غسان صليبي/النهار: هل من المعقول أن ما هو لامعقول في إسرائيل هو معقول في لبنان؟

99

هل من المعقول أن ما هو لامعقول في إسرائيل هو معقول في لبنان؟
غسان صليبي/النهار/29 تموز/2023

أبطلت المحكمة العليا في إسرائيل في 18 كانون الثاني تعيين آرييه درعي وزيراً للداخلية والصحة على خلفية إدانته سابقاً بتهمة التهرب الضريبي، وبالتالي لم يكن من “المعقول” أن يشغل حقيبة وزارية، رغم عدم وجود قانون يمنع ذلك.

على أثر ذلك قررت حكومة نتنياهو الحد من صلاحيات المحكمة العليا، وتسببت الأزمة في انقسام عميق في المجتمع الإسرائيلي وانتقلت إلى الجيش وفي خروج الإسرائيليين منذ كانون الثاني الماضي في تظاهرات احتجاجية تعتبر من الأكبر في تاريخ الدولة العبرية وشارك فيها عشرات الآلاف. الى ان أقر الكنيست الإسرائيلي في تموز بند “المعقولية” المثير للجدل الذي يضع قيوداً على بعض صلاحيات المحكمة العليا في الاعتراض على قرارات الحكومة التي يعتبرها القضاة غير منطقية. لكن الاحتجاجات استمرت في الشارع.

المعقول هو “المنطقيّ، الذي يقبله العقل ويمكن تصوُّره أو إدراكه وتصديقه”. يدور الصراع الحالي في إسرائيل حول هذا المفهوم وتطبيقه في السياسة. لا تخلو خلفية الصراع من أسباب شخصية تجعل من نتنياهو قلقا على مصيره السياسي هو المتهم بجرائم مالية. كما أن الحد من صلاحيات المحكمة العليا يسمح للحكومة في التمادي في سياسة الاستيطان والتهجير دون رادع.

لا يتقبل عقلنا بسهولة، المقارنة بين ما يحدث عندنا وما يحدث قي إسرائيل. فإسرائيل هي عدونا، والعدو هو النقيض الذي نريد إزالته من الوجود، كما يريد هو إزالتنا أيضا. فكيف اذا ادت المقارنة الى اكتشاف أن ما هو موجود من محاسن عند العدو غير موجود عندنا؟

فعندنا معقول جدا أن نوابا متهمين بجريمة تفجير المرفأ ولا يمتثلون أمام القضاء، يُنتخبون اعضاءً في لجنة العدل البرلمانية. كما هو من المعقول جدا، ان يعيّن رئيس وزراء مشتبه به بسرقة المال العام. او أن يُنتخب رئيسٌ للجمهورية، قبل الحرب، قتل مصلّين في كنيسة. وممارسات أخرى لا تُعد ولا تحصى.

“العقل” السياسي، او “المنطق” الذي يحكم السياسة، يحدده دستور البلاد، وعلى أساسه يمكن القول أن هذا التصرف معقول او منطقي. عندما تتحول مخالفة الدستور ممارسة يومية، يصبح اللامعقول هو المعقول. وكل هذا اللامعقول يجري دون احتجاجات شعبية في لبنان، لكن المواطنين يسألون بعضهم بعضا في بيوتهم وبصوت منخفض: “هل هذا معقول؟” غير انهم لا يجيبون.

لا شك ان اصواتا ستعلو لتقول أن كل ما فعلته او تفعله اسرائيل هو من صنف اللامعقول: احتلال أرض شعب آخر وتهجيره والتنكيل به وحرمانه من أبسط حقوقه، وشن الحروب على جيرانها العرب وخاصة على لبنان واحتلال اراضيهم وقهر شعوبهم. لن أجيب على ذلك الا بالموافقة التامة. لكن لهذه الموافقة استنتاجها: هذه الدولة التي نشأت وتطورت على ارتكاب اللامعقول، تنقسم اليوم حول ما هو معقول او غير معقول. العقل هناك لا زال حيا، على خلاف ما نحن عليه، فالشكوك كبيرة حول صحة عقولنا.