريع وضعها دولياً ووطنياً بالشكل الذي يُصار فيه إلى فك الارتباط بين المشهدين اللبناني والسوري، خصوصاً أنّ حماية الانتصار الذي سيحققه الجيش عسكرياً غير ممكن إلّا بمظلة سياسية من قبيل توسيع القرار 1701، كما أنه غير صحيح اعتبار مسؤولية الحدود مشتركة بين لبنان وسوريا تِبعاً لما قاله العماد ميشال عون، لأنّ الحدود مسؤولية دولية أولاً وأخيراً.

والانقسام اليوم في لبنان ليس بين مَن يدعم الجيش ومن يدعم الإرهابيين، لأنّ اللبنانيين كلهم يقفون صفاً واحداً وراء الجيش، إنما الانقسام هو بين مَن يريد حماية دماء الجيش بمنع تكرار ما حصل، وبين من يريد إبقاء الوضع اللبناني مشرّعاً على العواصف الإقليمية، فيما الكلفة التي وضعها لبنان في السنتين المنصرمتين ويضعها جيشه اليوم يجب أن تشكّل الحافز لتحييد لبنان عن الأزمة السورية.

وما هو غير مفهوم لماذا القرار 1701 مقبول على الحدود اللبنانية – الإسرائيلية ومرفوض على الحدود اللبنانية – السورية؟ وهل هذا يعني أنّ الموافقة عليه من قبل الجهات التي ترفض توسيعه اليوم كانت اضطرارية نتيجة الظروف المعلومة ولا يعبّر عن قناعة هذه الجهات؟ وهل مسموح أن يبقى التعامل مع المسائل الحدودية انتقائياً بهذا الشكل؟ وهل ستنجح 14 آذار في توسيع رقعة هذا القرار كما نجحت في استصداره في العام 2006؟