منى فياض/لبنان دولة مخطوفة تعيش تحت الوصاية الإيرانية

306

منى فياض: لبنان دولة مخطوفة تعيش تحت الوصاية الإيرانية
العرب/ محمد الحمامصي16/01/2015

الباحثة اللبنانية تعتبر أن لبنان في وضع لا يسمح له بالتحول إلى ما يشبه العراق وسوريا وليبيا، فالحرب الأهلية أكسبت اللبنانيين مناعة ضد مدارات العنف.
منى فياض: حزب الله فرقة إيرانية مسلحة بجنسية لبنانية

دخل المشهد اللبناني منذ تدخل حزب الله في سوريا مرحلة يقترب فيها لبنان إلى أن يكون امتدادا للحرب المذهبية والطائفية الدائرة في العراق وسوريا. والعمليات الإرهابية وخطف الجنود التي يواجهها لبنان اليوم لا يمكن أن تكون إلا جزءا لا يتجزأ من هذه الحرب، هذا فضلا عن الصراع العالمي والإقليمي الذي يلقي بظلال ثقيلة على الأوضاع السياسية التي قد يكون من بينها الحرب الأهلية والتقسيم وغيره.

لبنان دولة مخطوفة ورهينة، مصيرها مرتبط ارتباطا وثيقا بمصير إيران، وفق الباحثة منى فيّاض، التي قالت لـ”العرب”، إن لبنان لن يخرج من حالة الجمود التي يمرّ بها حتى يتقرّر وضع إيران مع الولايات المتحدة، وإن كان سيعقد بينهما اتفاق أم لا على مستوى الملف النووي؛ بالإضافة إلى مصير الانقسام في الداخل الإيراني، والصراع الخفي بين الرئيس والحرس الثوري والمرشد الأعلى.

وأضافت فياض، الأستاذة بقسم علم النفس في الجامعة اللبنانية، أن “حزب الله يزيد من تعقيد الوضع في لبنان. فبعد أن تحرّر لبنان من السيطرة السورية انتقل إلى السيطرة الإيرانية، عن طريق حليفها حزب الله”.

وأوضحت، “في لبنان تمنع جلسات البرلمان لأن نواب حزب الله لا يحضرون، والحجة الظاهرة التي لا تقنع الناس بأن “الجنرال عون” لا يقبل إلا أن يكون رئيس الجمهورية، لكن تصور أن “عون” كطرف لبناني ضعيف يستند بكل تمويله وقوته على حزب الله وإيران من خلفه، تصور أن يقف في وجه كل دول العالم لكي يكون رئيس جمهورية، هذه هي الذريعة الظاهرة لتغطية النفوذ الإيراني بورقة توت”.

ورأت فياض، التي التقتها “العرب” بالإسكندرية على هامش مؤتمر “نحو استراتيجية عربية شاملة لمواجهة التطرف”، أن هناك فرقا بين النفوذ السعودي، الذي يدعم الدولة اللبنانية حكومة وجيشا وشعبا، وضمن المنظومة العربية، وبين النفوذ الإيراني الطائفي الديني.

تحرير القدس لا يمر بالقصير ولا القلمون ولا يمر عند الحوثيين باليمن ولا يمر بالبحرين ولا بالعراق

وشدّدت منى فيّاض على أن السعودية تساعد الدولة اللبنانية بشكل علني، وقالت في هذا الاتجاه: “المال السياسي موجود من كل الأطراف والجهات، لكن الفرق بين السعودية وإيران، أن إيران تساعد حزب الله وتبني له جيشا، في حين أن السعودية تساعد الجيش اللبناني والحكومة اللبنانية، وهذا فرق كبير”.

ولا مجال هنا للمقارنة بين النفوذ السعودي والإيراني في لبنان، فـ”إيران لديها جيش ودولة مستقلة داخل الدولة اللبنانية، نصر الله دخل سوريا لمحاربة السوريين، بطلب من خامنئي رغم أن أغلبية الشعب اللبناني يرفض تدخل حزب الله في سوريا، لكن حزب الله لا يخضع للدولة اللبنانية، وبالتالي ليس هناك مجال للقول إن هناك سيادة أو استقلالا في دولة لبنان”.

وتؤكد فيّاض أن: “لبنان بلد مخطوف ونحن رهائن وورقة تساوم عليها إيران وتستغلها. وقد استولت على الطائفة الشيعية في لبنان بالنفوذ المالي والدعاية وحزب الله استغل القضية الفلسطينية وروّج لنفسه من خلال أداء المقاومة لتحرير القدس وفلسطين، ولكن تحرير القدس لا يمر بالقصير ولا القلمون ولا يمر عند الحوثيين باليمن ولا يمر بالبحرين ولا يمر بالعراق”.

رأت فيّاض أن الوضع في لبنان أعقد وأدق من أن يتحول إلى عراق أو سوريا أو ليبيا، وقالت: “لبنان مر بـ15 عاما من الحرب الأهلية، ومن يذوق الحرب الأهلية مرة لا أعتقد أنه سوف ينخرط فيها بسهولة مرة أخرى، صار لدى اللبنانيين معرفة. ربما الأجيال الجديدة لديها وهم القتل والسيطرة، لكن الأجيال التي عانت ومرت بالحرب لا أعتقد أنها تنجرّ بسهولة مرة أخرى إلى العنف والأحداث تبرهن على ذلك. حدثت محاولات كثيرة لإشعال الساحة اللبنانية كان وراءها بشار الأسد في معظم الأحيان، تفجيرات ودعايات بأن هناك إمارات إسلامية، ولم تنجر الساحة اللبنانية للقتال، صار هناك نوع من المناعة، قد تزول، فأنا لا أقول إنها دائمة، لكن أقول إن هناك نوعا من المناعة لا تزال تقاوم الانجراف للعنف”.

منى فياض: إيران تتمدد وتقسم العالم العربي بشكل أخطر من إسرائيل

وتطرّقت الباحثة في سياق حديثها إلى التعامل الدولي مع وضعية اللاجئين السوريين الذين شبّهتم بالبراميل المتفجّرة، قائلة: الكثير من الزوار الدوليين يأتون إلى البنان، يقولون إنهم على استعداد لمنح المساعدات أو أخذ لاجئين سوريين -100 ألف أو 120 ألف-، ماذا تفعل الـ120 ألفا من مليونين والبراميل المتفجّرة، ومن المحتمل أن يتضاعفوا في فترة قليلة”.

وأضافت فيّاض: “لقد منعت الدولة اللبنانية مؤخّرا دخول السوريين دون طلب فيزا، لأن لبنان لم يعد يتحمّل، لا بنيته التحتية ولا وضعه الاقتصادي، عدد طلاب المدارس السوريين (450 ألفا) يفوق ضعف اللبنانيين (260 ألفا)”.

أصرّت منى فيّاض على أن لبنان لن ينجر إلى العنف إلا بتغيرات إقليمية كبيرة جدا، “مثل أن تضطر إيران إلى الانسحاب أو أن تفجّر الأوضاع، أو أن يستطيع تنظيم “داعش” أن يستلم الساحة اللبنانية، مع أني أجد أن الساحة اللبنانية كلها ـ حتى وإن وجد بعض السنة متعاطفين معها ـ لا تريد لا نمط حياة داعش ولا أسلوبه ولا عنفه، لن يجد داعش على الأرجح خبزا أو إقامة في لبنان بسهولة، دون تغيير ضخم مفاجئ، لذا سيظل لبنان على ما هو عليه، ولكن ذلك على حساب تحلل الدولة اللبنانية، وتفشي العنف الاجتماعي، وتصاعد الجرائم، تدهور الحياة بشكل عام، هناك خطر اقتصادي بشكل عام”.

ونفت الكتابة اللبنانية وجود أي إمكانية لتحول لبنان إلى دولة شيعية، وقالت: “لا مجال لذلك إطلاقا، حتى الشيعة ليسوا جميعهم مع ذلك، إيران وحزب الله يستغلان التعصب المذهبي حتى يستمرا في قول إنهما هما من يمثلان الطائفة الشيعية، هما يثيران حساسية السنة لكنهما لا يريدان حربا ضدّهم، فليس من مصلحتهما وقوع حرب مذهبية سنية شيعية، هما يؤججان هذا الصراع وفي نفس الوقت يريدان إيقافه، لبنان بلد متنوع، والشيعة ليسوا هم الأكثرية”.

نفت الباحثة اللبنانية إمكانية “أن تتحول لبنان إلى دولة شيعية أي أن تصبح على منوال الأقلية العلوية في سوريا، هذا صعب على المدى المنظور، وإذا لم تقرر إيران احتلالا فعليا لسوريا ولبنان، فلن يحصل هذا، لماذا؟ لأن 40 بالمئة من المسيحيين، والبعض منهم مع إيران، لا يريدون دولة إسلامية شيعية على النموذج الإيراني. النموذج الإيراني لا يعجب أحدا، أيضا السنة لن يقبلوا به، وهناك الكثير من الشيعة لن يقبلوا أيضا، أنا شيعية وهناك مثلي كثيرون، ولاحظ أن كل هذه الحركات التي يأتي بها حزب الله ومن خلفه إيران هي للتغطية، هما لا يريدان تحويل لبنان إلى دولة شيعية، حتى يظلا على قولهما إن لبنان دولة متنوعة، ولكنهما يريدان الحكم بطريقة ضمنية، لأن إدارة الحكم بوضوح تعني الفشل.

السلاح النووي ذريعة وحجة إيران لإجبار الغرب على الحوار معها والاعتراف بنفوذها الإقليمي

من يريد دولة شيعية في لبنان؟ العالم الغربي لن يقبل، الفاتيكان لن يقبل، لكن إذا وصل إلى ذلك فسيكون نوعا من التقسيم ولن يكون متعلقا بلبنان بل بسوريا، دولة علوية تضم شيعة لبنان وعلوية سوريا مع إقليم لبناني مستقل، الدولة المارونية، الجيل الماروني الأساسي وما يتبعه، وهذا في المدى غير المنظور”.

أهداف إيران

أكدت منى فيّاض أن ما تستهدفه إيران من المنطقة ليس مجرد النفوذ وتساءلت وقالت: “أن تصبح دولة تمتد من الخليج حتى البحر المتوسط، هذا حلم فارسي قديم، منذ الاسكندر الأكبر، منذ أيام نوقورش، الآن يتبجّح مستشارو خامئني قائلين: “وصلنا إلى حدود البحر المتوسط، “حدودنا أوسع من الحدود الظاهرة”، وغيرها من التصريحات.

إيران لها نفوذ في اليمن والعراق وسوريا ولبنان، لقد صارت دولة إقليمية عظمى، هل بهذا الشكل النفوذ معنى قليل؟ ثم إنها يجب أن تحل مشاكلها الداخلية، فهي لديها مشاكل كثيرة في الداخل، لكنها تسكت الداخل بحجة الانشغال بالخارج، ومن يقوم ضد النظام يعتبر خائنا.

أعتقد أن كل مشكلة النووي الإيراني هو صراع على النفوذ، النووي ذريعة وحجة لإجبار الغرب على الحوار معها والاعتراف بنفوذها، النووي وسيلة للنفوذ”.

ورأت فياض أن تنظيم داعش خرج من السجون الأميركية في العراق، وقالت: “أبو بكر البغدادي كان سجينا في العراق ويعمل تحت نظر السلطات الأميركية، وهذه الجماعات بالفعل لم يكن لديها أكثر من سلاح خفيف لا يعتد به، أما الآن فهي تملك السلاح الثقيل والخبرات العسكرية والمعلومات اللوجستية ولديها استراتيجية ممتازة، وتقنيات تكنولوجية عالية، هم يستخدمون وسائل الاتصالات الحديثة بأرقى أدواتها ومن بينهم مخابرات مدربة جيّدا، فهم مخترقون من جميع مخابرات العالم، وهناك أطراف دولية تساندهم ضمنا.

تهديد داعش

لا تنفي منى فياض نظرية أن داعش مؤامرة، لكن التنظيم يستغل وضع المنطقة الصعب والقهر الممارس على الشعب العربي الذي احتل كثيرا من إسرائيل دون أن يحرك العالم ساكنا، والآن هناك نوع من التجاهل للدولة الفلسطينية وانحياز مطلق لإسرائيل. الآن هناك إسرائيل وإيران. إيران تتمدّد وتقسم العالم العربي بشكل أخطر من إسرائيل.

إسرائيل عدو معترف به ولدينا مناعة ضده، إيران تخترقنا من الداخل عن طريق الشيعة في العالم العربي وغطاء الوطنية، يعنى هناك شيعة عراقيون مع إيران وشيعة لبنانيون مع إيران.. إلخ، هذا أخطر بكثير، هذا يؤجّج شعور القهر، فالقهر والغضب هما أحد أهم عوامل محركات التاريخ، لا يمكن القضاء على داعش إلا بالقضاء على الأسباب التي ساعدت على بروزه، أنظر كيف تم احتلال الموصل؟ لأن هناك فئات سنية مضطهدة ومقهورة من قبل ميليشيات شيعية ومن حكومة المالكي الذي هو أداة إيرانية”.

وأكدت فياض أنه “لن يتم القضاء على داعش إذا لم يتحرك العالم العربي لمواجهة إيران، ومن جانب آخر إعطاء حقوق المواطنة للأقليات الشيعة، لماذا الشيعي يذهب ليحتمي بإيران؟، لأنه فيما عدا لبنان لا يحصل على حقوقه، شيعة لبنان لديهم نفس الحقوق وهم عاقون برأيي، فلم يعترفوا بأن الدولة اللبنانية حمتهم وأعطتهم حقوقا لم يحصلوا عليها في أي مكان بالعالم”.

وختمت مؤكدة أنه “ينبغي في كل بلد أن يعامل الأقلية بتمييز إيجابي حتى تحصل على حقوقها المطلقة في التعليم والعمل وأداء الشعائر، هل من الممكن أن تمنع شيعيا سعوديا أو يمنيا من أداء شعائر عاشوراء مثلا، سوف يشعر بالاضطهاد، ومن ثم سيكون قلبه مع إيران زورا وبهتانا، وهي سوف تستغله”.