موقع درج/كيف مَنَعنا حزب الله من التحرك في الضاحية الجنوبية لدعم الجامعة اللبنانية؟

50

كيف مَنَعنا حزب الله من التحرك في الضاحية الجنوبية لدعم الجامعة اللبنانية؟
موقع درج/05 أيلول/2023

اتخذ الشرخ بين الطلاب والثنائي الشيعي بعداً طبقياً يظهر مجدداً، حيث لم يكن الحزب يوماً في خدمة “المحرومين”، فهو فقط يبحث عن أدواتٍ لبسط نفوذه على الشباب، مستغلاً الأزمة وغياب الحماية الاجتماعية المحايدة، في حين يدمّر الأطر النقابية ويضيق مجال المناورة لأي جهد مستقبلي لتحديه، وخاصةً في سياق منعه للانتخابات الطلابية.

كريم صفي الدين ومحمد الساحلي – ناشطان في شبكة “مدى” الطلابية

بدأت البلبلة بتحرّكٍ بسيطٍ: نُشِرت بعض المناشير “المحرّمة” في الضاحية الجنوبية، مناشير تطالب بالحياةِ والكرامة لشعبٍ فقد التعليم المجاني في ظلّ انهيارٍ فرضه نظام طائفي تحميه ميليشيا تسيطر على هذا النطاق المحلي نفسه.

بدأت القصة ‏عندما تحرّكنا في عدّة مناطق للتواصل بشأن أزمة القطاع التربوي هذه السنة في ظل تفاقم الانهيار، مُنعت “شبكة مدى” الطلابية من استكمال التواصل مع سكان الضاحية الجنوبية، رُغم التفاعل الإيجابي والصحّي في المرحلة الأولى. لبعض أهالي وسكّان هذه المنطقة أبناء لا خيار لهم غير التعليم المجاني، واليوم هذا الخيار أمام احتماليْن: الدولرة أو الإغلاق. بعد منعنا من توزيع المناشير والنقاش، اعترضنا على المنع، ودفعنا ثمن اعتراضنا، لكي نصبح في عيون نُخب حزب الله خلطة ما بين مضللين وصناعة غربيّة مستوردة ومجنّدين عند جورج سوروس ومدمّري المجتمعات الدينية وجواسيس الموساد.

حملةٌ ممنهجة تهدف إلى إسقاط إنسانية المعترضين على ضرب ما تبقى من التعليم المجاني تحت نظام الإنهيار؛ حملة تختلف بطبيعتها عن المعارك الهوياتية والثقافية التي احترفها حزب الله في وجه نقيضه الطائفي في الأسابيع الأخيرة. في الواقع، في ظلّ هيمنة الثنائي الشيعي الكاملة على البيئة، وتحديداً عبر شبكة زبائنية وقتالية ثابتة في قدراتها وتأثيرها المستدام، يبقى البحث عن نقيض حزب الله الطبقي إشكالية موضوعية للقوى اليسارية والتقدمية في لبنان.

سياق الحدث: فقدان التعليم المجاني وغياب الأطر النقابية
لماذا شكل تحركنا سابقة؟، لم تمر على الجامعة اللبنانية أيام أسوأ من أيامنا هذه: غياب شامل للتمويل من دولة منهوبة ومعروضة للبيع، وزير تربية شريك للمصارف ومصالحهم المشتركة، وأموال الأهالي والأساتذة محجوزة تحت إدارة مصرفية عصية عن التغير والمحاسبة. وسط ظروف معيشية قاهرة، أصبح الإحباط واليأس لسان الحال. هذا، بالتزامن مع تباطؤ سرعة النشاط السياسي لدى “المعارضة” ونواب “التغيير”، أدى إلى ضعف الإيمان، إن لم يكن فقدانه، بالقدرة على التنظيم لحماية مصالح الناس.

في الجامعة اللبنانية خاصةً، والجامعات بشكل عام، أحكمت إدارات الجامعات السيطرة على إمكانية الوصول إلى العلم، وعلى حقوق الأستاذة البديهية، مما يهدد تلك المؤسسات بالإقفال التام، وبالتالي أصبحنا أمام أزمة تواجه مستقبل الآلاف من الشباب. مع انهيار الجامعة اللبنانية، يغلق باب التعليم المجاني للقسم الأكبر من المقيمين، مدمراً أجيالاً تزرح أغلبها تحت خط الفقر.

قضى خليط القمع والفقر والتحريض على الأطر التنظيمية للحركة الاعتراضية الطلابية والتربوية النقابية، ومن هنا اتخذ الشرخ بين الطلاب والثنائي الشيعي بعداً طبقياً يظهر مجدداً، حيث لم يكن الحزب يوماً في خدمة “المحرومين”، فهو فقط يبحث عن أدواتٍ لبسط نفوذه على الشباب، مستغلاً الأزمة وغياب الحماية الاجتماعية المحايدة، في حين يدمّر الأطر النقابية ويضيق مجال المناورة لأي جهد مستقبلي لتحديه، وخاصةً في سياق منعه للانتخابات الطلابية.

ما دور إسرائيل في رفض جامعة هارفارد عضوية الأب الروحي لحقوق الإنسان؟

“العقيدة الأمنية” لم تبدأ بحزب الله، بل نراها أيضاً عند خصومه التاريخية: نظام الشاه في إيران، حزب البعث في العراق، ملوك النفط في الخليج، وعند التيارات الفكرية والسياسية القومية والاسلاموية عامةً، في عمقِها خيار سياسي وفلسفي يضع التحرر الوطني و/أو الأمن القومي و/أو “الاستقرار الاجتماعي” في مواجهة الديمقراطية والتقدم الاجتماعي.

ولكن أبدع حزب الله في تطبيقها، وخاصةً عندما حقق إلى جانب تلك العقيدة انتصاراً مادياً عسكرياً في سنة 2000، وصموداً شعبياً في سنة 2006. اليوم، يستثمر حزب الله هذا الماضي في مأسسة مستقبلٍ قائم على “المربعات الأمنية” (كما يسمّيها)، حيث لا مكان للسياسة أو الحياة الديمقراطية ضمن المربّع، وبالتالي يتحوّل المقيم إلى كائن دوره محصور بحياته اليومية المعيشية: يأكل، يشرب، ينام. وإذا أراد أن يبادر في السياسة، يجب أن يبقى ضمن الخطوط المطروحة عليه، أي تلك الخطوط التي تمنع وتحرّم تسييس التناقضات الاقتصادية، وتفرض تسييس التموضع القومي والديني والمناطقي.

تنسجم “العقيدة الأمنية” مع إرث الخميني السياسي، ومع الأيديولوجية المهيمنة التي كرّسها حزب الله مع “الدائرة الصغرى” من المجاهدين والأمنيين، فالسياسة (أي المبادرة السياسية الخلّاقة) ليست نشاطا عاما، بل نشاط خاص لفئة من النخب الذين يعترفون بالأولوية الأمنية.

السياسة أيضاً قائمة على ثنائية أخلاقية واحدة: محور المقاومة ومحور الامبريالية، وخرق تلك الثنائية (كما فعلت الجمهورية الإسلامية في إيران عند توقيع الإتفاق النووي في سنة 2015) هو قرار تتخذه القيادة فقط، أما الفعل السياسي الذي ينقض سياسات حزب الله الاقتصادية والنقابية، هو تلقائياً يصبح في خندق الخيانة.

“إعلان طلاب لبنان” نحو الحريات والعدالة الاجتماعيّة
من هنا، يبرز “إعلان طلاب لبنان”، أي مؤتمر الأندية العلمانية وشبكة مدى، ليس فقط لإعلاء الصوت حول حقوق الطلاب والحريات الإجتماعية والنقابية، بل لإثبات وتكرار الموقف المواجه لهذا الهجوم على التعليم الرسمي، وهذا التغييب الممنهج للصراع الطبقي مع حزب الله. الإصرار على هذا الصراع هو الخطوة الأولى باتجاه مواجهة الصراع الثقافي الذي يريده وينتهزه حزب الله.

أما بالنسبة إلى الخطر الذي نواجهه، كطلاب وأصحاب حق أمام طغيان الميليشيا أمنية والدولة البوليسية، يبقى علينا واجب الإنتظام دفاعاً عن حقوقنا ومساحة حريتنا الآخذة في التقلص. المساومة في هذا الخصوص سيقضي على حقوق الطبقات التي همشت وتهمش تحت وطأة سلاح وإرهاب ثقافي وسياسي.