سوسن مهن/هل نسي اللبنانيون اجتياح 1982 حتى يتحدثوا عن حرب برية مع إسرائيل؟….وسط التهديديات المتبادلة بالتصعيد بين تل أبيب و”حزب الله”، كثر الحديث في الأسابيع الماضية في لبنان عن عملية إسرائيلية واسعة

35

هل نسي اللبنانيون اجتياح 1982 حتى يتحدثوا عن حرب برية مع إسرائيل؟….وسط التهديديات المتبادلة بالتصعيد بين تل أبيب و”حزب الله”، كثر الحديث في الأسابيع الماضية في لبنان عن عملية إسرائيلية واسعة
سوسن مهن/انديبندت عربية/25 آذار/2024

هل تتشابه الظروف بين ما يحدث اليوم جنوب لبنان من معارك بين “حزب الله” وإسرائيل وما حدث عام 1982 قبيل الاجتياح الإسرائيلي؟
تلوح في الأفق وفي مجالس اللبنانيين الخاصة والعامة أشباح الاجتياح الإسرائيلي للبنان في يونيو (حزيران) من عام 1982، فأحداث السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 في غزة وامتدادها إلى الجنوب اللبناني وثم إلى البقاع، أعادت الحديث بقوة عن حرب عسكرية برية إسرائيلية في لبنان، وسط تهديدات متبادلة بالتصعيد بين “حزب الله” والقيادات العسكرية الإسرائيلية. فمنذ أشهر لم تتوقف التقارير الإسرائيلية وتصريحات مسؤولين أمنيين وسياسيين عن التأكيد بأن ما يحصل في غزة هو نموذج لما سيحدث في لبنان، وقد أعلن أكثر من مسؤول إسرائيلي أن الجيش أعد الخطط لاجتياح الأراضي اللبنانية، ومن غير المستبعد أن يعلن عن حرب، فيما كشفت وسائل إعلام إسرائيلية، ومنها القناة 13، أن الجيش “يقوم بصياغة خطة للدخول البري إلى لبنان بمستويات مختلفة”. فهل تتشابه الظروف بين ما يحدث اليوم وما حدث في مارس (آذار) عام 1978 عندما دخلت القوات الإسرائيلية مناطق الليطاني جنوب لبنان، وبعدها بسنوات عندما وقع ما يعرف بالاجتياح الإسرائيلي للبنان وتحديداً في يونيو عام 1982؟

بين تشابه الظروف واختلافها
يرى العميد المتقاعد والباحث العسكري الاستراتيجي إلياس فرحات في حديثه إلى “اندبندنت عربية”، أن “الظروف تختلف اليوم عما حدث سابقاً، وأن (حزب الله) ليس منظمة التحرير الفلسطينية”. مضيفاً أن “تمركز الحزب عسكرياً ضمن البيئة الجنوبية هو سري وليس علنياً كما كان الحال في منظمة التحرير التي كانت مكاتبها وثكناتها تنتشر في المدن والقرى”. ويعلل استبعاده لاجتياح إسرائيلي بأنه “في الوضع الراهن إسرائيل و(حزب الله) فقدا عنصر المفاجأة، كما أن تل أبيب لم تحشد قواتها على الحدود الشمالية ولم تتخذ ترتيب القتال الهجومي”، معرباً عن اعتقاده “أن إسرائيل غير جادة في شن هجوم بري على لبنان بهدف دفع (حزب الله) إلى شمال الليطاني، لأنها تدرك تماماً أن ظروف المعركة غير مواتية، ذلك لأن الحزب يتمركز في مواقع سرية ويتبع تكتيكاً غير تقليدي، والعملية العسكرية غير مضمونة”. قراءة مختلفة قدمها الكاتب والمحلل السياسي يوسف دياب، الذي اعتبر أن ظروف عام 1982 تشبه الوضع القائم حالياً، ويقول “في ذلك الوقت كان لحركة (فتح) حرية وحق العمل المسلح من الجنوب، وكانت إسرائيل تتحين الفرص للتخلص من وجود الخطر الفلسطيني على حدودها، فنفذت عملية الاجتياح، وكان الهدف المعلن هو إنشاء حزام أمني على بعد 10 إلى 12 كيلومتراً من حدودها، كي لا تطاول العمليات العسكرية المناطق المأهولة في الداخل، لكنها أكملت ووصلت إلى بيروت. وبعدما كان الهدف إبعاد منظمة التحرير تحول للقضاء عليها، ولإخراجها من لبنان”. ويضيف دياب “اليوم إسرائيل تعتبر أن (حزب الله) يشكل خطراً كبيراً عليها وتريد ضمان أمن وأمان مستوطناتها الشمالية”. ويتأتى الخطر الكبير بالنسبة إلى المحلل السياسي، “أنه في حال نفذت إسرائيل تهديداتها ونجحت في اجتياح جنوب الليطاني فقد تكمل الاجتياح لباقي الأراضي اللبنانية، خصوصاً أن الإسرائيليين يقولون علناً إنهم يخوضون حرباً وجودية، وإنها ستكون حرب إسرائيل الأخيرة”. ويضيف دياب “أن العمليات التي تقوم بها في البقاع وصور والنبطية وصيدا والضاحية الجنوبية هي اختبار لقدرات الحزب الردعية، وهي قد تكون تنتظر فرصة أن يقوم الأخير بعملية عسكرية كبيرة كي تبرر العملية العسكرية البرية تجاه لبنان”.

أسباب اجتياح 1982
يقول دياب إن الاجتياح “حصل حينها بذريعة أن منظمة التحرير حاولت اغتيال السفير الإسرائيلي في بريطانيا، واليوم تبحث إسرائيل عن مطلق سبب لتنفيذ عملية عسكرية في الداخل اللبناني”. ويصف حرب 1982 أنها كانت مأسوية ومدمرة وفيها استطاعت إسرائيل أن تقضي على وجود الفلسطينيين بصورة شبه كاملة، ومن ثم إخراج منظمة التحرير من بيروت وشمال لبنان، واضعة حداً لأي وجود عسكري لها”. وبدوره يشير العميد إلياس فرحات إلى أن “إسرائيل اجتاحت لبنان ووصلت إلى بيروت، وضغطت على منظمة التحرير الفلسطينية التي غادرت قيادتها إلى دول عربية متعددة مثل تونس واليمن، معللاً السبب بتنامي قوة منظمة التحرير في لبنان وسيطرتها على الجنوب وأقسام من العاصمة والبقاع والشمال مما شكل خطراً حينها على إسرائيل”.

“ستالينغراد أو هانوي”
في كتابه “بيروت مدينتي” يكشف بسام أبو شريف القيادي السابق في منظمة التحرير الفلسطينية، عن أسرار حصلت خلال الحصار الإسرائيلي لبيروت، مسلطاً الضوء على أحداث خاصة شهدها بحكم موقعه القيادي في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ثم بوصفه لاحقاً مستشاراً لياسر عرفات زعيم المنظمة آنذاك. ويتحدث عن فترة سبقت الاجتياح الذي أدى إلى حصار بيروت عام 1982 ثم احتلالها، بالقول إنه مع “ازدياد الوضع احتقاناً في منطقة الشرق الأوسط عام 1982 وبعد فشل إسرائيل في توجيه ضربات حاسمة للقوات الفلسطينية في جنوب لبنان وتلك التابعة للأحزاب اللبنانية المتحالفة معها، بدأت إسرائيل تعد العدة لضربة عسكرية واسعة وشاملة”. ونقل في كتابه هذا ووفقاً لـ”رويترز” عن “شخصية سرية” معلومات عن “غزو بري من عدة أماكن وقصف جوي وعن محاصرة بيروت واقتحام بيروت الغربية”. ويتابع تقرير لوكالة “رويترز” نشر عام 2010، أن أبو شريف أجرى اتصالات بأصدقائه في واشنطن ولندن وباريس فجاء الجواب مؤكداً ما أبلغته إياه تلك الشخصية الغامضة، وكذلك الاجتياح لاحقاً. أيضاً تتحدث الكاتبة الفلسطينية جين سعيد مقدسي في كتابها “شتات بيروت: مذكرات حرب 1975-1990″، عن الانقسام في بيروت الغربية والسخط ضد منظمة التحرير الفلسطينية في بداية المعركة. تقول “كان هناك هؤلاء الذين كانوا يشيرون إلى الوضع اليائس ويتهمون المنظمة بمسؤولية زج البلد في هذا الموقف من الخراب الوشيك المحتوم. في كل مرة كان أحد من المنظمة يجازف بالتصريح بأن بيروت ستكون ستالينغراد العرب أو هانوي العرب… كان بعض سكان بيروت يرددون غاضبين: بيروت ليست إحدى المدن الفلسطينية”.

عملية الليطاني
ليس الاجتياح الإسرائيلي للبنان في يونيو 1982 العملية العسكرية الأولى لإسرائيل داخل الأراضي اللبنانية. ففي الـ11 من مارس 1978، قام أعضاء من حركة “فتح” بقيادة دلال المغربي بعملية في الداخل الإسرائيلي، قتل وجرح خلالها عشرات الإسرائيليين، وعرفت العملية حينها بعملية “كمال عدوان”. فردت إسرائيل باجتياز الجيش الحدود اللبنانية في ذلك الوقت، محتلاً شريطاً حدودياً بعمق 10 إلى 23 كيلومتراً تقريباً، وأطلقت تل أبيب على هذا الاجتياح الذي استمر سبعة أيام اسم “عملية الليطاني”، وكانت نتيجته احتلال حزام من الأرض بعمق 10 كيلومترات تقريباً، لكنه توسع لاحقاً شمالاً إلى نهر الليطاني.
ووفقاً لإحصاءات الحكومة اللبنانية حينها، أصبح نحو 250 ألف لبناني لاجئين، وقتل نحو 2000 لبناني وفلسطيني. بسبب هذه العملية انسحبت قوات منظمة التحرير شمال نهر الليطاني، وأدت اعتراضات بيروت إلى إصدار مجلس الأمن الدولي القرارين رقم 425 ورقم 426 في الـ19 من مارس من العام نفسه، اللذين طالبا إسرائيل بالانسحاب الفوري لقواتها وتكوين قوة حفظ سلام “يونيفيل”.

اجتياح لبنان الثاني واحتلال بيروت
إسرائيل اتخذت في السادس من يونيو عام 1982 من محاولة اغتيال السفير الإسرائيلي في لندن شلومو أرغوف، سبباً لبدء اجتياح لبنان وقالت لإبعاد خطر الصواريخ الفلسطينية عن حدودها الشمالية، لكن تقول “الموسوعة التفاعلية للقضية الفلسطينية” في تقرير لها إن أريئيل شارون الذي كان حينها وزير الأمن “أعطى أوامره إلى الجيش للتقدم نحو بيروت وإقحام القوات السورية في المعارك”. ويضيف التقرير “وصل الإسرائيليون بسرعة إلى بيروت الغربية، حيث كان يقع مقر منظمة التحرير الفلسطينية، وطوقوها وفرضوا عليها حصاراً دام طوال فصل الصيف، قامت خلاله الطائرات والدبابات وقطع المدفعية والسفن الإسرائيلية بقصف مدمر للمدينة لأسابيع طويلة، في محاولة لإجبار المنظمة على الاستسلام، ولم يتراجع الحصار على رغم الأضرار التي لحقت بصورة إسرائيل عندما شاهد العالم الصور المتلفزة للحصار والتدمير الشديدين للمدنيين في بيروت الغربية”. وبعد أسابيع وافق عرفات وقيادة المنظمة على مغادرة لبنان بموجب اتفاق بوساطة أميركية دخل حيز التنفيذ في الـ19 من أغسطس (آب) 1982، فغادر بيروت تحت حماية قوة متعددة الجنسيات من الجنود الفرنسيين والإيطاليين والأميركيين مع نحو 14 ألفاً من مقاتلي المنظمة، إلى تونس وبلدان عربية أخرى.

وضع الفلسطينيين خلال الاجتياح
تكشف وثيقة رومانية صادرة عن وزارة الداخلية تحت تصنيف “سري للغاية” وموقعة من الكابتن ايون يورداش، موجودة في أرشيف مركز ويلسون الأميركي، كثيراً عن وضع القيادات الفلسطينية في بيروت في خضم الاجتياح الإسرائيلي. ومما ورد فيها أن وضع الفلسطينيين حرج، فيما بلغ عدد الأسرى منهم نحو 61 ألف أسير. أما عن قيادات منظمة التحرير، مما كشفته الوثيقة أن “قيادة المنظمة بأكملها موجودة في بيروت وهي آمنة تماماً بفضل المخابئ تحت الأرض، وخصوصاً بفضل نظام الدفاع المعتمد في بيروت، وهذا النظام هو عدة خطوط دائرية من الحقول الملغومة”.
وفي الوثيقة أتى الحديث أيضاً عن تلقي ياسر عرفات برقية من الزعيم الليبي آنذاك معمر القذافي، تتضمن بعض المقترحات لحل النزاع، إلا أن عرفات لم يرد. وأرسلت البرقية نفسها إلى حافظ الأسد، وقد اشتكى القذافي له من صمت ياسر عرفات.

خفايا قرار حكومة مناحيم بيغن
في كتاب بعنوان “1982 – لبنان، الطريق إلى الحرب”، يعتبر المؤرخ الإسرائيلي يغآل كيبنيس أن مناحيم بيغن، رئيس الوزراء خلال الاجتياح، لم يضلل إنما هو الذي قاد إسرائيل إلى هذه الحرب. وكانت حكومته تسعى إلى حشد الرأي العام الإسرائيلي، موهمة إياه أن الهدف من اجتياح لبنان هو قطع الطريق أمام صواريخ الفصائل الفلسطينية، والتي كانت تصل إلى مستوطنات الجليل الأعلى. وقال سكرتير الحكومة حينها، دان مريدور، وفقاً لكتاب كيبنيس إن “الخطة التي تمت المصادقة عليها تحدثت عن 40 كيلومتراً. وكان الهدف منع إطلاق الصواريخ فقط”. لكن الصحافي السابق في صحيفة “هآرتس”، عوزي بنزيمان، اقتبس محادثة قال فيها بيغن لنجله، بيني، إنه إذا كان شارون قد خطط لاجتياح يصل إلى بيروت فإن “رئيس الحكومة (بيغن) قد ضلل”. ومريدور مقتنع بذلك أيضاً، وذلك وفقاً للمؤرخ الإسرائيلي. في المقابل يكشف رئيس الأركان الإسرائيلي في زمن الاجتياح رافاييل إيتان، في مقابلة أجرتها معه صحيفة “معاريف” في أبريل (نيسان) عام 1982، عن تقييم عسكري يؤكد “تزايد نشاط الفدائيين في البلد وفي الخارج”. ويتحدث عن تعزيز تمركزهم في لبنان، ويقول “لقد تجهزوا بمدافع كثيرة جداً من كل الأنواع، وبدبابات، وأنشأوا تحصينات ومغاور وأنفاقاً”. وفي إجابة عن سؤال “هل تتوقعون نشوب حرب خلال الأشهر المقبلة؟” يقول إيتان في ذلك الوقت “ينبغي دائماً وضع الأمور في نصابها الصحيح أن ثمة حرباً متوقعة مع العرب، متى، لا أعلم، ما دام لا يوجد سلام مع كل العرب، فالحرب متوقعة”.

ماذا حصل خلال الاجتياح؟
في السادس من يونيو 1982 اجتاح الجيش الإسرائيلي حدود لبنان، وبلغ تعداد القوات الإسرائيلية 60 ألفاً تعززها المدفعية والسلاح البحري، واستطاع احتلال صور والنبطية وحاصبيا والشوف في يومين، فقط. ونهار الـ10 من يونيو وصل الإسرائيليون إلى ضواحي بيروت واحتلوا قصر بعبدا بعد أيام قليلة. وفي يوليو (تموز) بدأ الجيش الإسرائيلي حصاره لبيروت الغربية التي تعرضت لقصف إسرائيلي أرضي وجوي وبحري مستمر، كما تعرضت لقصف بالقنابل العنقودية والفوسفورية وقنابل النابالم. وتختلف التقديرات في شأن أعداد القتلى، إذ لا توجد أرقام دقيقة لأعداد الضحايا، لكن بحسب أرشيف صحيفة “النهار” اللبنانية، فإن مجموع ضحايا أفراد الجيش والمدنيين كان 17825 شخصاً، إضافة إلى 2000 قتيل سوري، و1400 من منظمة التحرير وما بين 1000 إلى 3 آلاف مدني قتلوا في الجنوب، و368 من الجيش الإسرائيلي. كذلك عانت بيروت أثناء الاجتياح انقطاع المياه والكهرباء. ولم تنته مأساة بيروت إلا في الـ19 من أغسطس 1982 بعد أن نجح المبعوث الأميركي فيليب حبيب في تمرير خطته القاضية بإجلاء الفلسطينيين خارج لبنان تحت غطاء دولي. ووفقاً لوكالة “الأنباء والمعلومات الفلسطينية”، فقد كان من نتائج الاجتياح أن قدم الرئيس الأميركي حينها رونالد ريغان ضمانة شخصية للمقاتلين الفلسطينيين بالحفاظ على أمن عائلاتهم إذا ما غادروا إلى تونس. وبعد أن انفك حصار بيروت انتقل ياسر عرفات إلى اليونان وبعد ذلك إلى تونس، ليؤسس مقراً جديداً هناك.

الموقف الأميركي من الاجتياح
وعن الموقف الأميركي من الاجتياح، يقول المفكر والفيلسوف الأميركي نعوم تشومسكي في كتابه “المثلث المحتوم” إن “الغزو الإسرائيلي للبنان قد حظي بتأييد أميركي كامل لم ينقص إلا عندما بدأ يذهب إلى أبعد مما كان مقرراً بصورة أصبحت تمثل تهديداً للمصالح الأميركية، وعندما زادت الخسائر في الأرواح بين المدنيين، أي عندما أصبح يذكر الرأي العام الأميركي والصحافة الأميركية بالهجوم على فيتنام عام 1962… ولكن الغريب أن الاحتلال الإسرائيلي لبيروت الغربية في الـ15 من سبتمبر (أيلول)، لم يواجه بأي انتقاد أميركي رسمي”.