الكولونيل شربل بركات/هل يدخل حزب الله المعركة الجارية؟

363

هل يدخل حزب الله المعركة الجارية؟
الكولونيل شربل بركات/20 تشرين الأول/2023

يتساءل المراقبون الذين طالما سمعوا تصاريح صادرة عن حزب الله وأسياده الإيرانيين ومن يدور بفلكهم بأن الحزب جاهز للتحرك ضد اسرائيل واقتلاعها من المنطقة، وأن قوات “الرضوان” لن تنتظر هذه المرة المبادرة الاسرائيلية، وستدخل إلى الجليل وتحتل القرى الاسرائيلية وتغيّر المفاهيم العسكرية القائمة.

لا بل وفي إحدى المقابلات المتداولة على وسائل التواصل الاجتماعي يشرح السيد حسن كلامه عن “هشاشة” اسرائيل على الخريطة ويلخصها بأن قوة اسرائيل الاقتصادية وتجمعاتها السكنية المنتجة تتركز في منطقة لا يزيد اتساعها عن أربعين كيلومتر طولا واربعة عشر عرضا، وهي تقع ضمن مجال صواريخ الحزب الدقيقة القادرة على ضرب كل هذه المراكز دفعة واحدة إذا تطلب الأمر، وبالتالي الانتهاء من اسطورة اسرائيل وتفوقها التقني والعسكري على السواء.

وقد حذّر السيد مرارا وتكرارا بأن مفهوم “وحدة الساحات” يجعل من كل هذه الساحات (أي ساحة غزة والضفة والجولان، لا بل كامل سوريا، ولبنان والعراق وإيران، وربما اليمن) مرتبطة ببعضها ومتكاتفة ومتضامنة بمعنى أن أي اعتداء على واحدة منها سيشعل جميع الجبهات أو الساحات ويؤدي إلى زوال اسرائيل من الوجود. ومن هنا تخوّف المراقبين على نتائج معركة غزة، خاصة أن اسرائيل تضررت جديا من عملية ما سمي “بطوفان الأقصى” بسبب عنصر المفاجأة وعدد القتلى والمخطوفين. وقد يكون الأخذ بعين الاعتبار لمبدأ “وحدة الساحات” هو ما دفع رئيس الوزراء الاسرائيلي لطلب الاحتياط وتجنيد ما يقرب من مئة ألف مقاتل لضمان رد أي اعتداء على بلاده من عدة مصادر. وربما اعلان الولايات المتحدة عن ارسال حاملة طائرات لشرق المتوسط يندرج ضمن هذا الاحتمال.

ولكن لماذا لم يجروء السيد بعد على اعطاء الأمر لقواته للتحرك الهجومي؟ والاكتفاء حتى الآن بتحريك الفلسطينيين والرد على بعض مصادر النار بخجل، وكأنه يلتزم بأمن السكان أو أنه لا يريد اقحام لبنان بمخاطرة كبيرة لن تقدم أو تؤخر. فهل إن الأوامر الإيرانية لم تصدر بعد؟ وهل أن زعماء إيران لا يرون ما يراه الشارع الممانع من حاجة للتخلص من شرور “الشيطان الأصغر” اسرائيل؟ أو أن ما تريده إيران يتلخص بامساكها بخيوط اللعبة وحرمان العرب من حق التفاوض عن الفلسطينيين ما يؤدي إلى توزيع مغانم الشرق الأوسط بين القوتين الفاعلتين فيه أي أيران واسرائيل، ولن يكون هناك من تفاوض بشأن فلسطين سوى مع إيران التي تتحكم بمجريات الأمور وتفرض الحرب والسلم؟

يقول وزير الخارجية الإيراني السيد “عبد اللهيان” بأن السيد حسن نصرالله يعرف متى يضرب وأين، وأنه يتمتع بكامل الحرية لاتخاذ القرار، ويستطيع الاعتماد على مساندة إيران في اي قرار يتخذه. فهل إن القيادة الإيرانية تريد رفع المسؤولية عنها، وبالتالي عدم السماح لاسرائيل باستغلال أي تحرك تقوم به قوى “الممانعة” لنقل المعركة للداخل الإيراني؟ أم أنه يحاول أن يظهر بمظهر “القوى العظمى” التي تساند بدون أن تتدخل، وبالتالي فإنه قادر على تحريك خمس جبهات تغطي كامل مساحة الشرق الأوسط وتضغط على ما تبقى من دول فيه، بدون الحاجة حتى إلى التدخل المباشر، ولو انه يلوح به أحيانا.

اللبنانيون المنشغلون باستعادة فلسطين أكثر من تأمين قوتهم اليومي، اهتاجوا لانتصار حماس المباغت في السابع من تشرين الجاري فهللوا وساروا بمظاهرات احتفالا بتلك الفرحة. ولم يحرجهم، كما كثيرين من العرب في بلدان عدة، قتل مدنيين اسرائيليين واختطاف آخرين غيرهم من قبل حماس. ولا هم قدّروا يومها ما قد تجرهه تلك العملية لرد اعتبار اسرائيل الجريحة أو انتقامها. وإذا بهم بالأمس يهرعون إلى السفارات الأجنبية ليصبوا جام غضبهم على غيرهم من المواطنين فيحرقون ممتلكاتهم وبيوتهم بدون أي احراج، وكأنهم بذلك ينتصرون على من تسبب بمقتل الفلسطينيين في غزة. فهل كسب السيد جولة في تثبيت نجاح مشروعه الممانع بدون استعمال السلاح؟ أو أنه قلب الطاولة على من كان يحاول منعه من الاستفراد في زج لبنان بحرب لا ناقة له فيها ولا جمل؟

نحن نعتقد بأن استقلال لبنان انتهى يوم سيطر حزب إيران على الحكم فيه ومنع حرية الرأي واعتماد الوسائل الديمقراطية في ادارة البلد، وفرض دخوله بقوة سلاحه في محور الممانعة. وبالتالي فقد أصبح لبنان ساحة لصراعات الدول يسكنه الراضخون القابلون بما يفرض عليهم، وليس وطنا مستقلا يتميز عن غيره من البلدان ويسعى لتأمين مصالح أبنائه ومستقبلهم.

السيد قادر اليوم على التصرف بكل حرية، فلم يعد في الداخل من يقف بوجهه، لأن فلسطين أهم من لبنان، حتى عند الذين حلموا بالتغيير مرة. وها هم اليوم يعودون إلى دائرة الاجترار وأحلام العنف التي لا يعرف الممانعون غيرها. وسيلتحقون بقطار الرفض بدون شك. ولذا فلا حاجة له أن يقوم بأي عمل غير الخطب الرنانة التي تلهب الجماهير وتتركهم يعيشون في لذة الأحلام الجميلة. ولكن يبقى السؤال هل اكتفت طهران بالرد على العمليات الاسرائيلية في الداخل الإيراني والهجمات التي جرت ضد قواتها في سوريا بتلك المهمة التي قامت بها حماس، ولن تستطيع اسرائيل أستدراجها للتدخل في أي من الردود لتعيد الاعتبار، حتى ضد ربيبها حزب الله؟ وهل تخطط إيران لصراع طويل الأمد لا تقدر الدولة العبرية أن تجاريها فيه، لأنها مرتاحة لما وصلت إليه، وهي تحضّر للدخول إلى النادي النووي قريبا، بينما تتحكم بطاقات التخريب في الشرق الأوسط وتهدد الحكومات الغير قادرة على مجاراتها؟

حزب الله قادر على تغيير المعادلات في الشرق الأوسط لأنه يستند إلى قوة صاعدة تعمل باتجاه بناء قدراتها الهجومية التي ترتكز على العنف ونشر الحقد واستغلال الدين، بينما من يواجهها قوى شاخت وتفتت عصبياتها، وتبنّت نظريات تضعف تماسك مجتمعاتها، وهي تعتمد على تفوقها التقني الذي لم يعد مقتصرا على أحد في عالم اليوم المنفتح، وخاصة في ظل الصراعات الداخلية التي تقود إلى التشتت والضعف. فهل يبقى الوضع كما هو وتبدأ الأمور بالتهدئة؟ أم أن الغرور قد يحرك غرائز البعض فيستعجل تحقيق الاحلام ويقع في شر أفعاله؟..