شربل الخوري/موقع درج: محمد المرتضى… من هو وزير ثقافة “جمهورية حزب الله”؟

66

محمد المرتضى: من هو وزير ثقافة “جمهورية حزب الله”؟
شربل الخوري/موقع درج/15 آب/2023

إنه النموذج الذي يقترحه علينا حزب الله لدولته، ووزارة الثقافة تمثل منصة رئيسية لتصورات الحزب ولدعاويه، ومن جهة أخرى هي مرآة ابتعاد حزب الله عن لبنان بما يمثله من انفتاح على ما يطرحه علينا العالم من خيارات. “… وقانا الله شرّ هذا الزمان الذي أصبح لنا فيه “نوائب شذوذ” كمثل جنابك…”،
تغريدة لوزير الثقافة اللبناني القاضي محمد المرتضى، مهاجماً النائب التغييري مارك ضو الذي انتقد حملة الوزير على المثليين جنسياً. الوزير كان أحد صقور الحملات المتصاعدة في لبنان ضد المثليين. ومن يزور صفحته على “تويتر”، سيجد له تعليقات ومواقف كثيرة أثارت عواصف من الردود والتعليقات الناقدة. إنه النموذج الذي يقترحه علينا حزب الله لدولته، ووزارة الثقافة تمثل منصة رئيسية لتصورات الحزب ولدعاويه، ومن جهة أخرى هي مرآة ابتعاد حزب الله عن لبنان بما يمثله من انفتاح على ما يطرحه علينا العالم من خيارات. وهنا يبدو أن اختيار مرتضى لوزارة الثقافة هو امتداد لقرار بالإمساك بـ”الهوية الثقافية” بما هي رغبة بالابتعاد عما كان يمثله لبنان من مساعٍ انفتاحية. وهنا علينا أن لا ننسى حرص فصائل الحشد الشعبي في العراق على تولي وزارة الثقافة.

لكن، من هو وزير الثقافة اللبناني الذي احتلّ اسمه الأخبار المحلية وحتى الأخبار الدولية وتصدر تراندات السوشيل ميديا، بعد انتشار أفكاره “التقدمية” عن مكافحة “الشاذين” وأخلاق العائلة وخطر “باربي” والاهتمام بالروابط العائلية. سبق السجال مع النائب ضو، مواقف للوزير نفسه طالب فيها بوقف عرض فيلم “باربي” في لبنان، لأنه “يتعارض مع القيم الأخلاقية والإيمانية (…)، إذ يروّج للشذوذ والتحوّل الجنسي، ويسوّق فكرة بشعة مؤدّاها رفض وصاية الأب وتوهين دور الأم”. هذا هو وزير الثقافة اللبناني، لكن الأمر لا يدعو الى الدهشة، فلطالما مثّل هذا الوزير ثقافة “حزب الله”.

من هو محمد المرتضى قبل الوزارة؟
بحسب السيرة الذاتية المقتضبة للوزير المرتضى، المنشورة على موقع وزارة الثقافة، فهو من مواليد عام 1972، درس الحقوق في الجامعة اللبنانية، وحصل على دبلوم معهد الدروس القضائية من معهد الدروس القضائية في وزارة العدل اللبنانية، وحصل أيضاً على دراسات عليا في القانون الخاص من الجامعة اللبنانية. دخل السلك القضائي عام 1996، وتنقّل في العدلية في مناصب عليا عدة. عُيّن وزيراً للثقافة في حكومة نجيب ميقاتي الأخيرة، في 10 أيلول/ سبتمبر من العام 2021.

بين “حزب الله” و”أمل” لمن يتبع هذا الوزير؟
من يتابع تغريدات الوزير المرتضى، سيلحظ التماهي الكامل بين مواقفه ومواقف “حزب الله”، فبعد حادثة الكحالة الأخيرة، نشر الوزير، الذي يُفترض أنه وزير ثقافة، تغريدة يعزي فيها “حزب الله” بمقتل أحمد قصاص، الذي قتل في الاشتباكات قائلاً: “بذلت عمرك لحماية الأرض والعرض ومقدّساتنا مسلمين ومسيحيين، ودافعت عن لبنان وجميع اللبنانيين مستأهلين كانوا أم غير مستأهلين. مثلك لا يُرمى إلاّ بوردة”. كذلك، لا يوفر الوزير فرصة للدفاع عن سلاح “حزب الله”، وكان قد نشر تغريدة سابقة في ذكرى اغتيال زعيم فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني، وهو دائم التكلم بشكل شبه يومي عن ضرورة حماية سلاح “حزب الله”، والمقاومة بوجه إسرائيل، لا بل يذهب أبعد من الحزب نفسه، ويقول إنه خلال الحرب سينزح الجنوبيون جنوباً في اتجاه جنوب الجنوب.

لكن المرتضى ليس وزيراً لـ”حزب الله” وحركة أمل فقط، بل هو وزير من حصتهما في الحكومة، وهو وإن كان يبدو ملتزماً دينياً ومحافظاً اجتماعياً، إلا أنه وللمفارقة ينشر أغاني لفيروز على حسابه الخاص، ويدعم فنانين صاعدين، ويعكس هذا التناقض في شخصيته التوافق الذي تم عليه بين “حزب الله” وحركة أمل، لينتج هذه الخلطة الغريبة. فمن جهة، هو أصولي يدعو الى الاحتفال ويبرر محاولة قتل الكاتب سلمان رشدي، وينشر طوال الوقت آيات من القرآن والإنجيل، ومن ناحية ثانية يختار نشر بعض الأغاني بعكس ما يفرض عليه دينه و”حزب الله” الذي لا ينتمي إليه الوزير مباشرةً، لكن يبدو أنه سياسياً أقرب الى الحزب مما هو إلى حركة أمل، التي لا يذكرها كثيراً رغم أنه محسوبٌ عليها في “التقسيمة الحكومية”.

مكافحة المثليين… مهمة الوزير الأولى والأهم
لا يكف الوزير عن إظهار ضيقه وشيطنته للمثلية الجنسية، فقد نُشرت في 12 آب/ أغسطس الحالي، مسودة قانون، كانت قد وقعتها مجموعة من النواب لإلغاء المادة 534 من القانون اللبناني، والتي تجرَّم فيها المثلية الجنسية عبر نص يقول: “كل مجامعة على خلاف الطبيعة يعاقَب عليها بالحبس حتى سنة واحدة”. آنذاك، أظهر الوزير موقفه الرافض وحاول اعتماد سياسة التشهير بالنواب الذين تقدموا بهذا الاقتراح وتحريض مجتمعهم عليهم، وبالفعل، يبدو أنه نجح في وضعهم في موقف محرج، إذ إن بعض هؤلاء النواب لم يجاهروا علناً بتأييد قرار إلغاء تجريم المثلية، بل كانوا يعدونه ويريدون تمريره من دون ضجة إعلامية، لتجنب أكبر خسائر شعبية ممكنة، فمن بين الموقعين العشرة على القانون، لم يدافع ويجاهر برأيه علانية في موضوع دعم المثليين، ولم يهاجم أحد منهم خطاب نصرالله التحريضي، سوى النائب مارك ضو.

في 8 آب الحالي، عُقد لقاء وزاري تشاوري في الديمان، هدفه الأساسي أن تحظى الحكومة بتأييد وغطاء مسيحيين من البطريرك الماروني بشارة الراعي، للانعقاد في ظل الشغور الرئاسي، وصدر عن اللقاء بيان يشتمل على نقاط سياسية واجتماعية عدة. كل ما كان يهمّ الوزير المرتضى من هذا اللقاء، الذي كان حاضراً فيه، اختصره بالآتي: “مختصر اجتماع الديمان: يجب على جميع المخلصين التعاون لمواجهة طروحات التقسيم والتخويف التي تتهدد صيغة العيش معاً، وأيضاً مواجهة “ثقافة” الشذوذ الشيطانية التي تهدف الى هدم قيمنا الأخلاقية والروحية، والى نسف مبدأ الأسرة ومخالفة “نظام الخالق”، والتعبير الأخير هو لغبطة البطرك الراعي”. ولهذا، لا يألوا وزير الثقافة جهداً لجمع أكبر عدد من الشخصيات والمرجعيات الدينية حوله، ولن يجد صعوبةً في ذلك، بدءاً من البطريرك الراعي، مروراً بالأب عبدو أبو كسم، وصولاً إلى حسن نصرالله.

اللاجئون السوريون وناصر قنديل وروح الممانعة
يشكل وزير الثقافة النموذج المثالي للوزير الممانع، فهو يحرّض على اللاجئين السوريين، ويرهب المسيحيين بـ”فزاعة” التوطين، ويدعو الى العودة “الآمنة”، وينسق مع النظام السوري في هذا الخصوص، ويذهب إلى سوريا، كما يفعل أي وزير ممانع تقليدي، كما يكرم الصحافي الممانع الشهير ناصر قنديل، من بين كل صحافيي البلد، لا ندري لماذا أو لأي إنجاز قدمه قنديل للصحافة! ربما لتهديده وتخوينه المستمر لبعض اللبنانيين، قد نال هذا الوسام!
المفارقة أيضاً، أن الوزير استفزّه مقال نشره الناقد السينمائي هوفيك حبشيان في جريدة “النهار” حول موقفه من فيلم “باربي”، فردّ بمعلقة متوجهاً فيها الى حبشيان الذي لا يعرفه بحسب قوله. وفي ما يبدو، فإن الوزير يستخدم هذه الطريقة الطفولية في الرد على منتقديه، مستعيناً بالدين والقيم والقانون ليبرر موقفه، ومن الواضح أنه يحب الصحافيين أمثال قنديل ويكرمهم، وليس النقاد. وقد استفزّ الوزير القطاع الثقافي والعاملين والعاملات في ميادين الكتابة والصحافة والسينما والفنون والآداب والتعليم، فأصدروا بياناً يدينون فيه “ثقافة” وزير الثقافة.

التشبيح ليس بعيداً من الوزير التقاطعي بين “حزب الله” و”حركة أمل”، ففي إحدى جلسات مجلس الوزراء خلال العام 2021، وبعدما استدعى القاضي طارق البيطار وزير المالية السابق علي حسن خليل إلى التحقيق، قال المرتضى في جلسة مجلس الوزراء : “نازل آخدو لعلي حسن خليل عالمنارة وخلي ابن مرا يوقفو!”، ضرباً يده على الطاولة. لبنان الذي كنا نتغنى بكونه واجهة ثقافية تمتلك مساحة حرية لا تتوافر في عاصمة عربية أخرى، يتصدره اليوم وزير ثقافة يدعو الى انتخاب سليمان فرنجية، الصديق الشخصي لرئيس النظام السوري بشار الأسد، رئيساً للجمهورية، ويشيد بسلاح “حزب الله” ليلاً نهاراً، ويخوّن أهل الكحالة الذين انقلبت شاحنة سلاح للحزب في منطقتهم، ويهدد قاضياً وقراراته فيما هو قاضٍ، ويهلل لمحاولة اغتيال سلمان رشدي، ويناصر قاسم سليماني، ويريد قطع العلاقات مع السويد، وينشر خطاب الكراهية تجاه المثليين. هذا هو وزير الثقافة اللبناني، لكن الأمر لا يدعو الى الدهشة، فلطالما مثّل هذا الوزير ثقافة “حزب الله”.