د. حارث سليمان/انتصارات متناسلة: من القنيطرة… الى حارة حريك

65

انتصارات متناسلة: من القنيطرة… الى حارة حريك
د. حارث سليمان/جنوبية/الاربعاء 06 أيلول 2023

في رابع يوم من الايام الستة لحرب النكسة اي في 10 حزيران 1967 طلب حافظ أسد من محمد الزعبي وزير الإعلام السوري وقتها إذاعة البيان رقم /66/ والذي ينص على إعلان سقوط مدينة القنيطرة مع هضبة الجولان، في حين كانت القوات السورية تتمركز على بعد 25 كم عن القنيطرة، ولم تغادر المدينة إلا بعد عشر ساعات بعد البيان، وفي وقت بقي بعض الضباط الشرفاء يقاتلون لآخر رمق…

اذاعت اذاعة دمشق خبر سقوط مدينة القنيطرة في يد جيش الاحتلال الاسرائيلي، كخبرٍ منقولٍ عن بيان لوزارة الدفاع السورية، التي كان يحتل حقيبتها الى جانب قيادة سلاح الطيران الرئيس حافظ الاسد.

اولُ من اصابه الإعلان باستغراب ومفاجأة صادمة هو القائد العسكري السوري لجبهة الجولان الذي كان يقود كتيبة دبابات تتمركز في مدينة القنيطرة، وكان الجيش الاسرائيلي ما زال بعيدا عن مواقعها وعن مرمى مدافعها مسافات كبيرة، لكن الصدمة لم تتوقف هنا بل استمرت بصدور الأمر ” بالانسحاب من المدينة انسحابا كيفيا” وهي طريقة انسحاب لم تجري دراستها او الاتفاق على معناها، في اية كلية عسكرية درّبت جنودا، او خرّجت ضباطا، او قادة وحدات مقاتلة.

وعندما سئل حافظ الاسد في يومها عن سبب اعلان سقوط القنيطرة في يد اسرائيل، قبل وصول الجيش الاسرائيلي اليها، وقبل ان تشتبك حاميتها مع اية وحدة اسرائيلية مقاتلة، كان تبرير ذلك، ان ” اعلان سقوط القنيطرة كان ضغطا على مجلس الأمن الدولي لتسريع إصدار قرار بوقف إطلاق النار. فقد كانت وزارة الدفاع السورية تصدر بيانات الحرب من اجل قرار دولي تريده الديبلوماسية السورية ووزارة الخارجية.

اما الديبلوماسية السورية ووزارة الخارجية فكان على رأسها السيد ابراهيم ماخوس، والذي اعلن انتصار سورية وهو أمر كان على وزارة الدفاع ان تُبَيِنَهُ وتنشر تفاصيله، اعلن ماخوس فشل العدوان في تحقيق اهدافه، في حرب حزيران!! لان اسرائيل كانت تهدف الى اسقاط النظام التقدمي السوري الذي كان يقوده حزب البعث، برموزه صلاح شديد وحافظ الاسد وامين الحافظ ويوسف زعين وغيرهم، وطالما ان نظام البعث لم يسقط فقد فشلت اسرائيل وهزمت في حرب الايام الستة في حزيران ١٩٦٧. ولم يرف جفن احد في نظام البعث بعد اطلاق جمال عبد الناصر على الحرب صفة النكسة.

طبعا على مدى ثلاثة ارباع القرن بين ١٩٦٧ و٢٠٢٣ لم يثبت ان اسرائيل هدفت الى اسقاط نظام البعث السوري او الى زعزعة سيطرته على سورية، او تشجيع اسقاطه من قبل اية قوة سورية او اجنبية، وقد وصل الامر باحد اعمدة هذا النظام السيد رامي مخلوف الى ان يعلن محذرا ومذكرا، عند اول احداث الثورة السورية سنة ٢٠١١ ان” امن اسرائيل من امن نظام البعث وامن سورية الاسد..

تذكرت تلك المفارقة الكارثية من تاريخنا العربي، وانا اتابع تصريحات وزير خارجية لبنان د. عبدالله ابو حبيب وهو يعلن انتصارا حققه في مجلس الامن واحباطه مؤامرة مدبرة تهدف الى اعتماد الفصل السابع من اجل التجديد لقوات الطوارئ الدولية العاملة في جنوب لبنان، في اطار تنفيذ القرار الدولي ١٧٠١.

لا اعلم من اين اتى وزير خارجيتنا بوجود نية لنقل القرار الدولي رقم ١٧٠١ من الفصل السادس الى السابع، ليوضح لنا معاليه؛ من طلب هذا الامر؟، سفير او مندوب اية دولة اعلن ذلك؟، ضمن اية مسودة قرار لمجلس الامن ورد اقتراح بهذا المعنى!!؟ في اية قاعة او زاوية من كواليس الامم المتحدة اسر ديبلوماسي واحد بالنية لاعتماد الفصل السابع للتجديد لليونيفيل!؟ على حد معرفتنا لا شيء من كل هذا حصل، ولا اثر لاي شبهة في هذا الامر…

على العكس تماما فان مجلس الامن باغلبيته اراد التجديد لقوات الطوارئ الدولية على اساس القرار 2650 الذي صدر في السنة الماضية ٢٠٢٢ ، والذي، تضمن تعديلات من أبرزها عدم حاجة قواته إلى إذن مسبق من أي شخص لأداء مهامها بشكل مستقل، أي من دون مؤازرة من الجيش اللبناني. ولبنان هذه السنة، هو من اراد ادخال تعديلات عليه، تنزع منه نقطتين الاولى ان قوة اليونيفيل لا تحتاج الى اذن مسبق للقيام بواجباتها، وان حركة دورياتها غير مقيدة بمرافقة الجيش لها…

ولذلك فانتصار ابو حبيب في الأمم المتحدة يشبه انتصار ابراهيم ماخوس في الجولان بل قد يضاهيه ويتجاوزه ويبزه…
في انتصار ماخوس الاول استولت اسرائيل على الجولان وانشأت فيها مستوطنات ومزارع واستثمارات، وفي جبل الشيخ محطات تزلج وسياحة، وسباحة في مياه الحمة المعدنية، وتركت لشعب سورية عائلة الاسد تحكمهم بالأمن والفساد والتوريث والاستبداد والفئوية المذهبية، ووقع الأسد منتصرا طبعا، فك اشتباك تشرف قوات الاندوف على تطبيقه، اتاح لاسرائيل امنا لحدودها مديدا ومستقرا، ومَكَّنها من ضم الجولان الى نطاق دولتها، واستحصلت على اعتراف اميركي بقرار الضم هذا…

اما انتصار ابوحبيب فلا يقل مأساوية على انتصار ماخوس فالقرار الدولي ١٧٠١ في نصه الاصلي مساعدة القوات المسلحة اللبنانية في اتخاذ خطوات ترمي إلى إنشاء منطقة، بين الخط الأزرق ونهر الليطاني، خالية من أي عناصر مسلّحة، او موجودات وأسلحة غير تلك التابعة لحكومة لبنان وقوة اليونيفيل المنتشرة في هذه المنطقة…

وبموجب هذا القرار، أذن المجلس أيضاً لقوة اليونيفيل اتخاذ جميع الإجراءات الضرورية في مناطق انتشار قواتها وحسبما يقتضيه الوضع في حدود قدراتها، لضمان عدم استخدام مناطق عملياتها لأي أنشطة عدائية من أي نوع كان؛ ومقاومة المحاولات التي تهدف الى منعها بالقوة من القيام بواجباتها التي نص عليها تكليف مجلس الأمن… وحماية موظفي ومرافق و منشآت ومعدات الأمم المتحدة، وكفالة أمن وحرية تنقل وحماية المدنيين المعرضين وينص القرار الدولي في نسخته الاولى التي قبلها حزب الله سنة ٢٠٠٦ على ان المنطقة العازلة الواقعة بين الليطاني والخط الازرق يجب ان تكون خالية من اي سلاح، سوى سلاح القوات المسلحة اللبنانية الشرعية، وان اي تواجد مسلح لحزب الله في تلك المنطقة هو خرق للقرار الدولي، يتوجب على الجيش اللبناني منعه وازالته دون تهاون او ابطاء…

لم تمض اسابع قليلة على انتشار القوات الدولية والجيش اللبناني في منطقة العمليات الدولية حتى بدأ حزب الله بالحفر تحت بنيان القرار الدولي، ومحاولة تجويفه من داخله، والخطوة الاولى في هذا الاتجاه هو القول ان حزب الله له في كل قرية لبنانية انصارا وعناصر تعمل معه، ولا يمكن للقوات الدولية ان تطالب هؤلاء العناصر باخلاء بيوتهم والرحيل عنها، ولذلك فان تفريغ منطقة عمل القوات الدولية من عناصر حزب الله وكوادره ومسؤوليه، امر غير منطقي ولا يمكن الالتزام به، وكل ما يمكن فعله هو منع التواجد العسكري لهؤلاء، والانتشار العلني المسلح لقواعد عسكرية او منصات صاروخية او تجهيزات لوجستية ومراكز مراقبة واتصالات…

وعلى الرغم من ان الصورة اصبحت واضحة وبديهية فان حزب الله تابع سعيه لخرق القرار الدولي وتفريغه من اي مصداقية تضمن استقرار الجنوب وامنه، فقد اكتشفت اسرائيل في كانون اول سنة ٢٠١٨ قيام الحزب بحفر اربعة انفاق عسكرية تخترق الحدود اللبنانية الى داخل الاراضي الفلسطينية. وقالت قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (اليونيفيل) إنها أكدت… وجود أربعة أنفاق اكتشفها الجيش الإسرائيلي… بالقرب من “الخط الأزرق”، وقد قامت اسرائيل بتفجير هذه الانفاق بالتنسيق مع اليونيفيل، دون اية ردة فعل من حزب الله او الجيش اللبناني…

توالت وتعددت حوادث خروقات القرار الدولي ١٧٠١ تارة من قبل اسرائيل خاصة بعد قيامها ببناء جدار فاصل على الحدود الدولية ومحاولتها قضم بعض الاراضي وهو ما اثار احتكاكات مع الجيش اللبناني، اضافة الى تسييج الجزء الشمالي من بلدة الغجر السورية، القائمة على اراضي بلدة الماري اللبنانية، واستمرار طلعات الطيران الاسرائيلي فوق لبنان وجنوبه، وطورا من قبل حزب الله عبر قيامه بنشر سلسلة من الخيم والمستوعبات (17 خيمة ) التابعة لمنظمة بيئية تدعى “أخضر بلا حدود” وهي جمعية قامت اميركا بفرض عقوبات عليها لاعتبارها هيئة يتستر حزب الله خلفها، لممارسة اعمال عسكرية تعتبرها اميركا ارهابية، كما توالت حركة ” اهالي حزب الله” في التصدي لدوريات اليونيفيل وشل حركتها في مناسبات عديدة، كان آخر فصولها كمين العاقيبة الذي قتل فيه عناصر من حزب الله، احد الجنود الايرلنديين عقابا لدورية اليونيفل على عدم التزامها برفقة الجيش اللبناني في حركتها.

مع اعلان السيد نصرالله وحدة “ساحات المقاومة”، ظهرت انماط جديدة من تكتيكات تجويف القرار 1701 من معانيه وبنوده، فظهرت راجمة في بلدة شويا تريد قصف صواريخ من داخل البلدة التي تصدى اهلها لطاقمها، كما ظهرت صواريخ أخرى، من داخل منطقة عمل القوات الدولية، تارة يتيمة وأخرى متبناة من طرف في حركة حماس، تطلق من سهول الموز قرب بلدة القليلة في منطقة صور…

مع هذه التطورات وما سبقها من اغتيال لقمان سليم، ثم الياس الحصروني داخل منطقة عمل القوات الدولية، تحولت قوات اليونيفل الى شاهد لا يبصر والى فاعل مشلول الحركة… ولذلك صدر قرار التمديد من مجلس الامن رقم 2695 متضمنا:

١) لا تحتاج اليونيفيل إلى إذن مسبق أو إذن للقيام بالمهام المنوطة بها، وأن اليونيفيل مرخص لها بإجراء عملياتها بشكل مستقل”…

٢) دان مجلس الأمن “بأشد العبارات جميع محاولات منع الوصول أو تقييد حرية الحركة لأفراد اليونيفيل وجميع الهجمات على أفراد اليونيفيل ومعداتها وكذلك أعمال المضايقة والترهيب التي يتعرض لها أفراد اليونيفيل وحملات التضليل ضد اليونيفيل”، ( المقصود أهالي حزب الله) ودعا الحكومة اللبنانية إلى “تسهيل وصول اليونيفيل الفوري والكامل إلى المواقع التي طلبتها اليونيفيل لغرض التحقيق السريع، بما في ذلك جميع المواقع ذات الأهمية، وجميع المواقع ذات الصلة شمال الخط الأزرق المتعلقة باكتشاف الأنفاق التي تعبر الخط الأزرق والتي أبلغت قوة الأمم المتحدة لبنان عن انتهاكها للقرار 1701 (2006)، ونطاقات إطلاق النار غير المصرح بها بما يتماشى مع القرار 1701، مع احترام السيادة اللبنانية”.

٣) طالب المجلس الجانبين “وقف أي قيود أو عوائق أمام حركة أفراد قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان وضمان حرية حركة قوة الأمم المتحدة، بما في ذلك عن طريق السماح بدوريات معلنة وغير معلنة”.

مع كل هذه البنود القاسية، والتي وضعت لبنان في مأزق ديبلوماسي فادح، وقدمت لاسرائيل صورة الضحية التي حلمت بها طويلا، بالرغم من استمرار احتلالها لشمالي الغجر متجاوزة الخط الازرق، على الرغم من كل هذا يعلن وزير خارجية لبنان تحقيق انتصاره، وتنساق اقلام الممانعة، واجهزة إعلام حزب الله وابواقه لستر هزيمة سياسية ودولية، ولتزوير الحقائق وتزييف الوقائع.

قد ينفع الذكاء في خداع بعض الناس، وقد ينجح الابتزاز والاحراج لبعض الوقت في تحقيق مكسب او مطلب، لكن الاكيد انه يستحيل التذاكي وممارسة الابتزاز، والاستخفاف بالالتزامات الدولية، مع كل الناس وفي كل وقت.