خيرالله خيرالله/الكيل طفح في مصر

306

الكيل طفح في مصر
خيرالله خيرالله/المستقبل/04 شباط/15

فحوى كلام الرئيس عبدالفتّاح السيسي بعد الأحداث الأخيرة في سيناء، أن الكيل طفح. إمّا دولة مصرية تسيطر على كلّ مصر، وإمّا استسلام للإرهاب وتحوّل قسم من الأراضي المصرية مرتعا للتنظيمات المتطرفة. إنّها تلك التنظيمات التي ولدت من رحم الإخوان المسلمين والمتفرّعة عن «القاعدة« وما شابهها، كما الحال في ليبيا وسوريا والعراق واليمن وباكستان وافغانستان ونيجيريا… المؤسف وسط كلّ ما نشهده أنّ هذه التنظيمات الإرهابية تتمتّع برعاية بعض الأنظمة في المنطقة. على سبيل المثال وليس الحصر، لم يكن النظام السوري بعيدا عن «داعش« وتمدّده خدمة لسياسته الهادفة إلى اظهار نفسه حاجة لدى الذين يحاربون الإرهاب. فمثل هذا النوع من الأنظمة اعتاد ممارسة سياسة الإبتزاز وبرع في ذلك. هذه السياسة قائمة أصلا على اشعال الحريق، ثمّ لعب دور الإطفائي حين تكون لدى نظام مثل النظام السوري مصلحة في ذلك! المسألة، إذاً، مسألة حياة أو موت بالنسبة إلى مصر، خصوصا بعد الهجمات الأخيرة التي تعرّضت لها القوى الأمنية وقوات الجيش في سيناء، بما في ذلك مدينة العريش. عدد القتلى في صفوف القوى الأمنية كان كبيرا. استدعى ذلك قطع السيسي زيارته لإثيوبيا حيث كان يشارك في القمّة الإفريقية والعودة إلى القاهرة ليقول «إن الدولة تعرف من يموّل الإرهاب ويساعده« و«إنّ مصر في مواجهة مع أقوى تنظيم سرّي في العالم«. من الواضح أنّ هناك بداية لإستراتيجية مصرية جديدة في مواجهة الإرهاب. الدليل على ذلك، صدور قرار عن إحدى المحاكم في القاهرة يعتبر الجناح العسكري في حركة «حماس«، أي «كتائب عزّالدين القسّام« بمثابة «تنظيم ارهابي«. كذلك، أمر الرئيس المصري بتشكيل «قيادة أمنية موحّدة لشرق السويس«.

تبيّن بكلّ بساطة أنّ الإستراتيجية المتبعة في الماضي لم تؤد إلى النتائج المرجوة، خصوصا في ظلّ تدفّق السلاح على مصر من مصادر عدة، خصوصا من قطاع غزّة وليبيا والسودان.

باتت مصر مهدّدة جدّيا. من يحتاج إلى دليل على ذلك، يستطيع العودة إلى ما حصل يوم الخامس والعشرين من كانون الثاني ـ يناير، الذكرى الرابعة للثورة الشعبية التي اطاحت الرئيس حسني مبارك ونظامه. يومذاك، حصلت اضطرابات في غير مدينة ومنطقة مصرية. سقط نحو عشرين قتيلا، في حين كان مطلوبا أن يكون العدد أكبر من ذلك بكثير. وقد وُجد بالفعل من يروّج للإضطرابات، إذ هناك محطات فضائية عدة إعتمدت رقما أكبر وصوّرت الوضع في مصر وكأنّه على شفير انفجار كبير. كان واضحا أن الهدف من كل ما حصل كان إظهار أن الإخوان المسلمين ما زالوا قادرين على تحريك الشارع. أكثر من ذلك، كان مطلوبا تأكيد أن ثورة الثلاثين من حزيران ـ يونيو التي خلّصت مصر من حكم الإخوان كانت مجرّد انقلاب عسكري وليست ثورة حقيقية شارك فيها ملايين المصريين.

كان الفشل حليف الذين تحرّكوا في الذكرى الرابعة لـ«ثورة الخامس والعشرين من يناير«، خصوصا أن عدد القتلى لم يبلغ العدد الذي كان يطمح اليه محركو الأحداث والإضطرابات.

لذلك، كان لا بدّ من إعادة تحريك سيناء عن طريق مجموعات مسلّحة تبيّن أنّها مدربة تدريبا جيّدا ألحقت خسائر كبيرة في قوى الأمن والجيش وضربت هيبة الدولة المصرية.

هذا يفسّر إلى حدّ كبير ردّ فعل الرئيس السيسي الذي أخذ الأمور على محمل الجدّ، مدركا أن لا مجال بعد الآن لأيّ تردّد. فالكلام الذي صدر عنه كلام كبير. وبداية التحرّك في اتجاه «حماس« ليس تصرّفا اعتباطيا، خصوصا بعدما تبيّن أن الإجراءات التي أتخذت في الماضي للفصل بين قطاع غزّة وسيناء ليست كافية في أي شكل، كما لم تؤد إلى تحقيق النتائج المرجوّة. شملت تلك الإجراءات إقامة منطقة عازلة على طول الحدود المصرية مع القطاع. كان هذا الإجراء مؤلما، لكنّه كان ضروريا، خصوصا في ظلّ الحاجة إلى تدمير منازل يقيم فيها مواطنون. وقد تطلّب الأمر نقل هؤلاء إلى مناطق أخرى وتوفير مأوى لهم وتعويض ما خسروه، كلّ ذلك من أجل تفادي اثارة نقمة شعبية في سيناء.

كذلك، عملت السلطات المصرية على تدمير الأنفاق التي كان يهرّب منها السلاح من غزّة إلى سيناء. فهناك أمور معروفة جيدا عن أن الإخوان المسلمين في مصر و«حماس« في غزّة يشكّلان جسدا واحدا وأن العلاقة بينهما عضوية.

كان هناك اصرار مصري على عدم التورط في غزّة نفسها. بدا أن الإجراءات ستقتصر على عزل القطاع. لكنّ الأحداث الأخيرة كشفت أن ثمّة أسبابا تدعو إلى الذهاب إلى أبعد من ذلك، أي إلى توجيه إنذار أخير إلى «حماس« عبر اعتبار الجناح العسكري فيها «تنظيما إرهابيا«. هذا الإنذار خطوة أولى تستهدف حمل «حماس« على تغيير سلوكها والسيطرة على تهريب السلاح إلى مصر والتوقف عن تدريب ارهابيين تمهيدا لإرسالهم إلى سيناء ومناطق مصرية أخرى.

لم يكن كلام السيسي مجرّد كلام من أجل تهدئة المصريين وتأكيد أن لا عودة إلى خلف وأنّ مصر لن تستسلم مجددا أمام الإخوان. الكلام يذهب إلى أبعد من ذلك بكثير. يذهب إلى الإعتراف بالحاجة إلى بلورة استراتيجية جديدة في مجال مكافحة الإرهاب ومواجهة الذين يقفون خلفه. الأكيد أن مصر تعرف الكثير عن هؤلاء. الأكيد أيضا أن الموقف من غزّة ليس سوى بداية. السؤال الآن إلى أيّ حد سيتبدل الموقف من «حماس« التي تصرّ على أن السلطات المصرية لا تمتلك أيّ أدلّة تسمح لها باعتبار «كتائب عز الدين القسّام« تنظيما إرهابيا.

في كلّ الأحوال، يبدو واضحا أن هناك تغييرا مصريا في شأن كيفية التعاطي مع ظاهرة الإرهاب. الحرب عليه ستكون طويلة كما ستكون «صعبة« باعتراف السيسي نفسه. سيكون على مصر خوض معارك على غير جبهة، خصوصا على الجبهة الليبية، وسيتوجّب عليها بذل جهود كبيرة وتخصيص امكانات ضخمة للحرب هذه التي يخشى من أن تتحوّل حروبا عدّة. كانت مصر في حاجة إلى هذه الجهود وهذه الإمكانات من أجل خوض حروب من نوع آخر تستهدف تنمية البلد والقضاء على الفقر الذي يوفّر بيئة تشجّع على تمدّد الإرهاب ونموّه وولادة إرهابيين. ولكن ما العمل عندما تكون هناك قوى إقليمية ذات ارتباطات معروفة بالإخوان المسلمين تعمل من أجل استنزاف مصر ومنعها من التقدّم والتطور بصفة كونها عاملا مهمّا في استعادة التوازن بين القوى العربية وغير العربية في المنطقة؟