سمير عطالله/النهار/أين الموارنة؟ … لم يعرف الموارنة ذلاً مثل هذا من قبل. ولا تجمعت إهانات على ذلّهم كمثل اليوم. ولم تُستعبد رئاستهم وتُسبى حريتهم ويتلاشى استقلالهم كما يحدث الآن

156

أين الموارنة”؟ … لم يعرف الموارنة ذلاً مثل هذا من قبل. ولا تجمعت إهانات على ذلّهم كمثل اليوم. ولم تُستعبد رئاستهم وتُسبى حريتهم ويتلاشى استقلالهم كما يحدث الآن.

سمير عطالله/النهار/08 تشرين الثاني/2023

كانت مجموعة من الأصدقاء في زيارة علّامة القانون حسن الرفاعي، وقد تداولوا ما يتداوله الناس جميعاً في محن الأوطان ورعب المجهول، وإذ قام يودّعهم، قال يختم المقال: أين الموارنة؟!

صحيح، أين الموارنة؟ طرحُ العلّامة، الذي تجاوز قرناً في العلم والخلق، كان في مزيج من الأسف والأسى. أليس هو القائل، لا لبنان من دون موارنة، ولا شرق من دون مسيحيين؟ وها الشرق ولبنان، في غمرة التهلكة، والذين أُعْطوا لبنان، تركوه على القارعة تطمرهم شوالات الفضة.

لم يعرف الموارنة ذلاً مثل هذا من قبل. ولا تجمعت إهانات على ذلّهم كمثل اليوم. ولم تُستعبد رئاستهم وتُسبى حريتهم ويتلاشى استقلالهم كما يحدث الآن. الأمم تنذرهم بأن لبنان على عتبة النهاية، وهم يتناتشون أشلاء الاهتراء. جميع مناصبهم مضروبة بالعلّة الصفراء. الرئاسة فراغ في النقاش، ونقاش في الفراغ، وقيادة الجيش محاصرة بداء الفجاعة وخفّة الرؤيا، وها هو البنك المركزي يستقيم، والنقد يتوقف عن الترنح، والثقة تعتدل تلقائياً بمجرد وداع الحاكم بالزلاغيط. لا منصات، لا بهلوانات، لا فذلكات. وأبسط معادلة حسابية في التاريخ: خرج الحاكم وعادت الارقام.

التدهور العام الذي ضرب هيكل الوطن في السنوات الماضية، كانت معظم تعبيراته ومظاهره مارونية. الصفقات المعلنة وغير المعلنة كانت مارونية. وزارات الهدر والغموض والمقايضة كان حمَلتها موارنة. الاستخدام المكشوف للقضاء أيدٍ مارونية.

الفراغ كان هو الاستحقاق. هو النتيجة لا السبب. الطريق التي سلكها سياسيّو الموارنة في السنوات الماضية لا يمكن أن تؤدي إلا الى اغراق البلد والوطن والشعب والتراب والتاريخ، في ما هو فيه.

سدود بلا مياه، وبنوك بلا خزائن، وميناء بلا تحقيق، وقضاء بلا تشكيلات، وبلد الألق شتاء من دون مياه، وبحر بلا بترول. أين الموارنة؟ يا معلمنا الموارنة اكتشفوا سر كل هذه الكوارث التي ضربت بلدهم: المؤسسة الوحيدة التي لم تسقط. لذا، يقومون بجولة لطرد قائدها. لا يجوز ان يكون هناك منصب ماروني يستبقي شيئاً من سمعة المجموعة. لذلك كانت الجولة الضاحكة في أحلك أيام المصير. الجنوب يلتهب، والعاصمة تفرغ، والمطار قوافل مهاجرة، وقادة الموارنة الجدد في فرحة كبرى. سوف يهزمون قائد الجيش. وتسأل: “أينهم الموارنة”؟ إنهم في حمأة الانقاذ. وقد وُلد لهم “المخلّص” وليس مجرد “منقذ”.

العالم يهوي والمنطقة ستنفجر كما قال ملك الأردن، وفي فلسطين فصلٌ من القيامة. والمجتمع الدولي يمنح ارييل شارون وشاح الاعتدال وعليه صورة نتنياهو. جزّار عسكري وجلاد مدني. يتميز الأخير، إضافة الى التوحش المطلق، بالاختصاص في ابادة الاطفال. في هذه اللوحة التوراتية عن البقاء والعدم يبحث المرء عن الموارنة، اين هم؟ ماذا يفعلون؟ اين دورهم في بلدهم وفي منطقتهم؟ ما السر الخطير الذي يحمل جبران باسيل على زيارة سليمان فرنجية بعد كل ما قالاه في بعضهما البعض، ولماذا حرصا على عدم ذكر معركة الرئاسة؟ لماذا هذا الترفّع التاريخي؟ لا ذكر للرئاسة. أي رئاسة تعنيان؟
الموارنة في خريف 2023 . القيامة على مسافة امتار، و”جهنم” تستكمل وعدها في لبنان، والزلازل تزعزع الخرائط، والمخلّص في بكركي يكمل عظة الأحد: خلصونا من قائد الجيش. والآن الآن وليس غداً.

معروف عن هذا العسكري أنه لم يشقّ الجيش يوماً. ولم يحارب به خصومه من عسكر ومدنيين. ولم يستولِ على سلطة، أو قيادة بالقوة، ولم يقصف بالمدافع والدبابات بيوت الناس وطرقاتهم وحياتهم، ولم يلحّ أو يلجّ على طلب القصر كأنه بيت أبيه. لماذا إذن تعبئة الناس ضده؟ ومطاردته كأنه انقلب على الدولة، وهتك الدستور وخطف الحكم؟

ألا ليتنا نعرف اين هم الموارنة اليوم. طارح السؤال من قامات لبنان وهالات العدالة ونبلاء المساواة وأئمة الدولة المدنية. لا نعرف على من يطرحه ولا ما الفائدة منه. أي موارنة يقصد: بشارة الخوري واميل اده، بيار الجميل وريمون اده، فؤاد شهاب وشارل حلو، الياس سركيس وعبد العزيز شهاب، اميل بستاني وكميل شمعون، ابراهيم عازار وجان عزيز؟

يقول البروفسور في القانون الدستوري انطوان مسرّة إن ثلاثة من تلامذته كانوا أمين معلوف وجوزف مايلا وكارلوس غصن. كان اساتذتهم معلمين وتلامذتهم مجلّين. ذلك ما كان، وهذا من هذا الزمان.