الكولونيل شربل بركات/لبنان بعد تخطي الدمار للمنطقة الحدودية…متى سيفهم السيد وربعه بأنهم انما يحرقون ما تبقى من الاوراق بدون سبب ويزيدون أصحاب القرار قناعة بعدم جدوى الكلام معهم أو الاتكال على رأيهم

365

لبنان بعد تخطي الدمار للمنطقة الحدودية
متى سيفهم السيد وربعه بأنهم انما يحرقون ما تبقى من الاوراق بدون سبب. ويزيدون أصحاب القرار قناعة بعدم جدوى الكلام معهم أو الاتكال على رأيهم، فهم قاصرون عن فهم الحقائق ويعيشون في عالم الأوهام، وهذه وتلك لن تنفع في منع الآتي. وربما الآتي أعظم…

الكولونيل شربل بركات/21 شباط/2024

السيد حسن مشكور على التحلي بضبط النفس هذه المرة، خاصة بعد خطاب “الدم بالدم” الذي أتحفنا به الأسبوع الماضي. ويبدو بأنه اتعظ من سرعة رد اسرائيل على كلامه وكأنها تتحدى هذه المرة ولا تساير. فهل ستقبل باعطائه فرصة جديدة للملمة أدواته وسحب عناصره إلى البقاع مثلا؟ فهو تدلل، يوم عرض عليه المبعوث الأميركي السيد هوكشتاين الحل الشامل، ومن ثم المشروع الفرنسي القاضي بالابتعاد إلى ما بعد الليطاني والالتزام بالقرار الدولي 1701، وربط هذا “التنازل” بتوقف القتال في غزة.

السيد حسن يحاول اليوم التهرب من التصعيد بعد الأوامر الأيرانية بالتهدئة، والتي ظهرت بوضوح خلال زيارة رئيسه (؟)، قائد الحرس الثوري قاآني، العراق لضبط تصرفات مليشياته هناك منعا لتفاقم الوضع وانعاكسه على نظام الملالي، خاصة وقد ظهرت قدرات أعدائه على خلق المشاكل داخل إيران نفسها مرة أخرى، من خلال تفجير خطوط نقل الغاز بين المدن الإيرانية، وهي عينة من هذه القدرات إذا ما وجدت الرغبة عدى عن نقل الحرب بكل أبعادها إلى الداخل.

السيد حسن الذي أفهمنا في آخر خطاب له بأن “المقاومة” لا تهتم بالخسائر البشرية بل بالهدف، ولذا فهو وأمثاله يتعاطى مع ردود “العدو” المدمرة للبيئة “الحاضنة”، بالتصميم على الاستمرار وعدم الاكتراث للاصابات والدمار، ومن هنا نفهم موقف حماس القاضي بالمضي “بالمعركة” بالرغم من كل الخسائر البشرية والخراب الشامل لمدن القطاع برمتها، والتهجير الذي طال كل السكان حتى آخر رقعة في القطاع. “فالمقاومة” لا تتأثر بالاصابات ولا تهتم للخسائر وهي تعيش خارج الواقع، وطالما بقي هناك من يطلق رصاصة فإنها باقية. وهذا ما يدعو اسرائيل، ربما، للاستمرار بالضغط حتى آخر عنصر طالما الاعتراف بالهزيمة غير وارد، والتوقف عن الادعاء بالنصر خارج البحث، ولماذا تهتم اسرائيل بأمر السكان، وهي “العدو الغاشم” التي تعرضت للاعتداء، أكثر من أولاد البيت.

اليوم وبعد وصول القصف إلى الغازية، وهي أقرب لقصر “مصيلح” منها للضاحية، هل نفهم بأنه لم يعد عند اسرائيل تفرقة بين “أمل” والحزب بعدما اتخذ الرئيس بري قرار الالتحاق بحرب السيد الأخيرة واشراك عناصر أمل فيها وقيامه شخصيا بنعي من قتل منهم كشهداء “جهاديين”؟ وهل سنرى توجها نحو تجاهل مواقف “رئيس المجلس” والابتعاد عن زيارته من قبل الوفود الدولية، كونه فضّل صفة رئيس المليشيا على رئاسة المجلس ليذكرنا بحرب المخيمات المختلف عليها أكثر منها بالتمثيل الوطني وأركان الدولة؟

يقول قائل ماذا تقدر اسرائيل أن تقوم به ولم تقم به حتى الآن؟ والأجوبة كثيرة فصحيح أن سكان المناطق الشمالية في اسرائيل لم يعودوا إلى بيوتهم بعد، وربما لن يعودوا قبل التأكد من أنه لم يعد هناك من خطر بالقصف أو ما شابه، ولكنهم على الأقل يتمتعون بدعم دولتهم الغنية، خاصة مع العشرين مليار دولار من الهبات التي أنعمت بها عليها الولايات المتحدة لدعم الصمود. أما في لبنان فكل البلد بحاجة للدعم لكي يصمد، بينما أهالي المناطق المتضررة حتى اليوم، والذين يفوق عددهم أعداد الاسرائيليين النازحين، لم يتلقوا أية معونة تذكر من الدولة التي تشحد المساعدات، وقد اكتوت من نار تحكّم المليشيا والمافيا بمؤسساتها وسرقة دعائم الاقتصاد ولا من يهمه أن يمد يد المساعدة. فلم يتبق لنا أي صديق بين الدول الجارة أو الشقيقة القادرة على العطاء، بفضل سياسات السيد “الحكيمة” وتهجماته على الكل لارضاء الملالي وتمكينهم من التحكم بدول العرب. ثم من يدري أين ستقف “التعديات” التي وصلت حتى الآن إلى الغازية وأقليم الخروب وبالطبع الضاحية مع تصفية العاروري (ولو قيل بأن تصفيته كانت بمساعدة الحزب)، وهل ستطال الموجة القادمة من الضربات مواقع في الجبل والبقاع؟ وهل يمكن التكهن أين خبأ الحزب مستودعات أسلحته وصواريخه في القرى والمدن وبين البيوت؟ وهل ستقبل اسرائيل أن تستكين قبل ان تتأكد من انها تخلصت، على الأقل، من امكانية مهاجمتها في عقر دارها مرة أخرى، خاصة من قبل أولئك الذين يريدون اعادة اليهود إلى الدول التي أتوا منها بعد أكثر من قرن ونصف على وجودهم المنظم فيها وثلاثة أرباع القرن على نشوء الدولة؟

صحيح بأن المقاومة لا يطلب منها بالعادة تحمل المسؤولية الوطنية، ولكنها عندما تصادر الحكم وتتسلط على المواطنين وتفرض رؤيتها وخططها على البلاد، تصبح هي الدولة وعليها بذلك أن تتحمل كل التبعات والمتطلبات الوطنية المفروضة على الدولة. فمن يمسك بالقرار الوطني ويمنع مسار الديمقراطية ويسيطر على مؤسسات الدولة لا يمكنه التملص من واجباته تحت شعار المقاومة. كنا نعتقد بأنه على من يدعي قيادة المقاومة اليوم أن يتحضر لاتخاذ قرار تاريخي بوقف الاعتداءات على اسرائيل وغيرها من دول الجوار، وتسليم سلاحه للجيش وسحب عناصره إلى خارج البلاد إلى حين تعود الدولة وتصبح قادرة على استرجاع مواطنيها وحمايتهم، ولكننا بعد تصرف الرئيس بري ودخول عناصر أمل في القتال بجانب الحزب وادعائهم “الجهاد”، فمن سيبقى من الطائفة الكريمة ليحافظ على دورها في استكمال بناء الوطن؟

إن قرار الرئيس بري بدخول الحرب هو كقرار المفتي شرف الدين سنة 1920 بمحاربة فرنسا، فهو لم يزد أعداء فرنسا قوة ولكنه حرم الطائفة من موقف الاعتدال لتخسر اشتراكها مع بقية اللبنانيين في فترة الحلول وبناء الدولة، وتضيع كل المكاسب الوطنية من دون أن تربح في وقوفها مع أعداء الوطن. فلا إيران ستقبل بهجرة جماعية إليها، ولا الدول العربية ستتفهم هذه المواقف المتأخرة وبدون سبب، ولا دول القرار في الغرب ستساعد من قتل نفسه وشعبه لوجه الله.

يقول البعض بأن من سرق الدولة وهدم مؤسساتها وجوّع الناس من أجل أن يجمع ثروة له ولأقاربه لا بد له من عقاب. ولكن ما ذنب أولاد الجنوب الكادحين في عيتا الشعب وعيترون وبليدا وميس الجبل وغيرها من القرى لأن ينالوا هكذا مصير؟ فلا هم اغتنوا كالمنظورين في حركة أمل، ولا هم سينالوا ميزة استقبالهم في إيران. وقد نسي الاسرائيليون ما عملوه في سبيل العيش بسلام معهم أول عشرين سنة بين 1948 و1968 وطيلة أكثر من عشرين سنة أخرى بين 1978 و2000. فهل يخسر هؤلاء بيوتهم وأراضيهم وأحلامهم بسبب رعونة الحزب وأسياده وتسرّع الرئيس بري وأزلامه، وهم كانوا يأملون بأن الأئمة والنواب والوزراء سوف يكونون الداعم لوجودهم واستمرار أبنائهم بالعيش الكريم، ولو أنهم لم يتفهموا محاربة جيرانهم الاسرائيليين بدون سبب سوى ادعاءات من يسمونهم “بالمقاومة” وتلقيهم الأوامر لذلك.

سمعنا اليوم السيد جنبلاط يدعو إلى اعادة الحرب إلى المناطق الحدودية فهل هو يعني ما يقول؟ أو أنها ذلة لسان كالعادة؟
الوضع في جنوب لبنان مذري ولكنه ليس أفضل في بقية المناطق وهي التي تستعد لتكون كبش محرقة جديد بعد أن ينتهي الجنوبيون من الهرب وترك شقا العمر خلفهم، فهل ستنتقل المآسي إلى المناطق الأخرى؟ ومتى سيفهم السيد وربعه بأنهم انما يحرقون ما تبقى من الاوراق بدون سبب. ويزيدون أصحاب القرار قناعة بعدم جدوى الكلام معهم أو الاتكال على رأيهم، فهم قاصرون عن فهم الحقائق ويعيشون في عالم الأوهام، وهذه وتلك لن تنفع في منع الآتي. وربما الآتي أعظم…

**الصورة المرفقة هي من بلدة الغازية عقب تعرضها للغارات الإسرائيلية يوم أمس