مهى عون/قراءة في إعلان نصر الله لقواعد اشتباك جديدة

385

قراءة في إعلان نصر الله لـ”قواعد اشتباك جديدة”
مهى عون/السياسة/01 شباط/15

خرج الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصر الله, للمرة الأولى بعد الغارة الإسرائيلية التي استهدفت مقاتلين من الحزب في القنيطرة السورية ورد الحزب “المدروس” عليها في مزارع شبعا اللبنانية يوم الأربعاء الماضي, ليرسم معادلات جديدة وأطر لوجيستية جديدة للصراع مع إسرائيل, معلناً “انتهاء قواعد اللعبة” المعمول بها بين الطرفين منذ حرب صيف عام 2006, وهو عنوان لم يطغ فقط على مشهدية الاحتفال الذي نظمه “حزب الله” في مجمع سيد الشهداء في ضاحية بيروت الجنوبية, بل أحدث صخباً ارتدادياً على الصعيدين الشعبي والسياسي, كونه أعطى رسماً واضحاً وجديداً لمحور المقاومة الممتد من طهران, مروراً بالعراق وسورية الى فلسطين فلبنان.

لم ينس نصر الله أن يرد على كل الذين حللوا واطلقوا المواقف والتصريحات بعد عملية شبعا, وما ساقوه في هذا الإطار من اتهامات للمقاومة بتنفيذها أجندات إقليمية, حيث شدد في هذا الإطار على أن لا شيء في لبنان على الإطلاق له علاقة بالملف النووي الإيراني, معتبراً أن المقاومة مستقلة في قرارها وفي خياراتها, لكن أصدقاءها لا يتمنون لها الذل, وعلى ذلك اعتبر أن خيار وجوب معاقبة العدو الصهيوني على جريمته فرض نفسه فكان الرد وكانت عملية مزارع شبعا, “وكنا مستعدين لأسوأ الاحتمالات وللذهاب إلى أبعد ما يمكن أن يتصوره أحد”.

لكن الموقف الأبرز في كلامه كان إعلانه عن معادلة مستحدثة, في دعوة واضحة للدولة والشعب اللبناني, كما للعدو الصهيوني, للتفكير في أبعاد ستراتيجيته الجديدة والتي اختصرها في قوله: “نحن لم يعد يعنينا شيئا اسمه قواعد اشتباك, ولم نعد نعترف بتفكيك الساحات والميادين, من حقنا الشرعي والقانوني أن نواجه العدوان في أي زمان ومكان. من الآن فصاعداً أي كادر من كوادر “حزب الله” يقتل غيلة سنحمل المسؤولية للإسرائيلي وسنعتبر أن من حقنا أن نرد في أي زمان ومكان وبالطريقة التي نراها مناسبة”.

وباختصار أضاف نصر الله: “جربتونا فلا تعيدوها”.

وبغض النظر عما تتضمنه عبارة “حقنا الشرعي والقانوني”, من إشكالية ونقاط استفهام وما تثيره من جملة تساؤلات حول ماهية هذه الجهة, أو السلطة التي أعطته الحق الشرعي بالتصرف بمصير البلاد والعباد, وحول القانون والنصوص التي خولته التصرف واستمد منها هذه الشرعية, ثمة أسئلة كثيرة أخرى أثارها كلام نصر الله, بشأن اعتبار معركته مع العدو خارج إطار أي زمان ومكان, إذ اعتبرها الكثيرون لا تخرج عن سياق تعاطي الحزب الاستفزازي لمشاعر اللبنانيين عموماً, ناهيك عن الدولة اللبنانية وشرعيتها المفترضة, فرأى الكثير من المراقبين فيها إمعاناً من نصر الله في ضرب شرعية النظام اللبناني وتخطيه, في سياق الاستئثار والتفرد بحرية التصرف بمصير الشعب ومستقبله, بمعنى أن الحزب قد يختار ساعة الصفر للرد على أي عملية إسرائيلية, كما أنه يعتبر أيضاً ضمن قواعد الاشتباك الجديدة التي وضعها, حقه في انتقاء المكان المناسب.

وإذ يغمز نصر الله هنا إلى احتمال حصول هذا الرد في أي مكان في العالم وليس بالضرورة وحصراً على الحدود المشتركة بين إسرائيل ولبنان أو الجولان, فإن ذلك يعني أن المصالح الإسرائيلية عبر العالم, أصبحت اليوم هدفاً ستراتيجياً للحزب, وقد لا تدري إسرائيل في هذا السياق أين ومتى تتلقى الرد المناسب على أي عمل عدواني تقوم به تجاه أي مسؤول في الحزب, أو حتى مقاتل عادي, الذي ربما يأخذه “حزب الله” حجة, أو ذريعة لتنفيذ عملية في أي بقعة من العالم وضد المصالح الإسرائيلية التي قد لا تكون بالضرورة حربية, بل ربما اقتصادية أو سواها. في شتى الأحوال, لن يحرر تغير قواعد الاشتباك بعيداً من الحدود المشتركة مع العدو, الدوله اللبنانية أولاً من حتمية دعم الحزب والالتزام بقراره, على خلفية قبولها بشعار “جيش وشعب ومقاومة” وتبنيها له على صعيد قواها المشتركة مع الحزب, وثانياً لن يعفيها, أرضاً وشعباً ومؤسسات, من تداعيات ونتائج هذا التماهي مع ستراتيجية الحزب القتالية والعسكرية, ناهيك عن أن الحزب من الناحية السياسية, كونه جزءاً أساسياً من تكوين السلطة في لبنان, فريق فاعل ومؤثر في صناعة القرار الحكومي على الصعيد العسكري وسواه, ومن الطبيعي والبديهي ألا تعفي إسرائيل الدولة اللبنانية أرضاً وشعباً, من تداعيات عواقب أي عملية ضد المصالح الإسرائيلية, إن على الحدود أو عبر العالم.

لذا, فإن المطلوب من الدولة اللبنانية عدم الارتياح والتسليم بما يعنيه نصر الله في مقولة “لا نريد حرباً”, فالكلام شيء والواقع شيء آخر, والحرب ليست حصراً بالمواجهة المباشرة, بل ربما تتخذ أشكالاً عدة, ولكن تبقى تداعياتها وأثمانها واحدة.

وإذ يعتمد الحزب عنصر المفاجأة في تحركاته وعملياته, فإن التغيير الذي يريد إدخاله في معادلته القتالية مع العدو الإسرائيلي, قد يكون عدم التورط في اشتباك على الحدود اللبنانية يلهيه عن عملياته العسكرية في الداخل السوري, كما بإمكانه أن يرد على خلفية درء واستبعاد عنصري الإرباك والإحراج اللذين سيواجهانه مع الطرف اللبناني السياسي المناهض له, في حال قرر فتح أي جبهة قتالية جديدة في الجنوب اللبناني, وسنراه -ليس بدافع الخوف من هذا الفريق- يحرص في الوقت الحالي على الأقل, على تحاشي استفزازه إلى حين تثبيت سيطرته الكاملة على معركته في الداخل السوري, على أن يعود ويحمل هذا الانتصار ليوظفه كما وظف نتائج حرب 2006 في تحقيق المزيد من الإطباق على الساحة الداخلية في لبنان.