داود البصري/محكمة جرائم الحرب الدولية والنظام السوري

289

محكمة جرائم الحرب الدولية والنظام السوري
داود البصري/السياسة/14 شباط/15

لم يسجل تاريخ البشرية المعاصر نظاما سياسيا بلغ من الإجرام مبلغا وارتكب من الجرائم ما تنوء بحمله كل ملفات ومحاكم الدنيا أكثر من النظام السوري الإرهابي, عبر حقبه وأطواره ومراحله المختلفة, والتي بدأت سجلاتها الأولى والتمهيدية بعد انقلاب اللجنة العسكرية البعثية في 8 مارس 1963, والتي دشنت مسيرة سلطوية بعثية حافلة بالإرهاب والقمع, وتدمير حياة السوريين وتحطيم اقتصادهم, وتهشيم مجتمعهم عبر فرض اشتراكية اللصوص والتفقير, وتحويل البلد العربي السوري الناهض لمعتقل كبير تقتلع فيه العيون, وتدار داخل أسواره أفظع أشكال التعذيب والامتهان, وتسرق موارده لصالح جمهرة من العصابات السلطوية الاستخبارية التي تسلطت بالحديد والنار والدم على مقدرات شعب صبر طويلا وثار مرارا وتعرض لنكسات إنسانية كبرى, صمت أمامها العالم الذي تجاهل نداءات الشعب السوري الدموية, وتسلط ضباع الفاشية عليه بدرجة لم تحدث حتى مع أعتى الأنظمة الشيوعية قمعا وإرهابا, باستثناء حالة كوريا الشمالية. لقد فرض الفاشيون في سورية حزاما صارما من الإرهاب والرعب والترويع, وباشروا بسياسات وتدمير لمكونات الشعب السوري, وفرضوا ديكتاتورية دموية سوداء أقضت مضاجع السوريين, ودفعت الملايين منهم للهروب خارج أسوارتلك الحديقة الفاشية التي سقيت بدماء السوريين.

فمن عهد اللجنة العسكرية وصراعات عناصرها الدموية, لعهد ماعرف بحركة التصحيح, وماجرى خلالها من مجازر مروعة سواء بين الرفاق أنفسهم, أوبينهم وبين جماهير الشعب السوري المنتفض, ووصولا لتنصيب الوريث بشار على كرسي والده الرئاسي في خطوة أثارت سخط واستهزاء العالم, كان النظام السوري في ممارسة مستمرة للجرائم المروعة, سواء على المستوى القمعي الداخلي وحيث التفنن في فتح السجون وإنشاء فروع المخابرات المرقمة والمشفرة أو في العمل في مجال الإرهاب الدولي في المنطقة والعالم, بالتعاون مع العصابات الإرهابية المختلفة بدءا من جماعات اليسار الثوري في سبعينات القرن الماضي, وصولا للعصابات الطائفية العراقية واللبنانية وغيرها من أتباع المشروع الإيراني المعروف, حتى تحولت أرض الشام لمعسكر إرهابي كبير, مارس بلطجته على دول المنطقة واجتاح لبنان الصغير العام 1976 فارضا حالة احتلال عسكري واستخباري معلنة لم تنته حتى اليوم, رغم هروب القوات السورية من لبنان بعد قتل النظام السوري لرئيس الحكومة اللبنانية رفيق الحريري في تلك الجريمة, وفي مثل هذه الأيام قبل عشر سنوات عجاف من القتل والتقتيل والنهب. لقد صمت العالم طويلا ومطولا على جرائم النظام الإرهابية السابقة على كافة المستويات, وسكت العالم نفسه عنه اليوم وهو يمارس منذ أربعة أعوام بالتمام والكمال مهمة قتل السوريين الأحرار, الذين أشعلوها ثورة ضد الظلم والطغيان, ورفعوا شعار إسقاط النظام ومازالوا يعملون لتحقيق ذلك, رغم تبدل معادلات الصراع ودخول النظام في سباق طويل لتدمير الشام, وكل سورية على رأس شعبها, وتحويل الشعار الفاشي بجعل سورية أرضا من دون شعب لحقيقة ميدانية يساعده في ظل صمت الدول الكواسر وعدم اهتمام العالم بمعاناة السوريين, رغم بشاعتها التي تجاوزت كل الحدود, وكل ماهو مألوف من تداعيات الصراع الداخلي. النظام السوري يخوض اليوم حربا دولية إرهابية شاملة ضد شعبه مستعينا بحلفائه المعروفين من الروس والإيرانيين والعصابات الطائفية اللبنانية والعراقية التابعة لهم ومستعملا شتى أنواع الأسلحة المحرمة دوليا من أمثال القنابل الفراغية أوالبراميل والغازات الكيماوية, التي تجاهل العالم استعمالها العام 2013 في غوطتي دمشق الثائرتين.

لا نتعجب من مواقف الدول الكبرى أو الصغرى المصلحية والمنافقة, ولكننا نعجب من صمت المنظمات الحقوقية الدولية التي تقيم الدنيا لاعتقال شخص ما في العالم, بينما تصمت صمت الموتى عن الإعدام الجماعي للسوريين, وعن حملات الإبادة الممنهجة التي يقوم بها النظام, والتي تصاعدت بشكل تدميري هائل في غوطة دمشق وفي مدينة دوما تحديدا. لقد اهتز الضمير الأوروبي المنافق وحتى الدولي لمصرع خمسة من صحافيي “شارل إيبدو” الباريسية, وخرجت التظاهرات الكونية المستنكرة, بل وتشكل تحالف دولي لمحاربة “داعش” وأخواتها, بينما بلغ عدد قتلى النظام السوري أكثر من نصف مليون إنسان, ولم تخرج تظاهرة دولية واحدة تصرخ “كلنا الشعب السوري الحر”, نفاق مريض ومدمر لكل من يراهن على الضمير الدولي الميت. أين اتحاد المحامين العرب الذي لم نسمع منه همسا أوحتى كلمة عتاب? وحده المحامي اللبناني الحر الشجاع طارق شندب كان عنوانا للكرامة والتحرك, وإعلان الصوت العالي في استنكار ومتابعة جرائم وحش الشام وغلمانه الطائفيين, بينما صمت أهل القانون العرب وهم يتابعون المأساة ويغطون بصمتهم على جرائم الفاشيين والمجرمين في الشام. ما يحصل فضيحة وعار لسجل المنظمات القانونية والإنسانية, ولابديل عن متابعة ملف النظام الإرهابي السوري والمطالبة بتحويله لمحكمة جرائم الحرب الدولية, فقد آن أوان تحويل نظام دمشق لمزبلة التاريخ, فذلك هو مكانه.