جورج حايك/ماذا ينتظر حزب الله بعد إقامة منطقة عازلة جنوب نهر الليطاني؟

60

ماذا ينتظر “حزب الله” بعد إقامة منطقة عازلة جنوب نهر الليطاني؟
جورج حايك/النت/21 كانون الأول/2023

لم يعد وارداً التراجع عن تطبيق القرار “1701” نتيجة ضغوط دولية كبيرة على “حزب الله”، وحركة الموفدينَ الدوليينَ الفرنسيين والأميركيين لا تتوقف لإقامة منطقة عازلة خالية من السلاح بين الحدود وجنوب نهر الليطاني، التي تنشط فيها في الوقت الراهن فرقة “الرضوان” العسكرية التابعة لـ”الحزب”، عبر تطبيق البند الثامن من هذا القرار الذي ينصّ على إخلاءٍ كامل للمنطقة من الأسلحة والمسلحينَ باستثناء الجيش اللبناني وقوات “اليونيفيل”.
والحركة الدولية المكثّفة باتجاه لبنان لم تأتِ من العدم، إنما نتيجة قرار اتخذته حكومة الحرب الإسرائيلية برئاسة بنيامين نتنياهو، تقضي بتطبيق القرار الدولي من خلال المساعي الدبلوماسية أو عملية عسكرية بريّة، وخصوصاً أن المنطقة الشمالية من إسرائيل أصبحت فارغة من السكّان نتيجة المناوشات العسكرية بين إسرائيل و”حزب الله”، وبات لا يقل عن 150 ألفاً إسرائيلياً مهجّرينَ خارج بلداتهم، وهنا يُثار التساؤل: ما مصير سلاح “حزب الله” بعد تطبيق القرار 1701؟
نهاية سلاح “حزب الله”؟
من المؤكّد أن إسرائيل قررت إنهاء خطر الأذرع العسكرية المدعومة من إيران على حدودها أي “حماس” في جنوب إسرائيل، و”الحزب” في شمالها. وبالتالي استعجلت عواصم القرار لإبلاغ المسؤولين اللبنانيين، رغم عدم صلاحيتهم وفعاليتهم، بأن إسرائيل جديّة في تهديداتها، وقد أعدت الخطط العسكرية لاجتياح الجنوب وإبعاد “الحزب” إلى الليطاني.
منظر جزئي يظهر نهر الليطاني في لبنان في وادي البقاع الجنوبي. (تصوير جوزيف عيد / وكالة الصحافة الفرنسية)
في المقابل، يرفض “الحزب” البحث في تطبيق القرار “1701” قبل أن تنتهي الحرب في غزة، فيما تواتر من أوساطه بأن تطبيق القرار يبدأ بمعالجة قضايا جوهرية لانتهاكات إسرائيل التي تسيطر على أراض لبنانية في تلال كفرشوبا وشمال قرية الغجر ومزارع شبعا.
إلى جانب إصرار لبنان على حلّ النزاع على النقاط الـ13 على طول “الخط الأزرق” البالغ نحو 120 كيلومتراً، والذي حددته الأمم المتحدة عام 2000 لتأكيد انسحاب القوات الإسرائيلية، ويبدأ من النقطة “B1” الواقعة بخليج الناقورة التي تربط بحر وبر لبنان مع إسرائيل.
تنقسم هذه المنطقة الحدودية إلى 3 قطاعات، شرقي وغربي وأوسط، ويُفترض أن تكون منزوعة السلاح وفق هذا القرار. واللافت أن جواب “الحزب” للوسطاء الذين يفاوضونه عن تطبيق القرار “1701” أنه لن يقبل إلا بالعودة إلى تطبيق هذا القرار كما كان مطبّقاً حتى 7 تشرين الأول/أكتوبر الفائت.
هذا يفسر بأن حسن نصرالله يريد أن يُبقي على وجوده وسلاحه جنوباً، لكن بصورة خفية على ألا يبادر هو إلى الهجوم على إسرائيل، فهل يكفي هذا الحل تل أبيب وهل ترضى به؟ وهل يرضى العالم بأن يقول لبنان الرسمي كلامياً أنه ملتزم الـ”1701″، بينما عملياً الجنوب ساحة لـ”الحزب” وسواه؟
العنف لمنع تطبيق القرار
لذلك يبدو أن السباق محتدم بين المساعي الدبلوماسية والحرب، علماً أنه لا يبدو أن إسرائيل ستنتظر كثيراً أمام مراوغة “الحزب” في الاستجابة للمساعي الدبلوماسية الدولية، وربما تقوم بهجومها البري إذا توفّرت لديها معلومات عن فشل الجهود الدبلوماسية.
سيارة لبنانية محملة بالمراتب تعود إلى قرية كفركلا على الحدود الإسرائيلية اللبنانية، مقابل بلدة المطلة شمال إسرائيل، 17 أغسطس 2006. (مناحيم كاهانا/وكالة الصحافة الفرنسية)
والمعلوم أن إسرائيل استدعت حوالي 320 ألف مقاتل، قسم كبير منهم موجود على الجبهة الشمالية، فيما قسم آخر موجود على جبهة الجولان، بالإضافة إلى وجود القوة الأميركية التي تعهّدت بدعم إسرائيل إن قامت بحرب على “الحزب”.
لكن الرأي العام اللبناني وقوى المعارضة السياسية اللبنانية يطمحون إلى أن يُطبّق القرار “1701” الذي يريح الجنوبيين من معارك إسرائيل و”الحزب”، بعدما ضُرِبَتْ الدورة الاقتصادية والأعمال الزراعية والصناعية هناك، إضافة إلى تأثّر السياحة في لبنان عموماً نتيجة الاشتباكات على الحدود.
تفاصيل مثيرة.. هل يشكّل اتفاق ما وراء الليطاني بوابة لضمان مشروع “حزب الله” الكيماوي؟
إلا أن مخاوف المعارضين أن المساعي الدولية تركّز على بنود معينة في القرار “1701” تصبّ في مصلحة إسرائيل ولا تعالج مشكلة سلاح “الحزب” في الداخل، علماً أن القرار الدولي ينصّ على التطبيق الكامل لبنود اتفاق “الطائف” والقرارين (1559 و1680) بما فيهما تجريد كل الجماعات اللبنانية من سلاحها وعدم وجود قوات أجنبية إلا بموافقة الحكومة.
في الواقع ما يجري الآن، أن القوى السياسية اللبنانية المعارضة تشعر أن الاهتمام يتركّز على بند واحد من القرار هو البند الثامن الذي يركّز على تراجع “الحزب” إلى الليطاني وكأن عواصم القرار ولا سيما الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا، يريدان طي صفحة القرار 1559. وبالتالي، ليس هناك حلّ لمعضلة “الحزب” المتصلة بالداخل اللبناني.
وهو ما يثير ريبة المعارضين بحسب حديث الصحفية اللبنانية، آية عويس، لـ”الحل نت”، بأنه سيكون تركيز الحزب بعدها على الداخل، والاستفادة من أوراق قوته في هذا السياق. ويعبّر هؤلاء عن خشيتهم من أن يكون التفاوض الدولي والدبلوماسي يتصل بأن يتقاضى الحزب ثمناً سياسياً في الداخل!
هل يتحول لبنان إلى دولة قابلة للحياة؟
إذا طُبّق القرار 1701 وتراجع “الحزب” إلى الليطاني سيفقد مشروعية سلاحه، بمعنى آخر لن يعود هناك وظيفة لهذا السلاح ضد إسرائيل، لذلك تتخوّف القوى السياسية المعارضة والشعب اللبناني من أن تصبح وجهة هذا السلاح إلى الداخل لفرض مشيئته على اللبنانيين وتحقيق مكاسب في اللعبة السياسية الداخلية، علماً أن هذا السلاح مرتبط بمشروع إيران التوسعي، وهي تستخدمه لتحقيق أهداف استراتيجية بهدف الحصول على مكاسب لا علاقة للبنانيين فيها!
ماذا ينتظر حزب الله بعد إقامة منطقة عازلة جنوب نهر الليطاني؟
قوات الجيش اللبناني تعبر جسر نهر الليطاني للانتشار عبر جنوب البلاد، وبموجب قرار الأمم المتحدة رقم 1701، سيتولى الجيش، مدعوما بقوة تابعة للأمم المتحدة بقيادة فرنسا قوامها 15 ألف جندي، السيطرة على المنطقة مع انسحاب حزب الله والقوات الإسرائيلية من جنوب لبنان. (تصوير سكوت بيترسون / غيتي)
وكي لا يكون الكلام نظرياً، فهذا السلاح استُخدم في اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري، وقد صدر حكم من المحكمة الدولية الخاصة بلبنان في حق عنصر في “الحزب” هو سليم عياش، واتُّهم بعشرات الاغتيالات لشخصيات معارضة له، وتمّ استخدام هذا السلاح في 7 مايو/أيار 2008 ضد بعض سكّان بيروت والجبل.
وامتد سلاح “الحزب” إلى سوريا حيث شارك في الحرب دعماً للرئيس السوري بشار الأسد، إضافة إلى مشاركته في حرب اليمن والاضطرابات في العراق. وشعر اللبنانيون أن هذا السلاح موجّه إلى صدورهم في خلدة وعين الرمانة والكحالة.
“حزب الله” في الأمتار الأخيرة للاستيلاء على الجيش اللبناني!
أما اليوم، فيلجأ “الحزب” إلى تخوين كل من يطرح مسألة سلاحه، علماً أنه لا يحقّ له بعد موافقته على القرار “1701” أن يخوِّن أو يعترض على مَن يطالب بالتقيُّد ببنوده، وهو قرار دولي ولبنان يتقيّد بالشرعية الدولية، إضافة إلى أن أي قرار جديد يستند بشكل أساسي إلى وثيقة الوفاق الوطني ومن ثم إلى ما سبقه من قرارات، وهذا ما هو موثّق في القرار “1701”.
لكن من الواضح أن هدف “الحزب” من موافقته في آب/أغسطس 2006 على القرار “1701” وقف الحرب وتجاوز الزخم العسكري والحدّ من الخسائر ومن ثم العمل على تفريغ مضمون القرار المذكور من خلال إبقاء القديم على قدمه، فلم يتقيّد بنصوصه وحافظ على ترسانته الحربية ودوره العسكري وابتكرَ ما عرف بـ”الأهالي” الذين وظيفتهم ترسيم حدود تحركات قوات “اليونيفيل”؛ وهذا ما يريده “الحزب” اليوم.
ثمة مراقبين يعتبرون أن إيران لن تجازف بمصير “حزب الله” الذي تعتبره جوهرتها التي صقلتها بالمال والسلاح والعقيدة وقد تلزمه بالقبول في التراجع إلى الليطاني استجابة للضغوط الدولية، والهدف المحافظة على سيطرته على الداخل اللبناني لأنه لا يمكن التضحية بها بل السعي إلى مراكمتها أكثر، وهذا مفيد أكثر لإيران التي لا تريد خسارة أوراقها في لبنان.
النخب السياسية في لبنان أما مواجهة، تبدأ بالتصدي سياسياً لمحاولات “الحزب” للسيطرة على المؤسسات، وحجمها في المجلس النيابي يسمح لها بذلك، وقد حققت إنجازاً في منع وصول مرشّح “الحزب” سليمان فرنجية إلى الرئاسة، ونجحت في التمديد لقائد الجيش العماد جوزف عون.
إلا أنها تطرح علامات استفهام كبيرة حيال وجهة سلاح “الحزب” بعد تطبيق القرار “1701”، ولا شيء يمنع من فرض سطوة سلاحه على خصومه لتطويعهم رغم أن إرادة الصمود كبيرة والشعب اللبناني ضاق ذرعاً بممارسات “الحزب” وجعل لبنان ساحة لحروب إيران وانعكاس ذلك على الاقتصاد والأوضاع المعيشية التي وصلت إلى الانهيار.
ماذا ينتظر “حزب الله” بعد إقامة منطقة عازلة جنوب نهر الليطاني؟
حرب الجنرالات.. أسرار الصراع على كرسي المرشد الإيراني