عبدو شامي/هل يقف تيار المستقبل وراء تفجيرَي جبل محسن

667

هل يقف تيار المستقبل وراء تفجيرَي جبل محسن؟
عبدو شامي
17/1/2015

خمسة عشر يومًا على انطلاقة العام 2015 كانت كافية للكشف عن أن المرحلتَين السياسية والأمنية اللتَين دخل فيهما لبنان والعالم إنما تحمِلان عنوان الاستغباء، استغباء الجماهير المؤيِّدة قبل المعارِضة، والاستخفاف بعقول الناس والتذاكي عليهم.

أوروبيًا، شخصان مدجّجان بالسلاح يجولان في أحد شوارع باريس حيث لا حركة سير ولا مارّة! الرجلان يقتحمان مبنى جريدة “شارلي ايبدو” الساخرة من جميع الأديان السماوية، التوقيت في وضح النهار وأثناء انعقاد الاجتماع الأسبوعي لهيئة التحرير؛ الحصيلة تصفية 12 شخصًا بحرفية عالية ودم بارد وأعصاب فولاذية؛ منفِّذا العملية يعودان الى سيارتهما المسروقة والمركونة في وسط شارع لا يزال خاليًا من معالم الحياة، قبل أن تعثر عليها الشرطة وفي داخلها هدية قيّمة، هوية أحد المنفّذَين، ترَكها للشرطة من باب تسهيل مجريات التحقيق! ساعات ويُعلَن عن تصفية الرجلَين داخل مكان كانا يحتجزان فيه بعض الرهائن لتُدفن معهما تفاصيل الجريمة. سبعة أيام ويظهر شريط مصور يعلن فيه تنظيم “قاعدة اليمن” تبني العملية، والتي أتبعت بهجوم على متجر يهودي قيل إنه تم تنسيقه مسبقًا مع منفذَي هجوم الصحيفة.

المطلوب منا فرنسيًا باختصار هو فصل الهجومَين عما تشهده فرنسا وأوروبا في الآونة الأخيرة من محاولات عنصرية تقوم بها بعض الأحزاب المتطرّفة لإيقاف اندماج المسلمين الإيجابي في نسيج البلدان التي يحملون جنسيتها اجتماعيًا وسياسيًا، والمطلوب فصله أيضًا عن المخطط الإسرائيلي لتهجير يهود أوروبا الى إسرائيل، وهما هدفان جرى استثمار الهجومَين الإرهابيَبن على أكمل وجه كي يصبّا في خدمتهما. من هذا المنطلق وحتى إشعار آخر لا نرى غير أننا أمام فيلم مفبرَك من أجهزة استخبارات اسرائيلية سقط فيه ضحيّتان، الأولى هي مسلمي أوروبا، والثانية فرنسا نفسها، وقد اقتُبست أفكاره من ثلاثة أفلام سابقَة، عملية 11أيلول2001 في أميركا، وتفجير “حارة حريك” في لبنان بداية عام 2014 الذي عُثر على إخراج قيد ما قيل إنه منفّذه في إحدى شرفات بناء مجاور سالِمًا من الحريق، وفيلم “أبو عدس” الشهير انتاج عام 2005.

لبنانيًا، تفجير “انغماسي” مزودج يضرب “جبل محسن” انتقاماً لتفجير مسجدَي طرابلس عام 2013، الحصيلة 9 قتلى وعشرات الجرحى، “جبهة النصرة” تتبنى فيما يؤكد وزير الداخلية أن “داعش” هي وراء العملية؛ يومان وبتوجيه من الرئيس سعد الحريري لوزير داخليته “المشنوق” وتقوم القوى الأمنية باقتحام المبنى “ب” في سجن “رومية” ناقلة المعتقلين الإسلاميين الى مبنى آخر ليُعلن الوزير القبضاي إنهاء أسطورة سجن رومية وغرفة العمليات التي كان المعتقلون يديرون منها عمليات إرهابية عديدة منذ عام 2009 منها عملية “جبل محسن” الأخيرة، وذلك بعملية “نظيفة” لم تسجّل فيها أي إصابة في صفوف المعتقلين، كل ذلك على حد توصيف الوزير الأزرق.

الاستغباء والاستخفاف بالعقول بات على ما يبدو السمة الأساسية لخطاب “التيار الأزرق” بعد تدشينه حوار الذل مع المحتل الأصفر، وما كذب من قال: “قل لي من تعاشر أقل لك مَن أنت”. فساعات قليلة كانت كافية لتبيان مدى نظافة العملية التي استغبى بها “المشنوق” الرأي العام ليُسوَّق بطولاته ودعايته الانتخابية لخلافة “تمام سلام” في رئاسة الحكومة، أفلام مصورة وصور وشهادات لأهالي المسجونين كشفت التالي: سجناء دون لباس، جرحى دون معاينة، دماء تصفى، إهانات، كدَمات وكسور وجروح… مع ذلك الكارثة ليست هنا. الكارثة هي أننا إذا أردنا منقاشة الوزير القبضاي بالمنطق الذي حدثنا به لتعظيم بطولاته، سنصل حتماً الى نتيجة مفادها أن تيار المستقبل يقف وراء العمليات الإرهابية التي أديرت من غرفة عمليات المعتقلين في رومية منذ توليه الوزارة المسؤولة عن السجن عام 2014 على الأقل تفجير “جبل محسن”؛ وإلا ما سبب سكوت التيار عن وضع السجن الخطير وعدم تحرّكه لإنهاء حالته الشاذة على زعمه الى اليوم؟ لعل الجواب في المقطع التالي.

عقب انتهاء عملية السجن، وتحت تأثير نشوة بطولة “اعتقاله المعتقلين” تمنى “المشنوق” على الحزب أن ينظر الى هذا الإنجاز بعين الاعتبار ويقدّم بعض التنازلات من جهته على طاولة الحوار، وكأنه يقول كنا نحتفظ بغرفة العمليات كورقة نساوم عليها والآن نستغل تفجير جبل محسن كي نقدمها لك قرباناً فلاقِنا في وسط الطريق بتنازل من جهتك!

من المثبت علميًا أن مزْج اللونين الأزرق والأصفر يجعلنا نحصل على اللون الأخضر، من هنا يبدو أن طاولة الحوار باتت طاولة خضراء، طاولة قمار ومقامرة بلبنان واللبنانيين. وبين الانغماسيين والانبطاحيين والارهابيين المنظّمين رحم الله لبنان وكان الله في عون الشعب المستغبى ممن ارتضى أن يسلّمهم صوته وعقله.