شارل الياس شرتوني/أين تقف حرب حزب الله وبشار الأسد على لبنان؟

98

أين تقف حرب حزب الله وبشار الأسد على لبنان؟
شارل الياس شرتوني/10 أيلول/2023

لم يعد سرا أن معارك عين الحلوة المفتوحة والدخول السوري الى لبنان عبر الحدود المسيبة (بمعدل ١٠٠٠ شخص كل اليوم، ١٢٠ معبر غير شرعي)، وتعطيل مداخلات الجيش اللبناني في الحالتين، ومحاولة وضع اليد على مؤسسة الافتاء السني، ليسوا من باب الصدفة، فلبنان منذ ٦٥ سنة ساحة لتصريف النزاعات الاقليمية ولمنازلات سياسات النفوذ على تنوع مصادرها. يبدو أن حزب الله من خلال سياسته الانقلابية الآخذة بكل إتجاه، قد اتخذ من معارك عين الحلوة مدخلا مواربًا للدخول على خط الصراع داخل اروقة السلطة الوطنية والساحة الفلسطينية، وإخضاع النطاقات السنية الجنوبية، انطلاقًا من السيطرة على صيدا وتحكيم نزاعاتها، على خط التواصل بين المخيمات الملتهبة وتطويع الزعامات السنية المحلية. أما شريكه بشار الأسد قرر الدفع بموجات هجرة جديدة إمعانا في احكام سيطرته على مناطق نفوذه، وتشعيبها بإتجاه الداخل اللبناني بهدف ضرب توازناته الديموغرافية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، واستخدامه ورقة مقايضة في مجال تحصين دفاعاته، في وقت تتهاوى فيه شرعية نظامه بسرعة قياسية، لم تبق له سوى خيار الالتحاق بسياسة الانقلاب الشيعية التي تديرها إيران على كل الجبهات الاقليمية.

نحن على خط نزاع استوائي تنتظم على أساسه النزاعات القائمة في الداخل وعلى التخوم اللبنانية-السورية، على قاعدة تبدل ركائز الجغرافيا البشرية اللبنانية، ونسف مرتكزات الثقافة السياسية اللبنانية، وإدخال لبنان في متاهات نزاعية جديدة ترهق ما تبقى لديه من مناعات. ضف الى ذلك ما يجري على الساحة السنية التي شهدت تقوضها السياسي التدريجي منذ ال ٢٠٠٥، وتعيش مخاض السيطرة على الافتاء السني من خلال توحيد مؤسسة الافتاء وإخضاعها للنفوذ الديني الشيعي تحت شعار المؤالفة والمداورة بين الاثنين. هذا المشهد يتمدد باتجاه المسيحيين من خلال استتباع المراكز الاسقفية والمؤسسات الكنسية في مناطق النفوذ الشيعية في الجنوب والبقاعات، ومحاولات الخرق في مناطق كسروان وجبيل، وتحريك النزاعات الراكدة في الضنية وعكار…، ناهيك عن استعمال حكومة تصريف الأعمال المتواطئة غطاء لسياسة النفوذ المالية والأمنية والعقارية والاقتصادية، واللعب بالاستحقاق الرئاسي كورقة إبتزاز تستخدم ضمن هذا النطاق.

هذه المؤشرات لم تعد دلالات ليس إلا، بل تحولت الى وقائع ثابتة ومتمددة في الزمان والمكان، وبالتالي تتطلب مواجهة لوضع حد لهذه الاستباحات المعلنة. لا مجال لأي تسوية خارجًا عن العودة الى المؤسسات الدستورية، وعودة الثقافة التوافقية سبيلا من أجل فتح الملفات السياسية والاصلاحية الشائكة، والخروج من دائرة انعدام الوزن التي أسست لها الأزمة المالية وتداعياتها والسياسة الانقلابية. إن أي استنكاف عن سياسة المواجهة هو مشاركة في دفع المد الانقلابي الشيعي والتسليم به، السياسة الانقلابية تواجه بسياسة انقلابية مضادة.لم يعد هنالك من مجال للمهادنة وخفض سقف المواجهات في مرحلة حيث التهديدات أصبحت وجودية تطال الكرامة الانسانية والسيادة الوطنية، والحيثية الدولتية، وأصول دولة القانون، والتوازنات البنيوية للاجتماع السياسي، والجغرافيا البشرية، والحقوق والحريات التي تؤطرها الشرعة العميمة لحقوق الانسان. هذه هي مرتكزات ومداخل وتحديات الحل السياسي السوي، لأنه يطال الحق بالوجود الذي يأتي على رأس الحقوق الانسانية، وبالتالي لا مساومات في هذا المجال. علينا أن نعي، في هذه المرحلة، حدود المداخلات في الداخل اللبناني وأن اللجوء الى التحكيم الدولي أصبح واجبًا، إذا ما أردنا الخروج من هذه الديناميكية النزاعية المقفلة ومن الظلامية التي تكتنفها.