سوسن مهنا/الشيخ ياسر عودة: البيئة الشيعية في لبنان تعاني ومن يتجرأ يتعرض للترهيب/أحد المشايخ يضع خاتمه في كوب ماء كي تأتي الناس وتشرب على أمل الشفاء، بينما هو يذهب إلى مستشفى الجامعة الأميركية

98

الشيخ ياسر عودة: البيئة الشيعية في لبنان تعاني ومن يتجرأ يتعرض للترهيب
“أحد المشايخ يضع خاتمه في كوب ماء كي تأتي الناس وتشرب على أمل الشفاء، بينما هو يذهب إلى مستشفى “الجامعة الأميركية”
سوسن مهنا/انديبندت عربية/24 آب/2023

تفاعلت قضية الداعية الشيعي ياسر عودة، أخيراً، في الأوساط اللبنانية، بعد صدور بيان من المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، في أغسطس (آب) الجاري، والمتعلق “ببعض مرتدي زي الدين”، اعتبر فيه عدداً من المشايخ “غير مؤهلين للقيام بالإرشاد والتوجيه الديني والتصدي لسائر الشؤون الدينية والأحوال الشخصية المتعلقة بأبناء الطائفة الإسلامية الشيعية، إما للانحراف العقائدي أو للانحراف السلوكي أو للجهل بالمعارف الدينية وادعاء الانتماء للحوزة العلمية”، واعتبار المشايخ المذكورين في البيان “غير مؤهلين لارتداء الزي الديني وإنذارهم بخلعه تحت طائلة اعتبارهم منتحلي صفة رجل دين وإجراء المقتضى القانوني بحقهم”. إلا أن “المجلس” عاد ونفى في بيان علمه بقرار هيئة التبليغ الديني في المجلس.
وأشار إلى أن “البيان الصادر عن هيئة التبليغ الديني لا يعبر عن المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى ولم يطلع عليه رئيس الهيئة العليا للتبليغ الديني نائب رئيس المجلس علي الخطيب بغض النظر عن مضمونه، واعتبار كأنه لم يصدر وينبغي التذكير بعدم نشر أي بيان باسم المجلس الشيعي ما لم يكن موقعاً من رئاسة المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى حصراً”. وكانت الدائرة الإعلامية في جمعية “الشعب يريد إصلاح النظام” قد أكدت في بيان أن ياسر عودة تقدم بواسطة وكيليه القانونيين المحاميين حسن بزي ونجيب فرحات من الدائرة القانونية في “الجمعية”، بمراجعة إبطال مع طلب وقف تنفيذ أمام مجلس شورى الدولة، وقد سجل الطعن في 21 أغسطس الجاري.
نزع أهلية 15 شيخاً
البيان تضمن أيضاً أسماء 15 من مشايخ الطائفة الشيعية المعروفين بتمردهم على خيارات الثنائي حركة “أمل” و”حزب الله”، وهو ما أثار موجة من الغضب في الأوساط الشيعية واللبنانية على وجه العموم، وانتشرت مشاركات وتغريدات على مواقع التواصل الاجتماعي، منددة بالقرار ومعتبرة أنه يأتي ضمن انتهاج سياسة تكميم الأفواه. وضمت اللائحة إضافة إلى ياسر عودة: سامر عبدالحسين غنوي، بلال إبراهيم سليم، محمد يوسف الحاج حسن، نزار محمد حمزة، إبراهيم حسن حرز، عبدالكريم علي، يوسف حسن كنج، أحمد عباس عيدي، عباس حمود مخ (أبو الحسن مرتضى)، محمد علي الفوعاني، هاشم علي الموسوي، محمود عبدالله فقيه، عبدالسلام نيازي دندش، نظير جمال الجشي.
هيئة التبليغ الديني
يعتبر ياسر عودة في حديث لـ”اندبندنت عربية” أن هيئة التبليغ الديني هي هيئة “مخترعة”. ويؤكد أن بيانها موجه تحديداً ضده، وتمنى لو كان لديهم الجرأة ليضعوا اسمه منفرداً، من غير الإشارة إلى بقية الأسماء لأنها أضيفت لذر الرماد في العيون، وكي لا يبدو أنه هو المستهدف. وعن نشأة هيئة التبليغ، يشرح أنها ومنذ 15 عاماً وعندما كان العلامة المرجع محمد حسين فضل الله لا يزال على قيد الحياة، وبعد أن كثر التفلت في لبس العمامة، وتلطي بعض المطلوبين بالعمامة كطريقة لتحصين أنفسهم من الملاحقة. أنشئت هيئة حينذاك تضم كل الحوزات ومن مختلف التوجهات، وبموافقة كل الأطراف السياسية. فقام “المجلس” (الشيعي الأعلى) بخطف الفكرة وشكل هيئة تبليغ ديني غير شرعية وغير منتجة وغير قانونية، ولا ينص عليها القانون، ولا حتى النظام الداخلي للمجلس. ويضيف عودة أن عبدالحليم شرارة كرئيس للهيئة وعلي بحسون كنائب رئيس، محسوبان على جهة سياسية معروفة، وتحديداً على زوجة رئيس مجلس النواب نبيه بري (رندة بري)، ومعلوم أن المجلس بكليته يدار من قبل نبيه بري. ويعتبر عودة أن قرار الهيئة إما أتى من غير علم الرئيس بري، أو أن بري لا يتدخل أصلاً. ويستدرك قائلاً إنه سمع أن بري تدخل لسحب القرار. ويتساءل “بأي حق يحاسبون المشايخ ومن أعطاهم الصلاحية، حيث يتصرفون كما يحلو لهم وخلافاً للدين”. علماً أن عودة لم ينتسب يوماً إلى المجلس الإسلامي الشيعي، ولا يعترف به.
من هو ياسر عودة؟
هو رجل دين شيعي لبناني، من مواليد 1969 في بلدة برعشيت جنوبي لبنان. عرف بخطابه النقدي ضد البدع في الدين الإسلامي. أستاذ في المعهد الشرعي الإسلامي في بيروت، له عشرات المقالات والأبحاث والمحاضرات والندوات واللقاءات في شتى العلوم والمعارف الإسلامية والاجتماعية والثقافية. عضو هيئة أمناء مؤسسات المرجع الراحل محمد حسين فضل الله. اكتسب شهرته على مواقع التواصل الاجتماعي بسبب انتقاده للفساد في العراق ولبنان. وعارض استخدام العنف الذي تمارسه الجماعات المدعومة من إيران ضد خصومها في البلدين المأزومين، كما واشتهر بخطابه النقدي والإصلاحي ضد الفساد والطائفية في السياسة اللبنانية في السنوات الأخيرة، خصوصاً بعد مشاركته في احتجاجات أكتوبر (تشرين الأول) 2019. إلا أن حركة الشيعي المعارض بدأت منذ تظاهرات “طلعت ريحتكم” 2015، واضعاً نفسه بشكل تلقائي ومباشر مع مطالب الناس.
“الفكر الخرافي ومشايخ التخلف”
وكان عودة قد وصف بعض المشايخ الشيعة بـ”مشايخ التخلف”. ويقول عنهم إنهم يعيشون على الخرافة ويقتاتون من التخلف ويستثمرون المناصب. وهو يرفض الخرافات ولا يرضى أن يكون المذهب الشيعي بهذا الشكل من التخلف. ويشير إلى أن هيئة التبليغ لا مرجعية لها إلا من “المراجع الخرافة”، أي المرجعيات الدينية التي أفتت بظلال السيد فضل الله. “هم يلعنون الصحابة وأكثر من ذلك يريدون نبش قبور الصحابة”. وعند سؤاله ماذا يعني بالفكر الخرافي؟ يشرح أن الفكر الخرافي القائم على كرامات مزعومة غير صحيحة ومخالفة للعقل، كالقول عن الإمام الباقر أنه صنع فيلاً من طين ركبه وطار به من العراق إلى مكة، أيضاً ما حصل في كربلاء حيث ادعوا أن مجموعة من الجن أتوا بهيئة شياطين كي يقوموا بواجب العزاء بالحسين. أما عن مشايخ التخلف فهم من يحمل ويقدس هذا الفكر. ويردف، أنه من زمن “الشيخية” (مدرسة فكرية شيعية اثني عشرية)، حتى اليوم أي منذ 400 إلى 500 عام، مر على الطائفة الشيعية مرجعيات دينية موزونة، وتبع الشيعة هذه المرجعيات، وكانوا بغنى عن الخرافات. ومن ثم أتت مرجعيات ضعيفة وتؤيد الخرافة، حيث إن هناك أحدهم وهو معلم رئيس هيئة التبليغ، يضع خاتمه في كوب ماء كي تأتي الناس وتشرب منها على أمل الشفاء، بينما هو يذهب إلى “الجامعة الأميركية” في بيروت كي يتعالج. أيضاً “أحدهم يقول إن من الكمال البشري أن تكون كلباً عند أهل البيت. وللأسف هذا الفكر دخل على المذهب الشيعي ويعلو ويخبو بحسب المرجعيات الموجودة”.
كان عودة قد أيد الاحتجاجات المناهضة للفساد، التي اندلعت في العراق ولبنان عام 2019، ونزل إلى ساحة الانتفاضة في يومها الأول، 17 أكتوبر. وتحول من أستاذ ديني في الحوزة العلمية إلى مؤثر على وسائل التواصل الاجتماعي، ووصل واحد من أحدث فيديوهاته إلى 550 ألف مشاهدة، ويعتبره كثير من الشباب اللبناني وباختلاف هوياتهم السياسية والدينية والذين كفروا بالمنظومة الحاكمة، أنه يتحدث عن أوجاعهم. وعندما نزل إلى ساحة الانتفاضة في يومها الأول فوجئ به المنتفضون الذين تعرفوا إليه. سأله أحدهم “أنا ملحد وأحبك، هل تعرف ملحداً يحب شيخاً”؟ أجابه بابتسامة آنذاك “نعم، أعرفك أنت”.
عودة وفي أقسى تعليق له والذي أغضب السياسيين اللبنانيين والعراقيين على حد سواء، ما جاء في خطاب ألقاه، أواخر الشهر الماضي، حين قال “أياً كان المدافع، وحتى ولو بكلمة واحدة، أكان مشرعاً، أو وزيراً أو قائداً في لبنان والعراق، فهو كاذب، وفاسد وشريك معهم”. عودة المعروف بمواقفه المناهضة للمنظومة الحاكمة، يقول “أنا واضح في موقفي وأعني كلهم يعني كلهم، أي الفاسدين الذين شاركوا في السلطة منذ 30 عاماً حتى اليوم، إما بالسكوت أو التوقيع على المشاريع… من وقع على موازنات الهدر وتلزيمات قطاع الكهرباء والسدود وبواخر الفيول معروفون جيداً”. ويضيف أن مليارات الليرات، دفعت “تنفيعات” كشقق وعقارات لأولاد الزعماء، ويضيف، إذا نواب “الثنائي الشيعي” لم يكونوا على علم بـ”التنفيعات” والفساد فهم فاشلون، وإذا كانوا على علم فهم خائنون لمن انتخبهم، مثلهم مثل كل النواب في المجلس. ويشدد على أن نسبة كبيرة داخل البيئة الشيعية تعاني وتعيش هذه الحالة من “القرف”، من السكوت السياسي عن الفساد ومجاراته. ويشير إلى أن الأغلب يخاف أن يرفع صوته، لأن من يتجرأ ويتكلم يلاحق ويهدد في مصالحه وعائلته. ويؤكد أنه من الطبيعي أن يخاف على نفسه، ولكنه “مستعد للموت في سبيل إحقاق الحق وإيصال الصوت”. ويضيف أن مطلبه الوحيد أن يبتعدوا عن عائلته، حيث تتعرض للاستفزازات في الحياة اليومية. أستاذة في الجامعة قالت لابنته “والدك شيطان يفرق بين الشيعة”.
“ثقافة السحسوح”
عن حادثة عين قانا في جنوب لبنان حيث أطلق بعض المواطنين صرخة اعتراض ورفعوا لافتة كتب عليها، “عين قانا تتبرأ من محمد رعد وهاني قبيسي” (نائبان من “الثنائي الشيعي)، ثم اضطر أحدهم لتقديم الاعتذار بشكل ذليل عبر مقطع فيديو، يعلق عودة قائلاً، “هذا شيء معيب، بألا نترك الناس تعبر عن رأيها، وهذا ضعف وليس قوة أن نلزم الناس بالاعتذار”.
ويشير إلى أن الإمام علي كان يعلم الناس كيف تنتقد، يقول “فلا تكلموني بما تكلم به الجبابرة ولا تتحفظوا مني بما يتحفظ به عند أهل البادرة… إلى أن يقول فلا تكفوا عن مقالة بحق أو مشورة بعدل فإني لست في نفس بفوق أن أخطئ، ولا آمن من ذلك من فعلي”.
ويتابع ياسر عودة “نحن ممنوعون من الانتقاد أو الصراخ من الألم، أو الاعتراض حتى إذا لم يكن لدينا شربة ماء”. ويضيف “شيء مؤسف أن تسود ثقافة قبل السحسوح وبعد السحسوح” (أي أن يعتذر الشخص بعد أن يتلقى ضربة على رقبته لإرهابه)، مشيراً إلى “الثنائي الشيعي”، من دون أن يسميهما، أنهما “يمنعان بصرامة أي انتقاد”.
عودة الذي كان خلع عمامته خلال لقاء تلفزيوني يقول إنه يحترم العمامة لكنه لا يقدس قطعة قماش”، ويتابع “القيمة للفكر وليست للعمامة، هناك عمائم شيطانية وعمائم رحمانية، ومع أو من دون العمامة سيبقى اتهامهم لي، بأنني ضال ومنتحل وفاسد العقيدة”. ويشدد أنه لن يتراجع ولو كلف ذلك دمه، لأن المسؤولية على عاتقه أصبحت أكبر، بعد التضامن الواسع معه، من معظم الأطياف اللبنانية والعربية، وبخاصة الشباب.
ضد السلاح في الداخل
وعن تحصن “حزب الله” بفكرة “المقاومة” كي يحتفظ بسلاحه، يشير عودة إلى أنه “ضد استعمال السلاح في الداخل مهما كان ولأي شيء كان، ضد الفتن وضد قتال اللبنانيين في ما بينهم. ويتابع أن حل معضلة السلاح، والذي تحول إلى إقليمي ودولي، ليس في لبنان بل بين واشنطن وطهران”. ويشدد أنه “يجب حصر مهمة السلاح في قتال العدو الإسرائيلي إذا ما قام بالاعتداء على الأراضي اللبنانية”. ويبقى الحل الأساس في بناء دولة ترعى شؤون المواطنين وحقوقهم.