رابط فيديو مقابلة من موقع جريدة النهار مع الإعلامي المميز نديم قطيش يشرح من خلالها غباء حركة حماس في قيامها بحرب وهي لم تؤمن حتى ملجئاً واحداً لشعبها.حرب حررت آلة التدمير الإسرائيلية وكذلك جنون نتنياهو وجماعته من الأصولين المعادين للسلام. وذكّرّ أن نصرالله الذي كان قال “لو كنت أعلم 2006″، يظهر أنه اليوم يعلم ولهذا لم يدخل الحرب حتى الآن/مع آخر 4 مقالات لقطيش يشرح فيها مفهومه للسلام وللأخطار التي تشكلها إيران وأذرعتها وفي مقدمها حماس وحزب الله

154

رابط فيديو مقابلة من موقع جريدة النهار مع الإعلامي المميز نديم قطيش يشرح من خلالها غباء حركة حماس في قيامها بحرب وهي لم تؤمن حتى ملجئاً واحداً لشعبها.حرب حررت آلة التدمير الإسرائيلية وكذلك جنون نتنياهو وجماعته من الأصولين المعادين للسلام. وذكّرّ أن نصرالله الذي كان قال “لو كنت أعلم 2006″، يظهر أنه اليوم يعلم ولهذا لم يدخل الحرب حتى الآن/مع آخر 4 مقالات لقطيش يشرح فيها مفهومه للسلام وللأخطار التي تشكلها إيران وأذرعتها وفي مقدمها حماس وحزب الله

في أسفل آخر 4 مقالات لنديم قطيش يشرح من خلالها مفهومه للسلام في الشرق الأوسط، وكذلك خطورة الجماعات الأصولية والجهادية التي تنفذ اجندات إيرانية وتعطل السلام
*في مواجهة «حماس» ونتنياهو معاً
نديم قطيش/الشرق الأوسط/14 تشرين الأول/2023
*هل تُفتح جبهة الجنوب؟
نديم قطيش/أساس ميديا/الإثنين 23 تشرين الأول 2023
*زواج مصلحة بين تل أبيب وطهران
نديم قطيش/الشرق الأوسط/17 تشرين الأول/2023
*إنها لحظة للسلام قبل ورغم كل شيء
نديم قطيش/الشرق الأوسط/10 تشرين الأول/2023

في مواجهة «حماس» ونتنياهو معاً
نديم قطيش/الشرق الأوسط/14 تشرين الأول/2023
تكرر القول إن «حرب غزة الراهنة ليست كسابقاتها» كثيراً. وهي ليست كذلك. وضعتنا الحرب من حيث لم نحتسب، أمام تحدي حرب أخرى ستكون هي عنوان معركة العقول في السنوات المقبلة، ولا أقول الأسابيع أو الأشهر.
نحن اليوم في قلب معركة عقول ثقافية وسياسية وإعلامية، هي الأشد منذ جريمة 11 سبتمبر (أيلول) 2001.
سبق وأن كتبت في هذه الصحيفة، أن السياسة ستدور في العشرية الثالثة من هذا القرن وما بعدها، حول موضوع السلام. ما سبقها من عقدين استُهلكا بعنوانَي «الحرب على الإرهاب» (2001- 2010) و«الربيع العربي (2010 – 2020)».
زاد اندلاع الحرب الأخيرة بمداها التدميري والتفاصيل الدموية لشرارتها الأولى التي قدحتها «حماس»، والهيجان العاطفي والسياسي والتعبوي الذي لا يزال يرافقها، قناعتي بأن معركة العقول ستكون أكبر بكثير مما شهدناه سابقاً.
لو نظرنا إلى التغطيات الإعلامية للحدث؛ لا سيما في القنوات التي تخالف «حماس» وعموم محور المقاومة، سرديتها حول مستقبل المنطقة، لوجدنا أن أجزاءً ضخمة من هذه التغطيات لا تزال أسيرة منطق تغطيات الحروب، كما راج في السنوات الكثيرة الماضية، والتي يعتمد جُلّها على استثمار الإثارة العاطفية المتأتية من فواجع الموت والدمار، لا سيما الأطفال.
ليست هذه دعوةً بالطبع للقفز فوق الأثمان البشرية المريعة للحروب، ولا حضاً على الاستهانة بالكرامة الإنسانية، لا سيما لمن لا رأي لهم في المصائر التي وجدوا أنفسهم وسطها. بل تحذير من أن نسقط في فخ الانقلاب الذي تقوده إيران، أولاً عبر الحرب نفسها، كخيار مضاد لخيار السلام، وثانياً عبر إحياء سرديات إطلاقية عن الحق والعدل والشر والخير وصراع الملائكة والشياطين، في كل ما هو دائر حولنا الآن.
إن الضغط الهائل، المدعوم بسرديات تبسيطية، يهدف لتأطير إنسانيتنا جغرافياً كدعوة لتسييس العاطفة والقيم. وهو تحضير للاستثمار السياسي في صناعة وعي كاره للآخر أولاً، وثانياً للمجتمعات والحكومات التي لها رأي سياسي مختلف عما يقترحه علينا محور الحرب، إسرائيلياً كان أم فلسطينياً أو مقاومتياً.
فإذا كان الهدف من التغطيات بشكلها الراهن، أن نضيء على فواجع الحرب، فالفواجع في المكانين، في غزة التي تدكها آلة إسرائيل الغاضبة، وفي إسرائيل التي استباحت «حماس» ناسها العزل في بيوتهم وبلداتهم. أما غير ذلك فهو جعل الإعلام امتداداً لسردية واحدة مشوهة، منزوعة السياق، والتاريخ، وهي ضدنا أولاً قبل أن تكون ضد إسرائيل.
إن مهمة الإعلام، إعلامنا، في معركة العقول التي انطلقت من رحم حرب غزة، هي في توفير السياق السياسي والقيمي للرؤى المتصارعة في هذه الحرب، وبما يتجاوز اللاعبين المباشرين فيها، أي «حماس» وحكومة بنيامين نتنياهو. ما نحتاج إليه هو «ميديا السياق» Contextual Media، وليس الإعلام اللحظي الغارق في استثمارات عاطفية وترداد ببغائي لشعارات أو ما يشبه الأقوال المأثورة، من نوع: «ما أخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة» أو «ماذا جلب لنا السلام؟».
نحن بإزاء حدث يعكس صدعاً آيديولوجياً أوسع. وعليه، تلعب وسائل الإعلام دوراً عملاقاً في تشكيل رواية الحدث، بما يؤثر على الإدراك العام ومسارات السياسة، لا سيما في ظل حدة المتابعة الراهنة والتي كنا نشكو من غيابها سابقاً.
لذلك؛ تبرز «ميديا السياق» شرطاً أساسياً لتوفير زاوية رؤية للأحداث تتجاوز المشهد المباشر للضحايا، وتضعه ضمن سياق اجتماعي وسياسي وتاريخي أوسع، يشكل رافعة لفهم سياسي متنور. لنأخذ مثلاً مظاهرة لندن قبل أيام التي ستُرفع عَلماً على حجم التعاطف الأممي مع «حماس» كمقاومة، وستطبع في الأذهان بهذه الصفة، وتستخدم نَصلاً للطعن في «النخب العربية المتقاعسة عن نصرة المقاومة»… ولكن، هل قيل لنا أو قلنا إن لندن هي واحدة من أهم عواصم تنظيم «الإخوان المسلمين»، وإن السؤال يصير بالتالي: أين مظاهرات العواصم الأوروبية الأخرى؟ مجرد مثال على ليّ الحكايات وإعادة تشكيلها لصناعة وعي يخدم أجندات بعينها.
بهذا المعنى تمثل «ميديا السياق» حصناً ضد المعلومات المضللة، ومحركاً نحو حوار أكثر دقة وشمولاً، بدلاً من الخطاب المعزز للانقسامات، والمُثري لبيئة الكراهية والهدم المتبادل.
امتحان غزة هو امتحان لقدرتنا على تجاوز التقاليد الإعلامية التي رسّخها بعض الإعلام. لا أدعو إلى ذلك بدافع إغراء التجديد؛ بل لأننا غارقون في ممارسات تؤدي عن غير قصد إلى نصرة الخطاب السياسي المضاد لخط العقلانية والاعتدال في السياسة العربية، الذي تتبناه إيران وما يسمى محور المقاومة. إنها معركة طويلة ومعقدة، وتستلزم أعلى درجات الشجاعة الفكرية والاستعداد للمغامرة في مناطق فكرية غير شعبية؛ بغية إنتاج سردية سياسية غير ملوثة بالتحيزات السائدة والمُعدّة سلفاً.
ستنتهي الحرب. وسيفتتح انتهاؤها الأسئلة الصعبة التي تعنينا في صميم وجودنا ومستقبلنا السياسي. من الصعب تصور سيناريو تكون فيه «حماس» جزءاً من مستقبل أي عملية سياسية فلسطينية. الأرجح أن تدمر الحرب بنيتها العسكرية وتقضي على مستقبلها السياسي، وإن لم تستطع اجتثاث الفكرة نفسها. ماذا يكون آنذاك المستقبل السياسي في غزة؟ ولمن ستؤول السيطرة وتمثيل مصالح الفلسطينيين؟ وكيف سيخرج الإسرائيليون من موجة الغضب والانتقام ويستردون استعداداتهم لمنطق السلام؟ كيف لنا أن نتجاوز كل هذا الموت والدمار والحقد والكراهية لتأسيس اقتراح لما بعد الصراع، وأن نعيد فتح مسارات التسوية، وإعادة تعريف العلاقات الإسرائيلية – الفلسطينية؟
ليست هذه الأسئلة من النوع الذي يُجاب عنه بسذاجات الحق المطلق والبرامج المطلبية القصوى في الجانب الفلسطيني. ولا هي مما يجاب عنه بعنجهية اليمين الإسرائيلي الذي راهن على «حماس» لتبديد مشروع السلام قبل أن ينفجر رهانه في وجهه.
هي إذن معركة عندنا وعندهم.
السائد اليوم، إلى حدٍ بعيد، معركة قلوب وعواطف في الاتجاه الخطأ. الناقص هو معركة عقول لا نملك رفاهية التأخير في خوضها، وتوسعة رقعة أصواتها والاستثمار في بناها التحتية.

هل تُفتح جبهة الجنوب؟
نديم قطيش/أساس ميديا/الإثنين 23 تشرين الأول 2023
بين غياب زعيم ميليشيا الحزب عن مشهد حرب غزة، وبين النقد المبطن الذي انطوت عليه تصريحات قادة حماس، كخالد مشعل وموسى أبو مرزوق، لمستوى حضور الحزب وإيران في المعركة، ترتسم صورة محرجة للحزب وسمعته ومصداقية التزامه وجدية تهديداته وسقوف خطابه المرتفعة.
خلافاً لحرب تموز 2006، وعنوان “لو كنت أعلم”، فإن الحزب وقيادته المحلية كما قيادته الإيرانية يعلمان هذه المرّة علم اليقين أن قوة الرد الإسرائيلي على أي تدخّل في الحرب ستفوق حتى الأهوال التي نتابعها يومياً في غزّة.
حتى إشعار آخر، يبدو أن أربعة عوامل حاسمة هي التي تمنع الحزب وإيران من قرار التدخل في الحرب، على نحو أبعد من ممارسة الضغط على إسرائيل عبر بوابة الجنوب.
1- حسابات الميدان:
لا يبدو واضحاً بإزاء حجم الهجمة الإسرائيلية، ما هو الدور الذي يمكن أن يؤديه تدخل الحزب لإنقاذ غزة وحماس. وليس واضحاً أن فتح جبهة الجنوب بوسعه تغيير الوقائع على الأرض. هذه فرصة تبدّدت. فلو حصل أن تدخّلت صواريخ الحزب بالتزامن مع هجوم حماس يوم 7 تشرين الأول، مضافاً إليها تدخّل جبهات اليمن والعراق لكان لعنصر المفاجأة أضعاف الأثر الذي أحدثه هجوم حماس. ولو بدأ الهجوم البرّي فلن يكون بوسع صواريخ الحزب أن تفعل أكثر من إشغال الإسرائيليين، في غياب قدرة الحزب عن الإسناد البرّي لحليفه كما فعل في سوريا الحدودية حين تدخّل لمنع سقوط بشار الأسد.
خلافاً لحرب تموز 2006، وعنوان “لو كنت أعلم”، فإن الحزب وقيادته المحلية كما قيادته الإيرانية يعلمان هذه المرّة علم اليقين أن قوة الرد الإسرائيلي على أي تدخّل في الحرب ستفوق حتى الأهوال التي نتابعها يومياً في غزّة
2- الضغط الدوليّ:
يعرف الحزب أنّ أيّاً من الخيارات الواردة أعلاه، لن تبقيه بمعزل عن الاصطدام المباشر بالأميركيين وبوارجهم وسفنهم الحربية وقواعدهم المعززة في المنطقة.
لقد نشرت الولايات المتحدة حاملتي الطائرات جيرالد فورد ودوايت أيزنهاور، بالاضافة الى عدد من المدمرات الأميركية التي تعمل كقاذفات للصواريخ الموجهة وصواريخ كروز. وكانت واشنطن قد بدأت بتعزيز قدراتها النارية منذ الصيف الفائت رداً على الشغب الايراني في مضيق هرمز. وأعلنت وزارة الدفاع الأميركية في تموز الفائت عن إرسال السفينتين الحربيتين البرمائيتين، يو إس إس باتان (LHD-5) ويو إس إس كارتر هول (LSD-50)، وآلاف من مشاة البحرية إلى الشرق الأوسط لتعزيز الأمن الإقليمي بعدما هدّدت القوات الإيرانية التجارة داخل وخارج الخليج العربي.
أما سياسياً فقد ظهر في كل المناسبات الدولية خلال الأسبوعين الفائتين حجم غير مسبوق من الدعم الأممي لإسرائيل في حربها لإسقاط حكم حماس، نتيجة الأهوال التي ارتكبتها الحركة في هجوم السابع من تشرين الأول. تدرك إيران ومن خلفها الحزب أن الوقت غير ملائم لمغامرات كان يمكن القيام بها لو تيسر انقسام غربي لطالما أحسنت طهران الاستثمار فيه.
3- الديناميّات الإقليميّة والحسابات الاستراتيجيّة
إذا كانت الحرب ستطول وفق كل التقديرات، فإن إيران والحزب لن يستعجلا الدخول في جانبها العسكري المدمر. تراهن إيران على صمود حماس أطول فترة ممكنة، وارتفاع حدة الإصابات بين المدنيين في غزة، لإحباط إسرائيل من جهة وقلب الرأي العالم الإقليمي والدولي ضد الحرب. إن إحدى الخلاصات الرئيسية التي تريدها إيران لهذه الحرب، هي تدمير أي أفق عربي للسلام مع إسرائيل، وإعادة بناء الصراع العربي الاسرائيلي ليكون المحرك الأول للسياسة في المنطقة. وهذا لا يتم إن ساهمت ايران، عبر الحزب في توسعة إطار الحرب والدمار والدخول حكماً في اشتباك مباشر أو غير مباشر مع دول عربية، لن تقف هي الأخرى مكتوفة الأيدي في مواجهة التغوّل الايراني. كما أن توسعة الحرب بما يمكن أن تحمله من دمار أوسع من رقعة غزة، سيعزز فكرة السلام عند معتنقيها أكثر، بالمقارنة مع أثمان الحروب الثقيلة، في حين أن إبقاء المعركة محصورة في غزة سيوفر مادة تعبئة جماهيرية بدماء الفلسطينيين، حتى في الدول التي اختارت السلام أو تسعى اليه.
حتى الآن تبدو أضرار دخول إيران في الجانب العسكري من الحرب، عبر الحزب، أكثر من الفوائد، لا سيما إن نجحت حماس في لعبة الصمود أو استطاع مقاتلوها أن يجعلوا من التوغّل الإسرائيلي فخّاً يمكن تأسيس سردية انتصار ما عليه.
الى ذلك ستفعل إيران كل شيء لتجنب أي تحول في المنطقة يؤدي الى إسقاط أو ضرب نظام بشار الأسد في سوريا، كواحد من أثمان تدخلها في المعركة. وفي هذا السياق سبق لقيادة الأمن والجيش الإسرائيليَّين أن هددت بإسقاط الأسد إذا حاول الايرانيون ضرب إسرائيل أو مصالحها من الأراضي السورية.
4- الحسابات الداخليّة
من المؤكد أن الأزمة الاقتصادية العملاقة التي يعيشها لبنان، والفراغ المؤسساتي على مستوى الدولة، حكومة ورئاسة جمهورية، وحالة الاستقطاب السياسي الحاد، والاضطرابات الاجتماعية المتنامية، تلعب جميعها أدواراً مهمة في الحسابات الاستراتيجية للحزب. سيعطي الحزب الأولوية للحفاظ على الاستقرار الداخلي والمتوفر له من الدعم الشعبي، طالما استطاع الى ذلك سبيلا، محاذراً من الانخراط المباشر في الحرب، على نحو يجهد موارده، ويهدد بيئته المستنزفة كبقية اللبنانيين.
الأرجح أن يتوخى الحزب الحذر في تصعيد تورطه في حرب غزة، بالنظر إلى التداعيات المحتملة على مكانته واستقراره داخل لبنان.
إنّ السيناريو الأفضل للحزب وإيران هو اتساع حجم المقتلة الفلسطينية ومحاولة استثمار الدم لتعزيز سردية المقاومة بالتوازي مع تفعيل النشاط السياسي والدبلوماسي الذي تتولاه ايران، وممارسة الضغط المتدرج عبر جبهة الجنوب وجبهات أخرى أكثر استعراضية وأقل فاعلية كالمسيّرات ضدّ قواعد أميركية في سوريا والعراق أو صواريخ الحوثي.

زواج مصلحة بين تل أبيب وطهران
نديم قطيش/الشرق الأوسط/17 تشرين الأول/2023
تتفق إسرائيل وإيران على تدمير المشروع الوطني الفلسطيني من بوابة غزة، وتختلفان على كل ما عدا ذلك.
تسعى إسرائيل، تحت قيادة بنيامين نتنياهو، إلى سحق احتمالات قيام دولة فلسطينية موحدة، في حين تهدف إيران إلى تبديد أي أمل في السلام في المنطقة، لا سيما سعي المملكة العربية السعودية لاستعادة مسار السلام الشامل الضامن لحقوق الفلسطينيين.
اليمين الإسرائيلي المتطرف لم يُخفِ سعيه الدائم لتغذية الانقسام بين غزة والضفة. وإيران تعارض علناً مسارات السلام العربي – الإسرائيلي الذي بدأت حلقاته الخليجية في السنوات الأخيرة تُشعرها بأن زلزالاً سياسياً يتهيأ في المنطقة.
تريد إيران ما يكفي من الدماء في غزة لتستكمل اختطاف الرأي العام العربي، لا سيما في البيئات التي ترى طهران أن العداء لإسرائيل خرج من وعيها. وتريد ترميم صورتها في مواجهة إسرائيل بعد سيل الإهانات التي تلقتها من حكومات بنيامين نتنياهو على شكل اغتيالات وعمليات أمنية معقدة داخل طهران. تريد إسرائيل، من جهتها، ما يكفي من الدماء في غزة لإعادة تأسيس الردع والرعب بعد أقوى صفعة يتلقاها الكيان في صميم وجدانه ووعيه. لم يُقتل هذا العدد من المدنيين الإسرائيليين في يوم واحد منذ الهولوكوست، وهذا ما يفسر حجم التوحش في الرد على القطاع.
فهل من منسوب دموي مشترك في غزة يكفي لتحقيق هدفَي كلٍّ من إسرائيل وإيران، أم أن أخطاء الحسابات ستقود إلى حرب شاملة؟
منذ بداية الحرب تصرفت إيران على أنها معنية بكل تفاصيل ما يجري. ظهر ذلك جلياً في الدور الذي يلعبه وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان عبر زياراته المكوكية وتصريحاته السياسية التي تبدو كأنها صادرة عن «مدير الحرب» لا عن دبلوماسي إقليمي معنيّ بنزاع يحصل ضمن المدى الاستراتيجي لبلاده. تصرف على قاعدة أنه هو من يحدد أفقها وسرديتها وشروطها، حتى خلافاً لحكومات العواصم التي يتحدث منها، كما حصل في بيروت!
وبخصوص توسع الحرب، بعثت إيران برسائل متناقضة. قال عبداللهيان إن أيدي ميليشيات المحور كلها على الزناد وإن الغزو البرّي سيقود إلى فتح جبهات أخرى ضمن استراتيجية توحيد الجبهات. أما ممثل إيران في الأمم المتحدة فقال إن بلاده لن تدخل الحرب ما لم تتعرض مصالح إيران المباشرة للاعتداء.
على الجانب الآخر، تبدو إسرائيل غير معنية حتى الآن بأكثر من معالجة ملف غزة معالجةً جذريةً من دون الذهاب باتجاه معالجة الأسباب الأصلية للحروب المتكررة، أكان ذلك يعني عملية سياسية سليمة تعطي الفلسطينيين حقوقهم أو توجيه ضربة لإيران تُفهمها أن الرد على أذرع الأخطبوط هي ضرب رأسه.
مع ذلك لا يمكن لأحد أن يضمن عدم انزلاق الأمور نحو حرب أوسع حتى وإن كانت الأطراف تسعى لتجنبها.
ماذا بخصوص التسوية السياسية؟
جدلية العلاقة بين الحرب والسلم تجلت مراراً وتكراراً طوال التاريخ البشري المديد. من الحرب البيلوبونيسية بين أثينا وإسبرطة قبل الميلاد، إلى الحربين العالميتين في القرن العشرين، مروراً بحرب 1973، ووصولاً إلى حرب الخليج الثانية وغيرها وبينها الكثير، كانت الحروب الكبرى مقدمات لفترات من الاستقرار والسلام. فالحروب محفز مهم للابتكار في ترتيب آليات الحكم، والدبلوماسية، والقانون الدولي.
نشوة «الانتصار» الأولى يومَي السبت والأحد، 7 و8 من الشهر الجاري، سرعان ما أفسحت المجال لكل هذا الرعب الذي نتابعه على الشاشات. ظهر جلياً أن الحرب لا يمكن أن تكون خطوة فلسطينية في الاتجاه الصحيح، أياً تكن حاجتهم لما يرمِّم الكرامة الوطنية. أما على الجانب الإسرائيلي، فلا أفق سياسياً لاستراتيجية الانتقام الراهنة. والحال تصير القوة العسكرية العارية سبباً لدوام الصراع ودورات العنف. من حيث لا تريد إسرائيل سينتج عبر حرب غزة جيل جديد من المتطرفين الفلسطينيين ممن لم يكن تحولهم في هذا الاتجاه مسألة حتمية قبل الحرب، دعْكَ من نزيف النخب المؤيِّدة لفكرة السلام. كما أن الافتراضات التي مزّقتها الحرب، حول أمن إسرائيل وكفاءة جيشها ومخابراتها، ستؤدي إلى تفاقم التوترات الداخلية بعد فترة توحُّد وجيزة بين الإسرائيليين بفعل المأساة التي صنعها لهم هجوم «حماس». وعليه، وفي غياب أفق سياسي للقوة العسكرية، من المرجح أن تقوّض القسوة المسلحة الأهداف ذاتها التي سعى العمل العسكري إلى تحقيقها، عدا عن تقويض السمعة الأخلاقية لإسرائيل، بين العواصم التي أيّدت حقها في الدفاع عن نفسها.
إن كان من حسنة لهذا الانفجار الدموي، فهي أنه أنهى البنى المتطرفة على جانبي الحرب أو مهّد الطريق لذلك. «حماس» انتهت سياسياً ولا يمكن أن يُقبل بها طرفاً في أي معادلة سياسية مقبلة بعد أن ارتكبت كماً من الجرائم غير المبررة وبطريقة ألصقت بها صفة «داعش» بما هي، في ذهن الغرب، كنايةً عن الإجرام الصافي.
ونتنياهو انتهى، مع سقوط كل الأساطير الأمنية التي أسَّس لها في وعي الإسرائيليين. أضف إلى ذلك أن عتاة قادة إسرائيل ممن سبقوه لم ينجوا من مقصلة المحاسبة بعد الحروب. انتهت غولدا مائير سياسياً بعد حرب 1973، ومناحم بيغن بعد اجتياح بيروت 1982، وإسحاق شامير بعد الانتفاضة الأولى نهاية الثمانينات، وإيهود أولمرت بعد حرب يوليو (تموز) 2006.
كما أن التيار الديني المتطرف ممثلاً في كلٍّ من وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش، بدا خارج المشهد تماماً، ومعرَّضاً لأن يتحمل مسؤولية تهيئة الأرضية لانفجار الأوضاع بسبب سياسات الاستفزاز وأدلجة الصراع.
ثمة فرصة لأن تنتهي الحرب بخسارة معسكر التطرف في الجهتين، وأن يقود ذلك إلى إحياء وتعزيز معسكر السلام في إسرائيل وفي العالم العربي في مواجهة الأفق المدمر الذي يقودنا إليه زواج المصلحة بين تل أبيب وطهران.

إنها لحظة للسلام قبل ورغم كل شيء
نديم قطيش/الشرق الأوسط/10 تشرين الأول/2023
ما قبل مقابلة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان على قناة «فوكس نيوز» ليس كما بعدها. جزئيتها الأهم، قوله إن «السعودية تقترب كل يوم من إقامة علاقات سلام مع إسرائيل». يصح هذا قبل الحرب التي بدأتها «حماس»، ويصح بعدها أيضاً، بل يصح تحديداً بسبب المعاني الاستراتيجية لهذه الحرب، بوصفها انقلاباً إيرانياً محكماً على مسار السلام في الشرق الأوسط، الذي، حين يحصل، سيكون الحدث الأهم في الشرق الأوسط، منذ نهاية الحرب الباردة، كما جاء في تصريحات الأمير محمد.
قد يبدو الحديث عن السلام غريباً في سياق الأحداث الزلزالية الجارية في المنطقة. بيد أنه في مثل هذه اللحظات بالتحديد يصير الحديث عن السلام أكثر إلحاحاً. فما نعيشه اليوم ولأسابيع وربما شهور مقبلة، ليس مجرد صراع داخلي بين طرفين؛ إنه انقلاب مكتمل الأوصاف ضد مسار السلام العربي – الإسرائيلي الشامل. وعليه، فإن معسكر السلام العربي أحوج ما يكون للوضوح الاستراتيجي والأخلاقي بشأن ما يمت لصناعة المستقبل العربي، ومستقبل المنطقة برمتها، بما فيها إسرائيل.
الحرب الدائرة، وعلى الرغم من الفوران العاطفي الذي ولّدته، نتيجة صلف واحدة من أسوأ الحكومات في تاريخ إسرائيل، هي دعوة أكيدة لإعادة إنتاج الماضي الذي جُرّب لعقود طويلة وما أنتج إلا سلسلة من المآسي والبؤس.
الموقف السياسي والنخبوي اليوم، عربياً وإسرائيلياً، لن يحدد النتيجة المباشرة للصراع الحالي فحسب، بل سيمهد الطريق أيضاً للمشهد الجيوسياسي في المنطقة لعقود آتية.
يستحضر الوضع الراهن ذكريات منتصف التسعينات، عندما رعت إيران سلسلة من التفجيرات الانتحارية داخل إسرائيل، ساهمت في تأجيج الخيارات اليمينية الإسرائيلية، وأدت في نهاية المطاف إلى اغتيال رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق رابين وعموم عملية السلام. أنهى الاستثمار الإيراني في الانتحاريين الفلسطينيين وتعزيز الاتجاهات اليمينية داخل إسرائيل بشكل فعال، كل احتمالات السلام، ما مهد الطريق للانتفاضة الثانية وتبديد مداميك اتفاق أوسلو.
اليوم، كما في التسعينات، دفعت إيران غزة كلها إلى أكبر عملية انتحار جماعي لتحقيق الأهداف نفسها، على نطاق أوسع يطال نسف خيارات عربية محددة تسعى لأخذ المنطقة باتجاه مختلف عن رؤية نظام الملالي.
قبيل اندلاع الحرب، حذّر المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي من أن «المراهنين على السلام يراهنون على حصان خاسر»، في حين ندد الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي بأي محاولات للتطبيع مع إسرائيل ووصفها بـ«الرجعية». وإن كان التزامن بين هذا الخطاب الإيراني وحرب «حماس» يثير تساؤلات ملحّة حول الدور الذي لعبته إيران في قرار «حماس»، فإن الاتصالات التي أجراها رئيسي مع كل من رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» إسماعيل هنية، والأمين العام لحركة «الجهاد الإسلامي» زياد النخالة، لا تترك مجالاً كثيراً للشك في أننا بإزاء كيان متعدد الأطراف يعمل بشكل متناسق ضمن رؤية استراتيجية محددة. أما لناحية الأهداف فقد كانت تصريحات رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية اللواء محمد باقري، واضحة حين قال عن عملية «طوفان الأقصى»: «الجهود اليائسة مثل العرض السخيف لعملية التطبيع لن تتمكن من إبطاء انحدار وانهيار بيت العنكبوت هذا»، في إشارة إلى إسرائيل.
بهذا المعنى نحن وسط نزاع بين مشروعين متناقضين تماماً. الجديد أيضاً، أن مسارات السلام الحالية بين الدول العربية وإسرائيل، لا سيما الاتفاق الإبراهيمي، ومسار السلام السعودي المحتمل، تشكل نقلة نوعية في دبلوماسية الشرق الأوسط. فعلى عكس اتفاقيات السلام أو المبادرات السابقة التي تم التوصل إليها في كثير من الأحيان تحت تأثير أميركي وأوروبي كبير، فإن هذه الاتفاقيات الجديدة مدفوعة إلى حد كبير بالمصالح العضوية لأصحاب المصلحة الإقليميين أنفسهم. ولا يقتصر التركيز على المواقف السياسية أو تحقيق التوقعات الدولية فحسب، بل على المكاسب الاقتصادية المتبادلة، والتعاون التكنولوجي، والشراكات الأمنية، وتطوير خطوط التجارة وسلاسل الإمداد التي يراد لها أن تضع الشرق الأوسط برمته في قلب معادلة الاقتصاد الدولي، مع ومن دون النفط.
مسار السلام هذا، المتجذر في الديناميكيات والحاجات المحلية للدول المعنية فيه، يضفي على هذه المبادرات درجة من الأصالة والاستدامة غالباً ما كانت تفتقر إليها الجهود السابقة. وعليه، فإن إيران محقة في نظرها إلى هذا التطور، كنقطة تحول جذرية، باعتباره انعكاساً للمواقف المتغيرة داخل العالم العربي تجاه إسرائيل، لا مجرد استجابة لرؤى سلمية مفروضة من الخارج.
من المهم للفلسطينيين أن يفهموا، أن هذا الدافع الداخلي لمسارات السلام يمنحها مرونة أكبر في مواجهة عمليات المد والجزر الجيوسياسي التي أفسدت محاولات السلام السابقة.
السلام الذي تقوده دول محددة في المنطقة، وتواجهه إيران بأعتى ما تملك من مناورات حربية، ليس مجرد معاهدات سلام واتفاقات سياسية، بل إطار لنوع جديد من الشراكة الإقليمية، في مقدرات وإمكانات واستقرار المنطقة برمتها.
المصالحة السعودية – الإيرانية، وتجريب فتح الأبواب مع نظام الأسد، ومحاولة إيجاد حل سياسي لأزمة اليمن، وتركيز المملكة في حواراتها مع واشنطن على إحقاق الحقوق الوطنية الفلسطينية، وغيرها من المبادرات السياسية؛ تصب كلها عند دعوة الجميع للإفادة من اقتراح عربي جديد لشرق أوسط جديد واعد بالازدهار والاستقرار.
في مواجهة ذلك، اختارت إيران وحلفاؤها أن يكون ماضي المنطقة هو مستقبلها، بكل مآسيه وبؤسه. وفي هذا السياق، وحده الزمن سيكشف حجم الفرصة التي ضاعت على الفلسطينيين نتيجة هذه الحرب.
أما أصحاب المصلحة في السلام، من أهل الشرق الأوسط، فعليهم أن يمضوا قدماً بمن حضر وأحب.
الآن هو الوقت للالتزام الثابت بالسلام. أي شيء أقل من ذلك يمنح إيران فوزاً إقليمياً هائلاً سيعينها على رسم ملامح الشرق الأوسط وفق رؤيتها ومشروعها.
إنها لحظة فاصلة تتطلب أعلى درجات الوضوح الاستراتيجي والشجاعة الأخلاقية.
طالِبوا بالسلام اليوم، افرضوه غداً، حافظوا عليه للمستقبل.