نبيل بومنصف: استراتيجية … طراز 1986

74

استراتيجية … “طراز 1986”!
نبيل بومنصف/النهار/22 آذار/2024

قد يتعجب كثيرون وربما لا يستسيغون استحضار او استعارة نماذج من زمن الحرب الغابرة في لبنان وإسقاطها على أزمات زمن السلم الحالي ، علما ان التسمية السلمية راهنا غدت اقرب الى طمر الرؤوس في الرمال حيث “السلم” صار حالة مزعومة تختزن كل عوامل الانفجارات المتنوعة. مع ذلك لن نتردد في التردد والتحفظ امام تساؤلات تثيرها تجربة المجرب من مثل استصدار وثيقة او “ورقة مسيحية” ولو بررها المنخرطون فيها او الماضون في الاعتقاد بعد بان “الوثائق” والمسلمات وأشهار المبادئ واستجماع الإرادات حولها سيكون الوسيلة المستعادة اللازمة لردع نهج انقلابي كارثي أودى بالبلاد الى ما صارت عليه من ابشع صور الدول والمجتمعات المتخبطة بنهايات الدول الفاشلة.

والحال أنه فيما تهيأت اللمسات الاخيرة لطرح “استراتيجية مسيحية” او “وثيقة بكركي” على مشرحة ردود الفعل السياسية والطائفية وامام الرأي العام اللبناني، تأييدا او تهليلا او رفضا او تحفظا، لا نجد حرجا في الإشارة الى معادلة تحكم لبنان بالقوة والاستقواء ومعادلات الخلل استنادا الى واقع اقرب ما يتجسد بحكم وصاية النفوذ الإيراني الذي لا يحتاج الى أي اثبات او جدل انقسامي يلبس لبوس الطائفية والمذهبية ومشتقاتهما. ولا نحسب ان الافرقاء المنخرطين في محاولة مواجهة المخطط التعطيلي للنظام والمؤسسات والدستور بدءا بالفراغ الرئاسي، في حاجة الى مواعظ او إثباتات قاطعة حيال التوصيف العميق لأسباب الكارثة الوطنية التي أودت بلبنان الى هذا الدرك المهلك. بذلك تنتفي واقعيا الصفة الطائفية عن أي اتجاه جديد، ولو لم يكن مضرا او مؤذيا او حتى لو كان مبررا بصفة القلق المسيحي من الاستهداف المنهجي للموقع الأول في الدولة كما للمواقع المتعاقبة في المؤسسات في مقابل استئثار مديد وخطير للشركاء المسلمين بالسلطة والحكم واسلاس القياد لفريق حزبي مستأثر بقرار السلم والحرب.

بصريح العبارة، الصراع الراهن في لبنان تجاوز اطار المحاولات التقليدية الكلاسيكية من مثل استجماع مبادئ على وثيقة أيا يكن الفريق او التحالف او المراجع الدينية والسياسية التي تمهر هذه الوثيقة بتواقيعها لأنه لو كان للنصوص والمواثيق بعد من قوة رادعة لما تمادى النهج الانقلابي المستقوي بالنفوذ الإيراني الفاضح بتمزيق عرى التوازن الداخلي من خلال استباحة الدستور وانتهاكه، والأكثر من ذلك لما كان القرار الدولي 701 ، انتهك بحرب اتخذ قرارها على يد فريق لا يقيم اعتبارا لادنى موجبات الشراكة الوطنية، ولما كانت القرارات الدولية المتعاقبة ذات الصلة صارت اثرا بعد عين.

تبعا لذلك ، ترانا نعود الى تجارب قسرية سابقة ولو في ظروف حربية داخلية كانت مزيجا مركبا من فتن وتدخلات واحتلالات ومؤامرات خارجية وداخلية من مثل نموذج فرض او محاولة فرض “الاتفاق الثلاثي” الشهير في نهايات العام 1985 والتي أودت الى مواجهة عنيفة قاسية وصعبة سياسية وحربية في ان واحد لاسقاط ذاك الاتفاق في منتصف شهر كانون الثاني من العام 1986 . بطبيعة الحال ان استعادة تلك التجربة لا تعني اطلاقا ما قد يتراءى للبعض من تحريض على عنف مسلح داخلي فيما معاناة لبنان الكبرى من تفرد فريق بالقرار والسلاح ، ولكن تلك التجربة اثبتت ان تضافر إرادات الشرعية الدستورية والشرعية الشارعية والقيادية آنذاك لم ينتظر وثائق فكانت الجراحة التي أسقطت زحف الانقلاب. المطلوب واحد: تحالف عابر للطوائف يواجه نفوذ الاستتباع الإيراني .. فقط لا غير !