حـازم الأميـن/ نصرالله لا يحقّ له أن يُدين

283

 نصرالله لا يحقّ له أن يُدين؟!
حـازم الأميـن/لبنان الآن
16 كانون الثاني/16

استدعت جريمة باريس إدانةً من الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصر الله، وسعياً إلى توظيف الجريمة في مقولة “حزب الله” المُستجدّة عن الإرهاب. هذه الإدانة استفزّت كتاباً وناشطين، اعتبروا أن تاريخ نصرالله لا يُجيز له التصدّي لهذه المواقف، وبعضُهم، وهم أصدقاء، شهروا في وجه الرجل كلاماً كان قاله مفاده أن “الإساءة للرسول ما كانت لتتكرر لو أنّ فتوى قتل سلمان رشدي التي أصدرها الخميني وجدت من ينفذها”.

واعتبر أصدقاؤنا من الكتّاب والناشطين أن كلام نصرالله هذا لا يختلف عن فعلة منفّذي جريمة باريس. ووجد البعض في إدانات “الممانعة” للجريمة مناسبةً لتذكيرها بدور بشار الأسد في “أسلمة” الثورة السورية عبر إطلاقه المساجين الإسلاميين من قادة “داعش” و”النصرة”.

والحال أنني ممّن لا يروق لهم كلام نصرالله، لكنه لم يحضرني في سياق المشاعر التي تولّدت في أعقاب العملية الإرهابية التي نفّذها أعضاء في شبكات “قاعدية” في باريس. كلامه، الذي لا يروق لي، لم يكن في ذلك اليوم محلّ ابتلائي، فقد ابتُليت بإرهابيّي باريس في ذلك اليوم، أولئك الذين أقدموا على قتل 12 بريئاً، وهم، أي القتلة، من دون شك ليسوا من “حزب الله”.

هذا الأمر دفعني للتفكير قليلاً بمسألة طغيان الغضب على العقل. فعملية باريس مناسبة لنغضب على منفّذيها وعلى من يقف وراءهم، أمّا أن يحضر نصرالله في سياق هذا الغضب، فإنّ ذلك فعل إزاحة نفسي لا إرادي يهدف إلى تحويل الغضب وإلى توظيفه في غير مكانه.

وفعل الإزاحة ينطوي أيضاً على شعور بالذنب في غير محلّه. علينا، نحن خصوم “حزب الله”، أن نعترف أن هذه الخصومة تسبّبت لنا بنوعٍ من سوء التفاهم مع أنفسنا، بحيث أفقدتنا القدرة على التمييز.

من نفّذ عملية باريس هو “القاعدة” أو أحد فروعها، والإنفعال الأول يجب أن يتركّز هناك.

ولنا مع نصرالله قصة أخرى. علينا أن ندين قتال “حزب الله” في سوريا في الموضع الذي يجب إدانته، وأن نُدين جرائم “القاعدة” في المواضع التي ترتكبها. خصوصاً أننا نتكلم عن مشاعر وعن انفعالات، ولا ندعي أن وراء كلامنا مقولات كبرى. الأرجح أن خراباً كبيراً خلّف كل هذا. فكم يبدو صعباً أن يكون المرء ضد “القاعدة” وضد “حزب الله” في الوقت نفسه. ماذا يفعل بمشاعره الفعلية حين ينتصر عدوه على خصمه أو العكس.

ثمة كفة راجحة في داخل كل واحد منا، وهذا هو الخراب فعلاً. حين تقدمت مجموعات من “النصرة” باتجاه مواقع لـ”حزب الله” في بريتال، وجرى ذلك تحت أنظار اللبنانيين كلهم، كان المشهد على الشكل التالي:

تنظيم إرهابي غير لبناني يتقدم باتجاه موقع في الأراضي اللبنانية لحزب لبناني مسلّح منتهك للسيادة وللقانون ويقاتل في أرضٍ غير لبنانية!

من المرجّح أن السواد الأعظم من الشيعة حبسوا أنفاسهم خوفاً وغضباً، والسواد الأعظم من السنّة انتصروا لـ”النصرة” في حينها!

ولكن ماذا عنّا نحن اللبنانيين غير الشيعة وغير السُنّة؟

هل في داخل كل واحد منّا انحياز طفيف في هذه القسمة السقيمة؟

هل كان من السهل علينا أن نُدين تقدّم حزب غير لبناني باتجاه لبنان في موازاة إدانتنا سلاح “حزب الله”؟

لا يبدو الأمر سهلاً وبديهياً، والقول بصعوبته ينطوي أيضاً على كارثة تتمثّل في أن واحدنا يمكن له أن يُصفق لـ”النصرة” أو لـ”حزب الله” في لحظة تجلّ شعوري، والعكس أيضاً صحيح، اذ يمكنه أن يشعر بالذنب حيال فعلة من أفعالهما.