د. حارث سليمان/إنهيارُ لبنانَ كان يُمكِنُ تفاديه

73

إنهيارُ لبنانَ كان يُمكِنُ تفاديه…
د. حارث سليمان/جنوبية/16 أيلول/2023

بعدَ خُروجِ حاكمِ مَصرَفِ لبنان السيد رياض سلامة، من إدارةِ البنك المركزي، وبعدَ صُدورِ ونشرِ تقريرِ شركة التدقيق المالي “ألفاريز أند مارسال” ، الذي ذَكَرَ أنّ العملاتِ الأجنبية في مصرف لبنان، تراجعت بنسبةٍ كبيرةٍ، في الفترة ما بين 2015 حتى 2020. فخلالها، انتقل مصرف لبنان من فائض العملة الأجنبية البالغ 7.2 مليارات دولار أميركي، في نهاية عام 2015 إلى عجز بلغ 50.7 مليار دولار أميركي في نهاية عام 2020، وانخفضت الأصول بالعملات الأجنبية بنسبة 18 في المئة. وانخفضت الأصول بالعملات الأجنبية المحتفظ بها في الخارج، من 35.8 مليار دولار أميركي في عام 2015 إلى 18.4 مليار دولار أميركي في عام 2020.

كما أظهَرَ التقريرُ سلسلةً من الارتكابات المالِيَّةِ والسياسات الخاطئة، وكشف حجم الفجوة المالية في صندوق مصرف لبنان، وكُلفَة الهندسات المالية، وتضمّن تقرير التدقيق الجنائي أرقاماً تظهر للمرة الأولى، أبرزها أنّ كلفة الهندسات المالية بلغت 76 مليار دولار بحسب التقرير، لكن مصرف لبنان لم يعترف إلا بـ 56 ملياراً فقط، كما ورد في الصفحة 88 من التقرير، باعتبار أن الباقي تكلفة مستردة أو قابلة للاسترداد. ورغم التوضيح فإنّ شركة التدقيق لم تقتنع بملاحظات مصرف لبنان. وهذا الرقم يشمل كل العمليات التي توصف بالهندسات المالية التي تشمل كلفة فوائد وعوائد، خصوصاً علاوات سندات وشهادات إيداع، وبعضها استخدم في عمليات دعم رسملة مصرفية وإقالة وتبادل توظيفات بين الليرة والدولار وبالعكس، وقد استفادت منها المصارف في الدرجة الأولى، وكبار المودعين وكبار المستثمرين الماليين بدرجة أقل. وأتت تلك الكلفة في نهاية الأمر على حساب المودعين، فيما كان مصرف لبنان يخفي تلك الخسائر بميزانيته في بند «موجودات أخرى»، ثم ادعى أخيراً أنّ معظمها حصيلة كلفة تثبيت سعر صرف الليرة وتمويل الدولة.

وقد زعم رياض سلامة انه لجأ الى الهندسات المالية من أجل تصحيح العجز في ميزان المدفوعات، وهو زعم ثبت بطلانه، كما ثبت ان هذه الهندسات فضلا عن ارتفاع كلفتها، كانت مضخة مالية لسحب الودائع بالدولارات الحقيقية، وسرقتها وتحويلها لصالح حسابات لدولارات وهمية (لولارات)، تم قيدها في حسابات اهل المنظومة السياسية والطائفية الحزبية وأصحاب المصارف واداراتها ثم تم تهريبها الى الخارج، في عملية بونزي سكيم ponzi scheme، من يدخل فيها اولا ويخرج باكرا قبل الانهيار، يستولي فيها على ارصدة من يبقى داخل اللعبة ويتأخر بالخروج منها، وتقدر قيمتها في الفترة بين ٢٠١٥ و٢٠٢٠ ب ٣٨ مليار $ اميركي… ويضاف الى ذلك حوالي ٧ مليار$ اميركي اخرجتها المصارف بعد ان قيدت في حساباتها ارباحا ( وهمية) وجعلتها استثمارات خارج لبنان.

وبعد قيام حاكم مصرف لبنان بالإنابة د. وسيم منصوري بالإعلان عن توقف المصرف المركزي، عن تمويل المصاريف الجارية للحكومة، وبالامتناع عن استنزاف الاحتياط الالزامي من العملات الاجنبية لمصرف لبنان، الذي لم يتبقى منه لتاريخه الا حوالي ٧ مليار $ اميركي، والوعد بالامتناع عن طبع الليرة من اجل سداد العجز في موازنة الحكومة، بعد كل هذه المستجدات والوقائع تتبدى اسئلة جارحة وحازمة:

السؤال الاول هل كان الإنهيار الاقتصادي حتميا؟
السؤال الثاني اذا كان لا بد ان يحدث انهيار، هل كان قدرا ان يكون هذا الانهيار شاملا كاملا، بحيث نشهد في وقت واحد وبدفعة واحدة؛ إنهيار سعر صرف الليرة اللبنانية، وإمتناع الدولة عن تسديد ديونها بعد تفاقم مديونيتها بسبب تراكم العجز في موازناتها، وإفلاس النظام المصرفي وتوقفه عن الدفع بعد نضوب سيولته النقدية، ثم إنهيار ادارات الدولة وملاكاتها، وتوقف الخدمات العامة وإصابة انظمة الصحة والاستشفاء والتعليم بالشلل والعجز!؟
هل كان ممكنا حصر الأزمة في جانب واحد والحيلولة دون شمولها كل ناحية او قطاع!؟

السؤال الثالث اذا كان انهيار سعر صرف الليرة حتميا، وتفاقم العجز في موازنات الدولة خطيرا، فهل كان ممكنا في ظل هذا الواقع تفادي انهيار النظام المصرفي، وبالتالي حفظ الودائع ومنع سرقتها او تهريبها الى الخارج وصونها كحق غير قابل للتصرف من غير اصحابها.!؟
السؤال الرابع: اذا كان لا يمكن تفادي الانهيار المالي ومنع حدوثه!؟ الم يكن ممكنا على الاقل محاصرة اضراره وتقليص خسائره؟…
السؤال الخامس : حدث الانهيار المالي والنقدي والاقتصادي وافلست المصارف جميعا وتبين ان مصرف لبنان زوَّرَ قيودَه وخدع شعب لبنان وكل المقيمين فيه، وكل من وثق بنظامه المصرفي عربيا كان ام اجنبيا، واعلنت الحكومة عن عدم قدرتها على تسديد ديونها او الوفاء بالتزاماتها المالية…
حدث كل ذلك منذ اربعة سنوات تقريبا، فماذا فعلت المنظومة السياسية الحاكمة والحكومة القابضة على السلطة للبدء بخطة تخرج لبنان من الازمة!؟
وماذا اتخذت من اجراءات لعودة التعافي الى الاقتصاد الوطني!؟ عمليا لا شيء، فقد كلفت لجنة سالازار بتقديم خطة للتعافي فقامت بذلك، لكن سرعان ما ناقشتها لجنة مالية برلمانية ونقضتها وجعلتها أمرا منسيا!!.

اتفقت مع صندوق النقد الدولي والتزمت بعدة اجراءات تجاهه، ثم نقضت تعهداتها ولم تفِ بأيِّ بند من التزاماتها.!! هذا ما اعلنه وفد صندوق النقد الدولي هذا الاسبوع في زيارته الأخيرة ل لبنان.

لا تريد المنظومة خطة سالازار ولا تلتزم مطالب صندوق النقد الدولي ! إذن أية خارطة طريق للخروج من الازمة تطرحها المنظومة الحاكمة وتتبناها الحكومة القابضة على السلطة !؟

لا تكتفي المنظومة باستدامة الازمة والتكسب منها، بل تدير لعبة الافلات من المساءلة والعقاب لا احد مرتكب لا احد مسؤول وكل هذه الكارثة يحاولون قيدها ضد مجهول.!؟

وللإجابة على الاسئلة السابقة والذهاب الى استنتاجات محددة، لنفترض ان حاكم مصرف لبنان لجأ في نهاية سنة ٢٠١٤ وبداية ٢٠١٥ الى الاجراءات التالية مجتمعة ومتلازمة:
الإجراءُ الاول : تخفيض سعر صرف الليرة اللبنانية مقابل الدولار الاميركي بحيث يصبح سعر الدولار ٣٠٠٠ل ل.
الاجراء الثاني: اعتماد الخيار الذي لجأ اليه وسيم منصوري وبذلك أوقف تمويل المصاريف الجارية للحكومة والاكتتاب بديونها والامتناع عن طبع الليرة اللبنانية لسد عجز موازناتها.
الإجراء الثالث تطبيق القيود على حركة الاموال والرساميل بشكل شامل وعادل والذي اعتمده سلامه نفسه بشكل انتقائي وفاسد.
الاجراء الرابع ؛ اعلان تعثر الحكومة عن الدفع ووقف احتساب الفوائد.
وواضح ان الاجراءات الاربع قد تم تنفيذها منذ سنة ٢٠١٩ وحتى تاريخه، وبشكل تارة تدريجي وطورا بشكل اعتباطي او اضطراري مشوه، ماذا لو لجأ مصرف لبنان لهذه الاجراءات متلازمة فيما بينها ودفعة واحدة في نهاية سنة ٢٠١٤ ومطلع ٢٠١٥؟.

سيجيب البعض من زبانية المصارف وسلامة، اننا لم نكن نعرف اننا سنصل الى ما وصلنا اليه، نعم لم يكن يعرف الناس العاديين في نهاية سنة ٢٠١٤ انهم سيصلون الى ما وصلنا اليه، لكن رياض سلامة كان يعرف و اصحاب المصارف كانوا يعلمون وكبار منظومة الفشل والفساد والارتهان للخارج كانوا يعلمون وبعض من حاشياتهم أيضا، وقد حذرهم في حينها مرارا وتكرارا صندوق النقد الدولي، لكنهم عقدوا العزم جميعا، على خداع بقية الناس وتطمينهم، لكي يتاح لهم التربح والاثراء من انهيارٍ ممنهج ومقصود، كان يمكن تفاديه او حصر تداعياته وتقليل خسائره، كما تأمين الخروج السريع منه واستعادة التعافي الاقتصادي للوطن واهله. تستمر المنظومة بالتربح من الانهيار وجني الثمار من عذابات اللبنانيين وآلامهم، وتعد نفسها بالذهاب الى الاستيلاء على املاك الدولة ومرافقها العامة وحيازتها بأبخس الأثمان، كما تعد نفسها بالاستيلاء على عائدات النفط والغاز المفترضة!. لا مستقبل ل لبنان مع استمرار المنظومة بإدارة لبنان، وشرط بقاء لبنان اسقاط المنظومة كاملة وترحيلها. وانتخاب رئيس للجمهورية سيكون اول خطوة واشارة الى اي اتجاه يسير لبنان، اتجاه اعادة تعويم الفساد والفشل والارتهان الى الخارج ام خيار ترحيل هذه العصابة.