فيديو ونص/تقرير من موقع جنوبية: المجلس الشيعي «جزيرة نائية» عن أبناء الطائفة تُدار بالتعيين لا الإنتخاب

54

المجلس الشيعي «جزيرة نائية» عن أبناء الطائفة تُدار بالتعيين لا الإنتخاب!
جنوبية/21 آب/2023

عندما طرح الرئيس السوري الراحل حافظ الاسد في العام 1986، على العلامة السيد محمد حسين فضل الله تسلم رئاسة المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى، رفض السيد هذا الامر, على اعتبار انه “لا يمكن التزاوج بين العمل المؤسساتي النخبوي “شبه الرسمي”، والعمل المؤسساتي الشعبي المباشر مع الناس، نظرا الى قوة احتياجاتها التي تتطلب إيجاد مؤسسات لرعاية شؤون الناس ومتابعتها بدقة وصبر وقدرة وهو فعله السيد فضل الله لاحقا.

وفي المقابل، عندما طلب السيد موسى الصدر في العام 1969 من العلامة السيد فضل الله، ان يكون عضوا في الهيئة الشرعية للمجلس قال له: “انا لا انتخب ولا أُنتخب، وان من يعمل بالمؤسسات تخسره ناسه ويخسره جمهوره”.

واقعة معبرة، يستعيدها مصدر مخضرم متابع لواقع المجلس الشيعي والطائفة الشيعية عبر “جنوبية”، وبحسرة نظرا الى ما آلت إليه أوضاع المجلس والشيعة، وأوضح بداية، “ان الشيعة كانوا في الأطراف مهمّشين اقتصادياً واجتماعياً، يحاصرهم الحرمان والبؤس، ويعيشون حول العاصمة بيروت في مجمعات سكنية، تفتقر إلى أبسط أشكال الحياة الأساسية، بحيث تحولت إلى مركز أساسي جاذب لكل القوى الريفية المهمشة”.

ورأى أن هذا الأمر “أحدث اختلالاً جذرياً بالأدوار الملقاة على عاتق العاصمة، وأدخل انماطاً ريفية إلى المدينة محمولة بالاعتقاد الديني ومرارة العيش، وشظف الحياة وعدم العدالة الاجتماعية، ورفض سياسة الإقطاع التي كان يمارسها نظام سياسي، يرتكز على مبدأ التصنيف الطائفي والمذهبي والمناطقي، ويعتمد في سلوكياته وأدبياته السياسية على الاستئثار بالسلطة والهيمنة على مختلف مرافق الدولة ومفاصلها المالية والعسكرية”.

ولفت الى ان “هذا كله كان في ظل إبعاد شبه كلي للطائفة الشيعية، التي كانت تكابد الفقر وصعوبة الحياة، لا سيما في البقاع والجنوب، حيث كانت المعاناة كبيرة بسبب تزايد الإهمال، وغياب المؤسسات وقصور الدولة في تأدية واجباتها، تجاه المواطنين الشيعة الذين كانوا ضحية تواطؤ مزدوج، بين السلطة والنخب المستأثرة بها آنذاك”.

وأكد ان الشيعة “كانوا يحتاجون الى مؤسسة تلتصق بعمومهم لا بنخبهم فقط، على غرار بقية الطوائف ان كان من دار الفتوى او المجلس الاسلامي العلوي او المجلس المذهبي الدرزي، او
بالمقابل المؤسسات الدينية المسيحية بطوائفها المتعددة”.
شدد على أن الشيعة “ارتكزوا على التنوع في التقليد، ولم يعتادوا على قيادات رسمية، لانهم بطبعهم يتوجهون نحو الفقيه العالم، اكثر من توجههم نحو مؤسسات، اذ كانوا يحتاجون الى مرشد ليرسم لهم الطريق نحو المؤسسة الام للطائفة، الا ان اخفاقا تجلى في مكان وحقبة ما، ادى الى ضعف التواصل والفهم للقاعدة الشيعية، بحيث إن المجلس كمؤسسة لم يأخذ مكانته الشعبية على مستوى العموم الشيعي، لانه لم يلتصق بهموم الناس على نحو جدي، بل اقتصر عمله على الحالات النخبوية والدينية والسياسية”.

واوضح ان “المجلس لم يرتبط بتفاعله مع الهموم الشعبية والمطالب المرتبطة بها، وأثر تغييب الامام موسى الصدر الى زيادة الشرخ بين العموم و الحالة المؤسساتية، التي اقتصرت على افراد نخبوية شيعية تمثيلية واغترابية، وعلى الحالات الشعبية التي خرجت في اغلبيتها العظمى عن المؤسسة الدينية باتجاه شخصيات زمنية ودينية، وخضعت منذ نشوئه الى تجاذبات كبيرة مع تيارات كبرى، يقودها افراد من الطائفة لكن خارج سرب او عباءة المجلس الشيعي”.

وعرض لأبرز محطات المجلس، “في حقبة المد القومي واليساري لم يستطع المجلس الشيعي فتح كوة لعلاقة سياسية جاذبة تحت عباءته، بل كان حالة متناقضة ورافضة لكل افكار اليسار”.

وأردف: “في حقبة الحكم التقليدي او ما يعرف بالاقطاع السياسي، لم يبنِ المجلس الشيعي حالة تواصل مع السلطة السياسية، التي لا تمثيل شعبي كبير آنذاك، على الرغم انه يتبع بالكامل الى رئاسة مجلس الوزراء كمؤسسة رسمية على غرار دار الفتوى، وبقي على اختلاف مع رموز
تلك الحقبة، واولهم الرئيس الراحل كامل الاسعد، اذ لم يكن المجلس مصدر الهام او استقطاب لها، ولعب دور الفريق المنحاز لافكاره لا دور الجامع لابنائه”.
ولفت الى ان “المجلس الشيعي ظل حالة انفرادية في تفاعلاته الجماهيرية حتى اليوم، بحيث لم يظلل بعباءته هموم الجماهير الشيعية، وتطورهم في افكار وبوتقات، انما اقتصر عمله على اصدار البيانات في مطالبات كلاسيكية لا تغني ولا تسمن من جوع، فيما استمر العموم الشيعي بحالة انفلاش في تفاعلات ايديولوجية خارج اطار ثقافته الوطنية”، محملاً المجلس “مسؤولية اساسية في التقصير المتعمد، لكونه لم يختلق الافكار ويستجمع القدرات والمقدرات لمصلحة الناس، انما لمصالح افراد وجهات لا تعكس منافعها عليهم”.

وأكد ان “عموم الشيعة في طلاق غير معلن وغير معلن مع مجلس ملتهم، بسبب التعاطي الفوقي والتركيز على النخب السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وهو ما لم ينجح به على مدى 54 عاما من استقطاب الثقة الشعبية الشيعية”.

وأجرى مقارنة مع بقية الطوائف اللبنانية، فرأى ان “المجلس الاسلامي الشرعي الاعلى و صندوق الزكاة التابعين لدار الفتوى، حالتين تتفاعلان برؤياهما وبخططهما مع العموم السني في لبنان، ان كان مباشرة او عبر مفتيي المناطق والداخل المتخرجين من أزهر لبنان، ويعتبر الفرد السني انه ينتمي الى داره من خلال من يمثله في المجلس الشرعي، رغم اعتراضه على اداء البعض والممارسات الصادرة من افراد، لكنه يرتبط بكيانه ووجدانه وحضوره مع الدار في كل تفاعلاته الدينية والسياسية والاجتماعية، فترى الدار مقصدا للكبير والصغير والعالم والبسيط في مطلبه او حضوره”.

وتابع، “اما على مستوى الطوائف المسيحية فإن لها دورها في عموم جماهيرها، بحيث ان “مجد لبنان اعطي له” وهي ملاذ اسبوعي، يبدأ بالقداس الرابط بين العموم والمؤسسة الدينية، او من خلال التفاعل التربوي عبر المدارس المنتشرة على طول لبنان وعرضه، وهذا الامر يفتقده المجلس الشيعي كمؤسسة دينية، إذ ان المجلس، في العام 1974 في خضم الصعود اليساري في لبنان، الغى بقيادته المعهودة عملية انتخاب هيئتيه الشرعية والتنفيذية وحولها الى تعيين، لكي لا يطغى على الهيئة التنفيذية اناس يناهضون افكار القابضين على القرار، وانسحب هذا الامر حتى اليوم، الى ان اصبح المجلس حالة شكلية لتمثيل طائفة بمسؤوليها لا بناسها”.