كارمن كريم/الأردن يشكّك في سيادة الأسد على الأرض والكبتاغون

35

الأردن يشكّك في سيادة الأسد على الأرض والكبتاغون
كارمن كريم/موقع درج/27 أيلول/2023

لا شك في أن التصريحات الأردنية عالية المستوى، هي شكل من أشكال الضغط على النظام السوري ومحاولة لتذكير نظام الأسد بجدية الموقف الأردني من أزمة تهريب الكبتاغون السوري عبر أراضيها. والتوجه نحو إيران هو خطوة جديدة في هذا الملف، والتي قد يتبعها تصعيد أردني أكبر في الأيام المقبلة.

في تصريح صادم، شكّك العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني في سيطرة رئيس النظام السوري بشار الأسد على الأراضي السورية، إذ قال خلال قمة الشرق الأوسط العالمية في نيويورك، المنعقدة قبل أيام، إنه غير متأكد من مسؤولية الأسد الكاملة في سوريا. يشكل تصريح عبدالله الثاني المُشكِّك في سيطرة الأسد على مساحات سيادته، تغيراً في نبرة النظام الأردني تجاه النظام السوري، والذي أبدى في مرحلة ما شكلاً من الدعم له، لكن يبدو أن هناك خيبة أمل أردنية بوقف تدفّق الكبتاغون السوري. يبدو تصريح العاهل الأردني بداية جديدة للتعامل مع الملف السوري، بما فيها من قضايا كاللاجئين وتهريب الأسلحة ودعم النظام السوري وتعويمه، موجِّهاً إصبع الاتهام إلى إيران وعناصر داخل حكومة النظام السوري، الذين يستفيدون من تجارة المخدرات المزدهرة في البلاد، قائلاً: “هذه قضية رئيسية تستغلها جميع الأطراف، بمن في ذلك بعض الأشخاص داخل النظام والإيرانيون ووكلاؤهم”. وحذر عبدالله الثاني قائلاً: “أعتقد أن بشار لا يريد أن يحدث ذلك، ولا يريد صراعاً مع الأردن، لكن لا أعرف مدى سيطرته”.

يبدو أن الأردن يقف عاجزاً أمام كبتاغون نظام الأسد، فرغم تحرك الحكومة الأردنية بخطوات إيجابية نحو النظام السوري، خلال العام الفائت، سعياً الى هدفٍ أساسي وهو وقف تدفق الكبتاغون عبر حدوده، لكن الواضح أنها فشلت في التضييق على عمليات التهريب، أمام تعنت نظام الأسد وتعقيد الملف السوري، وتنوع الجهات الدولية والإقليمية التي تسيطر على الأراضي السورية. يشكل تصريح عبدالله الثاني المُشكِّك في سيطرة الأسد على مساحات سيادته، تغيراً في نبرة النظام الأردني تجاه النظام السوري، والذي أبدى في مرحلة ما شكلاً من الدعم له، لكن يبدو أن هناك خيبة أمل أردنية بوقف تدفّق الكبتاغون السوري.

تهريب المخدرات إلى الأردن لم يتوقّف
كان هناك أمل أردني وعربي بالحد من تهريب الكبتاغون بعد التقارب العربي – السوري، والدور الأردني البارز في هذا الشأن. إذ كانت خطوات الأردن أساسية في تعويم نظام الأسد عربياً مجدداً، وربما عولت الحكومة الأردنية على ذلك لتقليل تدفق الكبتاغون. لكن المفاجأة أن العكس حدث، وللسخرية، التي يتقنها النظام السوري، ازدادت عمليات تهريب الكبتاغون عبر الحدود السورية – الأردنية، إذ كشف وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، خلال ندوة لمركز أبحاث SRMG، أن عمليات التهريب عبر الحدود السورية – الأردنية ازدادت عقب الحوار مع دمشق، وأن من بين 3 محاولات تهريب مخدرات، تنجح واحدة، وهو رقم كبير إذا ما قيس بكلفة إنتاج حبة الكبتاجون، والتي تبلغ نحو دولار واحد مقابل سعر بيعها الذي يصل إلى العشرين ضعفاً.

إذاً، وبعد مبادرة الأردن للتقارب مع نظام الأسد، والتي حملت عنوان “خطوة مقابل خطوة”، وكانت على رأس أعمالها مكافحة المخدرات القادمة من سورية، لوحظت زيادة في عمليات التهريب، ولم تعقد اللجنة الوزارية أصلاً، منذ احتضان الجامعة العربية المبادرة الأردنية، سوى اجتماع واحد في آب/ أغسطس الماضي. وكان موقف النظام السوري واضحاً في حينها، إذ لم يركز فيصل المقداد، وزير الخارجية السوري، سوى على الأموال التي يجب على الأمم المتحدة تقديمها للنظام بحجة “التعافي المبكر”. لم يقدم المقداد أي أفكار أو يشير إلى توجهات حول ملفات أساسية وحساسة، فلم يركز على الطلب من الدول العربية حثّ الأمم المتحدة على تقديم الأموال للنظام تحت غطاء التعافي المبكر، ضمن المساعدات الأممية المقدمة إلى الشعب السوري أساساً، من دون أن يقدم توضيحات حقيقية حيال الملفات الأساسية في المبادرة، كملف المخدرات أو التوجه الى حل سياسي مع قرار مجلس الأمن 2254، المؤشرات التي من المفترض أن تكون كافية للأردن والدول التي عولت على تغيير في سياسة النظام السوري.

تخوّف أردني من موجات لجوء جديدة
تطرق عبدالله الثاني أيضاً إلى احتجاجات السويداء والتأكيد على مطالب المحتجّين، ما يبدو تصعيد النبرة ضد نظام الأسد، إذ قال إن احتجاجات السويداء جنوب سوريا أعادت الربيع العربي إلى بدايته في سوريا، فيما يوحي كذلك بتخوفٍ أردني من تدفق موجات جديدة من اللاجئين السوريين إلى الأردن. إذ قال إن بلاده لا تستطيع استيعاب أكثر من نحو مليون و300 ألف لاجئ سوري موجودين بالفعل في البلاد، مرجعاً السبب إلى انخفاض الدعم الدولي، وهو الخطاب الأردني ذاته المنتشر منذ إعلان الأمم المتحدة وقف المساعدات عن اللاجئين السوريين في الأردن. من جهة أخرى، قال الصفدي إن الأردن يعمل على حماية مصالحه، وإن تهريب المخدرات ليس تهديداً للأردن فحسب، بل لدول الخليج وغيرها من الدول أيضاً، ولا بد من تعزيز التعاون للتعامل مع التهديد، ما يعني أن أي تعاون سيقوده الأردن مستقبلاً ضد تهريب المخدرات على حدوده، سيكون شكلاً من التصعيد مع النظام السوري. حديث الصفدي لا يشير إلى فشل التعاون الأردني – السوري في ضبط تدفق المخدرات وحسب، بل يشير أيضاً إلى تطور في هذه التجارة وأساليبها ونجاح عمليات التهريب، وكأن التقارب كان لمصلحة الأسد وليس الأردن. ما يطرح سؤالاً أساسياً: هل تغير الخطاب الأردني يعني تغيراً في تعامل الأردن مع النظام السوري؟ وهل سيسحب دعمه للأسد مجدداً؟

التقى وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي مع نظيره الإيراني حسين أمير عبد اللهيان على هامش جلسة الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، وبحثا طرق وقف تهريب المخدرات من سوريا إلى الأراضي الأردنية، فيما يبدو فقدان أمل أردني كامل من الجانب السوري لينتقل إلى حلفائه الأقوى، الذين ربما لديهم سلطة أكبر في السيطرة على هذه المعضلة، التي اعتبرها الصفدي تهديداً لأمن المملكة والمنطقة، مشدداً على أن بلاده ستتخذ كل ما يلزم لدحر هذا التهديد. ولم يتردد الأردن في تقديم مقابل للعون الإيراني، إذ أكد الصفدي حرص الأردن على إنهاء كل التوترات في المنطقة، وتطوير العلاقات مع إيران على أساس الاحترام المتبادل وحسن الجوار، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، في إشارة الى الاحتجاجات والفوضى في الداخل الإيراني، والتي تنأى الأردن بنفسها عنها. لا شك في أن التصريحات الأردنية عالية المستوى، هي شكل من أشكال الضغط على النظام السوري ومحاولة لتذكير نظام الأسد بجدية الموقف الأردني من أزمة تهريب الكبتاغون السوري عبر أراضيها. والتوجه نحو إيران هو خطوة جديدة في هذا الملف، والتي قد يتبعها تصعيد أردني أكبر في الأيام المقبلة.