د. ميشال الشماعي/إيفيت والياس الحصروني غلبا موت الوطن بموتهما

140

إيفيت والياس الحصروني غلبا موت الوطن بموتهما
د. ميشال الشماعي/موقع جسور/03 تشرين الأول/2023

أيّ غلبةٍ أفظع للموت إلا بلقاء زوجين حبيبين مقاومَين جنوبيّين، عاشا عمرهما معًا بالحبّ والنّضال والتضحية، إيمانًا منهما بفعل بقائهما في قريتهما الحبيبة وجنوبهما الغالي!
الياس وإيفيت الحصروني لقد أفجعتما لبنان التاريخ والكِيان كلّه وليس عين إبل بلدتكما فحسب، أو حتّى لبنان المرهون لتاريخ لا يشبه تاريخه الوجوديّ في هذا العالم منذ بدايات الكون.
شهران على موت زوجها، عضو المجلس المركزي، ومنسّق حزب القوّات اللبنانيّة في منطقة بنت جبيل، الياس الحصروني المعروف بالحنتوش، إيفيت تلاقي حتفها في حادث سير مروّع على طريق بلدتها عين إبل.
زوجها الحنتوش الذي بحسب ما أكّد وقتذاك رئيس بلدية عين إبل، عماد الّلوس، أنّه كان برفقة عائلة ابنته وأحفاده، الأربعاء، بتاريخ الثاني من أغسطس/ آب 2023 في مطعمٍ في البلدة ليغادر من بعدها عائدا إلى منزله. إلا أنه لم يصل إلى المنزل، حيث عثر على الحصروني جثة هامدة في سيارته الملقاة في جلّ قرب أحد الطرق في البلدة باتجاه بلدة حانين. وبنتيجة البحث في كاميرات المراقبة تمكن أحد أقارب الضحية من العثور على مقطع مسجل على كاميرا DVR يظهر اعتراض سيارتين لطريق الحصروني حيث دفعوه للتوقف، ليترجل منها أشخاص ويصعدون بسيارة الحصروني، من ثم انطلقت السيارات الثلاث، وبعدها حدث ما حدث. هذه الفضيحة الأمنية حدثت في منطقة يقتل فيها النّاس ولا يكتشَف القاتل، بل يتمّ ترقيته إلى مرتبة القداسة.

وبرغم الشكوك الأمنيّة التي رافقت ملفّ التحقيق في قضيّة اغتيال زوجها، الحنتوش، ولا سيّما بعدما كشف رئيس حزب القوّات اللبنانيّة، سمير جعجع الذي اعتبر أنّ هذه الجريمة مُنظمة، وفضح الأماكن التي انطلقت منها السيارات الأربع التي اشتركت بالجريمة، واحدة جاءت من عيتا الجبل، وأخرى من بنت جبيل، والثالثة من حانين، والرابعة من برعشيت. هذه المنطقة التي لا يُكشَف فيها مجرم، كما علّمت اللبنانيّين التجارب من اغتيال السياديين، وليس آخرهم لقمان سليم الذي اغتيل في منطقة أقلّ ما يمكن تصنيفها أنّها منطقة أمنيّة عاصية عن وجود الدّولة الفاعل. بعد هذه المسائل كلّها لا يمكن إلا الانحناء أمام عزيمة وإصرار السيّدة إيفيت، المقاومة بأمومتها ووطنيّتها وروحها العائليّة، هي التي رفضت الخروج من عين إبل، وبقيت صامدة برغم اغتيال زوجها، وارتفاع منسوب الخطر الأمني الذي قد يطالها شخصيًّا.
أمام هذا الواقع الصّموديّ الجبّار، يبدو أنّ يد الموت الذي أتاها كالسارق في وضح النّهار، ولم يأخذ من الليل ستاره، لأنّ درجة عهر الشّرّ وأبنائه باتت حدّ الغيوم. هذا الموت المريب بعد شهرين فقط عن حادثة بهذا الحجم يطرح عدّة تساؤلات، قد تكون تلك الأمنيّة أولاها، لكنّ المقاربة الإنسانيّة لهذه الحادثة هي التي تغلب انطلاقًا من تاريخ هذه العائلة الإنسانيّ والمقاوماتيّ. ومعروف عن الحنتوش وزوجته وقوفهما جنبًا إلى جنب أهالي عين إبل والمنطقة كلّها، ومن دون أيّ تمييز أو تفرقة. والنّاس كلّهم هناك يشهدون على اندفاعتهما في المساعدة، ولا سيّما في زمن أزمة كورونا.
أمام محاولات قتل الوطن كلّها، تبقى إرادة الحياة التي بثّتها إيفيت وزوجها في مسيرتهما الأرضيّة، في بلدتهما عين إبل أقوى بكثير من جبروت الموت وعملائه الخبيثين أيًّا كانوا، ومهما كانت الهويّة التي يحملونها، فأبناء الموت الجحيم مرتعهم، بينما أبناء الحياة فالسماء عرشهم. أمام موت الوطن إيفيت والياس غلبا الموت بمسيرتهما الانسانيّة – الوطنيّة. وهما كانا عن حقّ أقوى من الموت.
يبقى أنّ انتظار نتائج أيّ تحقيق هي القاعدة الأسلم ليسلم الوطن. مع العلم مسبقًا أنّ أيّ نتيجة لم تصدر من سلطة عن حادثة بحجم كارثة انفجار أو تفجير مرفأ بيروت، يستبعَد أن تصدر بحادثة اغتيال الحنتوش الجرميّة. أمّا عن موت إيفيت زوجته، فمَن يمكنه أن يتكهّن بما لم ترصده أيّ كاميرا قد تكون أيادي الموت قتلتها قبل أن تقدم على فعلتها الخسيسة هذه؟

*وفاة زوجة الشهيد الياس الحصروني
توفيت السيدة ايفيت سليمان الحصروني، زوجة المسؤول في القوات اللبنانية الشهيد الياس الحصروني، اثر حادث سير مروّع على طريق عين ابل- رميش.