الكولونيل شربل بركات/وحدة الساحات وساحة الوحدة

561

وحدة الساحات وساحة الوحدة
الكولونيل شربل بركات/24 تشرين الأول/2023

السيد في ورطة كبيرة ولبنان أيضا يعيش داخل هذه الورطة لأن لا قادة فيه ولا مسؤولين، وقد تلخص دور من يجلس على الكراسي بتلقي الأوامر من السيد وجماعته والسماح لهم بتخريب البلد في سبيل تجميع ثروات تمكنهم من شراء اصوات الناس بعد كل جولة من المآسي.

بين وحدة الساحات وساحة الوحدة هل من ينجد اللبنانيين فيطالبوا بتنفيذ القرارات الدولية وتسليم الحدود لقوات الأمم المتحدة واستلام الجيش اللبناني وحده كل مخازن الأسلحة على الأراضي اللبنانية بما فيها المخيمات

منذ حوالي ثلاثة أسابيع وفي الثاني من تشرين الأول الجاري وفي إحدى المناسبات الدينية القى السيد حسن نصرالله خطابا رنانا ارتجت له الساحات وخفقت القلوب، فهو تكلّم عن “وحدة الساحات” التي تبنتها “المقاومة”، وتعني بالمفهوم العسكري بأن أي اعتداء من قبل اسرائيل على أية ساحة من ساحات المقاومة ستكون الشرارة لبدء نهاية “دولة الاغتصاب” واعادة اليهود إلى الدول التي جاؤوا منها.

بعد أقل من خمسة أيام على الخطاب الشهير قامت حركة حماس بقيادة أحد فروعها “كتائب عزالدين القسام” بهجوم مركز على “العدو الصهيوني” أفقدته فيه المبادرة وأطلقت العنان لكل الغرائز الدفينة، والتي تبدأ من القتل بدون تمييز، إلى السبي والسلب وخطف الرهائن، وكل ذلك وسط ذهول “الكيان الصهيوني” وجيشه، وانبهار الدول وتأييد الجماهير العربية والاسلامية في كل البلدان.

وانتظر العالم كله أن تفتح كافة الساحات وتنطلق أفواج المقاومة لتنهي دولة “العدو الغاشم” وتقضي نهائيا على اسرائيل. ولكن على ما يبدو لم تكن المقاومة جاهزة لمثل تلك الحركة، ولا هي تلقت الأوامر بالرد وأخذ المبادرة. وبينما وصل وزير خارجية إيران إلى لبنان، بالرغم من قصف اسرائيل لمطاري دمشق وحلب واجبار طائرته على الحط في بغداد حيث عاد وطار من بغداد في اليوم الثاني، وبعد مراجعات دولية، على ما يبدو، سمحت له بالحط في مطار بيروت حيث التقى السيد وربعه وتشاوروا حول قدرة المقاومة على التدخل، ولو للحفاظ على ماء الوجه. إلا أن نتائج الزيارة كانت السماح لفصائل فلسطينية بالتدخل لاشغال العدو ريثما تتأهب المقاومة وتدخل المعركة.

كانت المقاومة تنتظر كالعادة أن تقوم اسرائيل بالدخول إلى غزة فورا للرد على العملية، وعندها سوف تطلق بعض قذائفها وتبدأ حرب الخطابات وتهييج الجماهير. إلا أن اسرائيل انتظرت على المقاومة لكي تتحضر وتدخل المعركة. وهي لا تزال تنتظر، ربما، ولكن المقاومة اختفت ومعها صوت السيد وخطاباته الرنانة وتصاريح القادة الملهمين. فأين “وحدة الساحات” من هذه التحرشات الخجولة؟ ولماذا لم تطلق المقاومة صواريخها المزلزلة لتزيل اسرائيل من الوجود في السبع دقائق الأولى التي تلت الهجوم الفلسطيني؟ فهي “أوهى من بيت العنكبوت”، كما يقول السيد. أم أنه وأسياده الإيرانيون فهموا متأخرين بأن اسرائيل مدعومة من الغرب، لا بل من “الشيطان الأكبر” الولايات المتحدة، التي كانوا يعملون لطردها من المنطقة بدون عناء؟

السيد في ورطة كبيرة، على ما يبدو، فهو هذه المرة يعلم علم اليقين ويعرف قدراته، لا بل قدرات المقاومة مجتمعة وفي كل الساحات. ويعرف أيضا بأن نظام الملالي الذي يتلقى منه الأمر هش، لا بل معرّض لأن يزول بدون أن تهاجمه اسرائيل بطائراتها أو غواصاتها، ولو بعدت المسافة بينهما.

خلال حرب عام 2006 أطلق السيد في مقابلة على شاشة الجزيرة مقولته الشهيرة “لو كنت أعلم”، ثم بعد اغتيال سليماني أقر بأن الأخير، بالاشتراك مع عماد مغينة، هو من قاد المعركة ومنع وقف اطلاق النار حتى قضى على لبنان وشعبه. ولما قام السيد وخرج من مخبئه رأى ما جرى وذهل، فهو لم يكن يعلم صراحة ماذا يجري ولا من يأمر، ولا كيف سيتوقف اطلاق النار، ولا حتى من سيبني بيوت الأهل المهجرين داخل وخارج لبنان. ولكنه استدرك بعد أن تدخّل العرب والعالم رأفة بالشعب اللبناني، ولم يقبل بالهزيمة، لا بل أعتبر بأنه انتصر بمجرد أنه بقي على قيد الحياة. فهل يخاف اليوم إلا يبقى على قيد الحياة ليعلن النصر المبين بعد تدمير لبنان مرة جديدة وقتل أبنائه؟ أم هل أنه رأى بأم العين أن العرب لن يهتموا بأمره هذه المرة ولا بأمر اللبنانيين بعد كل ما صدر عنه وربعه من العهر والتجني وكسر اليد التي امتدت لانقاذه من الورطة التي أدخله فيها اسياده الإيرانيون؟

السيد في ورطة كبيرة ولبنان أيضا يعيش داخل هذه الورطة لأن لا قادة فيه ولا مسؤولين، وقد تلخص دور من يجلس على الكراسي بتلقي الأوامر من السيد وجماعته والسماح لهم بتخريب البلد في سبيل تجميع ثروات تمكنهم من شراء اصوات الناس بعد كل جولة من المآسي.

لبنان اليوم في وحدة قاتلة فهو غير قادر على اطعام بنيه وغير قادر على وقف القتال الذي يدور من حوله ويُجر إليه بدون سبب وبدون معنى، وغير قادر على استجداء الدعم من أية جهة لا في بلاد العرب ولا الغرب، وهو كان اعتاد على هذا النوع من الدعم في كل مرة يستدرج إلى المأساة ويقتل فيها ابناؤه وتهجّر العائلات وتدمر البيوت، وبعدها يعود السيد وأشكاله ليقفوا وينادوا بالنصر والدمار لدول العرب ولإسرائيل وامريكا والغرب لأنهم لم يسمحوا بابادتهم.

بين وحدة الساحات وساحة الوحدة هل من ينجد اللبنانيين فيطالبوا بتنفيذ القرارات الدولية وتسليم الحدود لقوات الأمم المتحدة واستلام الجيش اللبناني وحده كل مخازن الأسلحة على الأراضي اللبنانية بما فيها المخيمات. واعلام العدو قبل الصديق بأنه خارج عن لعبة القتال هذه، ومحيّد نفسه عن نتائجها، ولن يقبل أن يزجه فيها أي كان، لا كرامة لإيران ولا لفلسطين ولا للشرق أو الغرب، فلم يعد له من قدرة على التحمّل ولم يعد لأبنائه من مجال للمغامرة والتلذذ بالتحليل وأبداء الراي، وليذهب السيد إلى إيران ويقاتل من هناك. فكفانا تهريج، وكفانا عدم تحمل مسؤولية، وكفانا استهتار بحياة الناس وأموالهم. ومن له أذنان سامعتان فليسمع قبل فوات الأوان لأن الآتي لناظره قريب…