الـيـاس الزغـبـي/خطاب نصرالله هو لإحتواء الخيبة

309

خطاب احتواء الخيبة
الـيـاس الزغـبـي/لبنان الآن/01 شباط/15

بين حديثه التلفزيوني قبل أسبوعين، وخطابه أمس، لم يكن السيّد حسن نصرالله “يعلم” ضخامة المسؤوليّة التي حمّلها لنفسه، بإعلانه الردّ على أيّ هجوم إسرائيلي، سواء في سوريّا أو لبنان، بما “لا يخطر” ببال إسرائيل من أسلحة، واجتياحها إلى ما بعد الجليل.

فربّما من حيث “لا يعلم”، أعلن في ذلك الحديث الحربي عن الاستعداد لكسر قواعد الاشتباك، أو “اللعبة” في المفهوم المتداول، سواء في الجولان بإسقاط القرار 242، أو جنوب لبنان بإسقاط القرار 1701، بما يعني الذهاب إلى حرب مفتوحة في إطار الحروب الدائرة في المنطقة.

وجاءت عمليّة إسرائيل في القنيطرة، بنتائجها الباهظة، لتضع نصرالله ووراءه إيران ونظام الأسد في حالة حرج شديد. فكانت بمثابة اختبار قاسٍ لهذا المحور بكلّ أطرافه، وتحديداً لقائد “حزب الله” الذي لم يكن قد مضى 3 أيّام على وعده ووعيده.

وبدلاً من أن يفي بوعيده لما بعد الجليل خارج ضوابط “اللعبة”، وبالأسلحة التي “لا تخطر ببال”، جاء ردَه أقلّ من تقليدي، ملتزماً بشكل دقيق كلّ القواعد المرسومة للاشتباك والمواجهة منذ حرب تمّوز 2006 والقرار 1701.

لقد استند القرار الإيراني بالردّ إلى ثلاثة ضوابط أو خطوط حمر:

– إحترام القرار 242، وقواعد فضّ الاشتباك في الجولان، فلم يسمح بالردّ من هناك.

– إحترام القرار 1701، فلم يُعطِ الضوء الأخضر لـ”حزب الله” بتكرار خطأ (خطيئة) خرق الخطّ الأزرق، كما فعل في 12 تمّوز 2006.

– إلتزام الردّ بالوسائل التقليديّة (قذائف مضادّة للدروع)، في المساحة التقليديّة المتنازع عليها (مزارع شبعا)، مع مراعاة عدم إنزال خسائر بشريّة فادحة في الجانب الإسرائيلي.

ويكاد المراقب يتلمّس نوعاً من التنسيق الضمنى بين طرفَي المواجهة، ويلفته إسراع إسرائيل في إعلان اكتفائها بالردّ (قذائف مدفعيّة تقليديّة أشبه ما تكون بمفرقعات ناريّة إحتفاليّة، ولو ذهب ضحيّتها جندي إسباني من قوات الطوارىء الدوليّة عن طريق الخطأ)، وبإبلاغها عدم نيّة التصعيد، وتسلّمها رسالة تهدئة من “حزب الله” عبر الـ”يونيفل”.

والمثير للتندّر هو وصف أطلقه إعلام دمشق على العمليّة: “ضربة معلّم”! ووصف آخر من أحد “الممانعين”: “عمل ذكي”!، فيما راحت وسائل إعلام “حزب الله” تبالغ في عدد القتلى، وتحاول تضخيم الردّ ورفعه إلى مصاف “الانتصار الإلهي”، فضلاً عن تحريك بعض الهمروجات الشعبيّة وإطلاق النار ابتهاجاً (وتحدّياً). وحين انجلى غبار العمليّة تبيّنت محدوديّتها ووظيفتها الدعائيّة.

هذا الفولكلور والدخان الإعلامي، بما فيه احتفال أمس ونبرته العالية وشعبويّته، كان ضروريّاً للتعويض عن هزال الردّ، وعدم تناسبه مع خطورة العمليّة الإسرائيليّة في القنيطرة. فقواعد “حزب الله” وسائر أطراف “الممانعة” كانت موعودة بردود “صاعقة” تحدّثت عنها طهران، ووعد بها صاحب “الوعد الصادق”.

لقد تغلّبت الحسابات البراغماتيّة الإيرانيّة الباردة، وشبكة المصالح الجوفيّة تحت سطح الاتفاق النووي الموعود، وتحت ستار “العداء الحميم” بين طهران وتل أبيب، على عنتريّات الضاحية ودمشق.

ونتجت عن هذه الحسابات والكوابح حالة خيبة وإحباط لدى “جمهور المقاومة” الموعود بالأكثر والأشدّ والأعنف. فكان لا بدّ من اللجوء إلى كاريزما القائد ووعوده بـ”النصر مجدّدا” لامتصاص هذه الحالة وإعادة نفخ الصدور وشحن الحناجر بهتافات الروح والدمّ. وهذه المهمّة نجح فيها نصرالله بامتياز أمس.

عمليّة شبعا يوم الأربعاء الفائت، ثبّتت إدراج “حزب الله” في اللعبة العسكريّة التقليديّة وأخرجته من مفهوم المقاومة أو حرب الـ”غيريلاّ”. صار مثل الجيش السوري حارس الجولان منذ 41 عاماً، وهو بات “حارس الجنوب” الذي تحوّل منذ 2006 إلى جولان ثانٍ، وجاءت عمليّة شبعا لتكرّسه في حالة انتظام السلاح.

“حزب الله” يتراصف الآن بين تلاميذ “المدرسة الحربيّة” نفسها، ويلتزم النظام المرصوص كأيّ جندي آخر. ولم يَعُدْ مسموحاً له تكرار كارثة 2006 ومقولة “لو كنتُ أعلم”. وهذا ما يفسّر إصرار نصرالله أمس على “حكمة حزب الله”، وكأنّه يتبرّأ من “لو كنت أعلم”.

ربّما تكون هذه الحقائق الناتجة من التطوّرات الأخيرة، هي التي برّدت ردود فعل قوى 14 آذار والحكومة والعرب والعالم، فجاءت ردود الفعل والاحتجاجات على العمليّة محدودة ومدروسة، وكأنّ ما جرى يبشّر ببداية نهاية عصر “جبهة الممانعة والمقاومة” مع اقتراب عصر التفاهمات النوويّة والسياسيّة الإقليميّة.

ربّ ضارةٍ نافعة. قد ينطبق هذا القول على عمليّتَي القنيطرة وشبعا.

أمّا احتواء خيبة الجمهور الموعود، فمسألة سهلة في زمن التعبّد للقيادات والزعماء، وسيادة الإيمان بـ”الانتصارات الإلهيّة”، ولو كانت ما دون البشريّة.