جويس كرم/استراتيجية أوباما: الأمن أولاً

248

استراتيجية أوباما: الأمن أولاً
جويس كرم/الحياة/10 شباط/15

ليس هناك إعادة حسابات ولا تغييرا جذريا في السياسة الأميركية خلال السنتين الاخيرتين لباراك أوباما في البيت الأبيض، بحسب ما يتضح من وثيقة “استراتيجية الأمن القومي” الأخيرة لواشنطن. فالأعمدة الرئيسية التي وضعتها المستشارة سوزان رايس بعد “الربيع العربي” ما زالت هي نفسها، تتبدى فيها اقليميا أولوية الأمن على الديموقراطية، واعتماد مبدأ الابتعاد عن النزاعات المكلفة بدلا من استنزاف قدرات بشرية وعسكرية لحلها.

الاستراتيجية الجديدة التي كشفت عنها الادارة الجمعة الماضي، وهي الاخيرة لأوباما قبل مغادرة البيت الأبيض في كانون الثاني (يناير) 2017، تعكس توازنا لمصلحة الدائرة الضيقة داخل فريق الرئيس، وآخر إقليميا حذرا وبراغماتيا يعتمد نهجاً بارداً في مقاربة أزمات المنطقة. فمن ناحية الفريق، تعكس الاستراتيجية الواقعة في 35 صفحة نفوذ رايس التي رافقت أوباما منذ الحملة الرئاسية في 2007، وهي الأقرب اليه وأكثر تأثيراً في رؤيته الخارجية من الوزير جون كيري.

رايس المعروفة بصراحة فاضحة تغيب عنها الديبلوماسية، سوقت الاستراتيجية الجديدة في خطاب امام “معهد بروكينغز”. وجاءت الوثيقة لتعبر عن تطابق تام في سياسة الشرق الأوسط مع ما كانت كشفت عنه المستشارة العام 2013 في مقابلة مع صحيفة “نيويورك تايمز”. فالخطوط العريضة الأربعة التي حددتها قبل عامين في المنطقة تتكرر نفسها اليوم كمحرك لرؤية واشنطن، وهي أولا مكافحة الإرهاب وتفكيك الشبكات الإرهابية، وثانيا ضمان أمن الحلفاء الإقليميين وتعزيز قوتهم الدفاعية، وثالثا الحد مِن الانتشار الكيماوي والنووي (إيران)، ورابعا ضمان تدفق النفط والطاقة من الشرق الأوسط.

عملياً، بررت الاستراتيجية انعطافات أوباما الإقليمية من سورية الى مصر بمحاربة “القاعدة”. فالفشل الذي يتهمه به خصومه في سورية تسميه الوثيقة “الصبر الاستراتيجي” وتبرر المسافة التي حفظها اوباما من النزاع بعدم الانزلاق الى “حروب أهلية” و “فتن طائفية” في المنطقة، وعدم حصر القوة الاميركية بالناحية “العسكرية”. وتحدد الوثيقة سقف اي تحرك في سورية بدعم المعارضة المعتدلة للمحاربة على جبهتين “ضد الاٍرهابيين وضد وحشية نظام الأسد”، وهو ما تتوقع مصادر ان يبدأ مطلع الصيف بعد الانتهاء من تدريب الفوج الاول للمقاتلين الخمسة آلاف المدعومين من واشنطن.

أما في مصر، فترسخ الاستراتيجية الاحتضان الاميركي للمصالح الامنية والتعاون البراغماتي مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي. اذ قالت رايس في “بروكينغز” حول دعم الديموقراطية في العالم العربي ان “الهدف البعيد المدى هو المجتمعات الديموقراطية، إنما من الصعب النجاح حين يكون علينا التركيز على التهديدات الأمنية”. وتبنت الوثيقة “المحافظة على التعاون الاستراتيجي مع مصر بشكل يعزز التعامل في الرد على التهديدات الأمنية المشتركة وتوسيع شراكتنا وتشجيع التقدم نحو بناء المؤسسات”.

فأوباما البارد في حساباته الإقليمية، كان متمسكا منذ اليوم الاول بالانسحاب من النزاعات المكلفة في الشرق الأوسط والتحول الى أسواق آسيا. وجاء “الربيع العربي” ثم “داعش” وأزمة اوكرانيا ليعرقلوا هذه الرؤية. غير ان الرئيس المتردد سيحاول قدر الإمكان إدارة أزمات المنطقة من بعد، من دون التورط في وحولها. فلا قوات برية في العراق، ولا تصادم مع اسرائيل حول عملية السلام التي تناستها الاستراتيجية الجديدة، فيما يستمر امتحان نوايا ايران في محادثات احتواء برنامجها النووي. وعليه، فإن الدور الاميركي في المنطقة، والى حين خروج أوباما، أمني ودفاعي بالدرجة الاولى، عبر دعم الحلفاء عسكريا، وضرب “داعش” و”القاعدة” وما يماثلهما، وإبطاء عجلة المنشآت النووية الإيرانية.