عبدو شامي/من القنيطرة الى شبعا الفيلم المحروق واحد

604

من القنيطرة الى شبعا الفيلم المحروق واحد
عبدو شامي
29 كانون الثاني/15

في الشكل، ليست إسرائيل التي استدرجت “حزب الإرهاب المنظم” ولا الحزب استدرج إسرائيل، إنما نجح الحزب وإسرائيل معًا إقليميًا: في إعادة التئام محور الشر (بما فيه حماس وملحقاتها) على هرطقة “المقاومة”، ولبنانيًا: في استدراج معظم قوى 14 آذار -طبعًا باستثناء اليقِظ دومًا حزب القوات اللبنانية- فسارعوا الى تعزية الحزب والتعاطف معه في إرهابييه الذين قتلوا في غارة القنيطرة، منهم مَن أقر بحقه في “الرد” وإن توسَّلوا إليه عدم الرد من الأراضي اللبنانية، فيما اكتشف آخرون أن طريق بعبدا تمرّ بالقنيطرة فقدّموا برنامجهم الانتخابي منها.

وفيما جميع المنبطحين والمتزلفين والوصوليين والانتهازيين منهمكون في حساباتهم الخاصة، باغتهم “الرد الإلهي المنتظر” آتيًا من مزارع شبعا، حيث رخّصت اسرائيل للحزب بتصوير مسرحية جديدة على أرض تحتلها فاستهدف قافلة عسكرية كبيرة موقعًا في صفوفها قتيلين، ضابطا وجنديا. فهل اسرائيل بهذا الغباء كي تسيّر قوافل بهذا الحجم على مقربة من الحدود وهي تعلم أن الحزب توعّدها بالرد، أم أن الهدف السهل المقدّم على طبق من فضة يندرج في حِلف تبادل الخدمات؟

من حيث التوقيت، نعم، لقد جاء مبكرًا خلافًا لترجيحنا حصوله بعد الانتخابات الإسرائيلية كي تُؤتي غارة القنيطرة كامل ثمارها، لكن يبدو داخل الحلف الصهيو-فارسي أن موقع الحزب عزيز جدًا ولا قلب لإسرائيل على كسر خاطره ولا على إحراجه أمام جمهوره المذهول من ضربة القنيطرة الموجعة. مع ذلك، المعادلة مقنعة بل ممتازة بالنسبة للحزب، 6 من أهم كوادره + 6 ايرانيين نعت منهم إيران جنرالاً، يُساوون في معادلة الحلف الصهيو-فارسي اعتذارًا عن قتل الجنرال الإيراني (تمثّل بإعلان إسرائيل أنها لم تكن تعلم بوجوده في الموكب) + ضابط وجندي اسرائيليَين فقط لا غير، طبعًا إذا سلّمنا بالحصيلة التي لم يُرنا فيها الإعلام قطرة دم واحدة.

في المضمون، الحزب ومنذ 2008 انحصرت سياسته الإعلامية الدعائية بمخاطبة شعبه حصرًا لأنه انكشف لدى غيرهم، كل شعارات المقاومة والممانعة سقطت في غزوات بيروت والجبل وتبخرت نهائيًا مع سفك دماء الشعب السوري والعراقي واليوم البحريني واليمني وغدا الكويتي والسعودي، وكما أن غارة القنيطرة كانت موجهة الى الشعب الإسرائيلي حصرًا واستبقها “نصرالله” قبل 3أيام من وقوعها بدعاية ممتازة عبر “الميادين”، فإن عملية مزارع شبعا موجهة بدورها الى جمهور الحزب حصرًا لشد عصبه ورفع معنوياته، وهي مقدمة ممتازة استبقت بها اسرائيل بيومَين خطاب “نصرالله” المرتقب في 30 من الجاري، على أن يُكمل المهمة بمعرفته لتعظيم “الرد الإلهي” الجديد وتخدير شعبه؛ وهكذا تبقى الدعايات متبادلة للمنتج الصهيو-فارسي المسمى “مقاومة”، اسرائيل تصرفها انتخابيًا وإيران وملحقاتها شعبويًا.

دجل ما بعده دجل. اسرائيل تصرح فورًا أنها لن تنجر الى حرب ثالثة مع لبنان، وتُبلغ اليونيفيل أنها أنهت الرد على العملية واكتفت بإطلاق بضعة قذائف مدفعية على الأحراج والوديان. أما أميركا المنشغلة بتغطية الاحتلال الايراني لليمن من باب توزيع جوائز الترضية على إيران تعويضًا عن انكسار هلالها في العراق وسوريا، فاكتفت بالتعليق: حدث خطير لكنه لا يستدعي حربا! عن أي رد أو حرب يتحدّثون؟! في ميزان القوى العسكري الحزب يساوي صفرًا مكعّبا مقارنة مع قدرات إسرائيل، وفي حال وجود عداوة حقيقية أو لنقُل إرادة بإنهائه عسكريًا لأنهته في 33 ساعة لا في 33 يومًا من الدعاية المكثفة والمركزة لمحور الشر عام 2006. كل ترسانة الحزب دخلت مخازنه بعلم وموافقة إسرائيلية ضمنية، مسرح الجنوب مكشوف بدقة متناهية عبر الأقمار الصناعية، المسموح به يدخل وغير المسموح به إما أن تقصف قوافله في الطريق وإما في المخازن حال تهريبه.

بصراحة، لقد ملّت الناس مشاهدة الأفلام المحروقة؛ هو دائمًا الفيلم التافه نفسه والسيناريو السخيف ذاته والحبكة المكشوفة نفسها والحوار الاستغبائي عينه، لكن كل مرة تحت عناوين مختلفة وجديدة يتم اختيارها لذلك الفيلم القديم؛ فتغيير العنوان أو مكان التصوير “location” لإيهام المشاهد تغيُّر المضمون لم يعد ينطلِ على أحد ولم يعد يُقنع أحدا، بالتأكيد باستثناء أسرة الفيلم من أعضاء ومناصري محور الشر. وفي النهاية على أبطال الأفلام المحروقة أن يعلموا أنه مهما بلغ انتاجهم السينمائي من ضخامة ومهما تفنّنوا في مشاهد “الأكشن”، ومهما علا سقف الحوار وتوزيع الأدوار، سيبقى أولا وآخرا فيلمًا محروقًا غير مقنع بالنسبة للمشاهدين الواعِين، وسيبقى العنوان الحقيقي: “حلف واحد وتبادل خدمات” الى أن يُنفّذ أحد البطلَين تهديداته الدعائية بإبادة الآخر ورميه في البحر أو إزالته من الخارطة، وعندها لكل حادث حديث.