الخوري طوني بوعساف/صينيّة الأحد

47

“صينيّة الأحد”
الخوري طوني بوعساف/18 تشرين الثاني/2023

في معرض قراءة الردود حول “صينية الاحد” تكشفت العديد من الحقائق التي لا بدّ من إعادة تقييمها بغية التحسين المستمر والتحصين الواجب قبل الانزلاق إلى نتائج غير مضمونة النجاح.
واجمل ما في “صينية الأحد” إنّها كما احلام فرويد Freud وزلات اللسان والأفعال الناقصة اضحت اليوم مفتاحا ملوكيّا جديدا تدخل منه إلى اللاوعي الجماعي في مجتمعنا اللبناني عموما والمسيحي خصوصا في محاولة لفهم الواقع وأبعاده.
ففي مقلب المحور الممانع وما يدور في فلكه من ابواق ومحابر واقلام نراه يُخرج من “خُرجه” النعوت والصفات للسدّة البطريركية المارونية وسيّدها في كل مرة يتفوه سيد الصرح بموقف وطني أو طرح لإيجاد حلول لأزمة لبنان.
وفي قراءة الردود والتسجيلات الصوتية نستنتج مدى الحقد الدفين والكامن في نفوس بعض ممن خضعوا لغسل دماغي وشحن طائفي تحت شعار “العمالة” و “الصهيونية”. وهذا اللاوعي الجماعي ينتظر الفرصة السانحة ليظهر في مواقف البعض تهديدا وتخوينا وتحريضا.
اما في المقلب المسيحي، فهناك المفارقة. فإنّ “صينيّة الأحد” كشفت الكثير من الحقائق وعلينا قراءتها بتأنّ علّنا ننطلق في عملية نقد ذاتي لتعود الرعيّة إلى راعيها ولا يفنى القطيع.
ففي قراءة لردود الأفعال حول “صينية الاحد” تظهر الهوّة القائمة بين السلطة الكنسيّة المتمثلة بشخص البطريرك وبين الشعب. فالشعب الذي انتظر الكثير من السلطة الروحية بعد الازمة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي ارخت بظلالها على المجتمع اللبناني عامة والمسيحي خصوصا، فَقَد الثقة بالسلطة الدينية يوم انكشف صحيّا وتربويا ومعيشيا فلم يعد يقدر على الصمود في وجه فاتورة المستشفى والصيدلية والاقساط الجامعية والمدرسية.
فانتظارات شعبنا خابت، ولم تكن السلطة الدينية على حجم التوقعات.
يوم انتظر الشعب مرجعا يقف إلى جانبه في معركة الوجود والبقاء، لم يلقَ سوى العظات والمؤتمرات والكلام، ولم يرقَ الخطاب إلى المستوى النبوي. وأضحت الكنيسة حائط مبكى بدل ان تكون المبادر إلى العمل.
فما نراه اليوم على صفحات التواصل الاجتماعي هو انعكاس للبُعد الحاصل بين الراعي والرعية، ينام في حنايا اللاوعي الجماعي كرها وحقدا ويتحيّن الفرصة ليطل هو بدوره أيضا إما بشكل مباشر عبر الاتهام والنقد إما بشكل غير مباشر من خلال النكت والكاريكاتور. وفي كلتا الحالتين هذا يدلّ على الواقع المأزوم واتساع رقعة الجفاء.
من هنا لا بدّ ان نسأل بكل محبّة والسؤال موجّه كنقد ذاتي: ماذا فعلنا اليوم لشعبنا وهو مشتت بين داخل ممزق وخارج يبتلعه كمهاجر وهارب؟ أين هي الرؤية والرسالة والخطط من أجل الصمود والبقاء؟ أين الكلمة الفاصلة في الملفات الوطنية الكبرى؟ أين المساعدات الإنسانية الكبرى التي تحمي شعبنا من الفقر والعوز والتشرّد؟ أين المشاريع التنموية التي تثبّت شبابنا في أرضه فلا يعيش في وطنه وكأنّه غريب؟ أين المرجعية اليوم لإيقاف هجرة الشباب والادمغة وقد بتنا في مجتمع هَرِم؟ أين الخطاب الجامع للمكونات المسيحية المنقسمة فيما بينها؟ أين الاستراتيجية الواضحة في معالجة ملف النازحين؟.
كلها أسئلة تستحق التفكير العميق والنقد البنّاء لأننا لسنا هواة خطاب سلبي بل مسيرة إصلاح وثورة بيضاء تخلّص ما تبقّى من أشلاء انسان يُصلب ووطن يُقهر كلّ يوم وينتظر الانبعاث والقيامة.
الخوري طوني بو عسّاف
#لاهوت_الوجود