الكولونيل شربل بركات/غزة مجددا … غدا سيبدأ التباكي وينتهي العرس لأن إيران نفسها لن تتزحزح وستبرر تقاعسها عن مساندة حماس وستتخلى عنها مقابل أن يبقى حزب الله مسيطرا على لبنان

507

غزة مجددا … غدا سيبدأ التباكي وينتهي العرس لأن إيران نفسها لن تتزحزح وستبرر تقاعسها عن مساندة حماس وستتخلى عنها مقابل أن يبقى حزب الله مسيطرا على لبنان

الكولونيل شربل بركات/10 تشرين الأول/2023

الحديث عن غزة لا يتغير طالما يحكمها الارهاب وزبانيته. وهي كلما انتجت دفعة من المعبئين بالحقد لا بد لها أن تطلق موجة جديدة من العنف تسمح بالابتهاج بالنصر لتغزية الموجات المتتالية ثم تفقد المبادرة تحت ضربات “العدو” لتعود إلى التباكي على “الظلم” اللاحق بها وبشعبها…
هذه المرة كانت عملية “الطوفان” نوعية ومحضرة بتنسيق من معلمي الارهاب في الحرس الثوري. وقد نفذت بنجاح ألهب الجماهير العربية والاسلامية فعادت تهلل بالنصر وبالتحرير ونسيت “الظلم” والظالمين والشيطانين “الأصغر والأكبر”…

عملية “الطوفان” هذه كانت ستدرس في المعاهد العسكرية لأنها نجحت في اختراق واحدة من أهم المنظومات الدفاعية في العالم (كما يقولون) وكادت أن تكون نصرا “للمجاهدين” لو أنهم اعتمدوا على تحقيق هدف معقول بأسر جنود “للعدو” والاعلان عن مشروع للتفاوض حول اطلاق السجناء من الطرفين والاستعداد للحديث عن سلام دائم. فقد سبق لمصر أن اجتازت القناة وكانت أكبر معبر مائي محصن لا يزال يدرس اجتيازه في المعاهد العسكرية لأن ما بعد المعركة كان استعداد المصريين للتفاوض حول وقف النار وبالتالي السلام. بينما عند حماس تغلبت الروح الارهابية على التنظير العسكري الناجح وتفلتت “عصابات القتل الغرائزي” (كما سيسميها العالم كله في المعاهد العسكرية لاحقا) لتقطف السكان الآمنين وتجرهم من بيوتهم وتقتل أكثر من 260 شابا وفتاة منهم أجانب اجتمعوا بحفل غنائي بقي حتى الصباح حين فاجأتهم جحافل الارهاب وبدأت القتل بدون تمييز…

هل من خطط للعملية توقف عند الاختراق لم يدرس ما بعده أم ماذا؟ وهل كان يعتقد بأن شعار “وحدة الساحات” سوف ينقذه من ذيول عقد “المغانم والسبي” التي يزرعها في نفوس “المجاهدين” لأن الجبهات الأخرى ستفتح وتشغل “العدو” فيسقط “الشيطان الأصغر” ويتيه على وجهه بينما يركض “الشيطان الأكبر” ويطلب التفاوض بعد الهلع الذي يصيبه من جراء القتل على الطريقة الداعشية؟ وهل يختلف الارهاب الداعشي عن مثيله في الجانب الآخر وهما من انتاج نفس ماكينة التفقيس؟..

في شوارع بيروت نزل المهللون “للنصر” وهم أنفسهم من سيتباكى غدا على المصير ويطالب بتحميل اسرائيل ذنب تنظيف القطاع من جماعات الأرهاب التي لا تعرف التعايش مع غيرها من الشعوب. فأين سلاح الحزب وقوات “الرضوان” التي تتحضر وتتباهى بأنها ستذيق “العدو” طعم سلاحها ولن ترضى بغير الدخول إلى القدس والصلاة في المسجد الأقصى؟ وهل أن كل التدريب هو من أجل الداخل وفرض السيطرة على لبنان بقوة السلاح والدخول ببزار النفط والغاز لتأمين الحصص وكل هذا تحت شعارات وهمية لتحرير فلسطين تدغدغ بعض النفوس المريضة التي لم تقبل بعد بوجود دولة اسرائيل (بالرغم من أن عرفات نفسه قبل وتفاوض واعترف) وحتى وهي تعمل في بلاد العرب التي تسعى كلها لتطبيع علاقاتها مع الدولة العبرية والانتقال إلى مستوى آخر من العلاقات يؤمن الرخاء والاستقرار للشرق الأوسط فيصبح ملتقى العالم من الصين والهند إلى روسيا وأوروبا وأمريكا وبالطبع أفريقيا المتجددة عبر مصر.

غدا سيبدأ التباكي وينتهي العرس لأن إيران نفسها لن تتزحزح وستبرر تقاعسها عن مساندة حماس وستتخلى عنها مقابل أن يبقى حزب الله مسيطرا على لبنان وقابضا على أرواح بنيه، ولو لم يعد فيه من ينتج ولا من يبني ولا من يقود، وسيقبض ثمن تخليه عن حماس استمرارا بالسيطرة على لبنان لأن روائح الغاز والنفط ملأت أنوف قادته، وستسمح لطهران أن تجدد سيطرتها وتعطيها المزيد من أوراق التفاوض والكسب.

نبكي على المدنيين في الجانبين ليس لأننا لا نحترم تضحيات العسكريين ولكن لأن المدنيين يقعون دوما في وسط موجات العنف ويكونون وقودا لها بدون أن يكون لهم دور سوى التهليل بالنصر الذي ينقلب دوما عليهم وتجهيز القتلة المهوسون من أفواج أولادهم الذين يتربون على انتظار التحرير بدل التحضر لتحسين أوضاعهم والانتقال بالتعاون مع الجيران نحو وضع أفضل…

فهل ستكون هذه الواقعة آخر حروب غزة وهل سيدخل الفلسطينيون فعلا بمرحلة جديدة من التعاون في سبيل المستقبل الزاهر؟ وهل سيبني العرب الجدد الذين نجحوا في تجاوز عقد الماضي مستقبل السلام الدائم الذي يحلم به يهود الشتات وعرب اللجوء؟..