خيرالله خيرالله/انكشاف النظام السوري في الجولان

183

انكشاف النظام السوري في الجولان…
ميدل ايست أونلاين
خيرالله خيرالله/26 كانون الثاني/15

للمرة الأولى منذ قيام الثورة الإيرانية في العام 1979، هناك ضابط ايراني يسقط في مواجهة مع اسرائيل. اعتادت ايران اطلاق الشعارات التي تدعو إلى إزالة اسرائيل من الوجود. أما الحرب فتُخاض باجساد اللبنانيين والسوريين والفلسطينيين.  سيتوجّب على أطراف عدّة إعادة حساباتها بعد العملية التي نفّذتها اسرائيل في الجولان السوري والتي أدّت إلى مقتل قياديين من “حزب الله” وضابط كبير في “فيلق القدس” الذي ينتمي إلى “الحرس الثوري” الإيراني.

 يعود ذلك بكلّ بساطة إلى أنّ تغييرا جذريا حصل على الأرض كشف ما آل إليه وضع النظام السوري. هذا التغيير هو الأوّل من نوعه منذ العام 1974، تاريخ التوصّل إلى الإتفاق السوري ـ الإسرائيلي الذي جعل الجولان الجبهة الأكثر هدوءا في الشرق الأوسط. ما فعلته اسرائيل يُعتبر الرد الأوّل على التغيير. ما الذي ستفعله ايران التي افتعلت التغيير؟ ما الذي سيفعله “حزب الله” المرتبط عضويا بإيران؟ هل لا يزال لدى النظام السوري ما يفعله بعد إنكشافه وتسليمه قراره السياسي والأمني لطهران؟

 يُعتبر الجولان إحدى المناطق الحساسة، بل الأكثر حساسية في سوريا، لا لشيء سوى لأنّه يشكّل خط وقف النار مع اسرائيل. أن يتجوّل فيه قياديون من “حزب الله” ومن “فيلق القدس” دليل على أن القرار السوري صار ايرانيا.

 ما يجمع بين “حزب الله” و”فيلق القدس” الإنتماء إلى “الحرس الثوري الإيراني”. كانت هناك دورية مشتركة لقياديين من “حزب الله” و”فيلق القدس” في الجانب السوري الذي تحرّر، بفضل السياسة وليس نتيجة قتال من أيّ نوع كان. يشير التطور الأخير إلى انتقال الإشراف على وقف النار بين النظام السوري وإسرائيل إلى ايران.

 صارت مقدرات سوريا، أو على الأصحّ ما بقي منها، في يد ايران. تريد ايران ثمنا لإنقاذها النظام السوري المهترئ من السقوط، علما أنّه ساقط حتما.  إلى ذلك، كشفت العملية الإسرائيلية بتوقيتها الغريب، أن هناك تغييرا في الإتفاقات والتفاهمات الضمنية القائمة بين النظام السوري وإسرائيل منذ أواخر العام 1974، تاريخ التوصّل إلى إتفاق فك فصل القوّات السوري ـ الإسرائيلي باشراف الدكتور هنري كيسينجر، وزير الخارجية الأميركي وقتذاك. إنّه الإتفاق الذي أغلق جبهة الجولان وأطلق يد النظام السوري في لبنان. من بين ما شملته هذه التفاهمات أن يكون جنوب لبنان صندوق البريد بين الجانبين السوري والإسرائيلي في اطار احترام كلّ طرف من الطرفين شروطا معيّنة. كان من بين هذه الشروط حصر اللعبة في لبنان كي تكون على حسابه وحساب مواطنيه. ليس صدفة أنّ إسرائيل لم تتجاوز الحدود السورية في حرب صيف العام 2006 وبقي تركيزها على لبنان. دمّرت وقتذاك قسما لا بأس به من البنية التحتية اللبنانية. لم توجّه أي ضربة داخل سوريا، على الرغم من أنّه كان معروفا جدّا أن كل صواريخ “حزب الله” كانت تأتي من إيران وتمرّ عبر الأراضي السورية.

 أكثر من ذلك، كان معروفا جيّدا، بل كان معروفا أكثر من االلزوم، أن تلك الحرب كانت تستهدف التغطية على جريمة اغتيال رفيق الحريري ورفاقه واعادة تعويم “حزب الله” الذي إتّهمت عناصر منه بتنفيذ الجريمة بالتنسيق مع النظام السوري.  هناك رسالة من نوع جديد توجّهها اسرائيل إلى ايران. ما لا يمكن تجاهله أنّه للمرة الأولى منذ قيام الثورة الإيرانية في العام 1979، هناك ضابط ايراني يسقط في مواجهة مع اسرائيل. اعتادت ايران اطلاق الشعارات التي تدعو إلى إزالة اسرائيل من الوجود.  في الواقع، كانت الحرب بين ايران واسرائيل تُخاض باجساد اللبنانيين والسوريين والفلسطينيين. لم يكن لدى أي من الجانبين مانعا في ذلك. كانت اسرائيل المستفيد الأوّل من الشعارات النارية الإيرانية التي تمكّنها من القول أنّها تواجه تهديدا وجوديا. أمّا ايران فكانت حرب الشعارات واجساد اللبنانيين والفلسطينيين، الوسيلة الأفضل، بالنسبة إليها، للمزايدة على العرب وإحراجهم وخطف قضيّة فلسطين منهم. هل من يتذكّر أن ايران صارت تحتفل بـ”يوم القدس” في آخر جمعة من شهر رمضان، نكاية بالعرب، على رأسهم مصر، ليس إلّا؟

 لم يعد سرّا أنّ هناك رغبة ايرانية في تغيير قوانين اللعبة التي وضع شروطها الرئيس الراحل حافظ الأسد وذلك بعدما تبيّن أنّها صارت صاحبة الكلمة الفصل في دمشق. جاءت الضربة الإسرائيلية في سياق هذا التغيير الذي يشير إلى أن سوريا التي عرفناها لم تعد موجودة بعدما قرّر بشّار الأسد شنّ حرب على شعبه معتمدا على ايران وعلى ميليشياتها المذهبية… وعلى السلاح الروسي. هذا السلاح الروسي ليس معدّات عسكرية فقط، بل هو سلاح سياسي أيضا يعبّر عنه “فيتو” موسكو في مجلس الأمن.

يبقى سؤال في غاية الأهمّية. لماذا قرّرت اسرائيل استفزاز ايران؟ هل تعتقد أن الكيل طفح وأنها لن توافق على الشروط التي وضعتها طهران التي استطاعت الغاء الحدود بين سوريا ولبنان من منطلق مذهبي بعدما قرّرت جعل “حزب الله” يقاتل في سوريا… أم أنّ الإستفزاز مدخل لاتفاق معها يحلّ مكان ذلك الذي كان قائما مع النظام السوري؟  لم تكن الضربة الإسرائيلية ضربة عادية. إنها مؤشر إلى تغيير كبير في سوريا والمنطقة المحيطة بها. هل في استطاعة ايران الردّ على الضربة؟ هل كان يمكن لإسرائيل الإقدام على ما أقدمت عليه من دون أن تضع في حساباتها الردّ الإيراني المحتمل، اللهمّ إلّا إذا كان قصدها قتل قياديين في “حزب الله” فقط وأن الجنرال الإيراني ذهب ضحية وجوده في المكان غير المناسب في لحظة غير مناسبة؟

 في كلّ الأحوال، سوريا التي عرفناها انتهت. صارت طهران هي التي تتحكّم بدمشق. ما هو مطروح الآن انعكاسات الحدث على لبنان الذي سيترتب عليه اعداد نفسه لكلّ الإحتمالات السيئة في حال قرّرت ايران الرد على ما ارتكبته اسرائيل. الأكيد أن لبنان لا يتحمّل أي ردّ اسرائيلي، خصوصا في ظل الظروف الإقتصادية الصعبة التي يمرّ بها، خصوصا أيضا أنّه يستضيف ما يزيد على مليون ونصف مليون لاجئ سوري أرهقوا بنيته التحتية وتركيبته السكّانية. ولكن هل ايران في وارد مراعاة الوضع اللبناني، أم تعتبر أنّ عليها الردّ مهما كان الثمن نظرا إلى أنّ همها محصور في تأكيد أنّها اللعب الإقليمي الأوّل في الشرق الأوسط؟

لم تأخذ ايران يوما في الإعتبار مصلحة لبنان واللبنانيين. ربّما كان أفضل ما يختصر سياستها السورية في الوقت الحاضر أن ليس في إمكانها أن تخسر دمشق بأيّ شكل من الأشكال، خصوصا أنّ ذلك يعني أول ما يعني أن خسارة دمشق تعني خسارة بيروت وحتّى بغداد. ايران التي زادت صنعاء إلى العواصم العربية التي تسيطر عليها، تقف عند مفترق طرق. الخوف من أن تذهب بعيدا في ردها في ضوء الأزمة العميقة التي تعاني منها والتي تفرض عليها الهرب إلى الخارج مجددا. فما نشهده حاليا أزمة داخلية ايرانية ذات طابع استثنائي سياسيا وإقتصاديا في الوقت ذاته. هناك مسألة خلافة “المرشد” علي خامنئي المطروحة في ظلْ تدهور اقتصادي عائد إلى الهبوط المريع لسعر برميل النفط، وهو هبوط يهدّد النظام القائم قبل أي شيء آخر!