دراسة تاريخية مهمة لغسان شربل/الشرق الأوسط:شهادات من صيف المصائر والمفترقات حين حاصرت إسرائيل عام 1982 العاصمة اللبنانية واجتاحتها/Asharq Al-Awsat publishes recollections of influential players during 1982 Israeli invasion of Beirut

262

Asharq Al-Awsat publishes recollections of influential players during 1982 Israeli invasion of Beirut.

شهادات من صيف المصائر والمفترقات حين حاصرت إسرائيل العاصمة اللبنانية واجتاحتها 
لندن: غسان شربل/الشرق الأوسط/حلقات ثلاثة نشرت في 29 و30 و31  آب/2023

الحلقة الأولى 29 آب/2023
من مبنى في الشطر الشرقي من بيروت راقب وزير الدفاع الإسرائيلي آرييل شارون، صعود ياسر عرفات إلى باخرة نقلته إلى المنفى الجديد في تونس. توهّم شارون أنه نجح في قصم ظهر المقاومة الفلسطينية وأبعدها لتهرم مع قضيتها بعيداً من الأرض التي كانت تحلم بالعودة إليها. لم ينجح الغزو في استدراج لبنان إلى معاهدة سلام مع إسرائيل. لبنان الحالي أكثر تشدداً حيال الدولة العبرية من لبنان الذي غزته.

على دوي تلك الحرب ستوضع اللبنات الأساسية للتحالف السوري – الإيراني، وعلى الدويّ نفسه تمت ولادة «حزب الله» اللبناني. سوريا التي أرغمها الغزو على سحب قواتها من بيروت عادت إليها بعد سنوات، لتخرج مجدداً في 2005 على دوي اغتيال الرئيس رفيق الحريري. أما الاتحاد السوفياتي الذي كشف الغزو شيخوخته، فلم يعد قائماً، لكن وريثه فلاديمير بوتين يحارب اليوم على أرض أوكرانيا كأنه يثأر من إذلال روسيا بمحاولة إذلال الغرب، ولو أدى ذلك إلى شطب أوكرانيا أو تدميرها.

كنت هناك في المدينة المحاصرة. راودتني لاحقاً فكرة جمع الشهادات والحكايات. التقيت معظم من كانوا في موقع القرار السياسي والأمني. حاولت الحصول على شهادة عرفات نفسه، لكنه اعتذر بذريعة أنه لا يريد أن يعاقب الشعب الفلسطيني بسبب ذكرياته.

قال عرفات في تونس: «ماذا تريد أن أحكي؟ هل أروي لك مثلاً قصة صبري البنّا (أبو نضال) الذي احتضنته تباعاً ثلاث عواصم عربية؛ هي بغداد ودمشق وطرابلس، والذي كان هاجسه اغتيال الفلسطينيين لا الإسرائيليين؟ هل تريدني أن أحكي لك قصة ما سموه انتفاضة في (فتح) وهي تمت بقرار سوري وتمويل ليبي؟ أم تريدني أن أشكو من بعض الممارسات التي أقدمت عليها منظمات فلسطينية وأساءت إلى صورة نضالنا أو تسببت في وصمنا بالإرهاب أو بررت استهدافنا في هذه العاصمة أو تلك؟ أنا لا أقول إن (فتح) كانت بلا أخطاء. جميعنا أخطأنا لكننا حاولنا دائماً ألا نضل طريقنا ونخسر قضيتنا».وأضاف: «عوقب الشعب الفلسطيني كثيراً. عوقب بسبب تمسكه بقضيته. وبسبب انطلاق الرصاصة الأولى. واعتبار المنظمة الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني. وبسبب تمسكنا بعدم تحوّل القضية الفلسطينية ورقة في أيدي آخرين. عوقبت منظمة التحرير حين تشددت وعوقبت حين اعتدلت. هل تريد أن يعاقب الفلسطينيون أيضاً بسبب ذكرياتي؟ لا أريد فتح الجروح. تذكر بالتأكيد أن صحافياً سألني وأنا أغادر بيروت: إلى أين؟ فأجبته إلى القدس. نحن نستعد لموعدنا مع فلسطين والقدس وليس لنا موعد آخر».تذكرت صيف المصائر والمفترقات وعدت إلى الشهادات وقلت أشرك قراء «الشرق الأوسط» فيها.جنرال الـ«كي جي بي» وإيران

في 1980 تلقّى سفير فلسطين في طهران وعضو اللجنة المركزية لحركة «فتح» هاني الحسن، دعوة عاجلة للتوجه إلى بيروت. فور وصوله أبلغه ياسر عرفات: «سنذهب إلى اجتماع في السفارة السوفياتية وأريدك أن تعبّر بشدة وبدقة». فهم الحسن أن عليه أن يعبّر عن رأي عرفات الذي كان يدرك مدى حضور السوفيات في جسم الثورة الفلسطينية، خصوصاً في أجهزتها الأمنية وعواقب قيامه شخصياً برفض مقترحات سوفياتية حساسة.حضر الاجتماع من الجانب الفلسطيني عرفات وعضوا اللجنة المركزية في «فتح»؛ صلاح خلف (أبو إياد) وخليل الوزير (أبو جهاد)، وحضر من الجانب السوفياتي الجنرال «ألكسندر» مسؤول الشرق الأوسط في جهاز الاستخبارات (كي جي بي). الإصرار على الاجتماع بالقيادة الفلسطينية لا بمن يمثلها كان يعني أن موسكو تتوقع أن ينتهي الاجتماع بقرار.تحدث الجنرال «ألكسندر» عن الوضع في المنطقة؛ تحديداً في إيران، لا سيما بعد الدخول العسكري السوفياتي إلى أفغانستان. وفي ختام تحليله، اعتبر أن الوقت حان لتعاون الجانب الفلسطيني مع بلاده لضمان قيام وضع في إيران يسهّل سيطرة الحزب الشيوعي فيها «توده» على مقاليد الأمور. وهذا يعني أن يوسّع الاتحاد السوفياتي سيطرته في المنطقة نظراً لما تعنيه إيران لجهة موقعها وثرواتها. ثم إن الاتحاد السوفياتي كانت تربطه معاهدة «صداقة وتعاون» مع نظام الرئيس صدام حسين.ياسر عرفات في بيروت خلال الاجتياح الإسرائيلي (غيتي)فوجئ الحسن بالطرح وطلب من عرفات السماح له بمغادرة الاجتماع، لكن الأخير رفض وأجابه: «دعنا نتناقش». ردّ الحسن قائلاً: «أنا لا أناقش موقفاً ضد الثورة الإيرانية التي قدّمت لنا خدمات كبيرة جداً»، في إشارة إلى إسقاطها ما كانت عليه العلاقات الإيرانية – الإسرائيلية في أيام الشاه محمد رضا بهلوي. تكهرب الجو وثار الجنرال الزائر وقال: «أنتم لن تخرجوا عن هذه الدائرة ولن تصنعوا شيئاً من دوننا». فرد الحسن: «إن دخولك إيران يعني أن قيمة إسرائيل الاستراتيجية ستزداد بنسبة مليون في المائة لدى الغرب، وبالتالي إيّاك أن تفكر في هذا. نحن من جانبنا سنبذل كل جهدنا من أجل قيام علاقات إيرانية – سوفياتية جيدة. وسبق أن أحضرنا عرضاً من الإيرانيين في شأن أفغانستان وخروج السوفيات منها مقابل التعاون».

توترت أجواء الاجتماع. التزم عرفات والوزير الصمت، وبدا أبو إياد قريباً من الموقف السوفياتي. ورأى الحسن أن الاجتماع كشف الطريقة التي كان السوفيات يتعاملون بها مع الوضع في لبنان وإيران والعراق وأفغانستان ومستقبل الصراعات في هذه الدول.

لقاء في غابة سوفياتية
موعد حساس آخر كان شديد التعبير. في بداية السبعينات عقد في غابة قريبة من موسكو لقاء بقي طويلاً طي الكتمان. في تلك الغابة التقى مسؤول «المجال الخارجي» في «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين» الدكتور وديع حداد، رئيس الـ«كي جي بي» يوري أندروبوف، الذي سيتولى في الثمانينات زعامة الاتحاد السوفياتي. كانت السرية مطلوبة إلى أقصى درجة، فحداد كان يدير منذ سنوات عمليات خطف الطائرات قبل أن يطلق في وجه العالم رجلاً اسمه كارلوس وكان لقبه في التنظيم «سالم». خلال اللقاء طلب حداد بعض الأسلحة النوعية الصغيرة وهو تسلمها لاحقاً قبالة شواطئ عدن.

أول اتصال رفيع بين موسكو والثورة الفلسطينية حصل في 1968 وبمبادرة من الرئيس جمال عبد الناصر. فبعد معركة الكرامة الشهيرة في تلك السنة التي واجه خلالها الجيش الأردني والمنظمات الفلسطينية الجيش الإسرائيلي، استقبل عبد الناصر وفداً من «فتح». حضر اللقاء عرفات وأبو إياد وهاني الحسن. تبلورت خلال الاتصال فكرة إجراء اتصال فلسطيني مع السوفيات. قرر عبد الناصر أن يصطحب عرفات معه في زيارته إلى موسكو. انضم عرفات إلى الوفد باسم مستعار واتُفق على إبقاء قصة الرحلة سرية. بعد ذلك بعامين التقى مبعوث سوفياتي سراً عرفات في أحراج الأردن، وبعده خرجت العلاقة إلى العلن.أدركت موسكو أهمية العلاقة مع الثورة الفلسطينية فراحت تنسج الروابط، الأمر الذي مكّنها بعد سنوات قليلة أن تكون صاحبة ثقل في التأثير على القرار الفلسطيني السياسي والأمني. أبرمت موسكو علاقات وثيقة مع منظمات اليسار الفلسطيني، وفي طليعتها «الجبهة الشعبية» و«الجبهة الديمقراطية»، وكذلك مع الاتجاه اليساري في حركة «فتح»، وكانت حاضرة في الأجهزة الأمنية للمقاومة الفلسطينية، خصوصاً بعدما قدّمت مباشرة أو عبر حلفائها في أوروبا الشرقية مساعدات من قماشة التسليح أو التدريب.هذه العلاقة مع الاتحاد السوفياتي دفعت المقاومة الفلسطينية والأحزاب الحليفة في لبنان إلى استبعاد احتمال أن يقرع الغزو الإسرائيلي للبنان في 6 يونيو (حزيران) 1982، أبواب بيروت ويدخلها. في يوم انطلاق الغزو، التقى في غرفة عمليات المقاومة الفلسطينية في محلة الفاكهاني ببيروت عدد من المسؤولين في «فتح» وفي الحركة الوطنية اللبنانية. كان حاضراً أبو عمار وأبو جهاد وأبو إياد وأبو الوليد (سعد صايل)، وجورج حاوي الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني، ومحسن إبراهيم الأمين العام لـ«منظمة العمل الشيوعي».وداع ياسر عرفات قبل مغادرته بيروت عام 1982 (غيتي)
جرى الحديث عن أن الاجتياح الاسرائيلي قد يكون هذه المرة أوسع من السابق، خصوصاً مع وجود حكومة إسرائيلية يرأسها مناحيم بيغن ويتولى حقيبة الدفاع فيها آرييل شارون. لم يستبعد بعض الحاضرين أن تتخطى قوات إسرائيلية مدينة صور وتتقدم باتجاه مدينة صيدا، لكنهم لم يتوقعوا أن يتوغل الجيش الإسرائيلي أكثر في اتجاه مداخل بيروت. وكان من أسباب هذه القناعة قراءة الوضع الدولي على نحو يترك للاتحاد السوفياتي دوراً كبيراً فيها. يضاف إلى ذلك أن وحدات من الجيش السوري كانت ترابط في بيروت والاشتباك معها يُنذر بإطلاق حرب سورية – إسرائيلية، ما يعني التحرش بحليف لموسكو التي استبعدوا أن تفرّط بموقعها في المنطقة ومصير حلفائها، خصوصاً في ضوء رصيد الثورة الفلسطينية في العالمين العربي والإسلامي.

لم تصطدم القوات الإسرائيلية بالمقاومة التي كانت متوقعة. لم يكن هناك أمر رسمي بالانسحاب؛ لكن حصلت حالة من الضياع رافقتها معارك متفرقة، إلى أن وقعت المواجهات في خلدة على أبواب بيروت، ولم يتأخر الجيش الإسرائيلي في تطويق العاصمة اللبنانية. وأظهرت الأحداث أيضاً أنه لم تكن لدى السوفيات أو حلفائهم، معلومات عن احتمال وصول الاجتياح الإسرائيلي إلى بيروت. والأمر نفسه بالنسبة للقيادة السورية، ذلك أن الوحدات السورية كانت منتشرة في بيروت على نحو لا يوحي بأنها قد تستهدف بعملية تطويق من هذا النوع. وفي مشهد غير مسبوق في تاريخ النزاع العربي – الإسرائيلي، تتالت المفاجآت، وكان أبرزها ما يتعلق بالموقف السوفياتي.

موعد مع بشير الجميل
كان الجيش الإسرائيلي بلغ منطقة الشوف في جبل لبنان حين عقد اجتماع بعيداً عن الأضواء. كلّف أبو عمار الحسن الذهاب إلى ذلك الاجتماع مع قائد «القوات اللبنانية» بشير الجميل في منزل مدير المخابرات بالجيش اللبناني جوني عبده. وكان الجميل من بادر إلى اقتراح الاجتماع لإيفاد رسالة إلى عرفات. قال الجميل في الاجتماع إن الإسرائيليين في الشوف. نظر إلى ساعته وأضاف: «إذا كنتم على استعداد لإلقاء سلاحكم والخروج من لبنان، فأنا مستعد أن أؤمن لكم الخروج السليم والكريم وأريد جواباً سريعاً قبل أن يصلوا إلى بيروت». اقترح الحسن الخروج إلى الشرفة تفادياً لاحتمال وجود تسجيل داخل منزل عبده.

قال بشير الجميل لهاني الحسن: إذا كنتم على استعداد لإلقاء سلاحكم والخروج من لبنان، فأنا مستعد لتأمين الخروج السليم والكريم لكم وأريد جواباً سريعاً قبل أن يصلوا إلى بيروتروى الحسن أنه لاحظ قدراً من الاضطراب في سلوك بشير، وأنه لم يضرب بقبضته على الطاولة مستقوياً بالإسرائيليين. وقال إنه خاطب محاوره قائلاً: «يا بشير، اسمح لي أن أخاطبك بصراحة. أنا ممن يتابعونك، وعملي هو أن أتابعك. أنت مهتم برئاسة الجمهورية وهي لن تأتيك من هذا الطريق. وسجّل عليّ أنكم كما أتيتم بالسوريين لتضربوا الفلسطينيين فأنتم الآن تأتون بالإسرائيليين لتضربوا الاثنين، وستكون نتيجة هذه اللعبة أن نُضرب نحن وتنتهي أنت. في لبنان كثير من الخير ويغري من يدخله. لا الإسرائيلي سيخرج ولا السوري سيخرج. وأنت لا قِبل لك بهذا الطرف أو ذاك… لذلك أقول لك إذا كنت تعتقد أن هذا طريقك إلى رئاسة الجمهورية فأنت تخطئ. بخلاف ذلك إذا فكّرت معنا ومع الحركة الوطنية اللبنانية فإن الفرص ستكون أكبر».

وأضاف: «قلت لبشير أيضاً: من سيقبل باستضافة المسلحين الفلسطينيين؟ الأردن أم سوريا أم غيرهما؟ رد متعهداً بإيجاد حلّ على أن يبقى عدد صغير ويكون تابعاً للجيش اللبناني، أي فكرة الثكنتين التي ظهرت لاحقاً. بعد وصول الإسرائيليين إلى بيروت لم تعد اللعبة في يد بشير ولم يعد قادراً على القبول أو الرفض».وتابع: «بعد عودتي من الاجتماع مع بشير عقدنا اجتماعاً في مكان مهجور. عرف محسن إبراهيم أنني التقيت بشير فطلب إبقاء الأمر سراً عن وليد جنبلاط لأنه سيشمئز. كان أبو عمار يميل إلى عدم قطع الاتصال مع بشير. حصلت مشادة بيني وبين محسن. وكان عنيفاً جداً ولعب دوراً رهيباً في تلك الفترة. المشكلة أن الحركة الوطنية كانت ضعيفة وتريد أن تلعب ورقة الفلسطينيين في مقابل الغطاء الذي كانت تعطيه لهم، ولكن بموقف متشدد ضد سوريا. أنا شخصياً كنت دائماً معارضاً لهذا الموقف».

وليد جنبلاط ونبيه بري يودعان عرفات قبل رحيله إلى تونس (غيتي)روى محسن إبراهيم أنه تشاور مع عرفات وحاوي، وكان الهمّ الأول استكشاف المدى الذي يمكن أن تذهب إليه موسكو في وقف العدوان الإسرائيلي. وكان من الطبيعي أن توكل هذه المهمة إلى حاوي بسبب علاقة حزبه الوثيقة بالسوفيات.

سألت حاوي لاحقاً، فأجاب: «كنت أعتقد أن تصفية الثورة الفلسطينية وضرب الحركة الوطنية قد يشكلان خطاً أحمر عند أحد جانبي المعادلة الدولية، تحديداً الاتحاد السوفياتي والمعسكر الاشتراكي، لكنني بعد شهر وربما شهر ونصف الشهر خرجت بقناعة كاملة أن كل شيء مباح، وأن لا فعل للقرار العربي الرسمي والشعبي ولا أثر للقرار الدولي النقيض. وزادني قناعة ما لاحظته في كل مرة كنت أنظّم فيها لقاء بين السفير السوفياتي المتألم في سفارته والأخ عرفات».

وأضاف: «كنت آخذ عرفات في سيارة مدنية عادية، فنحن مكشوفون للاستخبارات الإسرائيلية والتصوير الإسرائيلي. عندما كنا نجتمع يبدأ القصف الإسرائيلي على محيط السفارة، فننزل إلى الملجأ. القصف كان رسالة من إسرائيل إلى عرفات مفادها: لا تتكلوا على السوفيات».

كان حاوي يأمل في أن تصدر موسكو تحذيراً يقارب التهديد. أن تعلن مثلاً عن إرسال قطعة بحرية إلى قبالة بيروت. أن ترسل على الأقل سفينة لنقل الجرحى. لم يستطع سفير الاتّحاد السوفياتي ألكسندر سولداتوف أن يعد بشيء من هذا النوع. وكان حاوي ينقل خيباته إلى عرفات وإبراهيم.

في الأسابيع الأولى لم يصدّق جورج حبش ونايف حواتمة أن الاتحاد السوفياتي سيتخذ موقف المتفرج. كانا يراهنان على تدخل سوفياتي في صورة ما. لكن الكلام القاطع سيسمعه عرفات من سولداتوف وفي حضور الحسن الذي طلب منه عرفات حضور الاجتماع.

قال عرفات للسفير السوفياتي مستغرباً: «أنا ياسر عرفات أخرج على ظهر مدمرات أميركية؟». رد السفير: «اخرج أنت وكوادرك، المهم المحافظة على الكوادر»
روى الحسن. جاء السفير سولداتوف وقال لعرفات: «اخرج من بيروت». رد عرفات: «كيف أخرج؟». أجابه: «اخرج على ظهر المدمرات الأميركية». قال عرفات مستغرباً: «أنا ياسر عرفات أخرج على ظهر مدمرات أميركية؟». رد السفير: «اخرج أنت وكوادرك، المهم المحافظة على الكوادر». قال عرفات: «والله لو خرجت من هنا لن أطاع، فأنا لست دولة». قال السفير: «إذن ستؤخذ أسيراً بالشبكة»، فرد عرفات: «إن قائداً في مسدسه طلقتان لا يؤخذ أسيراً». لياسر عرفات في الحرب مواقف تاريخية. أفهمَ السفير السوفياتي أن الجلسة باتت شبه منتهية.

عرفات يستقل السفينة التي أقلته إلى تونس من ميناء بيروت (غيتي)
وتابع الحسن: «ذهب السفير السوفياتي لزيارة حبش الذي سأله: متى تتدخلون؟ فأجابه: أي جنون هذا؟ أمن أجل بيروت نُدمّر العالم؟ اخرجوا. قال حبش: كيف؟ فرد السفير: اخرجوا تحت راية الصليب الأحمر. ذُهل حبش وطلب من بسام أبو شريف أن يناديني. سألني هل التقيت السفير السوفياتي، فأجبت: وهل جاءك بورقة النعي؟ يا حكيم منذ سنة ونحن نتحدث عن الهجوم (الإسرائيلي). بعدها اتخذ حبش قراره الشهير وأعلن أنه مع ياسر عرفات. قلت له: التدخل السوفياتي غير وارد، وعلينا أن ننتظر الدور العربي. والواقع أن كل الذين عارضوا (المغادرة) تسابقوا لاحقاً في تسجيل قواتهم بلوائح المغادرين».

المبادرة السعودية لمنع الاجتياح الإسرائيلي اصطدمت برفض السوفيات
«الشرق الأوسط» تنشر شهادات من صيف لبنان الساخن عام 1982 
الشرق الأسوسط/30 آب/2023 (الحلقة الثانية)

في إطار الشهادات التي تنشرها «الشرق الأوسط» عن صيف الاجتياح الإسرائيلي للبنان، عام 1982، يروي هاني الحسن، عضو اللجنة المركزية لحركة «فتح»، أن الفلسطينيين تجمعت لديهم معلومات قبل الاجتياح بسنة تفيد بأن «إسرائيل تعدّ لعدوان واسع على لبنان بهدف ضرب الوجود العسكري للمقاومة».

يقول إن قيادة منظمة التحرير اتصلت بالسعودية التي تجاوبت بسرعة وهو ما تبلور في مبادرة ولي العهد السعودي آنذاك الأمير فهد بن عبد العزيز. يضيف الحسن «أن الهدف من المبادرة كان من أجل امتصاص الحرب المقبلة في لبنان ومنع حصولها. الواقع أن المبادرة تعثّرت لأن الاتحاد السوفياتي أصدر أوامره بعرقلتها».

في الشهور الأولى من عام 1982 بدأت تتوارد إلى مكتب مدير المخابرات في الجيش اللبناني العقيد جوني عبده معلومات عن استعدادات إسرائيلية لتنفيذ عملية اجتياح واسعة قد تصل إلى بيروت. وسأترك عبده يروي.

حصلنا على هذه المعلومات من مصادر لبنانية. وأعتقد أن الدول الغربية نفسها كانت تستقي معلوماتها من لبنان. كانت المعلومات على درجة من الأهمية والوقاحة إلى درجة أنه لم يكن ممكناً تصديقها لدى تحليلها. كانت المعلومات تتحدث عن اجتياح واسع مع رغبة إسرائيلية في تحاشي صدام مع القوات السورية المنتشرة في لبنان. ولم نكن نحن نرى كيف يمكن شن مثل هذا العدوان الواسع من دون الاصطدام بالقوات السورية. وكانت لدينا تساؤلات عن مدى أهمية مغامرة من هذا النوع، خصوصاً في ضوء العلاقات السورية – السوفياتية والمعاهدة الموقعة بين البلدين.

ثم بدأ الحديث عن التواريخ. وتبيّن أن التاريخ الأول كان قبل ثلاثة أشهر من وقوعه. ثم عُدّل وأرجئ إلى يونيو (حزيران). حين أطلعت وزير الخارجية فؤاد بطرس على هذه المعلومات في حضور الرئيس إلياس سركيس، سألني بطرس عمّا أصدّقه من المعلومات، فقلت 10 في المائة فقط. فقال: «عال، ظننت أنك جُننت!». كان تحليل بطرس أن إسرائيل لا يمكن أن تتحاشى الصدام مع سوريا التي يمكن أن تفتح جبهة الجولان ثم يتدخل الاتحاد السوفياتي، واستبعد أن يصل الإسرائيليون إلى هذه الدرجة من المغامرة.

جبهة الإنقاذ الوطني تعقد اجتماعها الأول في قصر بعبدا عام 1982 برئاسة الرئيس إلياس سركيس وحضور رئيس الحكومة شفيق الوزان والنائب نصري المعلوف وبشير الجميل وفؤاد بطرس ونبيه بري ووليد جنبلاط (أ.ب)غادر بطرس القصر، فسألني سركيس هل أصدّق 10 في المائة فقط من المعلومات، فقلت: «لا، إنني أصدّق 90 في المائة منها، لكنني قلت ذلك أمام الوزير بطرس رغم اعتقادي أن الإسرائيليين درسوا سلفاً المسائل التي أثارها». كلفني الرئيس سركيس إطلاع رئيس الوزراء شفيق الوزان على كل هذه المعلومات وأن أُطلع عليها الإخوان السوريين.

أبلغت الرئيس الوزان كما أبلغت العقيد محمد غانم المسؤول العسكري السوري في لبنان، وتأكدت من وصول المعلومات (للجانب السوري). لم يصدّق الإخوان السوريون، وربما استقبلوا المعلومات بحذر كونها جاءت من المخابرات اللبنانية التي لم تكن معهم على علاقات ثقة كاملة. وربما رأوا أن المعلومات مدسوسة نتيجة فقدان الثقة.

حصل هذا قبل أسابيع من الاجتياح. صدرت في ذلك الوقت تصريحات لشخصيات لبنانية قريبة من سوريا تعدُّ هذه المعلومات محاولة تهويل وتخويف غرضها ممارسة ضغوط على المقاومة لدفعها إلى تسهيل انتشار الجيش اللبناني في الجنوب. والواقع أن الحل لتفادي الاجتياح كان انسحاب الفلسطينيين من الجنوب وانتشار الجيش فيه. حاولنا ذلك مرات عدة، لكن أبو عمار لم يكن في وارد التخلي عن جنوب لبنان. فقد رفضت منظمة التحرير البحث في الموضوع جملة وتفصيلاً.

عرفات على الخطوط الأمامية للقتال في بيروت (غيتي)أُطلق النار على السفير الإسرائيلي في لندن شلومو أرغوف فبدأت الغارات الإسرائيلية على لبنان وتلاها الاجتياح في السادس من يونيو. ظن كثيرون أن العملية محدودة، لكن المعلومات التي كانت متوفرة لدينا تشير إلى غير ذلك. بعضهم استند إلى تصريحات مسؤولين إسرائيليين للقول إن العملية محدودة. والواقع أن المسؤولين الإسرائيليين لم يكونوا على اطلاع على المدى الذي ستتخذه العملية. فوزير الدفاع الإسرائيلي آرييل شارون وحده كان يعرف السيناريو وإلى أين سيصل. قبل الاجتياح، قام شارون سراً بعمليات استكشاف في مناطق بجبال المتن قبالة بيروت. جاء بواسطة طائرات هليكوبتر، في حين جاء آخرون بحراً.

يعرب عبده عن أسفه لأن السلطة اللبنانية لم تتمكن من إقناع منظمة التحرير باتخاذ ما كان يمكن أن يساعد على تفادي الاجتياح. ويعرب أيضاً عن أسفه لأن الجانب السوري لم يأخذ على محمل الجد المعلومات التي أوصلها إليه الجانب اللبناني.

كانت دولة ياسر عرفات أقوى على أرض لبنان من الدولة اللبنانية/وزير الخارجية اللبناني الأسبق فؤاد بطرس
دولة ياسر عرفات ورحلة العذاب الطويلة

رجل آخر كان يؤلمه أن لبنان لم ينجح في تفادي كارثة الاجتياح رغم الجهود التي بُذلت. إنه فؤاد بطرس، وزير الخارجية في تلك الحقبة. بعد إغلاق آلة التسجيل، قال: «أريدك كصحافي أن تعرف القصة بايجاز. كانت (دولة ياسر عرفات) أقوى على أرض لبنان من الدولة اللبنانية. وكانت أقوى في العالمين العربي والإسلامي. هذا فضلاً عن الاتحاد السوفياتي والدول الدائرة في فلكه. كنا نلمس من بعض وزراء الخارجية والسفراء تفهماً لحقّ لبنان في أن ينشر جيشه في الجنوب لتفادي هجمات إسرائيلية، لكن هذا التفهم لم يكن يظهر علناً ويُترجم في سياسات هذه الدول. كانت للقضية الفلسطينية قدسية تمنع حتى إثارة تجاوزات المنظمة الفلسطينية التي تعرّض لبنان للأخطار».

وأضاف: «كانت منظمة التحرير تعدُّ وجودها العسكري في جنوب لبنان ورقتها الأخيرة للتذكير بالوجود والمطالب والقضية. لم يكن عرفات مستعداً للتخلي عن هذه الورقة. ولم تكن الدول العربية راغبة في الضغط على المنظمة. وكان الإعلام في المنطقة غير متعاطف مع أي دعوة لبنانية لفرض سيادة الدولة اللبنانية وحدها على أراضيها. ويُضاف إلى هذا كله أن الانقسام اللبناني حول الوجود العسكري الفلسطيني كان عميقاً وعنيفاً وكانت حتى محاولة ضبطه توصم بالخيانة».
رجل آخر أصابته معلومات عبده بالقلق وحاول إقناع نفسه بعدم تصديقها. إنه رئيس الوزراء شفيق الوزان. قلب الأمر. لم يسبق في تاريخ النزاع أن احتلت إسرائيل عاصمة عربية. وهناك الرأي العام العربي والإسلامي. وهناك الاتحاد السوفياتي. وليس من المتوقع أبداً أن تؤيد أوروبا مغامرة مجنونة من هذا النوع. حاورته لاحقاً وشعرت بالحرج. بدا وكأنني دفعته إلى أن يحك جرحاً عميقاً لا يزال يؤلمه.

في 1981 وبعد تبادل القصف الشديد بين الفلسطينيين والإسرائيليين في جنوب لبنان، وما رافقه من غارات، جاءنا المبعوث الأميركي فيليب حبيب وقال: «أحب أن أطمئنكم إلى أننا توصلنا إلى اتفاق لوقف اطلاق النار بين الفلسطينيين والإسرائيليين». ظهر الغضب والاستياء في عيني الرئيس سركيس، رحمه الله. كان بالغ الحساسية تجاه أي اتفاق يمكن أن يضع قيوداً على لبنان وسيادته، وكان شديد التمسك باتفاق الهدنة. قال سركيس لحبيب: «نحن لا علاقة لنا بأي اتفاق من هذا النوع، لدينا اتفاق الهدنة فقط». فتح حبيب فمه مستغرباً قول سركيس. كان لا بد من العثور على مخرج، فقلت لحبيب: «الرئيس سركيس على حق في موقفه، لكنني أقول لك إننا أخذنا علماً». أي إننا أخذنا علماً بالاتفاق لكننا لسنا طرفاً فيه.

آرييل شارون مع قواته في جنوب لبنان خلال الاجتياح عام 1982 (غيتي)أضاف الوزان: «بعد الاجتياح، استدعينا سفراء الدول الكبرى وظهرت مواقف إيجابية وسلبية تبيّن في نهايتها أنه ليس أمامنا غير الرهان على الولايات المتحدة للجم العدوان، أو دفع إسرائيل إلى الانسحاب، حتى ولو كانت متعاطفة مع الغزو أو أهدافه. كان الموقف السوفياتي مفاجأة كبيرة لنا. سارع السفير السوفياتي إلى إبلاغنا ومن دون الرجوع إلى حكومته: «نحن دولة ليست بذات تأثير على إسرائيل». تألمت. فقد كان الاتحاد السوفياتي صديقاً للعرب، وكنا نأمل موقفاً آخر. ذكّرت السفير بانذار بولغانين الشهير (نيكولاي بولغانين، رئيس مجلس وزراء الاتحاد السوفياتي) إبان العدوان الثلاثي على مصر، فاكتفى بابتسامة وامتنع عن الرد. كان كلام السفير السوفياتي واضحاً، ومعناه أن عليكم البحث مع من يستطيع التأثير على إسرائيل، أي الولايات المتحدة. بدت قدرة الأوروبيين محدودة بدورها. كنا نتمنى لو كانت هناك قوة عربية قادرة على التدخل وقلب مسار الأحداث، لكن الواقع كان غير ذلك. وهكذا صرنا تحت نار العدوان الإسرائيلي، وأمامنا الوسيط الأميركي وبدأت رحلة العذاب الطويلة.

أغمض الوزان عينيه لبرهة واسترجع المحطة المؤلمة. «حوصرت بيروت وانهالت عليها الحمم براً وبحراً وجواً. صحيح أن إرادة البيروتيين واللبنانيين في الصمود كبيرة، لكن المعاناة تجاوزت كل حدود. قطع الإسرائيليون المياه عن العاصمة المحاصرة، ورحت أفكّر بمن أستجير في وجه هذه الوحشية التي لا مثيل لها. اتصلت بالملك فهد بن عبد العزيز وأبلغته أن بيروت تعيش بلا ماء ولا خبز ولا دواء. تألم كثيراً وأبلغني أنه سيعاود الاتصال بي. بعد خمس ساعات، أبلغني الملك فهد أنه تحدّث إلى الرئيس رونالد ريغان طالباً تدخله، وأن الرئيس الأميركي اتصل برئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيغن، الذي وعده بإعادة المياه. وفي تلك الظروف القاسية، اعتبرنا إعادة المياه إنجازاً. أحبّ أن أسجّل هنا أن السعودية لم تبخل على لبنان بأي مساعدة ممكنة».

حزب العمل الصامت
لم أتمكن من الحصول على شهادة الرئيس سركيس عن تلك الأيام. والأسباب عديدة. كان من حزب العمل الصامت، لا من حزب الكلام. وكان واثقاً، انطلاقاً من نزاهته وسلوكه المسؤول، أن التاريخ سينصفه إذا كُتب بأمانة. يضاف إلى ذلك أنه غادر القصر مريضاً فأضيفت أوجاع جسده إلى أوجاعه كرئيس بفعل الانقسامات والعواصف التي ضربت عهده، والتي توّجت بزلزال الاحتلال الإسرائيلي. رأى سركيس بيروت تحترق وتُحاصر وتُستباح. ورأى جنود الاحتلال يقتربون حتى من قصر الرئاسة. كان صوت الدولة وكانت الدولة ضعيفة. وكان صوت الوطن وكان الوطن منقسماً. ويقول أصدقاؤه إنه كان يُحصي الأيام في انتظار موعد المغادرة، رافضاً أي بحث في تمديد ولايته.

هل حاول الجانب الفلسطيني تفادي الاجتياح الإسرائيلي، ومن يتحمّل مسؤولية إفشال تلك المحاولة؟ عثرت على الجواب لدى هاني الحسن. كان عضواً في اللجنة المركزية لحركة «فتح» ومسؤولاً عن الأمن السياسي في الحركة، إضافة إلى حضوره في الحلقة الضيقة للقرار حول الرئيس ياسر عرفات.

آليات إسرائيلية خلال تقدمها في اتجاه بيروت عام 1982 (غيتي)يقول الحسن إن معلومات تجمعت في 1981 تفيد بأن إسرائيل تعدّ لعدوان واسع على لبنان بهدف ضرب الوجود العسكري للمقاومة، وأن وجود إدارة الرئيس رونالد ريغان يسهّل لإسرائيل عملية من هذا النوع. كان الوضع العربي شديد الصعوبة. مصر في شبه عزلة عربية، والعراق غارق في حربه مع إيران. توجهت قيادة المنظمة إلى السعودية وأطلعت المسؤولين فيها على ما تملكه من معلومات. كان التجاوب السعودي سريعاً وكاملاً، وهكذا تبلورت مبادرة ولي العهد السعودي آنذاك الأمير فهد بن عبد العزيز. ويجزم الحسن «أن الهدف من المبادرة كان من أجل امتصاص الحرب المقبلة في لبنان ومنع حصولها. الواقع أن المبادرة تعثّرت لأن الاتحاد السوفياتي أصدر أوامره بعرقلتها… وكلنا يعلم ماذا جرى في القمة العربية في فاس».

روى الحسن ما عدَّه قصة سيطرة السوفيات على القرار الفلسطيني. كل من يريد أن يؤرخ للثورة الفلسطينية بين 1972 و1982 عليه دائماً أن يضع الموقف السوفياتي في الاعتبار، لأن الثورة الفلسطينية عاشت في تلك الفترة مرحلة اللاقرار، حيث كان يسود فقط في النهاية، رغم كل الخلافات وتعدد وجهات النظر، القرار السوفياتي الذي استحكم بالمقاومة الفلسطينية وجعلها تنقسم دائماً إلى موقفين.

تيار مع السوفيات يؤمن أن قدرنا هو معهم، ويبذل كل جهده لمناقشة السوفيات وتطوير موقفهم لكنه في النهاية يتبنى الموقف السوفياتي. كانت قوة السوفيات في مواجهة التيار الآخر تنبع من سيطرتهم على أجهزة الأمن في المنظمات الفلسطينية، وبخاصة جهاز الأمن الموحد التابع للأخ صلاح خلف (أبو إياد) ومعه اليساريون في «فتح»، مثل المناضل الكبير ماجد أبو شرار ومحمود عباس (أبو مازن) الذي لعب، رغم أنه ليس يسارياً في بنيته الداخلية، دوراً مهماً في تبني وجهة نظر السوفيات. لقد دفعه أبو إياد إلى أن يصبح رجل العلاقة مع السوفيات وملزماً قبول هذا الموقف، هذا إضافة إلى أبو صالح (نمر صالح)، وعضو اللجنة المركزية سميح عبد القادر محمد أبو كويك؛ المعروف بـ«قدري».

في المقابل كنا مجموعة أخرى على رأسها الأخ ياسر عرفات، الذي كان يمثّل الوسط. وأنا لا أقصد أنه لا يأتمر في النهاية بالأمر السوفياتي لأنه كان يساير ويمشي. وكان أيضاً أمير الشهداء خليل الوزير أبو جهاد وفارس الفرسان سعد صايل وأبو السعيد. وكنت أنا ممثلاً للتيار الفلسطيني المستقل، الذي يبحث عن مصالحه سواء كانت عند السوفيات أم عند غيرهم. ومن دون فهم هذه العلاقة مع السوفيات لا يمكن فهم ما دار وراء الكواليس.

تابع هاني الحسن روايته. في 1982 جاءتنا معلومات من مصادر لبنانية صديقة. والحقيقة هي أن الرئيس أمين الجميل، وكان نائباً يومها، لعب دوراً مهماً في تنبيهنا أن الإسرائيليين آتون إلى بيروت. وكان كلامه شبه موثّق، وقد لعب بعض الإخوة دوراً مهماً في هذا الموضوع. إضافة إلى ذلك كان لدينا مصدر إسرائيلي مهم يديره الأخ أبو جهاد وكان في غاية الأهمية بالنسبة لنا. زودنا هذا المصدر بتفاصيل عن الهجوم المقبل الذي كان يفترض أن يحصل في أبريل (نيسان). إنه مصدر أمني وشبه عسكري ومعلوماته من الدرجة الأولى. ورغم شكوكنا التي استمرت فترة في معلومات المصدر، فإن مجريات الحصار أكدت أنه كان صادقاً معنا إلى أقصى الحدود. ناقشنا المعلومات مع القيادات اللبنانية والإخوة في دمشق ومع الدول العربية. والحقيقة أنه بعد تعثّر مبادرة فاس لأسباب فلسطينية لم يعد هناك مجال لقطع الطريق على العدوان الإسرائيلي.

مظلي فرنسي (بالنظارات) خلال مرافقته موكباً يضم ياسر عرفات خلال انسحابه من بيروت (غيتي)لم تحدث الحرب في أبريل بسبب أمطار غير عادية هطلت، فتأجل الاجتياح إلى يونيو. عندما وقعت الحرب كان هناك انقسام في الرأي. بعضهم اعتقد أن الهجوم الإسرائيلي سيبقى في حدود 45 كيلومتراً داخل الأراضي اللبنانية ثم تتراجع القوات الإسرائيلية. وهذا الرأي كان قوياً في أوساط الحركة الوطنية اللبنانية وموقفها كان مهماً جداً بالنسبة إلينا. كان لدينا في «فتح» قرار دائم باستمرار التعامل والتفاهم، أي أن نختلف ولا نفترق. لم يعتقد الإخوة السوريون أيضاً أن الهجوم سيصل إلى بيروت والبقاع. أقول هذا في ضوء اللقاءات التي عقدها مع الإخوة السوريين العميد سعد صايل وقياديون آخرون.

منذ 1972 وحتى 1982 كان لعرفات أسلوب للعمل يقوم على أن له مجموعته التي تناقش معه القضايا وتنفذها. بعد المناقشة، نذهب إلى اللجنة المركزية أو المجلس الثوري فنعدل القرار أو نزيد عليه. كانت مجموعة أبو عمار الأساسية في 1982 التي تطلع على آرائه ومواقفه وتوجهاته تضم إليه أبو جهاد وسعد صايل وأنا، وكان من خارج اللجنة المركزية المسؤول عن الاستخبارات العسكرية أبو الزعيم، وكان عضواً مهماً في عملية تقويم المواقف.

حصل الحصار وأبلغني أبو عمار أن علينا أن نقاتل ستة أشهر. كان ذلك في اجتماع مجموعة العمل فقط، لأن أبو عمار وأبو إياد كانا لا يلتقيان تقريباً طول فترة الحرب. ولهذا الجو خلفية تاريخية. كان أبو إياد يريد أن يمحو سبتمبر (أيلول) 1970 في الأردن بتشنج ظاهر في المواقف. وهنا نعود إلى السوفيات. المهم أننا اتخذنا قراراً سرياً بالقتال ستة أشهر، وطلب مني أبو عمار القيام بالعمل السياسي. أي أنه طلب مني أن نحرّك العمل السياسي، ولكن من دون الرجوع باتفاق. بمعنى أن نفاوض كي نفاوض، ثم نرى موازين القتال والوضع الدولي وموازين التدخل السوري.

عرفات: لن أعطي القيادة السورية انتصار صمودنا في بيروت
“الشرق الأوسط” تنشر شهادات من صيف الاجتياح الإسرائيلي عام 1982
الشرق الأوسط/31 آب/2023 (الحلقة الثالثة)

في صيف 1982 تكاثرت المشاهد والمنعطفات. لم يكن أمام المقاومة الفلسطينية غير الخروج من بيروت التي يطوّقها الجيش الإسرائيلي. رأى ياسر عرفات أن مرحلة كاملة قد طُويت. قرر المغادرة بحراً رافضاً سلوك طريق بيروت – دمشق. في العقد التالي، سيعيد القضية إلى ترابها. إلى أرض فلسطين. أعاد الربط بين المصيرين الإسرائيلي والفلسطيني. لن تنعم إسرائيل بالاستقرار ما لم يعش الفلسطينيون في دولتهم. وفي ذلك الصيف، أطلق جورج حاوي ومحسن إبراهيم نداء المقاومة الوطنية اللبنانية (جمول) من منزل كمال جنبلاط في المصيطبة في 16 سبتمبر (أيلول) 1982. وقبلها انتُخب بشير الجميل رئيساً للجمهورية في 23 أغسطس (آب) 1982، ثم اغتيل في 14 سبتمبر قبل الإمساك رسمياً بالقصر، وتلا ذلك وقوع مجازر صبرا وشاتيلا. بعد أربعة عقود، يقاتل الفلسطينيون على أرضهم في معركتهم المفتوحة من أجل قيام دولتهم. في المقابل، سقط اللبنانيون في امتحان الدولة رغم نجاحهم في تحرير أرضهم من الاحتلال. شهد لبنان من الانتفاضات والوصايات والاغتيالات ما يفوق قدرته على الاحتمال. يقيم حالياً تحت ركامه. بيروت التي كانت شرفة تكاد تشبه معتقلاً. حزينة. مكسورة. معتمة. منهوبة. كسفينة يتيمة التهمها القراصنة وقرروا إغراقها لإخفاء بصماتهم. المدينة التي عاندت صيف الغزو الإسرائيلي تضج بالفقراء والخائبين والخائفين. لا يتفق اللبنانيون على تاريخهم ولا يتفقون على مستقبلهم. جزر متنافرة الأحلام والأوهام والقواميس والمرجعيات. لنترك هذه الجروح الآن علّنا نزورها لاحقاً. لنرجع إلى صيف المشاهد والمفترقات.

قوات إسرائيلية على طريق بيروت – دمشق إبان الاجتياح (غيتي)سألت رئيس الوزراء اللبناني إبان الاجتياح الإسرائيلي لبيروت شفيق الوزان عن ذلك الصيف القاتل ففتح باب الذكريات. في أواخر يونيو (حزيران) 1982 عرف من ياسر عرفات أن المقاومة الفلسطينية مستعدة للخروج من بيروت. يعتقد الوزان أن القيادة الفلسطينية «أدركت منذ الساعات الأولى لحصار بيروت حدود العمل العسكري الذي تستطيع القيام به، وصار همها توظيف فترة الصمود الممكنة في تحقيق مكاسب دبلوماسية وسياسية». والواقع أن المنظمة لم تكن قادرة على السير إلى ما لا نهاية في معركة بلا أفق.

بعد أسابيع من بدء الغزو، ظهر أن الاتحاد السوفياتي ليس في وارد القيام بأي خطوة دراماتيكية، وأن مجلس الأمن لن يستطيع التحرك بحرية. ولم يبق إلا الجانب الأميركي الذي يستطيع ممارسة ضغوط على الجانب الإسرائيلي طبعاً في مقابل ثمن لا بد من دفعه، وهو الموافقة على بعض الشروط. لم يكن باستطاعة أحد اتخاذ قرار بتدمير بيروت تدميراً كاملاً، فضلاً عن أن نهاية القيادة الفلسطينية في معركة من هذا النوع سترتب انعكاسات بالغة السلبية على القضية نفسها.

أبلغ الوزان المبعوث الأميركي فيليب حبيب في 3 يوليو (تموز) أن منظمة التحرير وافقت على خروج قواتها. يتذكر أن حبيب التفت إليه وقال: «هل لديك في خزانتك مستند يثبت تعهدهم بالخروج؟». أجاب الوزان أنه لم يخطر بباله الحصول على مستند ولم يطلب شيئاً من هذا النوع، فأتاه رد المبعوث: «أنا متأكد أن الإسرائيليين يصرون على تعهد خطي بالمغادرة. سبق أن طلبوا مني ذلك لأن ثقتهم بالقيادات الفلسطينية قليلة». وحين نقل الوزان رسالة حبيب إلى القيادة الفلسطينية «حصلت خضة كبيرة».

صائب سلام مجتمعاً مع ياسر عرفات (أرشيف صائب سلام)
يروي رئيس الوزراء الأسبق أن القيادة الفلسطينية كانت تحاول تفادي إعطاء تعهد خطي. يقول: «خلقت المطالبة بالتعهد حالة من الغضب والإرباك». أذكر أن حواراً ساخناً دار في اجتماع عقد في دارة الرئيس صائب سلام (رئيس الوزراء اللبناني الأسبق). تحدث عرفات وكأن اللبنانيين، وأهل بيروت خصوصاً، تخلوا عن المقاومة. لم يستطع صائب سلام أن يتحمل مثل هذا الكلام، وقال له: «بعد كل الذي قدمته بيروت تقول مثل هذا الكلام. وبعد الذي قدمه لبنان نسمع مثل هذا الكلام. ألا ترى الخراب الذي لحق بالبلد. أنت لا تستطيع النوم في مكان واحد وتذهب من هنا إلى هناك. هل تريد أن تتهدم بيروت نهائياً ويتشرد أهلها؟». انفعل صائب سلام وفتح الباب ونادى الصحافيين وقال لهم: «اكتبوا على لساني: نحن نريد قتل الفلسطينيين وتشريدهم ونحن…». سارع أبو عمار (عرفات) إلى الصحافيين وطلب منهم عدم نشر أي شيء من هذا الكلام وأخذت من الصحافيين أشرطة التسجيل.

الحقيقة أن الرئيس تقي الدين الصلح (رئيس الوزراء اللبناني الأسبق) طرح في اجتماع سؤالين على القيادة الفلسطينية: «هل لديكم سلاح لم تستخدموه حتى الآن في هذه الحرب؟ إن كان لديكم فنحن معكم ونضحي معكم. هل وعدتكم دول بأن تدخل الحرب إلى جانبكم وأن تدخلها سيجعل النصر شبه حاصل؟ فإذا كان لديكم مثل هذا الوعد نحن معكم. أما إذا لم يكن لديكم ذلك السلاح وذلك الوعد فحرام يا أبو عمار أن تتدمر بيروت التي أعطت وتعطي». في النهاية، وافق الفلسطينيون على الخروج ومسستلزماته. كل ذلك كان مؤلماً لي، والكلام لا يزال للوزان. كانت المقاومة الفلسطينية هي الأصل بالنسبة لنا، وقد دعمناها ووقفنا إلى جانبها وأحياناً إلى حد تجاهل بعض أخطائها والحساسيات اللبنانية.
عرفات وسلام… صدام انتهى بهدية

صائب سلام (يسار الصورة) وعرفات وبيار الجميل وكمال جنبلاط خلال مناسبة رسمية في بيروت في مطلع السبعينات (غيتي)حين بدأ الغزو الإسرائيلي، قرر مجلس الوزراء اللبناني وضع كل الإمكانات تحت تصرف الجيش اللبناني. لكن كان هناك نوع من التسليم الكامل أن تصديه للآلة العسكرية المدمرة سيعرضه لعملية سحق كاملة، مما قد يؤدي إلى تقسيم البلاد، خصوصاً في ظل وجود ميليشيات متناحرة. وعندما اقترب الجيش الإسرائيلي من بيروت وطوّقها، راودت الوزان رغبة في الاستقالة. اعتبر الرئيس صائب سلام أن المرحلة لا تسمح بانقسام الحكم أو شلّه، فقدم للوزان دعماً كاملاً أقنعه بصرف النظر عن الاستقالة. وسيكون موقف سلام في تلك المرحلة موضع إشادة من خصومه، وبينهم محسن إبراهيم الأمين العام لمنظمة العمل الشيوعي وجورج حاوي الأمين العام للحزب الشيوعي.

تذكر سلام تلك الأيام. كان آرييل شارون في 1982 يريد هدم بيروت على رأس الفلسطينيين ورأسنا معاً. بذلت جهوداً حثيثة وكان همي أن تسلم المقاومة الفلسطينية ويسلم بلدنا. تعالت أصوات آنذاك تقول إنه رمانا في الخارج من أجل إنقاذ بلده. هذا غير صحيح. لقد خرجوا بسلاحهم معززين وهم يرفعون شارة النصر وقمت بوداعهم على المرفأ وتوجهوا إلى أماكن أخرى لمتابعة العمل من أجل قضيتهم. كانت هجمة شارون ضارية. وكنت أطل من منزلي فأرى اللهب من البر والبحر والجو.
حصلت صدامات عدة مع أبو عمار. وخرجت غاضباً ذات يوم لكنني رفضت أن ينشر التلفزيون الصورة لأنني أردت عدم تهييج المشاعر. مع ذلك جاء عرفات قبل أن يغادر وودعني. كان يحمل تحت إبطه «عصا المارشالية». أصر على تقبيل يد زوجتي تميمة وقال هذا أثمن ما عندي أقدمه لك عرفاناً بالجميل. وترك معظم أغراضه عندنا.

مواقف لبنانية – فلسطينية من الاجتياح
استعاد جورج حاوي المواقف في بيروت بعد قيام الجيش الإسرائيلي بتطويقها وإمطارها بقصف متواصل. في قيادات الثورة الفلسطينية وعلى الصعيد الوطني اللبناني كانت هناك ثلاثة مواقف بشكل عام. الأول تخاذلي يرى أنه لا جدوى ولا طائل من استمرار القتال ويجب البحث بسرعة عن حل لإنقاذ ما يمكن إنقاذه. كان لهذا الموقف رموز عدة في القيادة الفلسطينية، ما يسمى باليمين الفلسطيني، أكثر من مرة كانت وجهات نظر الأخ هاني الحسن شديدة المرونة في هذا السياق. الموقف الثاني كان رمزياً نظرياً ورومانسياً وتحدث عن تحويل بيروت إلى ستالينغراد مثل موقف الدكتور جورج حبش (الأمين العام لـ«الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين»). وكنت في الشهر الأول من هذا الرأي. أبو جهاد (القيادي الفلسطيني أحد مؤسسي حركة «فتح» خليل الوزير) تميز بأنه لا يعطي رأياً، بل يمارس على الأرض، أي أنه يمارس على أساس ستالينغراد من دون أن يعلن. التيار الثالث هو التيار الواقعي وكان يعرف أن المعركة محدودة، وأن هدف القتال هو تحسين شروط الحل السياسي. وقد قوي هذا التيار بعدما تبين أنه لا فرصة لموقف دولي يوقف آلة الحرب الإسرائيلية.

عرفات على الخط الأمامي للقتال في ضاحية بيروت الجنوبية (غيتي)ليس صحيحاً أنني تسببت مع محسن إبراهيم في إطالة الحرب بذريعة انتظار الموقف السوفياتي. كان محسن مثلنا متشدداً في الشهر الأول، لكنه سلك طريق الواقعية لاحقاً. وكان هذا موقف وليد جنبلاط أيضاً. والحقيقة هي أن عرفات كان الأكثر واقعية بيننا. كان يهزأ بادعاءات تعد بتغييرات عربية وعالمية ولكنه كان يبالغ أحياناً في تصوير الخلل الفاضح في نسبة القوى وفي استصغار عامل الصمود الداخلي، الأمر الذي كان يجعلنا نخشى من أنه يمهد لتنازلات غير مبررة.
سألت حاوي عمن عارض الخروج من بيروت، فأجاب: «فعلياً لا أحد. لا من الفلسطينيين ولا من اللبنانيين. كانت الأمور تبحث حول الخروج وظروف الخروج».

عرفات يرفض منح هدية لحافظ الأسد
لا تتفق رواية أحمد جبريل الأمين العام لـ«الجبهة الشعبية – القيادة العامة» مع روايات الآخرين. سألته ذات مرة في دمشق عن الصيف الحار وتركته يروي.

شعر ياسر عرفات أن الموقف الفلسطيني صلب في موضوع الخروج من بيروت فدعا إلى اجتماع للقيادة بحضور القيادات اللبنانية مثل وليد جنبلاط وإبراهيم قليلات ومحسن إبراهيم وعبد الرحيم مراد وتوفيق سلطان. تحدث أبو عمار أنه تلقى عرضاً يتعلق بخروج الفلسطينيين وأنه رد بعدم قدرته على الإجابة قبل معرفة رأي الفلسطينيين واللبنانيين. تحدث محسن إبراهيم وإبراهيم قليلات وعبد الرحيم مراد. كان موجز كلامهم: لقد أعطيناكم كل لبنان فاعطونا بيروت. ظل وليد جنبلاط ساكتاً ولم يتكلم لا سلباً ولا إيجاباً. وكان نبيه بري (رئيس حركة «أمل» اللبنانية) حاضراً ولا أذكر ماذا قال لكنني شعرت أن مشاعر نبيه هي «الله معكم ومع السلامة»، أي مؤيد للخروج. بعضهم راح يلمح إلى أنكم لم تقاتلوا في الجنوب فلماذا تقاتلون في بيروت؟

كان الاجتماع الذي عُقد في منطقة المزرعة عاصفاً فعلاً… عندما طرحنا فكرة طرح اجتماع جديد لم نلمس حماسة من الإخوان. كان موقف «الحزب السوري القومي الاجتماعي» صلباً. جنبلاط لم يتحدث سلباً. الشيوعيون ومحسن إبراهيم ونبيه بري وقليلات كانوا مع عرفات. كان الاجتماع بمثابة طعنة في الظهر. آخر ما كان يتخيله المرء هو أن ينسحب البساط من تحت قدميه بهذه الطريقة. بعدها قاطعت الاجتماع وكلفت طلال ناجي الأمين العام المساعد أن يتابع الاجتماعات. قاطعت لأننا صرنا في موقعين وبدأت المواقف الحادة.

عرفات يزور أحد مواقع مقاتليه ببيروت في 26 يونيو 1982 (غيتي)فتحت أسئلتي جروح الكراهية بين عرفات وجبريل، فاسترسل الثاني. قرر عرفات المغادرة لكنه كان يبحث عن عذر لعدم المغادرة عبر سوريا. سألناه عن السبب الذي يدفعه إلى تشتيت القوات وإرسال بعضها إلى تونس والجزائر فرد أنه غير واثق من موافقة سوريا على استقبالهم. كتبت مع جورج حبش ونايف حواتمة رسالة إلى عبد الحليم خدام، وكان وزير الخارجية (السوري) آنذاك. بعد أربع وعشرين ساعة جاءنا الجواب عبر اللاسلكي. اجتمعت القيادة القطرية لحزب «البعث» برئاسة الرئيس حافظ الأسد ووافقت على استقبال من يريد من الفلسطينيين بما في ذلك «جبهة التحرير العربية» التابعة للعراق. قرأت لعرفات نص البرقية فأجاب: «أنا لا أتعامل بالبرقيات. المفروض أن تصدر الحكومة السورية بياناً رسمياً».

اصطدمنا. قلت لعرفات: «مضت ثلاثة أشهر وأنت لا تترك فرصة إلا وتستغلها لانتقاد سوريا مواربة وتلميحاً، سواء مباشرة أو عبر جماعتك. سوريا تخوض المعركة معنا ودفعت 90 طائرة وآلاف الدبابات والعربات المدرعة والجنود وأنت تتصل هنا وهناك في العالم العربي. لو كانت النجدات ستصلنا سيراً على الأقدام لوصلت. هل تترك حليفك الموجود في حمانا وبعض جنوده في بيروت وتروح تهاجمه؟ هل مطلوب منك أن تصطدم مع سوريا؟»، تكهرب الجو وانتهى الاجتماع.

اتصلنا مجدداً بدمشق. وبعد ساعتين تلقينا برقية تطلب منا الاستماع إلى نشرة الأخبار في الإذاعة السورية. أذيعت الموافقة وسجلنا. دعونا إلى اجتماع للقيادة وأسمعنا عرفات التسجيل، فخاطبني قائلاً: «يا أبو جهاد، انتصار ثلاثة أشهر صمود في بيروت هل أعطيه للقيادة السورية؟ لا، أنا معطيهوش (لا أعطيه) وأنا لا أضع كل البيض في سلة واحدة». هاني الحسن نفسه قال في تلك الأيام: «لقد زرعنا والآن وقت الحصاد. انتهى موضوع الكفاح المسلح وليس أمامنا إلا أن نقطف ما زرعنا وإلا أكلته الرياح». بعد عام عاد عرفات إلى طرابلس لاستفزاز سوريا. حاصرناه لكنه خرج في النهاية. ولاحقاً سيقول لي أبو حازم (حكمت الشهابي رئيس أركان الجيش السوري) ليتك أنهيته هناك وأرحت الجميع منه.

ذهبت الكراهية أبعد. قال جبريل وقت لقائنا: «استمع كل صباح إلى الإذاعة علّها تزف لنا نبأ قيام إسلامبولي فلسطيني على غرار ما حصل مع السادات (في إشارة إلى اغتيال الضابط المتطرف خالد الإسلامبولي الرئيس المصري الراحل أنور السادات)». سألته إن كان أرسل شخصاً مكلفاً باغتيال عرفات، فنفى. لكنه قال إنه واثق أن الإسلامبولي الفلسطيني سيطل.

حبش والخروج ودمشق
وفي دمشق أيضاً، حملت أسئلة كثيرة إلى جورج حبش. استجمع ذاكرته وحكى. قرار الخروج من بيروت شاركت في اتخاذه الغالبية الساحقة من قيادة المقاومة وأنا واحد منهم. ما بلور قرار الخروج هو الواقع، خصوصاً بعد اشتداد الحصار، إذ أصبح لا بد من أخذ حالة الجماهير اللبنانية في الاعتبار، وكذلك موقف الحركة الوطنية اللبنانية. بالطبع اخترت الذهاب إلى دمشق لأنني مدرك أنني أستطيع عبرها الاستمرار في ممارسة الكفاح المسلح وإعادة بناء الجسم العسكري للجبهة وكذلك أستطيع المشاركة بفاعلية في أعمال المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي للبنان.

كانت في ذهني المساومة السياسية التي سيدخل فيها أبو عمار بعد الخروج من بيروت، وذلك بوضعنا جميعاً أمام الأمر الواقع عبر مقولة إنه لم يعد أمامنا سوى القبول بما هو مطروح علينا من مبادرات أميركية لحل القضية الفلسطينية. لأن الصراع مع إسرائيل وفق رؤية أبو عمار لم يعد ممكناً بعد خسارة الساحة اللبنانية.

أبو إياد وخسارة بيروت

في ليل تونس كان القيادي الفلسطيني البارز صلاح خلف (أبو إياد) حزيناً. خلال حصار بيروت لم تكن علاقته بعرفات في أفضل حالاتها. ومن عادة الرحلات الطويلة المشتركة أن تترك خدوشاً في العلاقات. لكن أبو إياد كان حريصاً على القول إن قرار الخروج أملته اعتبارات عديدة عسكرية وسياسية وإنسانية.

عندما بدأ الاجتياح كان قرار المواجهة والتصدي شاملاً في الصفوف الفلسطينية وفي صفوف الحركة الوطنية اللبنانية. والأمر نفسه حين طوق جيش الاحتلال بيروت. كانت قدرة الجيش الإسرائيلي التدميرية عالية وكان من المستحيل كسر الحصار بهجوم ينطلق من الداخل، ولم يكن متوقعاً تلقي مساعدة لكسره من الخارج. قاتل الجيش السوري ببسالة في البدايات وتكبد خسائر كبيرة لكن سوريا كانت غير قادرة أو غير راغبة في تحريك جبهة الجولان والتسبب في حرب واسعة.

لم تكن المقاومة الفلسطينية تقاتل على أرضها وكان عليها أن تأخذ في الاعتبار حاجات الناس ومخاوفهم على أنفسهم وأرزاقهم. ثم إنه لم يكن هناك أي رهان جدي على مجلس الأمن وبعده على الاتحاد السوفياتي نفسه. لا يمكن في ظرف من هذا النوع اتخاذ قرارات انتحارية. هكذا تحول الخروج خياراً إلزامياً.

لم نعثر بعد الخروج من بيروت على بديل لها. لا بديل لهذه المدينة التي أعطت الثورة الفلسطينية الكثير والكثير. المدينة التي تشاركنا مع اللبنانيين في ارتكاب الأخطاء بحقها ولو من دون قصد. ليتنا كنا أقدر خلال وجودنا في لبنان على فهم مخاوف خصومنا وأوضاع حلفائنا. بعد بيروت لم يعد هناك غير الالتفات إلى الداخل وهو ما فعلناه. لا أبالغ إن قلت لك إننا كنا مجرمين في حق بيروت. كيف تسببنا في ضياع هذه الجوهرة. أستغرب كيف سمح اللبنانيون بتدهور بيروت إلى هذا الحد. شاركوا في الجريمة ومن دون قصد أيضاً. كان لخسارة بيروت ثمن لا بد من دفعه.

عباس والمحطة التونسية

لم يكن محمود عباس (أبو مازن) حاضراً في صيف بيروت الحارق. إقامته كانت أصلاً في دمشق رغم عدم اتفاقه في أحيان كثيرة مع علاقاتها الفلسطينية. سألت الرئيس الفلسطيني الحالي ذات يوم عن قصة تونس فاستعاد ما حصل.

أنا أول من وصل إلى تونس قبل أن تصل المقاومة وتقرر الإقامة فيها. اتخذت قراري بالمجيء إليها حين أحكم الإسرائيليون الطوق حول بيروت. شعرت بأن الوضع في لبنان انتهى لجهة وجود الثورة الفلسطينية فيه، وأنها ستنتهي أيضاً إذا ذهبت إلى دمشق. قررت ألا أبقى في دمشق وألا أكون جزءاً من القيادة إذا قررت البقاء فيها. جئت إلى تونس واستأجرت منزلاً ورتبت أموري العائلية على أساس الإقامة في تونس أياً كانت نتائج الحرب وفي كل الظروف.

كانت الخيارات بعد إحكام الطوق على بيروت الآتية: إما أن تنتهي القيادة في بيروت وتنتهي الثورة، وأنا لم أكن مستعداً للاستمرار في إطار أي مجموعة موجودة في دمشق، وإما أن تخرج القيادة إلى دمشق وفي هذه الحالة ستكون أسيرة القرار السوري. قلت أجلس في تونس وأنتظر. إذا كان لي أن ألعب دوراً في المستقبل فسألعبه وإن لم يكن لي دور فلا حول ولا قوة إلا بالله.

أرسلت إلى أبو عمار أن عليه أن يبحث عن مكان غير دمشق. في هذا الوقت بالذات جاءتنا رسالة من الرئيس التونسي الراحل الحبيب بورقيبة وكانت من شقين: الأول شيك بخمسة ملايين دولار مساعدة للفلسطينيين والثاني دعوة رسمية من الحكومة التونسية لكل القيادات الفلسطينية والكوادر كي تأتي إلى تونس إذا رغبت. كان الأمر بمثابة منجاة. أرسلت إلى أبو عمار أقول له: «جاءك الفرج وتستطيع أن تذهب أنت وقيادتك إلى تونس». الحقيقة أنها كانت مبادرة تونسية لا يمكن نسيانها.

قوات إسرائيلية على طريق بيروت – دمشق إبان الاجتياح (غيتي)جاء أبو عمار إلى تونس. كان يشعر بنوع من الغربة والتمزق نتيجة للضغوط التي كان يتعرض لها من إخوانه سواء أعضاء قيادة «فتح» أو القيادات الفلسطينية الأخرى. كان هناك من يحمل عليه ويقول له لقد هربت وابتعدت عن خطوط التماس، ولا يمكن أن تكون مناضلاً على بعد أربعة آلاف ميل، وإنك أصبحت في منفى بعيد. هذا كان يؤلمه كثيراً كما كان يؤلمنا ويزعجنا جميعاً. وكان عرفات يرد أن المسألة ليست مسألة جغرافيا وليست مسألة مسافة. أنا هنا ربما أملك قراري وأستطيع أن أفعل ما أريد، لكنني في دمشق لا أستطيع أن أملك قراري، وبالتالي لا قيمة لوجودي حتى ولو كنت على الحدود. وثبت لاحقاً أن هذا صحيح.

فكرة أخرى راودت أبو مازن قبل المحطة التونسية. كان فاروق القدومي (أبو اللطف) عضو قيادة «فتح» يستعد لزيارة اليونان. طرح عليه أبو مازن فكرة استئجار جزيرة يونانية بانتظار العثور على مقر آخر. إنها فكرة مجنونة وغير واقعية. عرض القدومي الفكرة على رئيس الوزراء اليوناني فلم يتقبلها بأي شكل من الأشكال.

الشاعر والقائد
في بداية التسعينات زار عرفات تشيكوسلوفاكيا التي سارعت إلى خلع ردائها السوفياتي، قبل أن تنشطر. أجرى محادثات مع الرئيس فاتسلاف هافل وكأنه يتدرب على العالم الجديد الذي ولد من انهيار جدار برلين وما تلاه. كان شهر رمضان. طرق مساعدون لعرفات على الأبواب ودعونا – كصحافيين مشاركين في تغطية الزيارة – لتناول السحور مع «الختيار».

عرفات متوسطاً أسامة الباز (يمين) ومحمود درويش في مؤتمر صحافي بالقاهرة عام 1989 (غيتي)استوقفني في السحور حجم الود المتبادل بين محمود درويش وياسر عرفات. بين الشاعر والقائد. كان درويش يقشر الخيار ويقدمه للرئيس الفلسطيني الذي كان يحيطه بنظرات تعكس عمق العلاقات. عاش درويش الصيف اللبناني اللاهب. لم يغادر مع من غادروا لكن اجتياح القوات الإسرائيلية بيروت إثر اغتيال بشير الجميل ومجازر صبرا وشاتيلا وضعه على طريق منفى جديد في تونس ثم باريس.

سألت صديق الرمزين الفلسطينيين ياسر عبد ربه أمين السر السابق للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية عن العلاقة بين الرجلين وتركته يروي.

محمود درويش كان الصوت العلماني الثقافي المتنور والواقعي والحالم للثورة الفلسطينية. كان بالنسبة إلى عرفات مثلما كان المتنبي لدى سيف الدولة مع الأخذ في الاعتبار اختلاف العصر بالتأكيد واختلاف نمط العلاقات بين القائد والشاعر أو السياسي والشاعر بين عصر وآخر. وإذا وضعنا مدائح المتنبي لسيف الدولة جانباً، بقية العلاقة قد تكون متشابهة ومتطابقة، لأن أهم الوثائق التي تؤرخ لنضال ياسر عرفات والثورة الفلسطينية المعاصرة وضعها محمود درويش، من الخطاب الأول لعرفات في الأمم المتحدة الذي أطل فيه على العالم بلغة جديدة قائلاً: «لا تسقطوا غصن الزيتون من يدي».

كان محمود رقيقاً وناعماً في التعامل وكان يحب عرفات. كان يعرف نواقصه وأخطاءه. يعرفها بدقة وعمق. ومن يقرأ رسالة محمود إلى عرفات يرى بين السطور أنه لم يكتب مديحاً مجانياً له، إنما كان يحب فيه رمزيته، بمعنى أن محمود كان يرى أن عرفات قادر على تمثيل الرمز الفلسطيني في شكل متقدم جداً. ثم إنه كان معجباً ببراغماتية عرفات ودهائه السياسي وقدرته على التعاطي مع الأحداث. كان عرفات يسأل دائماً عن محمود إذا غاب مدة عنه. وكان محمود يتحمل دعوات عرفات إلى العشاء لأن عشاء عرفات كان متقشفاً ومن لون واحد ويفتقد أن يكون عشاء شهياً أو فيه الحد الأدنى مما يمكن تسميته شهياً.

كل المحطات الكفاحية الأكثر إضاءة لياسر عرفات سجلها محمود درويش. «مديح الظل العالي» هو ملحمة بيروت التي كان عرفات يعتبرها جوهرة التاج بالنسبة إليه والمأثرة الكبرى في حياته، مأثرة الصمود الملحمي الطويل الأمد في وجه القوة الإسرائيلية الغاشمة. في اعتقادي أن عرفات كان يشعر بأنه يدخل التاريخ المدون والمكتوب من خلال قلم درويش، لهذا كانت مكانة محمود عنده هائلة جداً.

قال عبد ربه إنه كان يطلع درويش على ما يجري في قناة التفاوض التي أدت إلى «اتفاق أوسلو» ويستمع إلى ملاحظاته. بعد الاتفاق حاورت درويش في تونس فأطلق عبارته الشهيرة: «أخاف النظر إلى الخريطة». وكان يقصد أن الجانب الفلسطيني اضطر إلى القبول ببعض الأرض. في موعد لاحق في باريس قال إن عرفات راهن على إعادة القضية إلى التراب الذي يمكن أن تبقى فيه حية بعد رحلة طويلة في المنافي، ولعله كان يراهن على عامل الوقت.

وسألت محسن إبراهيم عما إذا كان هناك خيط يربط بين خروج عرفات من بيروت وموافقته على «اتفاق أوسلو» فحكى. في بيروت خسرت منظمة التحرير آخر موقع لها على خط الاشتباك المباشر مع إسرائيل. يجب أن نضيف إلى ذلك تطورات كثيرة. الغزو العراقي للكويت وانعكاساته على أوضاع المنظمة وعلاقاتها وانهيار الاتحاد السوفياتي واختلال التوازن الدولي. يمكن أن نلتفت أيضاً إلى خوف عرفات من زحف المستوطنات التي راحت تلتهم الأراضي الفلسطينية وغياب إرادة دولية توقف هذا الاتجاه. ويجب ألا ننسى أن عرفات كان يحلم باستعادة أرض فلسطينية، وأن تقوم عليها نواة دولة مع علم وجواز سفر، أن يكون للفلسطينيين بيت على أرضهم. ولا تستبعد أن يكون حلمه أن يوارى في تراب فلسطين.

وعن خروج عرفات بحراً من بيروت، قال إن العلاقة بين عرفات وحافظ الأسد كانت صعبة دائماً وتتميز بشكوك متبادلة. كان الأسد يعتقد أن عرفات لا يقر لسوريا بالدور الأول في الموضوع الفلسطيني ويبحث عن فرصة لإبرام تسوية. وكان عرفات يعتقد أن الإمساك بالورقة الفلسطينية كان من أبرز الأسباب التي دعت سوريا إلى إدخال قواتها إلى لبنان بعدما ساهمت في زعزعة استقراره ليتحول وجودها العسكري فيه لحاجة ماسة. ولاحظ أن عرفات كان يشكل عائقاً أمام رغبة سوريا في الإمساك بالورقة الفلسطينية كما شكّل كمال جنبلاط ذات يوم عائقاً أمام إمساكها الكامل بالورقة اللبنانية.

Asharq Al-Awsat publishes recollections of influential players during 1982 Israeli invasion of Beirut.

Arafat Chose to Fight for 6 Months… Moscow’s Position Was his Greatest Disappointment
London: Ghassan Charbel/August 30/2023
Asharq Al-Awsat publishes recollections of influential players during 1982 Israeli invasion of Beirut.
On this day in 1982, Beirut was besieged by the Israeli army and Palestinian leader Yasser Arafat boarded a ship that took him to his new exile in Tunisia. The Palestinian Liberation Organization’s loss of its last front with Israel would leave its mark on the Palestinians and Lebanon.
As Israel tightened its siege of Beirut, Arafat took a secret decision to carry on fighting for six months until regional and international stances emerged. He was forced to leave Lebanon after 88 days, marking an end of what he described as the “longest Arab-Israeli war.”
The greatest disappointment to the Palestinian resistance and its allies in the Lebanese National Movement came from their Soviet ally. Moscow had refused to deliver a serious warning or send a destroyer off the Lebanese coast or a ship to evacuate the wounded.
Arafat’s insistence that he leave Lebanon by sea, not through Damascus, reflected the extent of the differences between him and Syrian President Hafez al-Assad. Secretary General of the Popular Front for the Liberation of Palestine – General Command (PFLP-GC) Ahmed Jibril recalled that Arafat had bluntly told him that the Syrian leadership will not be credited for him holding out for three months in Beirut.
Asharq Al-Awsat will publish a series of features highlighting the significant developments and recollections of influential players during that heated summer of 1982.
From a building in east Beirut, Israeli Defense Minister Ariel Sharon observed Arafat as he boarded the ship that would take him to Tunisia. He wrongly believed that had broken the Palestinian resistance and that it would fade away in exile. The invasion failed in luring Lebanon to strike a peace deal with Israel. The current Lebanon has an even more hardline position towards Israel.
Against the backdrop of the war, Syria and Iran will lay the foundation of their alliance. Hezbollah would be born in Lebanon. Syria, which had withdrawn its troops from Beirut in wake of the invasion, would redeploy them years later, before again being forced to pull them out in 2005 after the assassination of Lebanese former Prime Minister Rafik Hariri.
In the besieged city, I was determined to record the testimonials of influential political and security figures. I tried to obtain Arafat’s testimony, but he turned down the offer, saying he didn’t want the Palestinian people to be punished “because of his memories.”
In Tunisia, Arafat told me: “What do you want me to recount? To tell you about Sabri al-Banna (Abou Nidal), who was hosted by three Arab capitals, Baghdad, Damascus and Tripoli, and who was obsessed with assassinating Palestinians, not Israelis?”
“Do you want me to tell you about the so-called intifada in Fatah that was backed by Syria and funded by Libya? Or do you want me to complain about the practices of Palestinian groups that tarnished our image of resistance or led to our labeling as terrorists? I’m not saying that Fatah was faultless. We all made mistakes, but we always tried not to lose our way and lose our cause.”
“The Palestinian people have been punished a lot. They were punished for clinging on to their cause and for firing the first shot. (…) The PLO was punished for adopting a hard line and punished when it adopted a moderate approach. Do you want the Palestinian people to be punished because of my memoirs? I don’t want to open old wounds.”
“As I was leaving Beirut, a journalist asked me: ‘Where to?’ I replied: ‘To Jerusalem. We are preparing for our date in Palestine and Jerusalem. We don’t have any other place to be.’”
The KGB general and Iran
In 1980, Palestinian ambassador to Tehran and Fatah central committee member Hani al-Hassan received an urgent call to head to Beirut. Upon his arrival, Arafat told him they were headed to a meeting at the Soviet embassy. Hassan understood that he needed to voice Arafat’s views. He knew how influential the Soviets were in the Palestinian revolution. He knew of the consequences of refusing delicate Soviet proposals.
Other Fatah members at the meeting included Salah Khalaf (Abou Ayad) and Khalil al-Wazir (Abou Jihad). The Soviets were represented by General “Alexander” who was the KGB official overseeing operations in the Middle East. The insistence that Palestinian leaders, not their representatives, be present at the meeting meant that Moscow expected the talks to yield a decision.
General “Alexander” spoke about the situation in the region, especially Iran, in wake of the Soviet military invasion of Afghanistan. He said the time had come for the Palestinians to cooperate with the Soviets to facilitate the Communist Party’s control of Iran. The Soviet Union wanted to expand its power in the region and Iran was a significant prize given its geographic location and resources.
Hassan was surprised with the proposal and asked to be excused from the meeting, but Arafat refused. Hassan said he would not stand against the Iranian revolution that had “offered us several major services,” referring to its severing of Iranian-Israeli relations that were forged under the shah.
Tensions soon erupted and the Soviet general declared that the Palestinians “won’t be able to do anything without us.” Hassan replied: “If the Soviets enter Iran, then Israel’s strategic value will grow a million-fold to the West. So, don’t even think about it. For our part, we will ensure that every effort is made to form good Iranian-Soviet relations.”
Hassan believed that the meeting exposed how the Soviets dealt with the situations in Lebanon, Iran, Iraq and Afghanistan and future conflicts in these countries.
Meeting in a Soviet forest
Another significant meeting was held years earlier. In the early 1970s, head of the PFLP’s External Operations Wadie Haddad met with KGB chief Yuri Andropov in a forest on the outskirts of Moscow. The meeting was held in utmost secrecy because Haddad at the time had been planning plane hijacking operations for years. Haddad asked for weapons from the Soviets, and they were smuggled to him off the coast of Aden, Yemen.
The first high-level contacts between Moscow and the Palestinian revolution took place in 1968 at the suggestion of Egypt’s Gamal Abdel Nasser. Nasser and Arafat traveled to Moscow together on a secret visit. Two years later, a Soviet envoy met with Arafat in Jordan and the relations between the Palestinians and Soviets came out to the open.
Moscow realized the importance of relations with the Palestinians so it forged ties that allowed it in a few years to wield influence in Palestinian political and security decisions. Moscow formed close ties with the Palestinian left, including the PFLP, Democratic Front for the Liberation of Palestine and leftists in the Fatah movement.
These relations led the Palestinian resistance and allied parties in Lebanon to rule out the possibility of Israel invading Beirut. It had already launched its invasion on June 6, 1982, and was advancing on the capital. On the day of the invasion, the Fatah and Lebanese National Movement met in Beirut. Present were Abou Ammar, Abou Jihad, Abou Ayad, Abou al-Walid, Secretary General of the Lebanese Communist Party George Hawi and Secretary General of the Communist Action Organization in Lebanon Mohsen Ibrahim.
They discussed the possibility that the invasion could go beyond southern Lebanon, especially with Sharon as defense minister. They never predicted, however, that the Israeli forces would advance on Beirut and reach its outskirts because Syrian troops were in the capital and any clash with the Israelis could lead to a full-scale war between them. They believed that Israel would not provoke Syria, an ally of Moscow.
They were proven wrong when the Israeli army was met with little resistance and eventually besieged Beirut. It was later revealed that the Soviets and their allies did not have information about the Israeli plans. The Syrians were also in the dark.
Meeting with Bashir Gemayel
When the Israeli forces reached the Chouf area in Mount Lebanon and appeared intent on Beirut, a secret meeting was held between Abou Ammar al-Hassan, head of the Lebanese Forces Bashir al-Gemayel and Lebanese military intelligence chief Johnny Abdo. Gemayel wanted to hold the meeting to deliver a message to Arafat that the Palestinians must lay down their arms and leave Lebanon. “I am ready to secure a safe and dignified exit. I want an immediate answer before the Israelis reach Beirut,” he said. Hassan suggested that they take their conversation to the balcony because they feared Abdo’s house would be wiretapped.
Hassan noticed how worried Gemayel appeared. He told him: “Let me speak to you frankly. I follow you and it is my duty to follow you. I know you have presidential ambitions, but you won’t achieve them this way. You were the one who paved the way for the Syrians so that they could strike the Palestinians. Now, you have brought in the Israelis so that they can strike them both.”
“At the end of this game, we will both be struck, and you will be finished. Lebanon is enticing. Neither the Israelis, nor the Syrians will pull out. You are opposed to both of them. Let me repeat, you are mistaken in thinking this is the way that will lead you to the presidency. Your odds will be better if you decide to side with us and the Lebanese National Movement.”
“Who will agree to hosting the Palestinian fighters? Jordan, Syria or others? He vowed that he will ensure that a small number of fighters would remain and they would answer to the Lebanese army. The game slipped from his hands when the Israelis reached Beirut.”
Hassan later informed Mohsen about the meeting. Mohsen then met with Arafat and Hawi. They were primarily concerned with determining whether Moscow could stop the invasion. Hawi, with his close ties to the Soviets, believed that striking the Palestinian revolution was a red line for both sides the Soviets and Communists. After a month or so, he realized that everything was permissible, and nothing was off limits. Arab countries had no way of influencing international powers.
Hawi was hoping Moscow would threaten Israel to withdraw from Lebanon. He hoped they would send a naval vessel off the coast of Beirut or at least evacuate the wounded. Soviet ambassador to Beirut Alexander Soldatov could promise nothing of the sort. Hawi kept relaying these disappointing stances to Arafat. Hawi and others could not believe that the Soviets would stand idly by as Israel invaded Lebanon.
Arafat was dealt a crushing blow during a meeting with Soldatov. The ambassador told Arafat to leave Beirut, even if he had to board an American destroyer. Arafat was incredulous and refused to leave. He would eventually relent when it appeared that the Soviets would not support him or stand against the Israelis.

Saudi Initiative to Prevent an Israeli Invasion Collided with Soviet Rejection
London: Ghassan Charbel/Asharq Al Awsat/August 31/2023
As part of the reports published by Asharq Al-Awsat on the Israeli invasion of Lebanon in the summer of 1982, Hani Al-Hassan, a member of the Central Committee of the Fatah movement, narrates that the Palestinians had gathered information a year before about Israel’s preparation for a wide-scale aggression against the country, with the aim of eliminating the military resistance.
Al-Hassan said that the PLO leadership contacted Saudi Arabia, which responded quickly, by launching an initiative sponsored by then Saudi Crown Prince Fahd bin Abdulaziz.
“The goal of the initiative was to contain a potential war in Lebanon and prevent it from occurring,” he remarked. But the Saudi endeavor collided with the Soviet Union’s rejection.
In the first months of 1982, information began to reach the office of the Director of Intelligence in the Lebanese Army, Colonel Johnny Abdo, about Israeli preparations to carry out a large-scale invasion that might reach Beirut.
Abdo recounted: “We obtained this information from Lebanese sources. I believe that the Western countries themselves were getting their information from Lebanon… It was about a large-scale invasion with an Israeli desire to avoid a clash with the Syrian forces deployed in Lebanon. We did not see how such a broad aggression could be launched without clashing with the Syrian forces. We had questions about the importance of an adventure of this kind, especially in light of Syrian-Soviet relations and the treaty signed between the two countries.”
At that time, statements were issued by pro-Syria Lebanese figures. They put this information within the framework of intimidation attempts that aim to exert pressure on the resistance to push it to facilitate the deployment of the Lebanese army in the South, Abdo said.
He added that the solution to avoid the invasion lied in the withdrawal of the Palestinians from the South and the redeployment of the army there.
“We tried this several times, but Abu Ammar was not willing to abandon South Lebanon. The PLO refused to discuss the issue in detail,” he underlined.
“The Israeli ambassador to London, Shlomo Argov, was shot, and the Israeli raids on Lebanon began, followed by the invasion on June 6. Many thought that the process was limited, but the information available to us indicated otherwise,” the Lebanese official recounted.
Abdo expressed his regret that the Lebanese authority was unable to persuade the PLO to agree on what could have helped to avoid the invasion. He also noted that the Syrian side did not take seriously the information conveyed by Lebanon.
“Yasser Arafat’s state”… and the long journey of torment
Another man was disappointed with the fact that Lebanon had not succeeded in avoiding the catastrophe of the invasion, despite the efforts that had been made. His name is Fouad Boutros, the Foreign Minister of that era.
After turning off the tape recorder, he said: “I want you, as a journalist, to know the story briefly. [Yasser Arafat’s state] was stronger on Lebanese soil than the Lebanese state. It was stronger in the Arab and Islamic worlds. This is in addition to the Soviet Union and the countries within its orbit. We saw some foreign ministers and ambassadors expressing an understanding of Lebanon’s right to deploy its army in the South to avoid Israeli attacks, but this perception was neither declared publicly, nor translated into the policies of these countries. The Palestinian issue enjoyed sanctity that prevented even raising the transgressions of the Palestinian organization that exposed Lebanon to dangers.”
He added: “The PLO considered its military presence in southern Lebanon as its last card to remind of its existence, its demands, and its cause. Arafat was not ready to give up this card. The Arab countries, for their part, were not willing to put pressure on the organization. The media in the region was insensitive to any Lebanese call to impose the sovereignty of the Lebanese state alone on its lands. In addition to all of this, the Lebanese division over the Palestinian military presence was deep and violent, and the mere attempt to control it was labeled as treason.”
Another man was alarmed by Abdo’s information and tried to convince himself not to believe it. He is then-Prime Minister Shafiq Al-Wazzan. Never before in the history of the conflict has Israel occupied an Arab capital.
He recounted: “After the invasion, we summoned the ambassadors of the major powers… It ultimately became clear that we had no choice but to bet on the United States to curb the aggression, or to push Israel to withdraw, even if it was supportive of the invasion or its goals… We wished there was an Arab force capable of intervening and turning the course of events, but the reality was otherwise. Thus, we came under the fire of Israeli aggression… and the long journey of torment began.”
Al-Wazzan added: “I called King Fahd bin Abdulaziz and informed him that Beirut was living without water, bread, or medicine. He was very saddened and told me that he would call me back. Five hours later, King Fahd informed me that he had spoken to President Ronald Reagan asking for his intervention, and that the American president had called Israeli Prime Minister Menachem Begin, who promised him the return of the water. In those harsh conditions, we considered the restoration of water an achievement. I would like to stress here that Saudi Arabia has not spared Lebanon any possible assistance.”
The Silent Action Party
I was unable to obtain President Élias Sarkis’s testimony about those days. The reasons are many. He was from the party of silent action, not from the party of speech. He was confident, based on his integrity and responsible behavior, that history would do him justice if it was written fairly.
Sarkis saw Beirut burning, besieged, and invaded. He saw the occupation soldiers even approaching the presidential palace. He was the voice of the state and the state was weak. He was the voice of the nation, and the nation was divided. His friends say that he was counting the days waiting for his departure, refusing any proposal to extend his term.
Did the Palestinian side try to avoid the Israeli invasion, and who bears responsibility for thwarting that attempt? I found the answer with Hani Al-Hassan. He was a member of the Central Committee of the Fatah movement and in charge of its political security. He was also in the narrow circle of decision-makers around President Yasser Arafat.
Al-Hassan said that information was gathered in 1981 indicating that Israel was preparing a large-scale aggression against Lebanon with the aim of striking the military presence of the resistance.
He added that the Reagan’s administration facilitated an operation of this kind. The Arab situation was very difficult. Egypt was in semi-Arab isolation, and Iraq was immersed in its war with Iran. The organization’s leadership went to Saudi Arabia and informed its officials, who took a quick action.
Al-Hassan asserted that the goal of the Saudi initiative was to contain the next war in Lebanon and prevent it from occurring.” But the initiative faltered because the Soviet Union issued orders to block it.
He stressed that anyone who wanted to narrate the Palestinian revolution between 1972 and 1982 must always keep the Soviet position in mind, because the Palestinian revolution lived during that period a stage of indecision, where in the end, despite all the differences and the multiplicity of viewpoints, only the Soviet decision prevailed.
Al-Hassan recounted: “The siege took place and Abu Ammar told me that we had to fight for six months… The important thing is that we made a secret decision to fight for six months, and Abu Ammar asked me to assume the political work. That is, he asked me to move forward with political action, but without returning with an agreement. This means that we negotiate for the mere purpose of negotiation, then we see the balance of fighting, the international situation, and the weight of Syrian intervention.”