سيمون أبو فاضل: إشكالية الحزب بترجمة إنتصاره ثمنًا لسلاح عزل لبنان عطلته حماس/قاسم قصير: حزب الله بعد غزّة تشدّد داخليّ في كلّ العناوين السياسية

80

إشكالية الحزب بترجمة “إنتصاره”… ثمنًا لسلاح عزل لبنان وعطلته حماس..!؟
سيمون أبو فاضل/الكلمة اونلاين/الإثنين 26 تشرين الثاني 2023
قرأت اليوم الأحد ٢٦ تشرين الثاني، مقالاً للصحافي قاسم قصير، يتضمن السياسة الجديدة لحزب الله التي سيعتمدها مستقبلاً في الداخل اللّبناني، بعيدًا عما إذا استمرت الهدنة أم لا.
أناقش أحيانًا مع الزميل قصير مضامين مقالاته التي تعكس مرارًا رؤية حزب الله، لا بل استشهد ببعضها في مقابلاتي في معرض كلامي عن سياسة الحزب، نظرًا لدّقته ولقربه منه، وكنت تناولت على ضوء أحداث الجنوب وحرب غزة، مدى إحتمال طلب حزب الله أثمانًا جديدة في المعادلة السياسية مقرونة بإنتصارات يعتبرها تحققت وذلك في مقابلات عدّة، وآخرها مع الزميلة ريتا نصور على تلفزيون OTV في تاريخ ١١ تشرين الثاني الحالي. كتب قصير في مقاله (المقالة في أسفل)، إستراتيجية الحزب المستقبلية، بما يعني بأنّه ردع إسرائيل دون أن يُدخل لبنان في حرب على غرار غزة تؤدي إلى تدمير لبنان، وقدّم عددًا كبيرًا من الشهداء بما يدفعه للمطالبة بثمن اللانضباط المقرون بالإنتصار وفق توصيفه للواقع، في حين لا يمكن معرفة مصير الحرب الإسرائيلية في غزة، على ضوء المواقف الإسرائلية بأنّ أهدافها لم تتحقق بعد فيما رئيس الحكومة بنيامين نتانياهو لم يحرز أي إنتصار أو مكسب عملي بعيدًا عن الدمار والقتل الذي حصل حتى الآن.
لكن حزب الله لا يستطيع أن يطالب بثمن أوسع، وفقًا للعوامل التالية:
1-ليس المطلوب من حزب الله أن “يمنن اللبنانيين” عدم دخوله في الحرب واستعمال سلاحه، ملاقاة لعملية طوفان الأقصى، لأنّه كان سيترك وحيدًا، بعد زجه لبنان في حرب تدمره، وأظهر أبناء الأرض أي الفلسطينيين وحكمًا حركة حماس، بأنّهم لم يطلعوه حتى عليها وليسوا في حاجة إليه.
2- من كان يضمن بأنّ شعارات اجتياح حزب الله لمنطقة الجليل الإسرائيلي، كانت ستترجم يومًا، وإذا ما حصلت، كم ستكون التكلفة على لبنان بكامله وشعبه بأجمله، وما هو المكسب من ذلك للبنان ومواطنيه في ظلّ الحالة الإقتصادية – الإجتماعية البائسة…، مقارنةً مع مشهد الدمار الأولي للسيناريو الإسرائيلي الذي لم ينته بعد في قطاع غزة، وتملص إيران من مغامرات حركة حماس، وما تبع عملية ٧ تشرين الأوّل لحماس من إستنفار سياسي -عسكري أميركي، لا يمكن توقع جديته ميدانيًا عشية الإنتخابات الرئاسية الأميركية.
لكن حتّى حينه، وفي ظلّ الهدنة المؤقتة، لا يمكن اعتبار المشهد الحالي للحرب الإسرائيلية – الأميركية مع أذرع الممانعة دون رأسها الإيراني الذي أجادت حفظه أمر نهائي، على الجبهات القائمة مع الثنائي على ساحة الإقليم وبتفاوت الوتيرة لكل من غزة، جنوب لبنان، سوريا، العراق واليمن.
وفي موازاة ذلك، تطالب إسرائيل بضرورة إبعاد الحضور العسكري لحزب الله عن حدودها، بعد أن اتّسعت دائرة الخوف لدى المستوطنين من هذا التواجد وتوقعهم عمليات للحزب شبيهة بما أقدمت عليه حماس، بحيث عبّر قياديون في الجيش الإسرائيلي صراحة عن ذلك، معتبرين التواجد الجديد للحزب خرقًا للقرار ١٧٠١، فيما الجانب اللبناني رد عبر وسطاء بأنّ إنهاء حالة حزب الله العسكرية في المنطقة المتاخمة للحدود الإسرائيلية مرتبطة بزوال الإحتلال الإسرائيلي عن كافة الأراضي اللبنانية.
إذا كشف الزميل قصير لإستراتيجية حزب الله المستقبلية منذ الآن، وعشية وصول الموفد الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان، هي رسالة إستباقية في حدّ ذاتها ربما تجاه باريس التي انخرطت في المحور الدولي ضد حماس، رغم أن العلاقة بين حزب الله وبين الجانب الفرنسي بشقها الامني جيدة وتشهد تنسيقًا مرتفعًا.
إذا وفق الزميل قصير، سيطلب حزب الله تعزيز دوره في المستقبل، مراهنًا على مجموعة عوامل، أمّا المستبعد حكمًا هو أنّه لن يقارب تعديل النظام الذي أضعفته الخلافات المارونية، ولن يطلب المس باتفاق الطائف في ضوء العلاقات الجيدة بين السعودية وبين إيران، بل ستكون الأهداف تعزيز الحضور في مواقع ومفاصل النظام في المعادلة السياسية. بعد انتهاء الحرب في المنطقة الغامضة المعالم، حتّى الآن، وإذا سلم لبنان من إعتداءات إسرائيلية مدمرة على غرار غزة، لأيّة أهداف أرادتها إسرائيل، فان ملاقاة حزب الله بمطالبه، أمر ليس سهلاً وهو الذي سيتمسك بتقديمه عدد كبير من الشهداء واعتباره توازن القوى حمى لبنان، ولم يدخل الجليل، لكن بات يمكن القول بأنّ عدم استعمال صواريخه وسلاحه وانخراطه الواسع في هذه الحرب، لا يعني مطلوب شكره على هذا الأمر واعتباره دينًا على اللبنانيين، لأنّه لم يقاتل نيابة عن إيران التي أعلنت منذ اليوم الأول لطوفان الأقصى، عبر قياداتها تنصلها من العملية و بأنّها أسقطت مسار التطبيع بين السعودية وبين إسرائيل، كما أعلن هذا الكلام قيادات حماس منذ اليوم الأول لإجتياح غلاف غزة. إنّ المرحلة المقبلة مفترض أن تأخذ بعين الإعتبار، التداعيات السياسة العسكرية لحزب الله في الإقليم وفي لبنان، ومفاعيل استخدامه لسلاحه وعناصره في بلدان الخليج ودعم عدد من الفئات الإنقلابية على دولها، والثمن الذي دفعه لبنان وشعبه وتكبده نتائج سياسة الممانعة التي ارتدت دمارًا على إقتصاده وعزله عن محيطه العربي.
إنّ المرحلة المقبلة إذا ما انتهت المناوشات العسكرية بين حزب الله وإسرائيل، عند هذا السقف، فإنّ ملاقاة مطالب الحزب، تكون بأنّه خاض تجربة سياسية وأسقطها على الدولة وشريحة واسعة من الشعب، لكنّها كانت مرهونة بجدول أعمال إيراني، لا يتحمله لبنان وبدا ثمنه واضحًا بتراجعه إقتصاديًا.
باتت المرحلة المستقبلية المطلوب أن تشهد إنتعاشًا، أن تعتمد سياسة وضع لبنان تحت سقف الخيار العربي الصافي الذي ترجمته القمم السعودية، وحتّى بمشاركة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي، حيث نجح ولي العهد السعودي الآني محمد بن سلمان كقاىد عربي – إسلامي أن يحشد هذه الدول لصالح القضية الفلسطينية التي زجتها حماس بالمجهول وبين أنياب نتانياهو، والإنطلاق بلبنان بطاقم رئاسي حكومي وزاري، يأخذ من الدول الخليجية بشكل واضح ودون خجل المثل والمثال، في الحوكمة والإزدهار واحترام الانسان.
المطلوب في المستقبل، تقديم بناء الدولة ومؤسساتها ودور قواها الشرعية، على أي أفكار فرضتها الممانعة على الحكومة والقوى السياسية الإنتهازية والوصولية، والشعب الذي هاجر قسم كبير منه كترجمة للمشروع الإيراني، ودفعت الممانعة أيضًا، وبيئتها ثمنًا له من شبابها وأهلها وإقتصاد مهاجريها، بعد كثافة كلام عن وحدة الساحات وقصف الداخل الإسرائيلي وما تبع التهديدات من ترقب وتوتر سياسي. وقد حان الوقت أن يمتلك اللّبناني حقه في الحياة وإدارة بلده، وتعليق مخطط إيران وعدم القتال بسلاحها نيابة عنها، ليفاوض على لبنان تحصينًا لشروطها من خلال تقارب بين قوى عربية القناعة.

الحزب بعد غزّة: تشدّد داخليّ في “كلّ العناوين” السياسية؟
قاسم قصير/أساس ميديـالأحد 26 تشرين الثاني 2023
منذ انطلاقة الحرب في غزة وتمدّدها إلى جبهات أخرى ومنها الجبهة اللبنانية، والحزب انخرط في دراسة وبحث أبعاد هذه الحرب وانعكاساتها على لبنان والمنطقة.
انخرط الحزب في هذه المعركة وفقاً لرؤية متكاملة تنطلق من دعم قوى المقاومة في فلسطين ومواجهة أيّ عدوان إسرائيلي على لبنان والعمل لعدم التوسّع في دائرة المواجهة إلا عند الضرورة القصوى.
شكّلت المواجهات التي خاضتها المقاومة الإسلامية في لبنان إلى جانب فصائل أخرى لبنانية وفلسطينية تطوّراً مهمّاً على صعيد الوضع في جنوب لبنان وآليات المواجهة وانعكاساتها السياسية والأمنيّة والاجتماعية والعسكرية.
لذا حرصت قيادة الحزب خلال الأسابيع الماضية على عدم الخوض في أيّ سجالات داخلية حول كلّ الملفّات العالقة، ومنها ملفّ الشغور في موقع قيادة الجيش، وكذلك عدم السماح بأيّ سجالات مع بقيّة الأطراف اللبنانية بشأن الموقف من الحرب وتداعياتها. وسارعت قيادة الحزب إلى وقف الحملة الإعلامية التي شنّها بعض المؤيّدين في بيئة الحزب على البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي حول مواقفه من الحرب والدعوة إلى جمع التبرّعات لدعم أهل الجنوب. وعقد المسؤولون في الحزب اجتماعات مع شخصيات قريبة من البطريرك من أجل وقف السجالات وبحث كيفية التعاون لمواجهة تداعيات الحرب.
تواصل مع الداخل والخارج
كانت قيادة الحزب على تواصل مع كلّ المرجعيات السياسية والدينية، وكذلك مع العديد من البعثات الدبلوماسية وقوات الطوارىء الدولية وقيادة الجيش وبعض الشخصيات الأمنيّة الناشطة على خطوط التواصل داخلياً وخارجياً. كان الهدف مواكبة مختلف التطوّرات وتدعيم الموقف اللبناني الداخلي ودراسة كلّ الاحتمالات المتوقّعة وكيفية مواجهة كلّ التطوّرات الداخلية والخارجية.
توضح الأوساط المطّلعة على أجواء قيادة الحزب الداخلية أنّ الحزب سيكون أكثر تشدّداً في مواقفه ولن يقبل بالمعادلات التي كانت قائمة قبل الحرب على غزّة
لكنّ الجانب الأهمّ في ما تقوم به قيادة الحزب حالياً، إضافة إلى مواكبة العمليات العسكرية على الجبهة الجنوبية والتواصل مع قادة قوى المقاومة في المنطقة، هو التحضير لمرحلة ما بعد الحرب في حال تحوّلت الهدنة المؤقّتة حالياً إلى هدنة دائمة أو في حال استمرّت الحرب ولو بشكل متقطّع.
وهنا يطرح السؤال التالي: ما هي الانعكاسات السياسية والأمنيّة والعسكرية على الوضع اللبناني؟
من خلال لقاءات مع عدد من قيادات الحزب ومواكبة المواقف التي يطلقها المسؤولون في الحزب حول الأوضاع اللبنانية الداخلية يمكن القول إنّ “ما بعد حرب غزة ليس مثل ما قبلها”، وإنّه “سيكون لقيادة الحزب مواقف من مختلف التطوّرات، سواء ملفّ قيادة الجيش أو رئاسة الجمهورية أو الاستراتيجية الدفاعية أو تنفيذ القرار 1701 وغير ذلك من الملفّات العالقة”.
توضح الأوساط المطّلعة على أجواء قيادة الحزب الداخلية أنّ “الحزب سيكون أكثر تشدّداً في مواقفه ولن يقبل بالمعادلات التي كانت قائمة قبل الحرب على غزّة، خصوصاً أنّ تلك الحرب كشفت عن الوجه الحقيقي للعدوّ الصهيوني والقوى الدولية والإقليمية وأنّه لا يمكن الاطمئنان أبداً للجهات الدولية ودورها في العالم”.
كما أنّ هذه الحرب “أكّدت ثبات وقوّة محور المقاومة والتنسيق بين قادته وقواه، وأفرزت واقعاً دولياً وإقليمياً جديداً ستكون له انعكاساته على لبنان ودول المنطقة”.
تختم هذه الأوساط بأنّه “على الرغم من التضحيات الكبيرة التي قدّمها الحزب خلال الحرب، وخصوصاً العدد الكبير من الشهداء وما جرى في المناطق الحدودية من معارك مباشرة، فإنّ الحزب خرج أقوى شعبياً وسياسياً، وأصبح مسلّحاً بجبهة داخلية قوية وقد تراجعت أجواء السجالات والضغوط التي كان يتعرّض لها سابقاً، سواء من الحلفاء أو الجهات التي كان مختلفاً معها أو من الجهات الخارجية. وكان للحزب دور مهمّ في إدارة المعركة ضمن قواعد محدّدة. وسيكون لكلّ ذلك دوره في تحديد طبيعة المواقف من مختلف الموضوعات، كما سيكون هناك استراتيجيات جديدة في الأداء السياسي والأمنيّ والعسكري والإعلامي.
قد تكون إطلالات الأمين العامّ للحزب وقياداته في الأيام المقبلة مؤشّراً إلى طبيعة المواقف، كذلك نتائج الهدنة في غزة والاحتمالات المتوقّعة بعد الهدنة هي المعيار الأوّل لهذه المواقف المنتظرة.