شارل الياس شرتوني/فتح الملفات الأساسية هو المدخل للتدويل

35

فتح الملفات الأساسية هو المدخل للتدويل
شارل الياس شرتوني/17 تموز/2023

إن المراهنة على حسن النوايا وإرادة التسوية عند الفاشيات الشيعية وأصنائها هو مفارقة بالمبدأ والفعل لسبب أولي هو أن إعلاناتهم الانقلابية والمقولات السائدة في أوساطهم تنحو كلها بإتجاه نسف الكيان الدولتي والوطني على حد سواء، على قاعدة الإذعان أو التهديد بالحرب الاهلية والرضوخ للعمل الارهابي. كل كلام في الاستحقاقات الدستورية كلام حق يراد به باطل، لإن المؤسسات ليست سوى أدوات تستخدم في إطار السياسات الانقلابية المتسلسلة على قاعدة نزاعات مبرمجة مفتوحة ولا نهاية له، ما لم تحقق سياسة السيطرة أهدافها.

هذا ما يفسر لما نحن في دائرة المراوحة في مجال الإصلاحات المالية الهيكيلية التي تنتظر للسنة الرابعة الحلول التي لم تشهد بدايةً لها؛ ولما التحقيقات في تفجير مرفأ بيروت وتداعياته الكارثية طويت إلى غير رجعة من خلال نسف التحقيق الداخلي، واغتيال الشهود، وتغطية الوزراء والإداريين والعسكريين المتورطين بالفعل وعدم الفعل؛ ولما التحقيق المالي الجنائي والملاحقات القضائية الملازمة له، محليا ودوليا، لم يأخذ طريقه نحو العمل التراكمي والخلاصات العملية؛ ولما مسألة التهجير السوري وتداعياتها السكانية والأمنية والسياسية أزيحت عن دوائر النقاش السياسي والعمل الدپلوماسي، والسياسات العامة بعد انقضاء ١٢ عامًا؛ ولما تحولت المؤسسات الدستورية، من تشريعية وتنفيذية وقضائية، الى صناديق إيقاع ليس إلا لسياسة التعطيل الإرادي للدولة اللبنانية ومواطىء لسياسة السيطرة الشيعية؛ ولما السياسات الخارجية والدفاعية أصبحت ملحقات لسياسة النفوذ الشيعية التي يديرها النظام الايراني على مستوى المنطقة؛ ولما أصبح الاقتصاد الموازي القائم على الجريمة المنظمة وتبييض الأموال والحيازات الريعية وتمويل العمل الارهابي على تنوع اتجاهاته، هو قاعدة العمل الاقتصادي والمالي في البلاد….

كل هذه الاسئلة لم تلق جوابًا ولن تلقى لأنها تسائل سياسة السيطرة، والجريمة المنظمة، وأقطاب الاوليغارشيات السياسية والمالية المتواطئة التي تعمد إلى التجاهل الإرادي، لتغطية الديناميكية الانقلابية المبنية على تثبيت الفراغ السياسي، والأوضاع المالية والاقتصادية والاجتماعية البالغة التدهور، وتبدل الجغرافية البشرية والعقارية والمدنية، من خلال الهجرة التي تستحثها الأزمات المفتوحة التي تستهدف المسيحيين والليبراليين في كل الطوائف والاتجاهات السياسية، وجعل البلاد أكثر طواعية تجاه سياسة التفكيك المنهجي للحيثيات الوطنية والدولتية. إن المبادرات التي أخذتها القوات اللبنانية وتكتل النواب المعارضين باتجاه تدويل ملفات تفجير المرفأ والتهجير السوري، هي خطوات بالاتجاه الصحيح حتى ولو أتت متأخرة، بعد انقضاء سنوات من التواصل السياسي العقيم بين أطراف الاستبلاشمنت السياسي، وقواعد عمله المضللة والمنطوية على مصالح ومقايضات اوليغارشية تحمي اللعبة المقفلة وقواعدها الناظمة.

لم يعد هنالك من حل خارجًا عن التدويل من أجل احتواء حركية “الأزمات المتناسلة”، وتردداتها الداخلية والاقليمية المدمرة. إن إنهيار البلاد لم يعد أفقًا بعيدًا وغير منظور، والحروب الأهلية والإقليمية لم تعد قابلة للاحتواء مع جعل واقع التوتير الأمني، وعدم الاستقرار على الحدود الجنوبية، وتثبيت الحيز الجيوپوليتيكي الانقلابي بين جبل عامل والدواخل السورية والفلسطينية، قاعدة نافية لسيادة الدولة وحدودها الدولية ومسؤولياتها السياسية والدپلوماسية والأمنية. لن يكتب النجاح لهذه المبادرة ومثيلاتها، إن لم تندرج في سياق سياسة التدويل كأساس في مواجهة سياسة التدمير المنهجية التي هدمت لبنان على مدى العقود السبعة المنصرمة.لقد انقضى توقيت الحل الداخلي ودخلنا في سياق إلزامي، هو مزواجة سياسة المواجهة الداخلية مع العمل الدپلوماسي والأحلاف الدولية المضادة.