أنطوان قربان/في ذكرى القديس مارون/ماذا فعلتم بالثوابت التي أورثْتُكُم إياها؟

662

ماذا فعلتم بالثوابت التي أورثْتُكُم إياها؟”
أنطوان قربان/النهار
7 شباط 2015

نستذكر الاحتفالات الضخمة التي أقيمت في سوريا في قرية براد شمال حلب في العام 2011 لمناسبة عيد القديس مارون الناسك شفيع الكنيسة المارونية في 9 شباط. وكانت محافظة حلب قد أنهت استعدادات ضخمة لاستقبال نحو تسعة آلاف حاج لبناني إلى هذه القرية حيث يقال إنّه عُثر على مرقد مار مارون. وقع هذا الحدث ضمن الاحتفالية الدينية الجديدة، “الحج إلى الينبوع”، حسب التسمية الرسمية آنذاك، التي شهدت إقامة قداس احتفالي عند مرقد شفيع الكنيسة المارونية. ولقد صرّح بكل وضوح محافظ حلب علي منصورة بأن الاحتفالية المبتكرة هذه “تعتبر تقليداً روحياً مهماً في حياة الطائفة المارونية بما تمثله من قيم إنسانية تتجلى في التسامح والمحبة والسلام، وتشكل محطة مهمة لخلق المزيد من التواصل بين أبناء الوطن الواحد في سوريا ولبنان”. وقد حرص علي منصورة وفقاَ لتصريحه على توفير “جميع المستلزمات الفنية والتقنية من إنارة وأجهزة صوت وشاشات مرئية، كما تم بناء مقارّ خشبية لبناء بلدية القرية والمستوصف والكافيتريا ووضع مقاعد خشبية واستراحات في كل محاور براد التي وفرت احتياجاتها الخدمية الخاصة بالزوار”، ولفت إلى حملة إعلانية ضخمة للتعريف بالاحتفالية الدينية الجديدة عبر لوحات إعلانية طرقية من مدخل حلب الغربي في اتجاه طريق حلب- أعزاز وداخل مدينة حلب.

من الطبيعي أن تقام مراسم دينية في محيط حلب وأعزاز حيث عاش الراهب مارون وتنسّك في الهواء الطلق تبعاً لطريقة الذين “لا سقف لهم” (hypèthres)، وربما كان هو أوّل من اعتمد هذا النمط من حياة النسك والتقشّف. سيرة مارون الناسك (ت-410) نقلها إلينا المؤرخ الكنسي تيودوريتوس أسقف مدينة قورش قرب أعزاز، هي التي جعلت منه قديساً في الكنيسة الجامعة. وتقيم ذكراه الكنيستان اللاتينية والبيزنطية في 14 شباط والكنيسة المارونية في 9 منه.

لكن هناك فارق بين الهوية الكنسيّة المارونية والهوية الوطنية اللبنانية. الطائفة المارونية تشكّل مكوّناً أساسياً للكيان اللبناني، لذلك فإن عيد شفيع الكنيسة المارونية هو مناسبة رسمية تدلّ بوضوح إلى أهميّة لبنان كعمود فقري للوجود المسيحي في وطن الأرز وفي العالم العربي. لذا نتساءل ماذا عساه يقول مار مارون للمواطنين اللبنانيين الذين لبّوا دعوة النظام السوري وذهبوا إلى براد للاحتفال بما هو عيد رسمي للدولة اللبنانية خارج أرض الوطن، وفي مقدمهم شخصيّات سياسية رفيعة المستوى مثل دولة رئيس الوزراء السابق العماد ميشال عون؟ ماذا كان مار مارون ليقول يومذاك لجماعته اللبنانية تلك، غير “شو عم تعملو هون؟ عايدوني مع كل اللبنانيين هونيك بلبنان”؟

وماذا يمكنه أن يقول اليوم للبنانيّين الموارنة وسائر المسيحيّين حين يشاهدهم غير آبهين لتمزيق لبنان إرباً إرباً ولا يكترثون إلاّ بمسائل ثانوية تافهة لا علاقة لها بالهوية أو الانتماء الوطني ولكن فقط بالمحاصصة؟
كيف سيخاطبهم مارون في 9 شباط 2015 حين يرى سدّة الرئاسة اللبنانية فارغة من رمزها المسيحي الماروني؟ “ماذا فعلتم بفضيلة الصمود التي أورثتكم إيّاها؟”

هل سيذكّرهم مارون بخياراتهم المفصلية الحاسمة منذ أيام المجمع المسكوني الرابع في خلقيدونيا في العام 451؟ يومها رفض رهبان دير مارون أن يتبعوا بيئتهم الثقافية السريانية التي لم تقبل بعقيدة الطبيعتين بالمسيح المعلنة في خلقيدونيا والتي اعتبرها السريان والأقباط والأرمن إيمان القيصر الرومي. أما رهبان دير مارون فقد اتخذوا الخيار الصعب وهو خيار الانفتاح المسكوني البعيد عن التقوقع وقبلوا بعقيدة الطبيعتين. وكذلك فعلوا في القرن السابع أيام آخر حروب الفرس على الروم حين عرض القيصر هيراقليوس (هرقل) على الخارجين عن خلقيدونيا عقيدة المشيئة الواحدة في المسيح كحلٍّ وسط وتسوية عقائدية تسمح له بلمّ الشمل ومواجهة الفرس صفّاً واحداً. رفضها أهل الطبيعة الواحدة، وقبل بها الموارنة وفاءً لروح المسكونية، كما قبلت بها كنائس روما والقسطنطينية وأنطاكيا وأورشليم. وكذلك عملوا عندما وطّدوا علاقاتهم مع كنيسة روما في القرون الوسطى. وعندما منحتهم فرنسا الحماية في العام 1649 في أيام البطريرك يوحنا الصفراوي، استطاعوا أن يؤدوا بذكاء وفاعلية دورهم الثقافي المميّز المنفتح على العالم العربي وثقافته.

هذه الثوابت لعبت دورها أيام البطريرك الحويّك عند رسم حدود دولة لبنان الكبير. فلم يختر الحويك وطناً صغيراً للموارنة، بل اختار، وفقاً للتقليد المسكوني، لبنان المنفتح المتعدّد وطناً للعيش معاً وليس حظيرة لأقلية متقوقعة وخائفة.
لو عاد اليوم مارون الناسك في وسط المشرق المسيحي، لكان طرح السؤال: “لم تكونوا يوماً متقوقعين على ذاتكم. مَن سلبكم روح الانفتاح والتفاعل الدائم مع ثقافات الشرق؟ منذ متى ينسى المسيحي أنّ عليه التضامن وخدمة كل ضحية وكل مظلوم كما فعل السامري الصالح؟”.

http://newspaper.annahar.com/article/212187-%D9%85%D8%A7%D8%B0%D8%A7-%D9%81%D8%B9%D9%84%D8%AA%D9%85-%D8%A8%D8%A7%D9%84%D8%AB%D9%88%D8%A7%D8%A8%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%8A-%D8%A3%D9%88%D8%B1%D8%AB%D8%AA%D9%83%D9%85-%D8%A5%D9%8A%D8%A7%D9%87%D8%A7?fb_action_ids=10153071435017766&fb_action_types=og.comments&fb_source=other_multiline&action_object_map=%5B883693805015826%5D&action_type_map=%5B%22og.comments%22%5D&action_ref_map=%5B%5D

 

زمن محل إيماني وخور رجاء
الياس بجاني/07 شباط/15
إن ما نعيشه اليوم على مستوى القيادات المارونية الزمنية والروحية وفي سوادها الأعظم هو زمن محل وبؤس وخور رجاء، وذلك لأن هؤلاء عبدوا تراب الأرض واستسلموا لنزعات الغريزة بدواخلهم وفضلوا الأبواب الواسعة على الأبواب الضيقة. كفروا بالمحبة وبكل متطلباتها متناسين أن الله محبة. وعلى درب الإسخريوتي مشوا ولا يزالون دون يقظة ضمير أو تفكر بتوبة وتأدية كفارات. هؤلاء لن يعودوا إلى طرق الصلاح لا اليوم ولا في أي يوم لأن الله أعمى عيونهم وقسى قلوبهم وصم آذانهم حتى لا يعودوا إليه ويغفر لهم. لهؤلاء جهنم وبؤس المصير
وبؤس المصير