شارل الياس شرتوني/السياسة الانقلابية تنتقل الى المحافل الدولية، أو الفصل الأخيرة في نهاية الجمهورية اللبنانية

108

السياسة الانقلابية تنتقل الى المحافل الدولية، أو الفصل الأخيرة في نهاية الجمهورية اللبنانية
شارل الياس شرتوني/27 آب/2023

من إغتيال الجندي الايرلندي الى إملاء شروط التجديد للقوات الدولية، نحن أمام سياق سياسي إستوائي يقضم تدريجًا السيادة اللبنانية ويسعى إلى إحكام الإقفال على القرار في السياسة الخارجية، ومصادرة التمثيل اللبناني في المحافل الدولية، تمهيدًا لإعلان وضع اليد على الجمهورية اللبنانية، وتحويلها منطلقًا ثابتا للسياسة الانقلابية الشيعية التي تديرها إيران على المستوى الإقليمي. وزارة الخارجية تحولت، منذ زمن بعيد، الى أداة لتسويق سياسات حزب الله ومحاولة السيطرة على المهاجر اللبنانية، وأداء عبدالله أبو حبيب هو الصورة الناجزة لسياسة التطويع التي تستخدم في مجال تمويه مشاريع السيطرة المتقادمة. تندرج محاولة فرض قيود على تجديد مهمات القوات الدولية ضمن سياق تقويض النطاقات السيادية للدولة اللبنانية في ظل تبلور سياسة السيطرة المتدرجة على مفاصل العمل العام، كما يظهره وضع اليد على القرار المالي، وملف الغاز والنفط، واستتباع الجيش، والتجديد للقوات الدولية…،. هذه التعديات السافرة ليست بعارضة أو إستثنائية، بل تقع في المراحل النهائية لسياسة وضع اليد على الجمهورية اللبنانية البائدة التي تعيش منذ ثلاثة عقود في ظل مخاضات متوازية بدلت قواعد الاجتماع السياسي فيها، وخياراتها الميثاقية والديموقراطية-الليبرالية والتعددية، لحساب ديكتاتورية شيعية تتماثل مع مشاريع القاعدة وداعش ومحتضنة من قبل السياسة الانقلابية الإيرانية.

إن علاقة حزب الله بالديكتاتورية الايديولوجية في إيران ليست لا عارضة ولا مخارجة، وتقوم بدور أساسي في رأب الصدع بين تهاوي الشرعية الايديولوجية للنظام الإيراني في الداخل وسياسته الانقلابية على المستوى الاقليمي. حسن نصرالله هو منقذ علي الخامنئي ورهانه على دوره في خربطة المعادلات الاقليمية يتوازى مع احتواء ديناميكيات التآكل التي تعتمل في الدواخل الإيرانية. سياسة النفوذ الايرانية تصطدم في الداخل اللبناني بالممانعة المسيحية التي يسعى حزب الله الى فرطها، وبالقوة الاسرائيلية في الخارج القادرة على احتوائها وتدميرها. الجمهورية اللبنانية إنتهت الى غير رجعة، نحن أمام سيناريوهات وديناميكيات عسكرية وسياسية سوف تنشأ عنها وقائع جيو-پوليتيكية جديدة، وكل ما عدا ذلك يقع في دائرة التصريفات الإنشائية التي تمعن في حجب الواقع ونتوءاته.

إن السعي لتطيير التجديد للقوات الدولية ليس بتفصيل سياسي، بل بداية المرحلة الأخيرة لانهيار الجمهورية اللبنانية التي يصادر قرارها السيادي حزب الله مظللًا بسياسة انقلابية إيرانية على المستوى الاقليمي. إن الاستعراضات العسكرية الأخيرة لحزب الله وما يلفها من إحتضان شيعي، والتصرف الاستنسابي بالقرارات السيادية في المجالات الخارجية والدفاعية، تقع في دائرة المعميات الايديولوجية والغطرسة الناشئة عنها، وما سوف تستحثه من مفارقات ونزاعات ونهيليات مدمرة لما تبقى من الدولة اللبنانية، ومن نظام إقليمي متداع لم يبق منه سوى النعيق الايديولوجي بترهاته ومآسيه. نحن أمام سيناريوهات تعيدنا الى ما قبل ال ٢٠٠٦، وإلى الحروب والنزاعات التي دمرت لبنان على مدى ٤٠ سنة.

لا سبيل سوى المواجهة على خط تركيز ائتلافات معارضة متحركة، والطعن بشرعية الأداء السياسي المسيطر وهشاشة متكآته الحكومية، وهامشية مجلس نيابي مستخدم وفاقد الأهلية الدستورية والعملية، وإطلاق حركة دولية بإتجاه الديموقراطيات الغربية والتحالفات الاستراتيجية الملازمة لها. إن أي عمل سياسي بغياب إعادة تقويم موازين القوى على تعدد مرتكزاتها، هو حراك فارغ ومضلل لم يعد يجدي نفعا بعد ما وصلنا إليه، المشروع الانقلابي يواجه بمشروع إنقلابي مضاد.