مهى عون/ملفات الفساد واستحالة انتخاب الرئيس

289

 ملفات الفساد واستحالة انتخاب الرئيس
مهى عون/السياسة/10 كانون الثاني/15

تنظر الحكومات عادة في ملفات تحاكي هموم الناس, وتمنحها الجزء الكافي والوافي من الاهتمام والرعاية, بغية التوصل إلى حلول ترضي المواطنين كافة, وتلبي طلباتهم وتعالج شكواهم, لكن أن تذهب الحكومة اللبنانية متمثلة ببعض وزرائها, إلى إيقاظ وتحريك ملفات للفساد كانت نائمة على مدى عقود, ومن ثم تعمد إلى طرحها عبر وسائل الإعلام بالشكل المكثف الذي نشهده عبر شاشات التلفزيونات اللبنانية, فهو ما بدأ يثير مشاعر الريبة والاستغراب, إن من ناحية هذه الكثافة في فضح الملفات القديمة والمنسية, أو من ناحية التساؤل حول كل هذا السكوت الماضي عنها, وخصوصاً أن النظام القائم كان وما زال هو القائم والمسؤول عن جميع الارتكابات حتى الساعة. ناهيك عن أن المشاكل العميقة التي تشغل بال المواطن ليست في الحقيقة أقل خطورة من ملفات الفساد هذه, خصوصاً أنها تتعلق بالقلق على المصير, فالجمهورية اللبنانية اليوم من دون رئيس جمهورية منذ أكثر من ثمانية أشهر, والبرلمان شبه معطل, وهو في حالة من العجز عن التوصل لانتخاب رئيس جديد , والحكومة في حال من الانقسام على نفسها, وبالتالي عاجزة عن التوصل لقواسم مشتركة بين مختلف مكوناتها حول مختلف الملفات الساخنة, ويأتي في مقدمها ملف العسكريين المخطوفين والسوريين النازحين, وذلك عائد لأسباب عدة, ليس أقلها تشبث بعض الأحزاب والتيارات بمواقف مسبقة وغير قابلة للمساومة.

لكن, وعبر نظرة خلفية للطابع التاريخي الذي يطبع نهج السلطة في لبنان, والحافل بالتشرذم على صعيد صناعة القرار الموحد على مستوى السلطة, ونظراً الى النزاعات والحروب الأهلية الماضية الناتجة عن هذا التشرذم والتضارب في المواقف, يمكن القول إن هذه الأسباب المكبلة اليوم لا تخرج عن سياق تاريخ هذا البلد الصغير, وتعود -كما كانت في الماضي- إلى تدخلات خارجية تستعمل الساحة اللبنانية لتصفية حساباتها الإقليمية والدولية. لذا يمكن القول إن ملف كشف الفساد على مختلف المستويات, الغذائية وسواها, وإن كان شكله لبنانياً “شعبوياً”, ليس في الواقع كذلك, وارتباطه بالملفات الساخنة الأخرى, كالانتخابات الرئاسية وملف العسكريين المخطوفين وطريقة التعامل مع النازحين السوريين, قائم على قاعدة “تغطية السماوات بالقباوات”, أي على قاعدة “الإضاءة على ملف ما لتمويه ملف آخر, أكثر سخونة وخطورة”.

كل هذا والدولة اللبنانية, الفاشلة في حلحلة ملفاتها الساخنة التي تهدد بانفجار داخلي, تراهن على غيرة الغرب, أي الولايات المتحدة, والطرفين الراعيين اللذين يتقاسمان النفوذ على الساحة الداخلية عبر ممثليهم في السلطة, أي السعودية وإيران, على استتباب الأمن في لبنان ورغبتهم في عدم ترك الساحة اللبنانية عرضة لتداعيات الأحداث والحروب الجارية في دول الجوار, وهي حسابات واهية في الحقيقة, والدولة بهذه المراهنة كالذي يحلم ويأخذ أحلامه على محمل الجد, فلقد علمنا التاريخ أن التفجير قد يحصل في أي لحظة يرى احد الاطراف في الداخل نفسه مغبونا في قسمة الجبنة وتوزيع المكاسب والحصص والمواقع القيادية, فما من شيء يؤكد مثلاً رضى طهران في حال أُسقط النظام السوري بأن يبقى “حزب الله” على حياديته في لبنان وهدوئه الظاهر, وما من شيء يؤكد أن الحزب لن ينقض للسيطرة على كل من يرفع رأسه ليحتج على عقم تدخله في النزاع السوري, وعلى مجمل الخسائر التي تكبدها اللبنانيون نتيجة هذا التدخل. وإذا كان طبيعياً احتمال سعي “حزب الله” إلى تشديد قبضته على الساحة الداخلية في حال سقوط النظام السوري, أوليس من الطبيعي أيضاً أن ينتفض الفريق المقابل المتمثل بشرائح السنة والمسيحيين الآخرين على مستجدات مفروضة بقوة السلاح كهذه?

وفي السياق ذاته, قد لا يكون “داعش” الذي بات على الأبواب, بعيداً من احتمال التحول فتيلاً تفجيرياً أيضاً, حيث إنه -كما شاهدنا في الآونة الأخيرة- يربط تطور مواقفه حيال ملف خطف العسكريين بالتطورات الإقليمية, فيصعِّد ويهدد ويتوعد تارة, وتارة يدخل في فترة من الهدوء النسبي والتراجع في الحدية, وذلك تبعاً للتطورات الإقليمية. أما الخطورة الكبرى, فقد تأتي نتيجة قرار مفاجئ بالتضحية بحياة العسكريين, وهو تطور دراماتيكي قد يتحول صاعقاً تفجيرياً لا تحمد عقباه. في كل الأحوال, وبالعودة إلى موضوع انتخابات الرئاسة في لبنان, فمن البديهي القول إن الملفات الأخرى المطروحة إقليمياً, وعلى رأسها المماطلة في البت بمصير النظام السوري, هي في الواقع كفيلة بتعطيل هذه الانتخابات إلى إشعار آخر. والجدير بالذكر أن النوايا بهذا الشأن موجودة, والمساعي المعطلة لمنع حصول هذه الانتخاب يؤمنها حالياً “حزب الله”, بمنع حليفه المسيحي الذي تضم كتلته عدداً كبيراً من النواب, من التصويت في جلسات الانتخاب, ناهيك عن رفضه السماح لكتلته بالمشاركة في هذه الجلسات. لذا, يمكن القول ان “حزب الله” الذي يمسك بورقة الرئاسة في لبنان ويُمكِّن بالتالي طهران من المفاوضة عبرها, لن يسمح بحصول الانتخابات الرئاسية إلى حين صدور قرار دولي يناسبه ويناسب طهران بشأن مصير رأس النظام السوري, ومن هذا المنطلق تبدو الرئاسة اللبنانية هماً إيرانياً أكثر منه لبنانياً, فطهران تصر على إبقاء لبنان “ساحة” خلفية لها, إضافة إلى سورية ساحة ميدانية للتقاتل اللوجيستي, وكذلك استمراره صندوق بريد تبعث عبره رسائل إلى كل من يهمه الأمر. * كاتبة لبنانية