من جريدة الرأي الكويتية مقابلة مع النائب السابق سمير فرنجية والوزير السابق محمد عبد الحميد بيضون عنوانها: “الحوارات في لبنان بين الصحوة والصفقة

304

من جريدة الرأي الكويتية مقابلة مع النائب السابق سمير فرنجية والوزير السابق محمد عبد الحميد بيضون عنوانها: “الحوارات في لبنان بين الصحوة والصفقة
بيروت – من آمنة منصور/10 شباط/15

الوزير والنائب السابق محمد عبد الحميد بيضون
• «حزب الله» غارق في المذهبية ويريد إغراق «المستقبل» أيضاً ففرض عليه أن يكون وفد «الأزرق» من السنّة حصراً

• «حزب الله» يضع يده على البلد ويشتري الوقت بالحوار بانتظار نتائج الأوضاع في سورية

• عون يريد من جعجع التحاور معه على توزيع الحصص وليس كيف سينهض لبنان

• اختزال مركز رئاسة الجمهورية بطائفة واختزال الطائفة بشخصين لا أعتبره صحيّاً أبداً

• هناك بالتأكيد هزيمة ستلحق بمشروع «8 آذار» لكن لن يكون انتصاراً لـ «14 آذار»

• مشروع «حزب الله» منذ 2005 وصل إلى نهايته فالثورة السورية أنهت المشروع الإيراني

بعيداً عن طبول الحرب و«صخب» الصراعات التي تشهدها المنطقة، تعزف الحوارات الثنائية التي يشهدها لبنان حالياً إيقاعاً هادئاً للحياة السياسية، يجمع المتخاصمين من دون أن «يحذف» الملفات الخلافية المتفجرة بينهم، بل يعيد «ضبط ايقاعها».

تحت عنوان تنفيس الإحتقان السني – الشيعي ومحاولة التفاهم على بدأ الرئيس التوافقي، تتكرر جلسات الصراحة والمصارحة بين تيار «المستقبل» و«حزب الله». وبهدف تذليل العوائق أمام إنتخاب رئيس جديد للجمهورية، تجري الترتيبات على قدم وساق لحوار يجمع رئيس تكتل «التغيير والإصلاح» النائب العماد ميشال عون ورئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع.

هذا التقارب المفاجئ طرح على الساحة اللبنانيين عدة تساؤلات منها: ما سرّ توقيت هذه الحوارات، ما أفقها، ولماذا أخذ انفتاح المتخاصمين «لبوساً» طائفياً ولم يتخذ شكل الحوار الوطني الجامع الذي ألفه اللبنانيون؟

«الراي» استعرضت هذه الحوارات الثنائية مع كل من النائب السابق وأحد أبرز شخصيات قوى الرابع عشر من آذار سمير فرنجية، والوزير السابق محمد عبد الحميد بيضون، اللذين توقفا عند منطلقاتها والأهداف القادرة على بلوغها.

الوزير السابق يعتبر أن التسلّط الميليشيوي يفرض أشكالاً من خارج المؤسسات

بيضون: تنفيس الاحتقان المذهبي لا يتطلّب الجلوس في «فندق» عين التينة

شدد الوزير السابق محمد عبد الحميد بيضون على أن «تنفيس الاحتقان المذهبي هو من مسؤولية المسيحيين أيضاً»، موضحاً أن هذا التنفيس «لا يتطلب الجلوس في فندق عين التينة، بل يتطلب لجاناً محلية تعمل على الأرض».

وحذّر من «أن (حزب الله) غارق في المذهبية كلياً، ويريد إغراق تيار (المستقبل) في المذهبية أيضاً، ففرض على التيار أن يكون وفد (الأزرق) إلى الحوار من السنّة حصراً لا شيعة فيه ولا مسيحيين، علماً أن (المستقبل) تيار متنوع وهو يمثل 14 آذار التي تضم كل الألوان»، لافتاً إلى «أن الحزب ليس في وارد تقديم تنازلات، وهو يشتري الوقت لمصلحة إيران».

  • بدا لبنان وكأنه أمام «صحوة» مفاجئة أعادت أطرافاً متخاصمين إلى الحوار من أماكن متباعدة. هل ترى في ذلك تعبيراً عن إحساس بخطورة ما آل إليه الوضع في المنطقة والبلاد أم نتيجة مأزق الأطراف عيْنها؟

ـ المشكلة الأساسية في لبنان، ومنذ اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري في فبراير 2005 هي في تعطُّل مؤسسات الدولة اللبنانية، ذلك أن «حزب الله» وامتداداته الإقليمية لا يريدون دولة لبنانية قادرة وتملك الشرعية. بل على العكس من ذلك، فهم يريدون أن تبقى الدولة تحت الوصاية وأن تكون مؤسساتها ضعيفة.

والصورة في لبنان اليوم هي على الشكل التالي: فراغ متعمّد في رئاسة الجمهورية من «حزب الله» وإيران اللذين يريدان استخدام الاستحقاق الرئاسي كورقة ضغط في التفاوض مع الغرب في الملف النووي ومصير نظام (الرئيس بشار) الأسد، والحكومة بدورها مشلولة بوجود 24 رأساً (وزير)، وهذا ما يسمى بـ «مزرعة البصل» التي تكثر فيها الرؤوس. أما مجلس النواب الذي مدّد لنفسه، فلا فعالية له.

هذه الصورة،التي يظهر فيها التهميش المتعمّد للمؤسسات الدستورية تدفع للبحث عن متنفس آخر هو الحوار. وأنا شخصياً ما كنت لأقتنع بهذا الحوار خارج المؤسسات، فالنظام في لبنان ديموقراطي ويفترض أن يكون الحوار ضمن المؤسسات، وعلينا ألا نقبل أن يفرض علينا «حزب الله» أساليبه. لكن للأسف، التسلط الميليشيوي على البلد يفرض أشكالاً من خارج المؤسسات ومن خارج النظام الديموقراطي ومنها الحوار الذي يجري في «فندق» عين التينة. وأنا أطلق عليه اسم «فندق عين التينة» لأنه يقدم الفراكة والكبة ولا يلعب أي دور آخر.

إضافة إلى ذلك، «حزب الله» غارق في المذهبية كلياً، ويريد إغراق تيار «المستقبل» في المذهبية أيضاً، ففرض على التيار أن يكون وفد «الأزرق» من السنّة حصراً لا شيعة فيه ولا مسيحيين، علماً أن «المستقبل» تيار متنوع وهو يمثل 14 آذار التي تضم كل الألوان.

ومن هنا أرى أن المسيحيين وخصوصاً عون وجعجع، اللذين شعرا بأنهما خارج الإطار والقرار، اضطرا الى الإعلان عن اتجاههما للحوار ليضلطعا بدور في هذا المجال.

وفي الحقيقة فإن هذا الحوار، الذي لا أدينه اذ انني أشجع أي حوار، يدل على تهميش المؤسسات الدستورية وتهميش كل اللاعبين السياسيين أو على تهميش ذاتي لهم. فنرى في هذا الإطار أن عون وجعجع يستدركان هذا التهميش، ولا أعلم إلى أين سيصل حوارهما.

  • اللافت أن حركة الحوار الدائرة على المقلبيْن الإسلامي والمسيحي تتجنّب الكلام المباح عن الشغور الرئاسي وتذهب إلى عناوين أخرى إما أمنية وإما على صلة بأهداف فئوية.. لماذا؟

ـ بالعودة إلى غاية «حزب الله» من الحوار، فالحزب يضع يده على البلد ويشتري الوقت بانتظار نتائج الأوضاع في سورية. فبالنسبة لإيران والحزب، مصير الأسد حاسم، وهما سيتكبدان خسارة إستراتيجية كبيرة جداً إذا سقط. ولذا يريدان لبنان ورقة للتفاوض حول مصير الأسد وحول الملف النووي.

  • هل «حزب الله» في وارد تقديم التنازلات؟

ـ لا يبدو ذلك، فالمؤشرات الأولية تظهر أنه ليس في وارد التنازل. الحزب يعلن عن نيات حسنة لكنه لا يقوم بخطوات حسنة. فالمطلوب وفقاً لكل الشعب اللبناني أن تتوقف الفوضى التي أوجدها إنفلاش السلاح، وأن يُطبق القانون على جميع الناس وأن تتوقف المعايير المزدوجة.

ومن الأمثلة على ازدواجية المعايير عدم تعاطي القوى الأمنية مع عناصر «حزب الله» التي تتوجه للقتال في سورية دفاعاً عن بشار الأسد، فيما يتم اتهام أي عنصر آخر يتوجه للقتال ضد الأسد بالإرهاب وتجري ملاحقته والحكم عليه بالمؤبد أو الإعدام. فهذا الوضع لا بد من معالجته في العمق، وإلا فإن الشارع المؤيد لـ «المستقبل» وسياسات الاعتدال واللجوء إلى مظلة الدولة قد يذهب باتجاه التطرف.

  • هل تعتقد أن الحوار الدائر بين «المستقبل» و«حزب الله» كفيل بتنفيس الاحتقان المذهبي ـ وهو الهدف المعلن له ـ أم أنه قد يذهب في نهاية المطاف إلى التفاهم على إعادة تكوين السلطة بتوازنات جديدة (قانون انتخاب، رئاسة الجمهورية، الحكومة..)؟

ـ لا يمكن الحديث عن إعادة تكوين السلطة، فـ «حزب الله» يقوم أصلاً بتهميش المؤسسات الموجودة. وأمينه العام كان أعلن «أننا لسنا في وقت تسويات كبرى»، وكل ما في الأمر أن الحزب يريد ربح الوقت ريثما تنتهي المفاوضات الإقليمية.

فهل الحوار قادر على الوصول إلى هذه النتائج؟ جوابي هو لا، بما فيها تنفيس الاحتقان. فأنا اعتبرتُ من الأساس أن تنفيسه لا يتطلب الجلوس في فندق عين التينة، بل يتطلب لجاناً محلية تعمل على الأرض في كل المناطق التي شهدت صَدامات، تكون مهمتها القيام بمصالحات فعلية خلفيتها سحب السلاح من كل الناس، على أن يواكبها عمل إعماري من الدولة والقيام باستثمارات لايجاد فرص عمل وتشجيع القطاع الخاص.

فـ «سرايا المقاومة» في صيدا هم عصابة تحمل السلاح وتروّع المدينة، وفي طرابلس طُبقت الخطة الأمنية، ولم يتم سحب السلاح من حزب رفعت عيد، في حين يقتضي إجراء مصالحات حقيقية سحب السلاح، و«حزب الله» غير مستعد لإعطاء الدولة دورها. وللأسف الأطراف في لبنان، وخصوصاً بري الذي نظّم الحوار، لا تفكر إلا بالمحاصصة. ومن الأمثلة على ذلك ما حصل في موضوع النفايات.

  • ماذا يعني حوار يضع على الرفّ ملفات الخلاف الجوهرية كما هو حاصل على الطاولة بين «المستقبل» و«حزب الله»؟

ـ مَن نظم الحوار يريد تفعيل المحاصصة وتقاسُم مغانم الدولة وإقامة مشاريع زبائنية. وإذا أراد تيار «المستقبل» النجاح في هذه التجربة عليه التركيز على الإصلاحات، فالمحاصصة ستكون ضد التيار الأزرق ومشروع الحريري.

ويبقى أن الشرط الأساسي لتنفيس الاحتقان المذهبي على الأرض هو سحب كل السلاح. سلاح الفوضى والفساد والخطف. ولا بد من الاتفاق على محاسبة المخلين. وأنا أتمنى النجاح لتيار «المستقبل» بفرض إصلاحات أساسية ـ هي أصلاً من إرث رفيق الحريري ـ على طاولة الحوار.

  • هل تعتقد أن الحوار بين «القوات اللبنانية» و«التيار الوطني الحر» هو رد ضمني على «النقزة» من حوار «المستقبل» ـ «حزب الله»؟

ـ نعم. فالطريقة التي نُظم فيها حوار «المستقبل» ـ «حزب الله» أشعرت الشارع المسيحي بأن القرارات الأساسية ستُتخذ بعيداً عنه، فهبّوا للحوار.

وفي رأيي أنه ما دامت بقيت المؤسسات الدستورية ميتة، فإن الحوارات قد تكون مفيدة. لكن ما نحذر منه هو أن تكون هذه الحوارات بهدف تفعيل المحاصصة. فمن الواضح أن عون يريد من جعجع التحاور معه على توزيع الحصص. وكما يبدو من خلال ما تسرب عن هذا الحوار المسيحي ـ المسيحي أنه ليس حواراً وطنياً، إذ إن البحث ينصبّ فيه على المحاصصة ودور المسيحيين فيها، وليس كيف سينهض لبنان. والجنرال عون كان طرح على الرئيس الحريري قيام مثلث عون ـ الحريري ـ نصرالله أي محاصصة ثلاثية في المشاريع وأموال الدولة، باعتبار ان القرار السياسي سيبقى في يد «حزب الله» وإيران.

  • كيف تقرأ ما قيل عن أن الحوار بين عون وجعجع غايته طيّ خصومة سياسية عمرها 30 عاماً.. هل في الإمكان تحقيق ذلك؟

ـ إذا اتخذ الحوار بعداً وطنياً ولم يتم التركيز على الحصص، من الممكن أن يستعيد الدور المسيحي تألّقه في لبنان. أما إذا كان الحوار ذات طابع انعزالي ومذهبي فقط حول حصص المسيحيين وتقاسُمها، فهو حوار فاشل من مطلعه.

  • ثمة مفارقة لا يمكن تجاهلها تتمثل في أن الداخل اللبناني ذاهب إلى الحوار في اللحظة التي تشتدّ فيها المواجهة الإقليمية من سورية إلى اليمن مروراً بالعراق وليبيا وسواهم.. ماذا يعني ذلك؟

ـ 14 آذار اتخذت قراراً منذ العام 2005 بعدم خوض مواجهات وحرب أهلية، فلم يتسلح هذا الفريق، الأمر الذي حال دون غرق لبنان في الفوضى.

ومن ناحية ثانية هناك القرار 1701 الذي جاء بتأثير من الرئيس الحريري، وينصّ على نزع السلاح غير الشرعي ومن ضمنه سلاح «حزب الله» في حوار داخلي وليس بحرب أهلية.

وفي حين كان يفترض بـ «حزب الله» تسليم سلاحه للجيش خلال فترة زمنية معقولة، إلا أنه ما زال يرفض ذلك ويريد البقاء فوق الدولة وفوق الجيش. والخوف اليوم هو إذا اتجه الشارع السني نحو الجماعات المتطرفة، ولا سيما «داعش» فحينها سيغرق لبنان بالتأكيد في الفوضى، وهذا ما يصيب مقتلاً لـ «حزب الله» لأنه عاجز عن خوض معركة في سورية ولبنان في آن واحد. من هنا نسأل: هل الحزب يريد الاستعانة بسعد الحريري لضبط الشارع السني دون أن يقدم له أي تنازلات؟ علماً ان التنازلات المطلوبة ليست لسعد الحريري بل للدولة. فأضعف الإيمان أن يقول الحزب انه لن يكون هناك سلاح في الشارع وأن يقول ان الضاحية ستكون في عهدة الدولة وتخضع للقانون وأن يتم توقيف زراعة الحشيشة.

إذاً المطلوب من «حزب الله» تقديم تنازلات لمؤسسات الدولة، وفي رأيي أن الحزب لن يُقْدم على ذلك لأنه يريد فقط شراء الوقت بانتظار تطورات الوضع في سورية.

ختاماً أود الإشارة إلى أنه منذ الغزو الأميركي للعراق في العام 2003 شعرنا بانسحاب عربي حيث تُركت الساحة لإيران التي تمادت في سياسات النفوذ ووصلت إلى درجة تبجُّح أحد مسؤوليها بالسيطرة على أربع عواصم عربية هي: صنعاء وبغداد وبيروت ودمشق.

وإيران لن ترتدع عن سياسات النفوذ ببساطة، بل لا بد من مواجهة عربية. من هنا أجدد تأكيد ضرورة عقد مؤتمر قمة عربية استثنائي مخصص لدراسة سبل مواجهة السياسة الإيرانية. فهذه السياسات أغرقت المنطقة في الصراع السني ـ الشيعي، و«داعش» هو منتج ثانوي من منتجات هذا الصراع الناتج بدوره عن سياسات إيران وسياسات النفوذ التي لا تؤدي إلا إلى حروب أهلية وصراعات في لبنان وسورية والعراق واليمن.

سمير فرنجية

النائب السابق يرى أن حوار عون ـ جعجع ينتمي إلى فترة الماضي

سمير فرنجية: الأولوية المطلوبة وقف التوتر السني ـ الشيعي

أكد النائب السابق وأحد أبرز شخصيات قوى الرابع عشر من آذار سمير فرنجية أن «حوار عون ـ جعجع ينتمي إلى فترة الماضي»، مشدداً على أن «هذا الحوار ليس في مكانه، فمسألة رئاسة الجمهورية تعني كل الشعب اللبناني وليست فئة واحدة، وبالتالي فإن وضعها في هذا الإطار أمر سيئ».

وخلص إلى أن «الحوار المطلوب فعلاً اليوم هو بين الطبقة السياسية على اختلاف أشكالها وبين الناس».

  • غالباً ما دعيتم إلى «الوصْل لا القطْع»، هل يمكن وضع حركة الحوارات الجارية في هذا الإطار أم إنها تعبير عن تقاطُع مصالح فئوية بين القوى المنخرطة في هذه الحوارات؟

ـ أود التمييز بين حوار وآخر. فهناك حوار لا أعلم إذا كان سيعطي نتيجة لكنه في الحد الأدنى يخفف قليلاً من التوتر، وهو الحوار الذي يجري بين تيار «المستقبل» و«حزب الله». أما الحوار بين سمير جعجع وميشال عون فغايته محدودة جداً ولها علاقة برئاسة الجمهورية.

ومع تأييدي لأيّ شكل من أشكال الحوار في المبدأ، إلا أن هذا الحوار ليس في مكانه، فمسألة رئاسة الجمهورية تعني كل الشعب اللبناني وليست فئة واحدة، وبالتالي فإن وضعها في هذا الإطار أمر سيئ في نظري. فرئيس جمهورية لبنان ليس ممثل المسيحيين في السلطة، بل هو حكَم بين كل اللبنانيين مسلمين ومسيحيين؛ لذا فإن اختزال هذا المركز بطائفة واختزال الطائفة بشخصين أمر لا أعتبره صحياً أبداً.

في المقابل، يقدّم حوار «المستقبل» ـ «حزب الله» بالحدّ الأدنى فائدة عامة للبلد، من خلال تخفيف شيء من التوتر. وبالتالي لو كان الحوار بين «المستقبل» و«حزب الله» حول رئاسة الجمهورية، لكانت ملاحظاتي حوله شبيهة بملاحظاتي حول الحوار بين عون وجعجع.

  • اللافت بين هذه الحوارات أنها تتم بشكل ثنائي وخارج سياق الحوار الوطني العام؛ هل يُعتبر ذلك علامة سلبية أم إن مجرد الحوار سيشكل خطوة إلى الأمام؟

ـ ليس بالضرورة أن يكون لهذا الحوار جانب إيجابي بالمطلق. ففي الحوار عادة، لا بد أن يحتكم المتحاورون إلى مرجعية، فما المرجعية في هذا الحوار؟

هدف الحوار هو تخطي الصراعات على قاعدة مرجعية مشتركة هي في هذه الحالة الدستور، حيث يضع الحوار عادة هدفاً هو تخطي الوضع القائم في سبيل الوصول إلى وضع جديد. وهذا الأمر لا يتم الآن، اذ لا أتصوّر أن الحوار بين «حزب الله» و«المستقبل» وصل إلى هذه المرحلة، فهما مازالا يتحدّثان عن مسألة تخفيف التوتر وتطبيق الخطط الأمنية. ولكن في تقديري، قد يكون الحوار المطلوب فعلاً اليوم هو حوار بين الطبقة السياسية على اختلاف أشكالها وبين الناس. أي مع هذا الرأي العام العريض الذي أصبح اليوم جزءاً من الحركة السياسية. وهذا الأمر لم يكن موجوداً منذ عشرين وثلاثين وخمسين عاماً، وتالياً العمل السياسي بالمفهوم الذي مازلنا نتعاطى فيه اليوم بات قديماً.

  • ما آليات هكذا حوار؟

أول حوار مطلوب اليوم هو بين الطبقة السياسية والجمهور. فالقطيعة بين الاثنين تسرّع في انهيار الدولة، لأن طبقة سياسية لم يعد خطابها مفهوماً عند الناس تصبح عاجزة عن فعل أي شيء. وهناك إشارات على هذا النمط من العلاقة، فحين قررت الدولة الاهتمام بموضوع الغذاء الذي يعني المواطنين، كان رد الفعل إيجابياً جداً عند الناس.

أما حين يأتي شخص ليخبرنا أنه يختزل طائفة بأكملها، وأن لهذه الطائفة حقوقاً هو يريد أخذها، فلا يعود الأمر مفهوماً عند الناس.

  • هل تقصد العماد ميشال عون؟

ـ على سبيل المثال. وحتى كل القيادات المسيحية التي أقرّت القانون الأرثوذكسي. فهل هناك حقوق مسيحية تختلف عن بقية المواطنين؟ وإذا اعتبر أحدهم أن هناك حقوقاً إسلامية، بماذا نردّ عليه؟ هل نقول له ان هذين الأمرين مختلفان؟ لقد حدث ما هو استثنائي بهذه العملية الاختزالية. وبالتالي هناك مشكلة مع الرأي العام الذي يُعدّ الأساس. ففي حين يفترض بالطبقة السياسية أن تعبّر عن هذا الرأي العام الواسع وعن هذا المجتمع المدني، غير أن ما يحدث هو عكس هذا الأمر كلياً.

  • يتم التعاطي مع حوار «المستقبل» ـ «حزب الله» على أنه حوار إسلامي ومع حوار «القوات» و«التيار الوطني الحر» على أنه حوار مسيحي…ألا يشكل ذلك إضراراً بـ «الفكرة اللبنانية» كتعبير عن النموذج العابر للطوائف؟

ـ بالتأكيد. لكنني أكون حذراً في توصيف الحوار بين «المستقبل» و«حزب الله» كحوار إسلامي ـ إسلامي. فهدف هذا الحوار وضْع حدّ لتوتر سني ـ شيعي بأي ثمن كان، ولو كنتُ مكان المتحاورين المسيحيين لوضعتُ الأولوية في هذا الحوار لرسْم الخطة المسيحية لوقف التوتر السني ـ الشيعي. فهذه أولوية مطلقة، ولبنان سينتهي إذا انفجر هذا الصراع فيه. ولبنان سيكون بذلك انتهى ليس فقط على السنّة والشيعة، بل على المسيحيين أيضاً، وربما على المسيحيين قبل الآخرين.

بالتالي أفهم حواراً مسيحياً ـ مسيحياً اليوم تحت هذا العنوان، وهذا العنوان فقط. ولأن المسيحيين ليسوا طرفاً مباشراً في هذا الصراع عليهم القيام بواجبهم الوطني. أما ما هو حاصل اليوم: اي من يُنتخب رئيساً للجمهورية وكم من الوقت يُنتخب رئيساً وكيف يُنتخب رئيساً، فهذا موضوع سخيف وتافه، ولا يستحق في رأيي أن يُدرج تحت تسمية الحوار؛ ففي هذا الأمر تسخيف لفكرة الحوار.

  • هكذا حوار مسيحي ـ مسيحي، يبحث التوتر السني ـ الشيعي، هل يكون هدفه تنفيس الاحتقان أم نأي المسيحيين بأنفسهم عن ذيوله؟

ـ ما من إمكانية للنأي بالنفس، ومَن يعتقد أن هناك إمكانية لذلك فهو شخص سخيف ولا يفهم شيئاً في السياسة. المنطقة كلها تعيش تحت هذا التهديد، وبالتالي علينا كلبنانيين وقف هذا التوتر وإعطاء صورة للخارج بأن هناك إمكانية لتجاوز هذا الصراع.

ما يقوم به «المستقبل» و«حزب الله» هو تخفيف الاحتقان، وهذه حدود هذا الحوار. أما المسيحيون المتحاورون فعليهم الحوار حول كيفية إنهاء هذا الصراع في لبنان كمقدمة لإنهائه في المنطقة. بهذا الحجم لا بد أن يكون التفكير.

  • في أي إطار يمكن وضع حوار «المستقبل» ـ «حزب الله»؛ تنفيس الاحتقان السني ـ الشيعي، تلاق بين مأزومين؟

ـ «حزب الله» في أزمة وهذا صحيح، وحين تصل الأزمة إلى هذا الحد لا تعود تعني طرفاً واحداً بل كل البلد. وإذا لم نتدارك الأمر، فإن هذه الأزمة قد تكون شبيهة بأزمة المسيحيين في ما بينهم خلال ثمانينات القرن الماضي والتي أدت إلى حرب إلغاء دمّرت البلاد وسلّمتها إلى سورية.

من هنا أكرر دائماً قولي ان هناك بالتأكيد هزيمة ستلحق بمشروع 8 آذار، لكن ليس هناك انتصار لـ 14 آذار. لأن خسارة هذا الفريق لم تعد تعني انتصار ذاك.

  • لماذا؟

ـ لأن ما من مجال لاستغلال هذه الخسارة. اذ يجب أن تدفعنا خسارة فريق 8 آذار إلى البحث في مستقبل هذا البلد، لا عن حصصنا. ولا بد من تخطي هذا المنطق، والقول انه بما أن آخر تجربة من تجارب استخدام العنف تنتهي، لابد من البحث عن كيفية بناء بلد على قاعدة سلام فعلي.

لا يمكنني اليوم انتقاد تجربة «حزب الله» إلا إذا كنت أملك الشجاعة الأدبية لانتقاد تجارب مَن سبقه، فهذه هي التجربة الثالثة لمقاومة في لبنان. فإذا قلنا ان «حزب الله» أخطأ لأنه لجأ إلى السلاح والعنف ولأنه ربط وضعه بوضع دول أجنبية، ما الذي يمكن قوله عن تجربة المقاومة اللبنانية التي قادها حزب «الكتائب» و«القوات اللبنانية»، وعن الحركة الوطنية والمقاومة الوطنية؟ فهل هما بعيدتان عن هذه التجربة؟

لذا لابد أن نعترف ـ وهذا في رأيي دور 14 آذار ـ بأننا كلنا أخطأنا وأنه حان الوقت لطيّ الصفحة. لا يمكن القول أنا أخطأت أقلّ أو لم أخطئ. كلنا أخطأنا في مراحل تاريخية مختلفة. ولو أخطأنا كلنا في الوقت نفسه لانتهت الحرب في لبنان منذ زمن، لكن خطأ كل فريق تم على فترات.

وخطأ «حزب الله» الفظيع، تجاه نفسه حتى، هو في «أحادية جانب» العنف، فهو ظل «يحرّ» إلى أن بات يتقاسم اليوم هذا العنف مع «داعش» و«النصرة». ففي حجة منْع التكفيريين من القدوم إلى لبنان، جاء بهم «وكتّر».

مشكلتنا في هذا البلد أننا كلنا نعتبر أنفسنا أذكى ممّن سبقنا، وأننا لا نقع في أخطائهم نفسها. ثلاث مقاومات انتهت بحرب إلغاء؛ إحداها بحرب إلغاء بين عون وجعجع أي داخل المسيحيين، والثانية انتهت بحرب إلغاء كونية وهي قصة الفلسطينيين في لبنان وخروجهم، والثالثة تشهد اليوم حرب إلغاء بين «حزب الله» و«داعش». ما أقوله اننا نمر اليوم في مرحلة حاسمة.

  • هل تتوقع نهاية لـ «حزب الله» على يدّ هذه التنظيمات؟

ـ أنا أتوقع نهاية بمعنى نهاية مشروع لا نهاية تنظيم. فالمشروع الذي عمل عليه «حزب الله» منذ العام 2005 حتى اليوم وصل إلى نهايته، لا بسبب 14 مارس بل بسبب الثورة السورية التي أنهت كل المشروع الإيراني في المنطقة. وكل القتال الذي يخوضه «حزب الله» اليوم وكل تضحيته بماله وشبابه هو لتأخير سقوط بشار الأسد. فهل يخوض أحد حرباً يعلم سلفاً أنه عاجز عن ربحها؟ فكل ما باستطاعة الحزب فعله هو تأخير سقوط الأسد وبكلفة عالية عليه وعلى الشعب السوري.

  • يُقال الكثير عن الحوار الدائر بين «القوات اللبنانية» و«التيار الوطني الحر». هل في الأمر صحوة مسيحية لإنهاء خصومة سياسية عمرها 30 عاماً؟

ـ مع الأسف، فإن البحث دائم عند الأحزاب المسيحية عن مشروعية قائمة على تجربة الحرب. وميشال عون هو مَن بدأ بهذا الأمر. إذ بحثاً عن شرعية خاصة به أراد إرجاعنا إلى حرب الإلغاء، حيث قام عندما عاد من المنفى في العام 2005، بنبش قبور جماعية على أوتوستراد جبيل والقول انهم قتلوا في التسعينات، في حين كان الشعب اللبناني في جو آخر مختلف كلياً.

في تقديري هناك جانب لم يعد بالإمكان استمراره بهذا الشكل، وبعد كل التجارب الحزبية، هي مسألة وجود أحزاب ذات لون طائفي واحد. فهذا الأمر بدأته «الكتائب»، وأكملته «حركة أمل» وطوّره «حزب الله»…وهذه تجربة حرب دائمة ومستمرة. فهل لابد للمرء وكي يصبح زعيماً في طائفته أن يقوم بتخويف أبنائها واصطناع خصم و«بعبع» مقابل للقول انه القادر؟ وكونه غير قادر يبرر ارتباطه بإحدى الدول الأجنبية؟ هذه السياسة الكل مارسها بهذا الشكل، وهي وصلت إلى نهايتها. وبالتالي فإن حوار عون ـ جعجع ينتمي بتقديري إلى فترة الماضي.

  • ألا يمكن أن ينهي أقلّه الخصومة؟

ـ هذه الخصومة كانت عملياً منتهية، فحين نزل المسيحيون إلى تظاهرة 14 مارس 2005 نزلوا معاً. وبالأصل ان القسم الأكبر من المسيحيين لم يكن موزعاً لا هنا ولا هناك.

وبالتالي جرت محاولات داخل 14 آذار لايجاد إطار مدني يتشارك فيه حزبيون وغير حزبيين للقول اننا ننتقل تدريجياً إلى مرحلة جديدة، لكن محاولات جدية أفشلتها بعض الأحزاب لأنها خافت من أن يصبح دورها مهجّناً. واليوم لن تستوي الأمور إلا بخطوة من هذا النوع، للانتقال إلى مكان جديد.

وفي هذا الإطار نحن لا نبتكر أمراً جديداً، فالحياة السياسية اللبنانية وحتى العام 1958 كانت محكومة بتكتلات عابرة للطوائف، إذ كنا نجد في كل من الكتلة الدستورية، والكتلة الوطنية وكتلة «الوطنيين الأحرار» مسلمين ومسيحيين. والحياة السياسية أصبحت طائفية ابتداء من العام 1958، فأدخلتنا إلى الحرب، وهي وصلت إلى نهايتها.